logo
من الشغف إلى اللامبالاة: لماذا فقدنا الحماسة تجاه العمل؟

من الشغف إلى اللامبالاة: لماذا فقدنا الحماسة تجاه العمل؟

Independent عربية٠٣-٠٤-٢٠٢٥

"أريد وظيفة... مجرد وظيفة بعيداً من أي تطلعات كبيرة". كلما تحدثت إلى أصدقائي وزملائي في شأن مسيرتهم المهنية لا بد أن يطرأ السؤال المعتاد: "كيف حال العمل؟". لا ينفك هذا السؤال يقفز إلى المحادثات مراراً وتكراراً. في السابق كنا نتشارك طموحاتنا ونتحدث عن الترقيات المحتملة أو المشاريع الجانبية، أو حتى عن ساعات العمل الطويلة والمرهقة في الوظيفة وكيف ستؤتي ثمارها لا محالة في نهاية المطاف. أما الآن فيبدو المزاج العام أكثر فتوراً وأقل حماسة تجاه العمل والوظيفة. باختصار إنه شعور من اللامبالاة يسود بين الجميع.
كثر ممن كانوا يعقدون في الماضي آمالاً كبيرة على مسيرتهم المهنية والنجاحات التي قد تحققها لهم، يجدون أنفسهم اليوم عاجزين عن تقديم إجابة واضحة إذا ما سئلوا عن "وظيفة أحلامهم" أو الوظيفة المثالية بالنسبة إليهم. تسأل ريتشيل، ابنة الـ26 سنة، والتي تشتغل في مجال التسويق: "لماذا يتوقع منا أن نضع كل آمالنا وأحلامنا في وظيفتنا؟". وتضيف أنها لم تعد تنظر إلى مسيرتها المهنية كهدف نهائي لا بد من بلوغه، أو سلم [مراتب] يجب أن ترتقيه، وصارت الآن أكثر اهتماماً بالتأثير الذي تتركه خطوتها المهنية التالية على مجمل حياتها.
وعلى نحو مماثل، أخبرني جيك، البالغ من العمر 34 سنة، أنه بعد ما يربو على عقد من الزمن في مجال الاتصالات، يبحث الآن عن وظيفة توفر له مزيداً من الوقت بعيداً من الضغوط ومتنفساً أكبر للراحة، حتى وإن بدا ذلك للآخرين خطوة إلى الوراء في مسيرته المهنية. يقول: "لم يعد الطموح يشغلني خلافاً للسابق. أريد راتباً لائقاً وساعات عمل معقولة، وأن أشعر وكأنني استعدت زمام حياتي".
شعور الإحباط هذا لا يعتري جيك وريتشل فحسب. في العام الماضي، أجرى "معهد تشارترد للأفراد والتنمية" استطلاعاً شمل أكثر من 5 آلاف عامل ضمن إعداد تقريره المعنون "مؤشر العمل الجيد". أظهرت النتائج أن 47 في المئة من المشاركين قالوا إن الوظيفة لا تعني لهم شيئاً سوى المال، في تراجع عن 38 في المئة عام 2019. والمفاجئ أن 51 في المئة فقط أبدوا استعدادهم للعمل بجد أكثر من المطلوب، في تراجع أيضاً عن 57 في المئة عام 2019. كذلك كشفت الشركة الأميركية "غالوب" المتخصصة بالاستشارات الإدارية والموارد البشرية عن تراجع غير مسبوق في مستوى الرضا في صفوف الموظفين. وقد وصفت هذه الظاهرة بـ"الانفصال الكبير" [اللامبالاة العظيمة]، في إشارة إلى شعور العمال المتعاظم بعدم الارتباط، بل اللامبالاة، تجاه وظائفهم.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا، هل انطوت صفحة وظيفة الأحلام، أم أنها على وشك الزوال؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا أولاً أن نستكشف كيف وصلنا إلى مرحلة صار فيها العمل طموحاً نركض خلفه من الأساس، أو أقله، كيف وضعنا العمل على عرش أولوياتنا. يخبرني تيم دوغان، المتخصص في شؤون المهن والتوظيف ومؤلف كتاب "العمل بعكس الاتجاه"، أننا نرى العمل عادة بثلاثة أشكال: وظيفة، ومسيرة مهنية، ورسالة. ويقول: "تتمثل الوظيفة في العمل من أجل الكسب المالي بصورة رئيسة، بينما تمثل المسيرة المهنية العمل الذي يوفر لك الرضا من خلال التعلم والتقدم المهني، أما الرسالة فتعد الهدف الأسمى الذي نسعى إليه. أنها حال نادرة، تكون فيها منغمساً ومشدوهاً تماماً أمام قيمة إبداعك إلى حد أنك لا تشعر أبداً بأنه عمل شاق".
تقول ناتاشا ستانلي، المدربة الرئيسة في "كارير شيفترز" Careershifters، علماً أنها شركة تدعم الباحثين عن تغيير مهنتهم، إن فكرة "وظيفة الأحلام" مفهوم حديث نسبياً. وتشير إلى أنه نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استجابة لتراجع دور الأديان المؤسسية وتعاظم طابع الفردية في المجتمع. وتضيف أن "الأماكن التي كنا نذهب إليها [مثل دور العبادة والمؤسسات الدينية والمجتمعية التي كانت توفر شعوراً بالانتماء] بحثاً عن هدفنا أخذت تختفي، لذا لجأنا إلى العمل. لم تعد مسيرتنا المهنية بالنسبة إلينا مجرد آلية لتوفير لقمة العيش، بل بتنا نتوقع منها أيضاً أن تمنحنا مجتمعاً داعماً، وهواية ممتعة، ولحظات من الفرح والسعادة، وشعوراً عميقاً بمعنى وجودنا".
