logo
الخطة موجودة، ولكن ..

الخطة موجودة، ولكن ..

عمونمنذ 4 أيام
منذ انطلاقة رؤية التحديث الاقتصادي عام 2022، والمراهنة الرسمية قائمة على تحويل هذه الرؤية إلى عقد وطني يعيد هيكلة الاقتصاد الأردني من اقتصاد يستهلك أكثر مما ينتج إلى اقتصاد تنافسي منتج يولّد فرصًا وينفتح على الاستثمار ويخلق بيئة أعمال حديثة تواكب التطورات الإقليمية والدولية. لكن بعد مرور أكثر من عامين ونصف على تنفيذ البرنامج التنفيذي لهذه الرؤية، تقف الأرقام الرسمية لتقول لنا شيئًا آخر: الإنجاز لا يزال دون مستوى التوقع، ولا يتناسب مع حجم الرؤية ولا عمق التحديات، إذ لم تتجاوز نسبة الإنجاز حتى نهاية حزيران 2025 حاجز 32.4% من أصل 545 أولوية تم إقرارها منذ مطلع 2023، وهي نسبة وإن ارتفعت قليلًا عن الأرقام السابقة إلا أنها لا تعبّر عن إيقاع يليق بطموحنا الوطني ولا بحجم التحديات التي نواجهها، ولا بالثقة السياسية التي مُنحت لمختلف الحكومات والمؤسسات المنفذة.
في أواخر تموز من هذا العام، اختتمت ورشة عمل المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي التي عُقدت في الديوان الملكي واستمرت على مدى اثني عشر يومًا بمشاركة أكثر من أربعمئة شخصية من خبراء وممثلين عن القطاعين العام والخاص. وقد جاءت هذه الورشة في توقيت حساس، ليس فقط لأنها ناقشت ما تحقق، بل لأنها أعادت طرح السؤال الجوهري: لماذا لا يتحقق الإنجاز كما يجب رغم أن الأهداف واضحة، والموارد متاحة، والمساءلة قائمة؟ المشاركون ناقشوا البرامج وأولويات المرحلة الثانية التي ستمتد من 2026 إلى 2029، لكن الأرقام التي قُدمت في الورشة عن واقع المرحلة الأولى كانت كفيلة بأن تحوّل الجلسات من حالة استعراض إلى لحظة مواجهة حقيقية مع المعوقات الإدارية والتشريعية والتنفيذية التي ما تزال تفتك بروح الإصلاح.
من أبرز النقاط التي تكررت في الورشة، كما في النقاش العام، مسألة الموقع الجغرافي للأردن. فبين من يراه نقطة قوة استراتيجية بحكم وقوع الأردن في قلب الإقليم وعلى خطوط الربط الإقليمي والدولي، وبين من يعتبره أصبح عبئًا في ظل التطورات الجيوسياسية منذ حرب غزة في أكتوبر 2023 وما تبعها من تصعيد في البحر الأحمر وجنوب لبنان وسوريا واليمن، ثم الدخول الإيراني الإسرائيلي المباشر في ربيع 2025، تبرز حقيقة مركبة: إن الجغرافيا لا تمنح الأفضلية تلقائيًا، بل تتحول إلى ميزة أو تحدٍّ بحسب ما إذا كان القرار السياسي والإداري قادرًا على استثمارها، أو أنه يكتفي باستخدامها كمبرر للجمود أو شماعة للفشل.
لكن ما هو أعمق من الجغرافيا، هو ذلك الخلل البنيوي الكامن داخل الإدارة العامة، والذي تجلّى بوضوح في بطء التنفيذ وتردده. فهناك مراكز قوى في الدولة الإدارية تقاوم التغيير بصمت، بعضها يسعى إلى تثبيت الأمر الواقع حفاظًا على شبكة النفوذ، وبعضها يخشى من توسعة قاعدة المكتسبين على حساب مصالح فئات ضيقة، وبعضها الآخر يتمترس خلف قوانين وتعليمات ونماذج وإجراءات لا تؤدي سوى إلى تأجيل القرارات وشلّ حركة الإنجاز. هذا التعطيل لا يُمارس علنًا، بل بوسائل إدارية مشروعة ظاهرًا لكنها فارغة مضمونًا، وبذريعة التنظيم تُفرغ الرؤية من محتواها وتحوّلها إلى روتين بيروقراطي لا أكثر.
