logo
الاستراتيجية الصينية للتخفيف من وقع الرسوم الأمريكية تصطدم بجدار من الشكوك

الاستراتيجية الصينية للتخفيف من وقع الرسوم الأمريكية تصطدم بجدار من الشكوك

الاقتصادية٠٧-٠٥-٢٠٢٥

تعول الصين على قاعدتها الاستهلاكية البالغة 1.4 مليار نسمة للتخفيف من وقع الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لكن هذه الاستراتيجية تصطدم بجدار من عدم اليقين، مع وجود ملايين الوظائف في المصانع تحت التهديد.
جعلت بكين من توسيع الاستهلاك ركنا أساسيا في أجندتها الاقتصادية هذا العام، حيث أطلقت خطة عمل من 30 نقطة تتضمن دعما ماليا للسلع المنزلية، ومساعدات مالية لرعاية الأطفال، وتحسين فرص الحصول على إجازات مدفوعة.
لكن على أرض الواقع، يضطر أصحاب الأعمال والموظفون والمهاجرون إلى شدّ الأحزمة والتقليص من النفقات، وسط مخاوف بشأن أمنهم الوظيفي ودخلهم المتقبلي. كثيرون يقولون إنهم يؤجلون المشتريات غير الأساسية، ويدخرون أكثر، تحسباً لأوقات أصعب قادمة.
قالت آني تشان، وهي موظفة مبيعات لدى شركة خزف في مقاطعة غوانغدونغ، من جناحها في معرض كانتون الشهر الماضي: "لن أكون راغبة في الإنفاق إذا استمرت أميركا في فرض الرسوم الجمركية"، مضيفة "أفضل الادخار، في حال احتجت المال إذا ساءت الأمور".
تعكس حالة التردد هذه مشكلة أعمق أمام صنّاع القرار في الصين، فإذا لم يتمكنوا من تعزيز الثقة في الوظائف والأجور، فقد لا يستطيع المستهلك الصيني تحمّل عبء انتقال الاقتصاد بعيدا عن التصدير، ما يصعّب على بكين بلوغ هدفها للنمو البالغ حوالي 5% هذا العام من دون دعم حكومي أكثر قوة.
فرض ترمب رسوما جمركية بنسبة 145% على الصادرات الصينية، وردّت بكين برسوم نسبتها 125% على السلع الأمريكية، تهدد هذه النسب المرتفعة بتعطيل التجارة بشكل كبير بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد بدأت تداعيات ذلك تظهر فعلياً، حيث شهد النشاط الصناعي في الصين الشهر الماضي أشد انكماش له منذ ديسمبر 2023.
قال غوردون غاو، الذي يدير مشروعا لصناعة المنتجات الخشبية من الخيزران في مقاطعة أنهوي، إن الطلبات الأميركية، التي كانت تشكل ثلث إيراداته، توقفت بالكامل منذ بدء سريان الرسوم. ولمواجهة الوضع، توقف عن استبدال الموظفين المغادرين وخفّض مكافآت العاملين. وقال: "قد أضطر إلى الاستمرار في تقليص النشاط، وتسريح مزيد من العمال".
الملايين مهددون والطلب الداخلي لا يكفي
يحذر اقتصاديون من أن صدمة الرسوم قد تكون لها تداعيات واسعة. وقدرت شركة "نومورا" أنه في حال انخفضت الصادرات إلى أمريكا إلى النصف، فإن ما يصل إلى 15.8 مليون وظيفة قد تكون مهددة.
أما "جولدمان ساكس" فوضعت التقدير عند 16 مليون وظيفة معرضة للخطر، لا سيما في قطاعات تصنيع معدات الاتصالات، والملابس، والمواد الكيميائية. كما أن إلغاء الولايات المتحدة للإعفاءات الجمركية على الطرود الصغيرة، قد يؤثر سلباً على وظائف البيع بالتجزئة والخدمات اللوجستية.
رغم أن البيانات الرسمية تُظهر تراجعاً طفيفاً في معدلات البطالة الحضرية، إلا أن كثيراً من العمال يقولون إن الوضع على الأرض أسوأ بكثير.
قال لي ييفنغ 29 عاما وهو مخطط إنتاج في شركة لتجهيز المعدات الطبية في شينجن، إنه قلق من فقدان وظيفته بعد أقل من عام على انضمامه إلى الشركة، مع تباطؤ الطلبات الجديدة. وتعتمد عائلته، بما في ذلك زوجته التي تم تسريحها من عملها في روضة أطفال، ووالداه المسنان اللذان يعتمدان على معاشات تقاعدية متواضعة، على راتبه البالغ 7500 يوان (1031 دولارا).
قال لي وهو أب لطفل عمره عام واحد "أحسب كل فلس ننفقه بدقة شديدة". وتنفق العائلة حاليا أقل من 3 آلاف يوان شهرياً على الضروريات مثل البقالة، وحليب الأطفال، والكهرباء، وتدخر الباقي.
وفي استطلاع أجرته بلومبرغ الشهر الماضي شمل 12 مستهلكا، حدد المستجيبون "الاستقرار في الدخل" كأولوية قصوى عند اتخاذ قرارات الإنفاق، تليها عوامل مثل الدعم الحكومي للتسوق ورعاية الأطفال، والوصول الموثوق إلى إجازات مدفوعة.