بكلمات أخرى [بعد تراجع الأدوار التقليدية للمؤسسات الدينية والاجتماعية] صرنا نبحث في وظائفنا عن الرضا نفسه الذي كانت تمنحنا إياه حياتنا خارج العمل سابقاً. ليس من المستغرب إذاً أن نشعر وكأن الحب الذي نكنه لوظيفتنا قد تحول إلى التزام أخلاقي مبالغ فيه: كأنه من المفترض أن نصدق أن التفرغ التام لمبيعات الشركة يجعل منك شخصاً أفضل. ما عليك سوى أن تلقي نظرة على بعض الخطابات الغريبة ذات الطابع الشبه الروحاني المنتشرة على منصة "لينكد إن" المتخصصة بالتوظيف، لترى كيف أن لدى البعض قناعة تامة في هذا الشكل من التفكير.
في الواقع، يبدأ التركيز على المسيرة المهنية المثالية في مرحلة مبكرة من العمر. منذ الطفولة، يطرح علينا البالغون، وعن حسن نية، السؤال التقليدي: "ماذا تطمح أن تصبح في المستقبل؟". كانت قائمة طموحاتي الشخصية تراوح بين أن أصبح عالم حفريات، أو أن أؤدي دور الراوية في المسرحية الموسيقية الغنائية "جوزيف ومعطف الأحلام المذهل الملون" للمؤلف والملحن الإنجليزي أندرو لويد ويبر، أو حتى أن أكون جاسوساً [جاسوسة]، قبل أن أجد نفسي، بعيداً من أي تطلعات خيالية، في مهنة الصحافة، بيد أن هذا السؤال البريء في ظاهره، يفتح الباب أمام مسار يرسم هويتنا بناءً على الوظيفة التي نشغلها خلال ساعات العمل الرسمية من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء، ويصبح مستقبلنا المهني المحتمل هو المعيار الذي يحدد من نحن في نظر المجتمع.
ثم، مع تقدمنا في مراحل الدراسة، نجد أن خياراتنا التعلمية، من قبيل المواد التي ندرسها في مرحلة الثانوية العامة وشهادات التأهل التي نحصل عليها بعد بلوغ سن الـ16، موجهة نحو تطلعاتنا المهنية، كما تشير المدربة المتخصصة في التوجيه المهني جيني هوليداي. وتضيف أن التطلع إلى العمل في مجال أو تخصص معين يعكس تفكيراً إيجاباً في المستقبل، ففي النهاية، لا بد من أن نكون مستعدين للمرحلة التالية من حياتنا". وبالطبع، وجود هذا الشكل من الطموح في حياة الشباب أمر إيجابي وصحي، "ولكنه ربما يحملنا، في الوقت نفسه على التركيز في وظيفة معينة نعتبرها "وظيفة الأحلام"، فنستبعد من أذهاننا تالياً احتمالات أو مسارات أخرى من شأنها أن تكون مناسبة لنا أيضاً".
إنجاز العمل من المنزل خلال جائحة كورونا حمل البعض على إعادة النظر في ضرورة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية (غيتي)​​​​​​​
والإيمان بفكرة "وظيفة الأحلام" يعود بفائدة كبيرة على أصحاب المناصب العليا في الشركات: يستفيد هؤلاء من استعدادنا للعمل لساعات إضافية، والرد على رسائل البريد الإلكتروني في وقت متأخر من الليل، وبصورة عامة، بذل جهد أكبر من المعتاد في العمل، كما يحلو لقسم الموارد البشرية القول. في الواقع، يمكن استخدام هذا المفهوم للتستر على كثير من الممارسات غير الأخلاقية التي تتسم بالاستغلال والظلم. ولا يخفى على أحد أن قطاعات برمتها تقوم على حقيقة أن الموظفين الشباب المثاليين مستعدون للعمل بكل جد مقابل أجور زهيدة، على اعتقاد أنهم يلاحقون شغفهم الإبداعي. وهنا، تطول اللائحة من قطاع الأزياء، وصناعة الأفلام، والنشر، وصولاً إلى الصحافة، وغيرها كثير (في هذه القطاعات تعتمد الشركات، أو أصحاب الأعمال، ضمناً على حقيقة أن الموظفين الشباب يتلقون الدعم المالي من عائلاتهم لمساعدتهم في تغطية حاجاتهم الأساسية [لا سيما أنهم يسعون وراء حلمهم المهني]، ولا تشعر تالياً أنها ملزمة بتقديم أجور ملائمة لهم).
هكذا، يقال لهؤلاء الموظفين، صراحة أو ضمناً، إنهم ببساطة "محظوظون لمجرد وجودهم هنا" [في هذه الوظائف]، لذا عليهم بذل جهد أكبر، وعدم الشكوى من أي معاملة سيئة فقد حصلوا على فرصة العمل في هذا المجال [المرموق]. يتبادر إلى ذهني ذلك المشهد الشهير من فيلم "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada، وفيه تقول رئيسة التحرير ذات الشخصية القاسية والطباع الحادة ميراندا بريستلي [ميريل ستريب] لمساعدتها [آن هاثاواي] المثقلة بالمهام الكثيرة وضغوط المعاملة الصارمة إن "مليون فتاة مستعدة لارتكاب جريمة قتل من أجل الحصول على هذه الوظيفة". تقول هوليداي: "أحياناً، تكون فكرة وظيفة الأحلام خادعة، إذ تزرع لدى الموظفين شعوراً بضرورة "الاستمرار" في العمل بغض النظر عن الظروف الصعبة والمعاملة السيئة التي يلقونها. لقد مررنا جميعاً، بمن فيهم أنا، بتلك التجربة المتمثلة في عدم الحصول على الترقية التي نرى أننا نستحقها، أو الاكتفاء بالسكوت عن الخطأ وعدم إبداء الرأي أو "معارضة" مديرنا لأننا نشعر بأننا "محظوظون" لمجرد وجودنا في هذه الوظيفة".
