الضالع.. من النظرية إلى النصر
لقد مثّلت الضالع أول تقاطع حاد بين النضال السلمي الذي رعاه الحراك الجنوبي طيلة سنوات، وبين فعلٍ ميداني يُعيد للأرض اسمها، وللراية معناها، لم تكن الضالع مدينة تبحث عن التحرير لذاتها فقط، بل كانت تخوض معركة بالنيابة عن الجنوب كله، لتمنح المشروع التحرري ما كان يفتقده، البرهان العملي على أن الاستقلال ليس شعاراً، بل خياراً ممكناً.
في الضالع، لم تسقط المدينة كما سقطت مدن الشمال أمام الحوثي. لم يُرفع فيها علم الجماعة الإخوانية ولا حتى شعارات الحوثي الهوجاء، ولم تُكسر فيها إرادة الناس، هناك صمدت المقاومة الشعبية، وقاتل الناس دون انتظار "الجيش الوطني" الذي كان منشغلاً حينها برسم خرائط تقاسم اليمن بين صنعاء ومأرب وتعز، كانت الضالع وحدها، ومع ذلك صنعت بداية النصر.
انتهج الحراك منذ بدايته مسار السلمية، استجابةً لمتطلبات وظروف المرحلة، لكن في الضالع، كان هناك وعي مختلف، حيث آمن رجال بأن للحركة الوطنية أطوارًا ومستويات. فبينما كانت الجماهير تحتشد في تظاهرات سلمية تجوب المدن، كان هناك عمل دؤوب يجري في الخفاء لتحويل الفكرة إلى واقع، والانتقال بالنظرية إلى حيز التطبيق، لقد ترسخت قناعة لدى العسكريين الجنوبيين بأن الاستقلال الحقيقي لا يُنال إلا بحمايته بالقوة، واختاروا الضالع لتكون مسرحًا لهذه المهمة. إن قمع نظام صنعاء للمظاهرات السلمية، حجبه عن رؤية ما كان يُعدّ ويُجهّز في معاقل الجبال وفي عقول الرجال.
عندما هاجم الحوثيون وقوات صالح مدينة الضالع، لم يكن أمام الناس إلا الدفاع، وهنا تحرّكت الذاكرة الجمعية للمقاومة الجنوبية: استُدعيت تجربة الدفاع عن الجنوب في حرب الاستقلال الأول وحرب صيف 1994، واستُنهضت قوى المجتمع من القرى إلى الجبهات، لم تأتِ كتائب التحرير من خلف الحدود، بل خرجت من الأزقة والمنازل، ومن ذاكرة الناس التي لم تنسَ أن الجنوب كان يومًا دولة ذات سيادة.
كان لتحرير الضالع رمزية كبرى، أنها أول نقطة جنوبية تتحرر بالكامل خارج عباءة "الشرعية"، وقبل أي تنسيق رسمي، هذا الفعل الشعبي العفوي، المدعوم بروح الحراك وإرادة القتال، هو ما أعطى لمعركة الضالع بعدها التاريخي، الضالع لم تنتظر أحدًا، بل صنعت لحظتها بنفسها، وأعلنت أن الجنوب لا يحتاج إلى وصاية، بل إلى شجاعة.
إن الذين يعتبرون معركة الضالع مجرد فصل من فصول الصراع مع الحوثيين، يقللون من شأنها عمدًا، لقد مثلت الضالع إيذانًا ببدء مرحلة جديدة، مرحلة يكون فيها الجنوب لاعبًا أساسيًا لا مفعولًا به، هناك، سقطت حجج فرض الوحدة بالقوة، وتبددت مقولات اليمن الواحد وأوهام التقسيم إلى أقاليم، وذلك في مواجهة واقع أن لا قاسم مشترك بين من يدافع عن وطنه، ومن جاء غازيًا بسلاح كهنوتي لإسقاط جغرافيا لا يقيم لها وزنًا ولا يعرف لها حرمة.
من الضالع، انتقل الوعي التحرري إلى مرحلة ناضجة، انتقلنا من رفع العلم إلى حمايته، من ترديد الهتافات إلى تثبيت الخطوط الأمامية، ولذا، فإن الاحتفال بالذكرى العاشرة لتحرير الضالع ليس مجرد فعل رمزي، بل تجديد للعهد، بأن ما تحقق في تلك الجبهة، يجب أن يُستكمل على امتداد الجغرافيا الجنوبية.
لقد صاغت الضالع المفهوم الميداني للاستقلال الثاني، لم يعد الاستقلال فكرة عاطفية، بل تحول إلى منظومة، مقاومة محلية، قيادة سياسية، وشعب مُتيقن من قضيته، في الضالع، بدأ الوعي بأن النصر ممكن، وهناك، ولدت قناعة بأن الجنوب قادر على حماية نفسه، وإدارة معاركه، دون الحاجة إلى انتظار تفويض من أحد.
من الضالع إلى عدن إلى لحج ، بدأت تتشكل نواة القوة الجنوبية الحديثة، التي تجاوزت فكرة الفصائلية إلى مشروع وطني جامع. وبدعم صادق من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن مشاركتهم في التحالف العربي ، بدأت تتكوّن ملامح جيش جنوبي محترف، يحمل بندقيته تحت علمه، لا علم سواه.
اليوم، بعد عشر سنوات، علينا أن نتعامل مع ذكرى تحرير الضالع كعلامة فاصلة، الضالع ليست فقط أول نصر عسكري، بل أول انتصار مفاهيمي، وهي تضع أمام الجنوبيين سؤالاً صريحاً، هل أنتم مستعدون لتحويل هذا النصر إلى مشروع دولة؟، هل أنتم جاهزون لجعل الضالع بداية لا نهاية، انطلاقة لا تذكار؟.
التاريخ لا ينتظر، والفرص لا تتكرر، ومن يعرف الضالع جيدًا، يدرك أن ما بدأ هناك، لن ينتهي إلا في عدن ، عندما تُرفع راية الجنوب من جديد فوق قصر المعاشيق، لا كرمزية، بل كحقيقة سياسية غير قابلة للإنكار.
عيدروس الزبيدي، ضالعيٌّ نعم، وجنوبيٌّ حتى النخاع، مليون نعم! هو حجر الزاوية في صرح مشروع وطن، قابضٌ على راية بلاده، يحملها بإباءٍ كما حملها الأبطال الحضارم في فجر الاستقلال الأول، لا شيء يضاهي عظمة أن تمسك بالجمرة الملتهبة، وأن تكون من القوة بمكانٍ بحيث لا تدعها تسقط من يدك أبداً.
#الذكرى_العاشره_لتحرير_الضالع #الجنوب_العربي
#موعدنا _عدن