الحزب الحاكم يحدد الوظائف كأولوية
يدرك صناع القرار الضغط المتزايد على سوق العمل. ففي اجتماع مهم الشهر الماضي، وضع المكتب السياسي للحزب الشيوعي قضية "استقرار التوظيف" كأولوية. وتعهدت السلطات بتوسيع فرص التوظيف في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية والخدمات، كما أطلقت إعفاءات ضريبية، ودعماً مالياً، وبرامج تدريب لمساعدة الشركات على الاحتفاظ بالعاملين، ومساندة الفئات الضعيفة مثل الخريجين الجدد والعمال المهاجرين.
يعد الحفاظ على الوظائف ركنا أساسيا في خطة الرئيس شي جين بينغ لإعادة توجيه النمو في الصين بعيداً عن الاستثمار والتصدير، نحو الاعتماد على الاستهلاك المحلي. لكن هذا التحول يثبت أنه أصعب مما هو متوقع. فلا يزال الاقتصاد يُعاني من تباطؤ طويل الأمد في قطاع العقارات، وضعف في ثقة المستهلكين والشركات، بالإضافة إلى انكماش الأسعار.
في مؤشر جديد على هشاشة معنويات المستهلكين، تباطأ نمو مبيعات التجزئة والمطاعم خلال عطلة عيد العمال مقارنة بالعام الماضي، في حين انخفضت إيرادات شباك التذاكر السينمائية إلى النصف تقريبا، وعلى الرغم من ارتفاع عدد المسافرين خلال العطلة، إلا أن متوسط إنفاق السائح الواحد بقي أقل بـ10% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، قبل الجائحة.
استهلاك ضعيف وهيمنة للاستثمار
قد يمثل الابتعاد عن السياسات المعتمدة على جانب العرض تحولا كبيرا في طريقة عمل الاقتصاد الصيني. فالاستثمار يشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل ضعف النسبة في أمريكا، وهو رقم مرتفع بشكل غير مألوف عالميا، في المقابل، يشكل الاستهلاك في الصين 40% فقط من الناتج، مقارنة بنسبة تتراوح بين 50 و 70% في الاقتصادات المتقدمة.
يرى محللون أن الإجراءات قصيرة الأجل لن تكون كافية لعكس المسار. وقال لو فنغ، أستاذ الاقتصاد الفخري في كلية التنمية الوطنية بجامعة بكين، وهي من أبرز مراكز الأبحاث الرسمية في البلاد، إن تحفيز الإنفاق الاستهلاكي يتطلب شعور الناس بالأمان حيال دخلهم طويل الأجل.
وأضاف "في ظل ضعف ثقة المستهلك، يجب أن يرتفع الدخل الدائم للأسر لتقليل رغبة الناس في الادخار". وأشار إلى أن الزيادات المنتظمة والكبيرة في المعاشات التقاعدية للمزارعين وكبار السن العاطلين عن العمل في المدن، يمكن أن تدعم ثقة المستهلكين.
يعتقد لو أن صدمة الرسوم قد تشكل فرصة للصين لدفع إصلاحات طال انتظارها في آلية توزيع الدخل. إذ تسيطر الدولة على تمويل يقدر بـ 45% من الناتج المحلي، يذهب معظمه إلى مبادرات قائمة على الاستثمار وجانب العرض. ويرى أن إعادة توجيه حتى 10% فقط من هذه الموارد نحو الأسر، والمعاشات، والخدمات العامة، يمكن أن يسهم في بناء شبكة أمان أقوى واقتصاد أكثر توازنا.
تشكيك في إجراء تغييرات جذرية قريباً
مع ذلك لا يزال آخرون متشككين في أن بكين ستتجه إلى تغييرات بهذا الحجم في أي وقت قريب. وقال لوغان رايت مدير أبحاث السوق الصينية لدى مجموعة "روديوم"، إن الاختبار الحقيقي لجدية الصين في التحول نحو نموذج يقوده الاستهلاك يتمثل في مدى استعدادها لإصلاح النظام الضريبي، وأضاف أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب قد تجعل الإصلاح أكثر صعوبة عبر تقليص إيرادات التجارة وزيادة الضغط على مالية الحكومة.
قال رايت "الصين تحصل على الضرائب من نموذج نمو يقوده الاستثمار، ولا تجبي الضرائب على أساس الاستهلاك المحلي، أو نشاط الخدمات، أو ضريبة الدخل الفردي". وأضاف: "ما لم يتغير ذلك، فإن التحول الحقيقي نحو نمو يقوده الاستهلاك يظل غير مرجّح".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أكد أن العديد من الشركاء التجاريين لأميركا يتفاوضون بحسن نية باستثناء الاتحاد الأوروبي
أكد أن العديد من الشركاء التجاريين لأميركا يتفاوضون بحسن نية باستثناء الاتحاد الأوروبي