في الغالب، لا يتوافق الواقع الذي تواجهه في غمرة السعي وراء هدفك مع الصورة التي رسمتها في مخيلتك عن حياتك العملية، كما اكتشفت الكاتبة كايتي سيغروف. فقد أمضت سنوات طويلة من عمرها "في تكريس حياتها تماماً لتحقيق حلمها في كتابة الأفلام الروائية الطويلة"، إلى جانب عملها في وظيفة يومية "مرهقة" في الإنتاج التلفزيوني. وفي الأخير، حصلت على فرصة تحويل أحد سيناريوهاتها إلى فيلم، وتعاقدت مع وكيل أعمال [لإدارة مشاريعها وحماية مصالحها القانونية]، وسافرت إلى كان ولوس أنجليس. يبدو إنجازا مثيراً للحسد والغيرة، أليس كذلك؟ ولكن مع مرور الوقت، أخذت تفقد شغفها وحماستها وبدأت تشعر "بالتعب الشديد والإحباط"، وأصبحت ببساطة "مرهقة من العملية برمتها". كان التوازن بين العمل والحياة الشخصية مفقوداً تماماً. تقول: "كنت أستغل كل دقيقة سانحة أمامي في الكتابة، إلى حد أنني لم أجد الوقت أو الفرصة لبناء حياة وعلاقات اجتماعية بعيداً من العمل. كنت في حاجة إلى مساحة لنفسي علني أعثر على شخص أبادله الحب وأستمتع بحياة أكثر توازناً وتنوعاً وسعادة، لذا كان لا بد من إجراء التغييرات المناسبة التي تسمح بذلك".
لاحقاً، قررت سيغروف أن تبدأ في كتابة حلقات قصيرة من الرسوم المتحركة للأطفال، كذلك أسست "التقط قلمك"، وهو مشروع تدريب يدعم الكتاب الآخرين، ذلك أن مساعدتهم "ذات قيمة أكبر بأشواط" بالنسبة إليها "من السعي وراء تحقيق النجاح" لنفسها. وتضيف أنها في هذه الأيام أصبحت "أكثر وعياً بكيفية استغلال وقتي، والأنشطة التي تدعم صحتي العقلية والنفسية والجسدية. كما أنني مهتمة حقاً بالأمور التي تجلب لنا السعادة، والتي تكون غالباً مختلفة عما نتوقع أو نعتقد".
بالنسبة إلى كثيرين، هزت جائحة "كورونا" المعتقدات الراسخة حول التطلعات والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في حياتنا المهنية والشخصية. عندما أصبح العمل من المنزل، بسبب الإغلاق (الحجر العام) الذي فرضته السلطات لاحتواء الفيروس، حلاً بديلاً ضرورياً لموظفي المكاتب، حظي بعض هؤلاء "بمزيد من الوقت لتكريسه في إنجاز أمور مختلفة من حياتهم"، كما تقول ستانلي، "لذلك عرفوا أهمية تخصيص الوقت للعائلة ولممارسة الهوايات والمساهمة في الأنشطة الاجتماعية. وبدلاً من أن يكون العمل محور حياتنا، عاد ليكون جانباً مهماً واحداً منها، شأنه شأن الجوانب المهمة الأخرى".
منذ ذلك الحين، بدا واضحاً أن فجوة قد نشأت بين العمال وأصحاب العمل. لقد رأى الموظفون واختبروا المزايا التي ينطوي عليها أسلوب العمل الهجين، الذي يجمع بين بضعة أيام في المكتب وبعض الوقت في المنزل. ولكن شركات كثيرة تفرض الآن قواعد العودة إلى المكتب، متراجعة عن الوعود التي قدمتها سابقاً في شأن المرونة في العمل. ليس من المستغرب إذاً أن يتفاقم الاستياء، ويتجلى في خيبة أمل عامة.
شعور الاستياء هذا تفاقمه عمليات صرف الموظفين الواسعة النطاق والأجور الثابتة التي لا تواكب التضخم المعيشي وتراجع القدرة الشرائية. ففي نهاية المطاف، لم عساك ترغب في تعريف نفسك من خلال عملك إذا كان ما يسمى "وظيفة أحلامك" قد يختفي أو يتغير جذرياً بصورة تحول دون التعرف إليه بحلول الشهر المقبل؟ ربما رأى أجدادنا وآباؤنا أن العمل الجاد يؤتي أكله، ولكن الصورة أكثر قتامة الآن. يقول دوغان: "كانت المقايضة غير المعلنة أنك إذا عملت بجد كاف في شبابك، ستتمتع بحرية أكبر في مرحلة لاحقة من حياتك وستملك أموالاً أكثر. والآن، يتساءل كثر عما إذا كان ذلك النهج يستحق العناء فعلاً، مما يؤثر سلباً في مدى الطموح في أوساط العاملين".
على النقيض من ذلك، لم يعد العمل المُضني الذي يحقق النجاح بأي ثمن أولوية لدى الموظفين الآن، إذ يؤثرون تحقيق التوازن بين العمل من جهة، والحياة الشخصية من جهة أخرى. مثلاً، وجدت دراسة نهضت بها شركة البرمجيات "سايفر" المتخصصة بالموارد البشرية أن أكثر من ثلثي الموظفين يعتبرون أن الجانب الأهم الذي يبحثون عنه في الوظيفة هو أن تتسم بالمرونة التي تسمح بالتمتع بهذه الصورة من التوازن، ويأتي ذلك قبل الأجر والأمان الوظيفي والرضا الوظيفي. تقول هوليداي: "الناس لا يرغبون في تعريف أنفسهم بناءً على عملهم، بل بناءً على شخصياتهم كأفراد".
في النتيجة، تقول ستانلي إنها لاحظت أن "عدداً متزايداً من الناس يبحثون عن مهنة "جيدة بما يكفي"، وفق توصيفهم، بدلاً من وظيفة الأحلام. إنهم يريدون "العمل وفق شروطهم الخاصة"، أو القيام بـ"عمل أو نشاط له قيمة وتأثير إيجابي" عليهم أو على الآخرين، أو "أن يسهم في الشعور بالسلام [الطمأنينة]"، أو ربما عمل يوفر لهم دخلاً يكفي لتغطية نفقاتهم وممارسة هواياتهم، أو الادخار للسفر. ربما بدأوا يدركون أن العمل ليس بالضرورة رسالة أو مهنة مقدسة. أحياناً، يكون مجرد وظيفة، وهذه الحقيقة لا تنفي أنه ينطوي أيضاً على قيمة إيجابية وأهمية.
* استخدمنا بعض الأسماء الوهمية حفاظاً على الخصوصية