وفي المقابل، لا يمكن إعفاء بعض الوزراء من المسؤولية، خاصة أولئك الذين غابوا عن المشهد التنفيذي وسلّموا مفاتيح القرار لموظفين أقل رتبة بدعوى تفويض الصلاحيات. هذا التفويض، بدلًا من أن يكون أداة تمكين، تحوّل في كثير من الحالات إلى أسلوب للتهرب من المتابعة، وذريعة لعدم التدخل، وغطاء للبرود الإداري. أما على المستوى الأوسع، فإن أحد التحديات الكبرى التي كشفتها المرحلة الأولى من تنفيذ الرؤية هو غياب الانسجام الكامل بين الطبقة السياسية والتنفيذية والإدارية، وغياب الإيمان العميق داخل كثير من حلقات الدولة بهذه الرؤية كخيار لا عودة عنه. بعض الموظفين، وربما بعض المسؤولين، لا يزالون يتعاملون مع الرؤية بوصفها مشروعًا ظرفيًا مرتبطًا بعمر الحكومة، ينتظرون التعديل أو التغيير لتجاوزها، لا لتنفيذها.
وفي قلب هذا المشهد، لا يمكن تجاهل غياب الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص. فالرؤية بُنيت على مبدأ أن النمو الاقتصادي لا تقوده الحكومة، بل يقوده القطاع الخاص، لكن هذا القطاع لا يزال حتى اليوم بعيدًا عن دوائر القرار الأساسية في كثير من الوزارات والمؤسسات. يتم إشراكه شكليًا في بعض اللجان، أو يُدعى لحضور اللقاءات دون أن يكون له دور حقيقي في صياغة السياسات، والنتيجة أن القطاع الخاص بقي مترددًا، ضعيف التأثير، منقسمًا بين من يراهن على مصالحه الآنية، ومن لا يثق بأن الدولة جادة في تمكينه فعليًا.
في ظل كل ذلك، يبرز دور مجلس النواب بوصفه الجهة الرقابية التي لا يجب أن تكون فقط متفرجة على سير الأمور. الرؤية الاقتصادية مشروع وطني لا يخص الحكومة وحدها، بل يشمل الدولة كلها، ومجلس النواب معني أولًا وأخيرًا بمراقبة نسب الإنجاز، وفحص جودة التنفيذ، وفتح ملفات التعطيل، واستدعاء كل من يثبت تقصيره، لا في المساءلة فقط بل في المتابعة الدقيقة المستمرة. ليس مقبولًا أن تمر أشهر دون أن يُقدّم للنواب تقرير رسمي تفصيلي عن سير الرؤية، وليس مقبولًا أن تكون بعض المشاريع معطّلة منذ شهور دون معرفة أسباب العرقلة أو مَن المسؤول عنها. الرؤية تتطلب مساءلة دورية صارمة، ورقابة تشريعية نشطة، وموقفًا واضحًا من كل نائب تجاه البرامج التي تمس مجتمعه واقتصاد دائرته ومستقبل الدولة.
إذا لم تتحول الرؤية إلى التزام فعلي داخل كل وزارة ومؤسسة وبلدية ومجلس تشريعي، وإذا لم تُربط الترقيات والمكافآت والمناصب بالأداء ضمن هذه الخطة، فسنبقى في حالة تكرار موسمي: نُخطط بامتياز، وننفذ دون أثر. اللحظة الحالية هي لحظة الاختبار الحقيقي: هل نحن جادون في التحديث؟ أم أن الورش تُختتم، والبيانات تُعلن، والوقت يُستهلك... دون أن يتغير شيء؟