العربية

timeمنذ 16 دقائق

  • العربية

أكد أن العديد من الشركاء التجاريين لأميركا يتفاوضون بحسن نية باستثناء الاتحاد الأوروبي

قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ، اليوم الجمعة، إن الرئيس دونالد ترامب يعتقد أن المقترحات التجارية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة ليست جيدة بشكل كاف. وأضاف أنه يأمل في أن يؤدي التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% في الأول من يونيو/حزيران إلى "تحفيز الاتحاد الأوروبي" في المفاوضات مع واشنطن. وصرح بيسنت لقناة فوكس نيوز بأن العديد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة يتفاوضون بحسن نية، باستثناء الاتحاد الأوروبي، وفقًا لـ "رويترز". اقرأ أيضاً هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أول يونيو/حزيران المقبل، بسبب تعثر المحادثات التجارية بين الجانبين، وفقا لوكالة أسوشييتد برس (أ ب). وتعكس تهديدات ترامب التي أطلقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي قدرته على تعطيل الاقتصاد العالمي من خلال موجة من الكتابة، فضلاً عن حقيقة مفادها أن الرسوم الجمركية التي فرضها لم تؤد إلى توقيع عدد كاف للاتفاقيات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، ولا عودة التصنيع إلى أميركا كما كان ترامب وعد الناخبين. وقال الرئيس الجمهوري إنه يريد فرض رسوم جمركية أعلى على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، الحليف القديم للولايات المتحدة، مقارنةً بالسلع القادمة من الصين، التي قرر ترامب خفض الرسوم المفروضة على منتجاتها إلى 30% لمدة 90 يوما بهدف اتاحة الفرصة أمام مزيد من المفاوصات بين بكين وواشنطن. ويشعر ترامب بالانزعاج من عدم إحراز تقدم في محادثات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، الذي أصر على خفض الرسوم الجمركية إلى الصفر، رغم إصرار الرئيس علنًا على الحفاظ على رسوم أساسية بنسبة 10% على معظم الواردات. وكتب ترامب على موقع "تروث سوشيال": "محادثاتنا معهم لا تُسفر عن أي نتيجة! لذلك، أوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، اعتبارًا من 1 يونيو 2025. ولن تُفرض أي رسوم جمركية إذا صُنع المنتج في الولايات المتحدة".