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاقتصاد البريطاني يتخطى التوقعات مسجلا نموا بنسبة 0.7%
الاقتصاد البريطاني يتخطى التوقعات مسجلا نموا بنسبة 0.7%

أرقام

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • أرقام

الاقتصاد البريطاني يتخطى التوقعات مسجلا نموا بنسبة 0.7%

سجل الاقتصاد البريطاني نموا فاق التوقعات في الربع الأول من العام الحالي، على ما أظهرت بيانات رسمية الخميس، في الفترة التي سبقت رفع ضرائب الشركات وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية. وأفاد مكتب الإحصاء الوطني في بيان أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 0,7% في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس، بعدما سجل نموا طفيفا في الربع الأخير من العام الماضي. وتمثل هذه البيانات دفعة قوية لحكومة حزب العمال التي واجهت صعوبات لإنعاش النمو الراكد منذ توليها السلطة في تموز/يوليو. ورحبت وزيرة المال البريطانية ريتشل ريفز بالأنباء معتبرة أن الأرقام "تُظهر قوة وإمكانات الاقتصاد البريطاني". لكن المحللين نبهوا إلى أن هذا النمو القوي قد لا يستمر. وتشمل بيانات الخميس الفترة التي سبقت فرض زيادة على ضريبة الشركات في نيسان/أبريل، والتي أُدرجت في أول ميزانية لحكومة حزب العمال في تشرين الأول/أكتوبر. كذلك، تسبق فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية أساسية بنسبة 10% على المملكة المتحدة ودول أخرى الشهر الماضي. وقالت يائيل سيلفين، كبيرة الاقتصاديين في كي بي إم جي-المملكة المتحدة، إن تحسن النمو "سيكون قصير الأمد مع دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ". ورغم الإعلان عن اتفاقية تجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأسبوع الماضي " لا تزال الرسوم الجمركية على صادرات المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل نيسان/أبريل"، على ما أوضحت. وتُخفّض الاتفاقية الأميركية الرسوم على السيارات البريطانية وتُلغيها عن الصلب والألمنيوم، فيما تفتح بريطانيا في المقابل أسواقها أمام لحوم الأبقار الأميركية وغيرها من المنتجات الزراعية. وقالت سيلفين أن "التأثير غير المباشر للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيقيد الطلب على الصادرات البريطانية بشكل أكبر". وتأتي هذه البيانات بعدما خفض بنك إنكلترا المركزي الأسبوع الماضي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 4,25% في وقت بدأ خطر الرسوم الجمركية الأميركية يُلقي بظلاله على النمو الاقتصادي. وقالت مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاء الوطني ليز ماكوين إن "الاقتصاد شهد نموا قويا في الربع الأول من العام بدفع كبير من قطاع الخدمات، فيما سجل الإنتاج أيضا نموا بشكل ملحوظ بعد فترة من التراجع".