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نشطاء يشبهون غزة بهيروشيما بعد قصفها بالقنبلة الذرية
نشطاء يشبهون غزة بهيروشيما بعد قصفها بالقنبلة الذرية

رؤيا نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • رؤيا نيوز

نشطاء يشبهون غزة بهيروشيما بعد قصفها بالقنبلة الذرية

شبه العديد من النشطاء والحقوقيين، الدمار والخراب لذي لحق بقطاع غزة، بعد أشهر من الحرب، بما حدث لمدينة هيروشيما اليابانية، بعد أن ألقت عليها الولايات المتحدة قنبلة ذرية سنة 1945. وذكرت صحيفة 'انديبندنت' أن العديد من منظمات حقوق الإنسان والنشطاء اليابانيين من هيروشيما، أعربوا عن مخاوفهم بشأن ما يجري في غزة، قائلين إن العالم لم يتعلم بعد من دروس هيروشيما. وقال كريستيان بينيديكت، مدير الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية في بريطانيا:'عندما تقارن صور غزة بصور هيروشيما قبل 80 عاما، تكون أوجه الشبه مذهلة'. وأضاف: 'مثل هيروشيما، فإن الدمار في غزة يشبه نهاية العالم، عائلات كاملة أُبيدت، أطفال دفنوا تحت الأنقاض، ومستشفيات ومدارس تحولت إلى غبار'. وكانت الولايات المتحدة قد ألقت قنبلة نووية، في السادس من أغسطس 1945، على هيروشيما، وأدى ذلك إلى مقتل أكثر من 140 ألفا خلال الأشهر التي تلت الانفجار. وفي الأيام الماضية، انتشرت صور توثق الدمار والخراب الذي حل بقطاع غزة، وأظهرت صور من السماء أن معظم المباني سويت بالأرض وتلونت باللون الرماد والغبار. وقالت جولييت توما، المتحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'، إن إحدى زميلاتها زارت مدينة رفح جنوب غزة، مؤخرا. وأضافت: 'قالت إن رفح تشبه هيروشيما تماما. حاولت أن أحصل على صور لها لكنها لم تسمح لهم بالتقاط أي صور، لكننا بحثنا معا عن صور لهيروشيما، وقالت: 'هذا بالضبط كيف تبدو رفح اليوم''. وتحمل إسرائيل حركة حماس مسؤولية الحرب والدمار في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، وفقا لما ذكرته 'أنديبندنت'. وفي هيروشيما، عبر اليابانيون، الأربعاء، في فعاليات إحياء ذكرى إلقاء قنبلة هيروشيما عن تخوفهم بشأن مستقبل غزة. 'لا للأسلحة النووية'، 'أوقفوا الحرب'، 'حرروا غزة'، 'لا للمزيد من الإبادة الجماعية'؛ كانت هذه بعض الشعارات التي رفعها مئات المحتجين خارج حديقة السلام التذكارية، في فعاليات حضرت مراسمها الرسمية رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيتشيبا. وذكرت الصحيفة أن ممثلا عن فلسطين حضر هذا الحدث لأول مرة، إلى جانب حوالي 55 ألف شخص، من بينهم ممثلون عن 120 دولة ومنطقة.

ترامب يتحدث عن إمكان عقد اجتماع مع بوتين "قريبا جدا"
ترامب يتحدث عن إمكان عقد اجتماع مع بوتين "قريبا جدا"

الرأي

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرأي

ترامب يتحدث عن إمكان عقد اجتماع مع بوتين "قريبا جدا"

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء أنّ هناك احتمالا كبيرا لأن يعقد "قريبا جدا" اجتماعا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعدما وصف محادثات أجراها موفده ستيف ويتكوف مع سيّد الكرملين بأنّها "مثمرة للغاية".