بيسنت يتوقع إبرام صفقات تجارية قبل انتهاء مهلة تعليق الرسوم المتبادلة
بيسنت يتوقع إبرام صفقات تجارية قبل انتهاء مهلة تعليق الرسوم المتبادلة

Asharq Business

timeمنذ 32 دقائق

  • Asharq Business

بيسنت يتوقع إبرام صفقات تجارية قبل انتهاء مهلة تعليق الرسوم المتبادلة

يتوقع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الإعلان عن صفقات تجارية مع دول أخرى قبل انتهاء فترة تعليق الرسوم الجمركية "المتبادلة" الحادة التي أعلنها الرئيس دونالد ترمب في الثاني من أبريل والبالغة 90 يوماً. قال بيسنت في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" يوم الجمعة: "الصفقات تسير بسرعة كبيرة، وأعتقد أنه مع اقترابنا من نهاية فترة التسعين يوماً، سنشهد الإعلان عن المزيد منها. العديد من الدول الآسيوية قدمت عروضاً جيدة جداً". صرّح بيسيت أن معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين يتفاوضون "بحسن نية كبير"، ولكنه وصف الاتحاد الأوروبي بـ"الاستثناء". وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب هدّد في وقت سابق من يوم الجمعة بفرض تعريفة جمركية بنسبة 50% على السلع الأوروبية بدءاً من 1 يونيو، قائلاً: "مناقشاتنا معهم لا تحرز أي تقدّم". وتعليقاً على تهديد ترمب، قال بيسنت: "أعتقد أن هذا مجرد رد على وتيرة الاتحاد الأوروبي. آمل أن يحث هذا الاتحاد الأوروبي على التحرك". كلف ترمب وزير الخزانة ليكون المسؤول الرئيسي عن المفاوضات مع عدد من الشركاء التجاريين الآسيويين، في حين يتولى وزير التجارة هوارد لوتنيك قيادة المحادثات مع الاتحاد الأوروبي. وجدد بيسنت تأكيده أن الاتحاد الأوروبي يواجه "مشكلة في اتخاذ القرار الجماعي" خلال التفاوض، بسبب الحاجة إلى توحيد المواقف بين الدول الأعضاء المتعددة.

ألمانيا تدعم أوروبا في مواجهة تهديدات ترمب الجمركية
ألمانيا تدعم أوروبا في مواجهة تهديدات ترمب الجمركية

الشرق الأوسط

timeمنذ 34 دقائق

  • الشرق الأوسط

ألمانيا تدعم أوروبا في مواجهة تهديدات ترمب الجمركية

قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، يوم الجمعة، إن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي لم يؤتِ ثماره، مؤكداً أن برلين ستواصل دعم المفوضية الأوروبية في مفاوضاتها مع واشنطن. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار في برلين، أعرب فادفول عن أمل بلاده في أن يُبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية للتجارة الحرة مع الهند، بحلول نهاية العام، وفق «رويترز». كان ترمب قد أعلن عزمه التوصية بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على واردات الاتحاد الأوروبي، ابتداء من الأول من يونيو (حزيران) المقبل، في خطوةٍ من شأنها أن تستهدف السلع الفاخرة، والأدوية، وغيرها من المنتجات المصنّعة في أوروبا. وقد تسببت هذه التصريحات، إلى جانب تهديد آخر موجَّه لشركة «أبل»، في اضطراب الأسواق العالمية، بعد أسابيع من التهدئة النسبية. وقال فادفول: «المفوضية الأوروبية تحظى بدعمنا الكامل في الحفاظ على إمكانية وصولنا إلى السوق الأميركية، ونعتقد أن مثل هذه الرسوم لا تفيد أي طرف، بل إنها تُلحق الضرر بالنمو الاقتصادي في كلتا السوقين». وأضاف: «لهذا السبب، نحن متمسكون بمواصلة المفاوضات، ونقف إلى جانب المفوضية الأوروبية للدفاع عن أوروبا وسوقها الموحدة، وفي الوقت نفسه نسعى لاستخدام أدوات الإقناع مع الجانب الأميركي».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store