التكنولوجيا وتأثيرها على استراتيجيات الأعمال.. نصائح ضرورية لكل صاحب عمل
التكنولوجيا وتأثيرها على استراتيجيات الأعمال.. نصائح ضرورية لكل صاحب عمل

الرجل

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الرجل

التكنولوجيا وتأثيرها على استراتيجيات الأعمال.. نصائح ضرورية لكل صاحب عمل

لطالما كان للتكنولوجيا دورٌ في عالم الأعمال، غير أن هذا الدور أصبح كبيرًا للغاية، بل لا يمكن الاستغناء عنه بعد جائحة كورونا التي أجبرت مختلف الشركات بمختلف أحجامها على التحول إلى العمل عن بُعد Remotely بشكلٍ فوري. منذ ذلك الحين وهناك عدد ضخم من الموظفين يعملون من منازلهم، والعدد يزداد. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في مايو 2021، فإن 52% من إجمالي الموظفين يعملون عن بُعد مع نسبٍ تتجاوز 80% في العديد من القطاعات. وعلى المدى الطويل، يرغب 35% من إجمالي عدد الموظفين في العمل عن بُعد، وهذه النسبة ترتفع إلى 50% في عدة مجالات. ما نريد قوله إن التكنولوجيا تؤثر على قطاع الأعمال برمته ولا يمكن التخلي عنها بأي حال، لكن كيف تؤثر على استراتيجيات الأعمال الحديثة؟ وكيف تستفيد منها الشركات لحقيق النجاح؟ كل هذا وأكثر سنعرفه خلال الدقائق البسيطة القادمة. الابتكار التكنولوجي كعنصر رئيس في استراتيجيات الأعمال مركز بيانات - المصدر: Shutterstock من المفترض أن يدخل الابتكار التكنولوجي (أو ما يمكن أن نُشير إليه باستخدام التكنولوجيا كاستراتيجية أعمال) كعنصر رئيسي في جميع مستويات خطط العمل، فبدلًا من تقييد هذا العنصر بقسمٍ منفصل تحت إدارة رئيس قسم التكنولوجيا CTO أو رئيس قسم المعلومات CIO، فإنها تُصبح عنصرًا أساسيًا في جميع جوانب العمل. حسب طبيعة الشركة، يمكننا أن نقول إن التكنولوجيا كاستراتيجية أعمال يمكن أن تُفيد في 3 حالات رئيسية: 1. الحماية فمع التحول الرقمي وشيوع الهجمات الإلكترونية ضد الشركات (بغض النظر عن حجمها)، بات من الضروري محاربة التكنولوجيا بالتكنولوجيا والاستفادة منها في تدريب الموظفين ووضع خطط لمواجهة الحالات الطارئة واستعادة البيانات في حالة الاختراق. 2. التطوير وتحسين الأداء مع زيادة حجم الابتكار في الأعمال واعتماد الشركات على التحول الرقمي بدرجة ملحوظة، زادت أهمية التكنولوجيا وأصبحت أهم من أي وقت مضى، حيث تُساعد في تحسين سير الأعمال، وتقليل الأخطاء، وتوفير خدمات أفضل للعملاء. 3. الابتكار اعتماد شركة ما على التكنولوجيا لا يعني أنها تبتكر، فكل الشركات تقريبًا باتت تعتمد على التكنولوجيا كما أشرنا، لكن من يتفرّد هو الذي يُخصص وقتًا دوريًا لتجربة أفكار جديدة مفيدة والتفكير في كيف يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا. كيف تؤثر التكنولوجيا على استراتيجيات الأعمال الحديثة؟ تطبيق Slack، من التطبيقات الشهيرة في عالم الأعمال - المصدر: Shutterstock تطبيق الاستراتيجيات التكنولوجية في الأعمال الحديثة يمكن أن يكون مفيدًا بأكثر من شكل، على سبيل المثال: يمكن أن تُساعد التكنولوجيا شركتك من حيث تحسين الكفاءة والإنتاجية، ويمكنها أيضًا أن توفر لك البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات الأفضل، كذلك يمكن أن تُحسّن من تجربة العملاء وتجعلهم أكثر رضا إزاء الخدمات التي تقدمها، كما يمكن أن تتيح فرصًا جديدة للتوسع والنمو، لكن دعونا نُحصِ أهم الفوائد فيما يلي. كيفية استفادة الشركات من التكنولوجيا لتحقيق النجاح؟ 