لماذا تبدلت مواقفهم؟
لماذا تبدلت مواقفهم؟

الغد

timeمنذ ساعة واحدة

  • الغد

لماذا تبدلت مواقفهم؟

اضافة اعلان ميدانيا وإعلاميا، تقاطعت إرادة المستوطنين الصهاينة، مع أصوات إعلامية خارجية محسوبة على التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، في الهجوم على الدور الأردني الإغاثي للأشقاء في غزة، واعتبار الإنزالات الجوية مجرد مسرحية إعلامية. المستوطنون يهاجمون الشاحنات الأردنية التي تحمل المساعدات، وبحماية من جيش الاحتلال، قبل أن تصل لغزة، وأبواق الجماعة الإعلامية تشن، وعلى مدار الساعة هجوما بغيضا على الأردن، وتطالبه بفتح المعابر لإيصال المساعدات، وتنظم حملة اعتداءات على سفاراتنا بالخارج، مع أنها تعلم بأن لا معابر تفصل بين الأردن وغزة. المنصات إياها تعتبر الإنزالات الجوية عملا تآمريا على الشعب الفلسطيني، ولا تفي بالغرض.ولكن ما سر هذا الهجوم على الإنزالات والدور الإغاثي الأردني في هذا التوقيت، بينما كانت ذات المنصات والأصوات تطالب في وقت سابق بالإنزالات الجوية باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتاحة لمساعدة سكان القطاع المكنوبين منذ السابع من أكتوبر.طالعوا ماذا كانوا يقولون.. في العاشر من شهر ديسمبر لعام 2023 التقى وزير الداخلية مازن الفراية وفدا، يمثل الحركة الإسلامية، ضم أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي حينها المهندس مراد العضايلة، ونائبه المهندس وائل السقا، والمراقب العام للجماعة قبل حظرها عبد الحميد ذنيبات، والنائب الحالي محمد عقل. ومن بين المطالب التي عرضوها على الوزير، حسب البيان الصادر عن اللقاء،"ضرورة فتح جسر جوي إغاثي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبالتنسيق مع مصر"بعد ذلك بوقت قصير دشن الأردن جسرا جويا مباشرا من الأردن.إحدى وكالات الأنباء التابعة لحركة حماس في فلسطين، تروج خطاب التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، نشرت تقريرا في شهر يناير من عام 2024 يحث الدول العربية والإسلامية على إنزال المساعدا جوا على غزة. وللمفارقة أن الوكالة ذاتها تقول في تغطياتها هذه الأيام إن إنزال المساعدات جوا يشكل خطرا على حياة الناس هناك!ومن بين من استشهدت الوكالة بأقوالهم، ديفيد هيرست المحرر المسؤول لموقع ميدل إيست آى والمحسوب بقوة على تيار الأخوان. ونقلت عن مقال لهيرست نشره في موقعه، يقول فيه" وجود مثل هذا الجسر الجوي الإنساني سيكون بمثابة تحد لنفاق الغرب ودموع التماسيح التي يذرفها على أهل غزة". ويذكر بما فعله الحلفاء بإنزال المساعدات جوا على برلين، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.يستطيع السيد هيرست أن يتأكد بنفسه كيف تحدى الأردن نفاق الغرب ونفذ ثالث أكبر جسر جوي بعد إنزال برلين في العالم. في الأيام العشرة الأخيرة، فقط نفذ الأردن منفردا 140 إنزالا جويا، و293 بالتعاون مع دول عربية وأجنبية، حسب بيان للهيئة الخيرية الهاشمية، حملت 325 طنا من المساعدات لغزة، إضافة لقوافل من الشاحنات التي عبرت حدودنا صوب غزة.الأدهى من ذلك أن واحدا من أكثر الإعلاميين المصريين في الخارج والذي يهاجم الدور المصري والأردني، ويسخر من الإنزالات الجوية، واسمه اسامة جاويش، ويعمل في قناة/ مكملين المحسوبة على التنظيم العالمي للاخوان، كان قد دعا في ذات التقرير الصحفي لاعتماد الإنزالات الجوية لإغاثة أهل غزة.ما الذي تبدل وتغير كي تنقلب هذه القنوات والمنصات الإعلامية على موقفها تجاه الإنزالات الأردنية؟ ولماذا انخرطت حركة حماس والتنظيم العالمي في الحملة ضدها والتحريض على الأردن ومصر لحد تنظيم اعتداءات على سفارات البلدين في الخارج؟لن يطول بحث القارئ الكريم حتى يجد الجواب، هنا في المنطقة أو هناك في لندن واسطنبول حيث توجد قواعد التنظيم العالمي التي اتخذت من أزمة أهلنا في غزة ذريعة لتصفية الحساب مع الأردن بعد حظر الجماعة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store