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 2 ساعات
- اليوم السابع
من صنعاء إلى الضفة.. صاروخ يمني يشعل صفارات الإنذار في الأراضي المحتلة
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة "القاهرة الإخبارية" من القدس المحتلة، إن حركة الطيران في مطار بن غوريون توقفت مؤقتًا اليوم، عقب إطلاق صاروخ من الأراضي اليمنية باتجاه جنوب إسرائيل، مشيرة إلى أن هذا الحادث يأتي في ظل محاولات إسرائيلية مستمرة لإقناع شركات الطيران العالمية بإعادة تشغيل رحلاتها من وإلى تل أبيب، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد والعطل الصيفية. وأضافت أبو شمسية خلال رسالة على الهواء، أن بعض الشركات الكبرى كانت قد قررت تعليق رحلاتها الجوية إلى إسرائيل حتى منتصف أغسطس المقبل، بعد تهديدات سابقة من جماعة الحوثي، التي تعهدت بفرض حظر جوي على إسرائيل حتى توقف الحرب في غزة، ورغم تطمينات الحكومة الإسرائيلية، فإن الهواجس الأمنية حالت دون استئناف الطيران بشكل طبيعي، خاصة بعد سقوط صاروخ سابق أحدث حفرة بعمق يزيد عن 24 مترًا داخل مطار بن غوريون. وأوضحت أن الصاروخ الذي أطلق اليوم لم يكن موجهًا إلى تل أبيب، بل صوب مناطق الجنوب، حيث دوت صفارات الإنذار في الخليل وبئر السبع ومحيط القدس وصحراء النقب، وتُرجح التقديرات أن الهدف كان قاعدة "نيفاتيم" العسكرية، التي سبق أن استُهدفت مرات عدة في ردود إيرانية وهجمات باليستية، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي لاتخاذ إجراءات احترازية بوقف حركة الملاحة الجوية. وتابعت أن جيش الاحتلال أعلن لاحقًا اعتراض الصاروخ عبر منظومة الدفاع الجوي، دون تحديد مكان سقوطه أو تفاصيل إضافية، وبعد نحو 15 دقيقة من البيان العسكري، استؤنفت رحلات الإقلاع والهبوط في مطار بن غوريون، وتبقى الأوضاع مرهونة بأي تصعيد جديد في ظل استمرار التهديدات التي تفرضها جبهات الدعم الخارجي للقضية الفلسطينية.


فيتو
منذ 2 ساعات
- فيتو
الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون الإسرائيلي
أعلنت جماعة الحوثي في بيان صادر عنها اليوم الأحد، عن تنفيذ عملية استهدفت مطار اللد (بن جوريون) بمنطقة يافا المحتلة. جماعة الحوثي تستهدف مطار بن جوريون الإسرائيلي وقالت جماعة الحوثي في بيانها: إن العملية تسببت في عرقلة عدد من العمليات في مطار بن جوريون الذي استهدفته قواتنا. وأضافت: إن المجازر اليومية المرتكبة بحق أهلنا في غزة تدفع اليمن إلى مزيد من الجهد والعمل، مشيرة إلى أن استجابة معظم الشركات لقرار الحظر أثرت على حركة الملاحة في مطار بن جوريون. وفي وقت سابق من اليوم أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بتعليق عمليات الإقلاع والهبوط في مطار بن جوريون بعد الإبلاغ عن الصاروخ اليمني. كما أشارت إلى أن هناك حلات جوية عالقة في الأجواء بسبب صاروخ أطلق من اليمن. وأوضحت بيانات ملاحية أن هناك 4 رحلات جوية تواجه تعطلا بالهبوط في مطار بن جوريون وتحلق قبالة السواحل الإسرائيلية. وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان صادر عنه اليوم الأحد: رصدنا إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل. صاروخ يمني في أجواء إسرائيل وأضاف جيش الاحتلال: أنظمة الدفاع الجوي تعمل على اعتراض صاروخ من اليمن ونطلب الالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


الدولة الاخبارية
منذ 2 ساعات
- الدولة الاخبارية
الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون الإسرائيلي
الأحد، 25 مايو 2025 02:09 مـ بتوقيت القاهرة أعلنت جماعة الحوثي في اليمن، استهدافها مطار بن جوريون الإسرائيلي وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي ، وهو ما أوردته القاهرة الاخبارية في خبر عاجل. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن إسقاط صاروخ آخر أطلق من اليمن. ودوت صفارات الإنذار في مناطق عدة في جميع أنحاء إسرائيل.