1. إدارة المشاريع بشكل أسهل وأكثر فاعلية سهّلت التكنولوجيا الحياة على أصحاب المشاريع وجعلتهم يتتبعون مشاريعهم والوقت الذي ينجزونها فيه بفاعلية كبيرة. تطبيقات وأدوات مثل Slack، وTrello، وAsana، وغيرها تجعل تتبع الأعمال وتعاون الفِرق شيئًا سهلًا للغاية. على الجانب الآخر، هناك تطبيقات تُمكنك من قراءة بيانات "البزنس" الخاص بك وتحليلها في تقارير على الآيباد أو أيًا كان الجهاز الذي تستخدمه لتحقق أفضل نتائج. إذا استفضنا في أهمية التطبيقات والأدوات التكنولوجية ودورها في إنجاز الأعمال وزيادة الإنتاجية، فلن ننتهي. 2. وسائل الدفع المرنة يمكن أن تتسبب محدودة وسائل الدفع بفشل شركات كاملة؛ تخيل كيف كانت شركة كأمازون أو علي بابا لتنجح -بل لتقوم- بدون تكنولوجيا! سهّلت التكنولوجيا الأمر كثيرًا ووفرت وسائل دفع لم نكن لنفكر فيها؛ أصبح بإمكاننا أن ندفع ثمن منتجٍ ما بأكثر من 10 طرق ربما، وبأكثر من خيار، سواء نقدًا أو بالتقسيط، وهذا يجلب للشركات شرائح كثيرة ومتنوعة جدًا من العملاء. 3. حماية البيانات كما أشرنا، لا يمكن محاربة التكنولوجيا إلا بالتكنولوجيا الحديثة؛ الهجمات السيبرانية لا تنفك تُنغص على الشركات وأصحابها الحياة، ومعظم الشركات التي تواجه اختراقات ومشكلات أمنية سرعان ما تفقد الثقة وتخسر مصداقيتها لدى الكثير من عملائها. يمكن للتكنولوجيا أن تُساعد في حل هذه المشكلة بأكثر من طريقة مثل حلول النسخ الاحتياطي backup software، وهي حلول تُقدم للشركات لتساعدها على استعادة بياناتها ومكانتها حال التعرض للهجمات السيبرانية. 4. قياس مدى تفاعل العملاء هذه الفائدة مهمة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم تحديدًا. أدوات مثل Google analytics يمكنها أن تقيس مدى ولاء العملاء وتفاعلهم وانخراطهم في الخدمات والمنتجات التي تقدمها الشركة، ما يُعطيها فكرة أو مؤشرًا عما إذا كانت تسير على الطريق الصحيح أم لا، ناهيك بإمكانية الاستفادة من هذه البيانات في جذب قطاع أوسع من العملاء. على سبيل المثال، إذا كنت تمتلك شركةً تبيع أنواعًا مختلفة من الملابس والأحذية ووجدت إقبالًا وتفاعلًا على أحذية "السنيكرز"، فيمكنك أن تُركز عليها في الإنتاج وتضمن بنسبة كبيرة أن الموضوع سينجح. 5. تعزيز الحملات التسويقية الأرقام تُشير إلى أن التسويق الرقمي Digital Marketing يتفوق على الأساليب التسويقية التقليدية، وذلك من سهولة الوصول إلى الجمهور المستهدف، والسعر، وسرعة الانتشار، وغيرها. 6. تحسين مستوى خدمة العملاء يُقاس نجاح الأعمال والشركات بمستوى خدمة العملاء، فالأمر لا يقتصر على بيع المنتج أو الخدمة للعميل وانتهى الأمر، بل على مدى القدرة على إرضائه بتجربة متكاملة بدايةً من اللحظة التي يسمع فيها عن الشركة ويحاول التواصل مع خدمة العملاء وحتى ما بعد إتمام عملية الشراء. يمكن للتكنولوجيا أن تُساعدك بأكثر من طريقة هنا؛ روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي مثلًا يمكنها أن ترد على العملاء في أي وقت وبأي طريقة تختارها، ولا بد أنك تعرف أنها تحسنت كثيرًا. اقرأ أيضًا: أنواع الشخصيات المالية وتأثيرها على أساليب الإدارة ونجاح الأعمال استراتيجيات التكنولوجيا لتحسين الأداء التجاري انتشار برامج المقابلات الافتراضية - المصدر: Shutterstock قبل أن نخوض في التفاصيل، دعونا نوضح أن الأداء التجاري هنا يشير إلى عدة أشياء على رأسها تحسين استراتيجيات النمو، والإنتاجية، وحجم الإيرادات، والكفاءة. 1. تعزيز بيئة العمل عن بُعد منذ 3 سنوات تقريبًا، أصبح العمل من المنزل ضرورة بسبب الجائحة. برامج مثل Microsoft Teams، ومن قبله Zoom، شهدت انفجارًا في عدد المستخدمين. الموظفون خصصوا أماكن للعمل في المنزل ورتبوها وكأنها جزءٌ من مكاتبهم الموجودة في مقرات العمل. الكثير من الشركات اكتشفت أن أفضل طريقة للتعامل مع هذا الوضع هو إمداد الموظفين بكل ما يحتاجون إليه من أدوات للحصول على الأداء المرجو، وهذا شيء حقيقيّ وفعال، لكن مع المتابعة طبعًا. 2. سرعة تبني التكنولوجيا بمجرد إدراكها لأهمية التكنولوجيا، سرّعت الكثير من الشركات من تبنيها للتقنيات؛ هذا ما أفاد به تقرير صدر عن شركة ماكينزي حيث أفاد بأن 85% من الشركات فعلت ذلك بهدف تسهيل التعاون والتفاعل عن بُعد. ومن الاتجاهات التي نتوقع استمرار رواجها هو إعطاء الشركات الأولوية لما يُعرف بـ "البرمجيات كخدمة SaaS"، والحلول السحابية، وما على شاكلتهما، وكلما كانت عملية تبني هذه الحلول أسرع، تحسّن الأداء التجاري للشركات. 3. استقطاب المواهب عن بُعد من المفترض أن تكون قد استنتجت أن التكنولوجيا وإدارة الأعمال هما وجهان لعملةٍ واحدة. وفقًا لـ "ديف بادموس Dave Padmos"، وهو رائد في قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات، فإن العديد من الشركات الآن تتخذ قرارات حاسمة بشأن استراتيجيات استقطاب المواهب مع التركيز على خفض التكلفة وخفض مخاطر المؤسسة، وكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ عن طريق "استمرار الشركات في الانتقال إلى نماذج العمل عن بُعد والعمل الهجين"، هكذا يرى؛ ما يعني أن استقطاب المواهب وذوي خبرات العمل عن بُعد أصبح شيئًا ضروريًا للغاية على ما يبدو. التكنولوجيا والتغيير في عالم الأعمال العمل من المنزل، من التغييرات الثورية في عالم الأعمال - المصدر: Shutterstock في واحد من 3 تقارير صدرت عن شركة ماكينزي للاستشارات، تم تقييم أثر الجائحة على الطلب على العمالة وتنوع المهام ومهارات القوى العاملة المطلوبة في 8 دول ذات نماذج اقتصادية وسوق عمل متنوع، وهي: الصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، واليابان، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. تُمثل هذه الدول مجتمعة ما يقرب من نصف سكان العالم، وتُسهم بأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي. أكد التقرير أن الجائحة عجَّلت بثلاثة اتجاهات رئيسية من المرجّح أن تعيد تشكيل العمل في المستقبل. أولًا، العمل عن بعد والاجتماعات الافتراضية من المرجح أن تستمر، وإن كان بوتيرة أقل حدة مما كانت عليه في ذروة الجائحة. التقديرات تُشير إلى أن نحو 20 إلى 25 بالمائة من القوى العاملة في الاقتصادات المتقدمة يمكن أن تعمل من المنزل ما بين ثلاثة وخمسة أيام في الأسبوع دون فقدان الإنتاجية، وهذا قد يؤدي إلى تغييرات في التوزيع الجغرافي للعمل وانخفاض في معدلات السفر بغرض الأعمال. ثانيًا، شهدنا ازدهارًا في التجارة الإلكترونية والمعاملات الافتراضية الأخرى، وقد اكتشف العديد من المستهلكين سهولة التسوق عبر الإنترنت، ومن المرجح أن يستمروا في استخدام القنوات الرقمية في المستقبل لإنجاز كل شيء، وهذا قد أدى إلى نمو في وظائف التوصيل والنقل التخزين بالمناسبة، حتى الآن. ثالثًا، توقع التقرير أن تدفع الجائحة إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والأتمتة بشكلٍ أسرع، خاصة في مجالات العمل التي تتطلب قدرات جسدية عالية، وقد لجأت العديد من الشركات إلى الأتمتة بالفعل، وما زالت تتجه المزيد من الشركات نحو ذلك. في النهاية، لم يعد يخفى على أحد أهمية التكنولوجيا ودورها الكبير في كل الأعمال والشركات على اختلاف أحجامها. ما يميز شركة عن أخرى الآن هو مدى تمكنها من استخدام التكنولوجيا وتطويعها لتحقيق الأهداف، وهذا واقعٌ سيستمر من الآن فصاعدًا.

هل استفادت الدول النامية من نظام الاقتصاد العالمي الحدي
هل استفادت الدول النامية من نظام الاقتصاد العالمي الحدي

العربية

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • العربية

هل استفادت الدول النامية من نظام الاقتصاد العالمي الحدي

أدت المتغيرات الدولية في الاقتصاد العالمي التي تم التطرق لها في المقالة السابقة لتغيير جوهري في هيكل الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية. فبعد أن كانت مساهمة الدول الصاعدة اقتصاديا من الدول النامية في الاقتصاد العالمي في 1990 لا تتجاوز 34% ارتفعت لما يعادل 60% من الاقتصاد العالمي في 2023، وفي التجارة الدولية نمت بمتوسط سنوي 6% وهو أعلى من المتوسط السنوي العالمي البالغ 4%، بينما انخفضت نسبة مساهمة دول مجموعة السبع (الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان) من 48% إلى 28% للفترة نفسها. حيث أسهمت العلاقات المتعددة الأطراف والنظام الدولي في تقليل المخاطر وعدم اليقين على المستثمرين لتتنافس الدول لجذب هذه الاستثمارات من خلال تبني سياسات اقتصادية تساهم في تعزيز تنافسية اقتصادياتها متبنية استراتيجية تنموية قائمة على الصادرات. حيث ارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما يعادل تقريبا 60 بليون دولار في 1960 لأكثر من 1.3 ترليون دولار في 2023 ليبلغ الإجمالي التراكمي للاستثمارات الأجنبية 41 تريليون دولار. وكان لمنطقة شرق وجنوب وشرق-جنوب آسيا نصيب الأسد بنسبة 31% نتيجة لتبنيها سياسات الانفتاح الاقتصادي والتنمية المعتمدة على الصادرات، ما انعكس إيجابا على نموها الاقتصادي الذي بلغ في المتوسط 7%. كما انخفضت نسبة الفقر في أغلب هذه الدول من متوسط 25% أو أكثر لأقل من 5%، كما أن بعض هذه الدول استطاعت أن تقضي على الفقر المدقع فيها. فالنمو الاقتصادي لأي دولة في الوقت الحالي نتيجة لتشابك الإنتاج من خلال سلاسل الإنتاج والاعتمادية المتبادلة بين دول العالم يتأثر بحركة التجارة الدولية. فكما لاحظنا في أزمة كورونا مع تعطل الإنتاج وحركة الملاحة في بعض الدول أدى لموجة تضخم مرتفعة اكتسحت الاقتصاد العالمي. ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الحياة. ولذا لا غنى للعالم عن حركة التجارة وانسيابيتها. فقد كان للفترة التي اتسمت بالانفتاح الاقتصادي والتعاون الدولي من خلال المنظمات الدولية والاتفاقيات الثنائية دور جوهري في انخفاض معدلات التضخم عالميا لأكثر من 60% في المتوسط خلال تلك الفترة التي أعقبت إنشاء منظمة التجارة العالمية 1995 حتى 2019 قبل جائحة كورونا. وهي أطول فترة تمر على الاقتصاد العالمي في القرون الأخيرة تستمر فيها معدلات التضخم بالانخفاض لفترة طويلة. والتي كانت من أسباب النمو المطرد للاقتصاد العالمي خلال تلك الحقبة. ونتج عن هذا الاندماج في الاقتصاد العالمي والاستفادة من الميز التنافسية بين الدول لإنتاج السلع بأقل التكاليف الممكنة لرفع كفاءة الاقتصاد العالمي وانخفاض التضخم عالميا لفترة تجاوزت الأربعين عام ما رفع معدلات النمو الاقتصادي للعالم. واستطاع القطاع الخاص في ظل انخفاض المخاطر نتيجة لدور العلاقات المتعددة الأطراف للانتقال بين الدول بحثا عن الفرص كما تسابقت الدول في تحسين أنظمتها الاقتصادية لجذب المستثمرين ورفع تنافسية اقتصاداتها. وأصبح التسابق المحموم بين الحكومات في تبني سياسات اقتصادية وقوانين وأنظمة لرفع الإنتاجية وتقليل المخاطر على المستثمرين وتحسين تنافسية الاقتصاد لمساعدة المنتجين على إنتاج السلع بأقل التكاليف الممكنة. ولكن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأمريكية في الأسابيع الأخيرة برفع الرسوم الجمركية على دول العالم وبنسب متفاوتة، متجاهلة اتفاقياتها الثنائية ومتعددة الأطراف والتزاماتها في المنظمات الدولية، يشكل نقطة تحول في النظام الاقتصادي الحديث. وقد يؤدي إلى انهيار نظام الاقتصاد العالمي الحديث الذي هندسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا تحول العالم من التعاون للصدام واستمرّت الدول في حرب الرسوم الجمركية كما هي البدايات الآن، فسيقود ذلك لرفع درجة عدم اليقين لدى المستثمرين وزيادة المخاطر وارتفاع تكاليف الانتاج مما يؤدي لانخفاض الانتاج وسيقود ذلك لنمو اقتصادي أقل وترتفع البطالة، ليهيئ كما تم ذكره في المقالة السابقة لكساد تضخمي. وعلى الرغم من الفوائد التي تحققت للعالم من نظام الاقتصاد العالمي الحديث الذي تم بناءه بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة للدول النامية، فإنه لا شك يحتاج إلى تحديث وتطوير خاصة في ظل تغير موازين القوى الاقتصادية والثورة الصناعية الرابعة التي أدت إلى دور متعاظم للإنترنت والتطورات التقنية في تسيير الاقتصاد. ولذا فان الدول وخاصة الدول النامية متوسطة الدخل تحتاج بقاء هذا النظام مع أهمية التعديل والتحسين عليه لأنها من أكبر الخاسرين في حالة تحول العالم من عالم تحكمه القوانين والاتفاقيات الدولية في الجانب الاقتصادي، مع بعض الاستثناءات لبعض الدول الكبرى ولكنها محدودة ولا تؤدي إلى انهيار النظام، إلى عالم تعم فيه الفوضى الاقتصادية وترتفع فيه درجة المخاطر وعدم اليقين سواءً في الاستثمار أو التجارة الدولية. ما يضع الدول النامية ومتوسطة الدخل في موقف تفاوضي ضعيف لتحقيق مصالحها الوطنية. كما أن إمكانية تسارع التنمية الاقتصادية من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الصادرات لن تكون متاحة في مثل هذه الحالة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store