
الحرب الإسرائيلية- الإيرانية: لماذا وإلى أين؟
ربما من المبكر استنتاج إلى ماذا ستنتهي الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل الآن، ولا سيما أن الحرب ما زالت مستعرة وفي كل دقيقة هناك جديد يطرأ. لكن يمكننا أن نفهم لماذا بدأت الحرب وكيف تفكر إسرائيل وإيران، وما هي الأهداف لكل طرف.
باغتت إسرائيل إيران بهجوم غير مسبوق منذ الحرب العراقية- الإيرانية، استهدفت من خلاله كبار القادة العسكريين والأمنيين وعدداً من العلماء النوويين، كما شنت هجماتها على منشآت نووية وعسكرية، وجاءت الضربة الإسرائيلية مفاجئة قبل الجولة السادسة من المفاوضات الإيرانية- الأميركية التي لاقت الجولات السابقة منها ردود فعل إيجابية من الطرفين، إلى أن ظهرت للعلن القضية الخلافية في شأن المطلب الأميركي التخصيب الصفري والمطلب الإيراني ضمان التخصيب المحلي.
وخلال الشهرين عارض الرئيس الأميركي علناً هجوماً إسرائيلياً على المواقع النووية الإيرانية، لكن في اليوم الـ61 بعد انتهاء مهلة الشهرين التي أعطاها ترمب لطهران، نفذت إسرائيل عملية واسعة النطاق والكثافة.
وأظهر هذا الهجوم قائمة من الإخفاقات الإيرانية، وكان من أكبرها الاختراق الاستخباراتي الأمني، إذ تمكن "الموساد" من إنشاء خلايا نائمة في إيران، ولا بد من أن ذلك استغرق منهم أعواماً، كما كان لدى إسرائيل ما يكفي من المتعاونين لتهريب معدات متطورة مثل صواريخ "سبايك" المضادة للصواريخ إلى إيران، وفي اللحظة الأخيرة جرى إنزال أو تهريب عملاء "الموساد" من فرقة "تسوميت"، إلى جانب عملاء آخرين من القوات الخاصة، إلى إيران لتنسيق ضربات على راداراتها وصواريخ "سام"، فلم يكُن الإسرائيليون بحاجة إلى وقت طويل لإغراق أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية متوسطة وطويلة المدى.
في ظل هذا كان على إيران أن تتحرك سريعاً لتثبت أنها ما زالت تملك القدرة العسكرية على الرد وأنها قادرة على اتخاذ القرار وترميم هيكل قياداتها بعد استهداف كبار قادة النظام، ولأنها تريد العودة للمحادثات فوراً مع واشنطن لتجنب مواجهة شاملة مع إسرائيل ولن تتمكن من العودة لطاولة المفاوضات قبل أن ترد عسكرياً على إسرائيل وإلا ستكون في موضع المهزوم.
وسط الأحداث تلك لم تغلق إيران باب المفاوضات وأعلنت على لسان الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية والمتحدث باسم وزارة الخارجية أنه إذا توقف الهجوم ستعود للمحادثات، ومع ذلك أظهر ترمب مباركته للضربات الإسرائيلية، فربما يعتبر ترمب أن إسرائيل ستمنحه فرصة التفاوض مع طهران مستسلمة ومهزومة، لا تتفاوض من أجل ضمان تخصيب اليورانيوم إنما من أجل بقاء النظام، مما حدث بالفعل حينما غرد ترمب أنه يعرف مكان المرشد الإيراني لكنه لن يستهدفه.
ويمكن استنتاج ملامح الصفقة الأميركية أن تستسلم إيران لمطالب الولايات المتحدة والخاصة بتفكيك برنامجها النووي والتخلص من ترسانة الصواريخ الباليستية والمسيّرات التي لديها للحفاظ على بقاء النظام الحالي.
لذا كانت الضربات الإسرائيلية تستهدف منشآت نووية وعسكرية خاصة بالقدرات الصاروخية وأخرى مدنية، من أجل مضاعفة الخسائر في صفوف المدنيين وتوليد ضغط شعبي في مواجهة النظام للخروج عليه، لذا كانت أيضاً الضربات الإسرائيلية على قوات "الباسيج" المنوط بها اعتقال المواطنين وقت التظاهرات.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مواجهة محاولات نتنياهو دفع ترمب إلى دخول الحرب، تصعد إيران وتحذر الرئيس الأميركي من أن دخول المعركة إلى جانب إسرائيل سيجعلها تصعد عسكرياً. وتعي إيران أن دخول واشنطن الحرب إلى جانب إسرائيل سيحسم المعركة لغير مصلحتها ويقضي على قدراتها العسكرية والنووية، وربما ينهار النظام، لذا فإنها مقيدة في خياراتها تجاه الرد الإسرائيلي، تتدرج في استخدام قدراتها الصاروخية لكن بصورة تضمن لها عدم استنزاف مخزونها الذي قد تحتاج إليه إذا تدخلت واشنطن في الحرب، كما هناك بعض القيود التشغيلية المرتبطة بسيادة إسرائيل الجوية داخل إيران وضرب إسرائيل لكثير من منصات إطلاق الصواريخ، فليست هناك جدوى لمخزون الصواريخ إذا لم يكُن هناك العدد الكافي من منصات الإطلاق.
من جهة أخرى أحدثت الصواريخ الباليستية الإيرانية خسائر داخل إسرائيل، لكنها ليست بالقدر الذي أحدثته الهجمات الإسرائيلية على إيران، لكن كان على إيران أن ترد بحذر من جهة أنها لا تريد استفزاز الولايات المتحدة للتدخل وتحقيق ما يريده نتنياهو، ومن جهة أخرى هناك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وتتحرك إيران في أكثر من مسار من بينها المسار العسكري لتصل إلى مرحلة استنزاف لقدراتها ولقدرات إسرائيل، وهناك المسار الدبلوماسي والتواصل مع جيرانها من دول الخليج ومصر وتركيا من أجل دفع المسار الدبلوماسي، ودانت تلك الدول الهجوم الإسرائيلي انطلاقاً من مبادئ حسن الجوار وتحريم انتهاك سيادة الدول الأخرى وأن من الأجدر تناول الملف النووي الإيراني والباليستي عبر المسار الدبلوماسي وليس المسار العسكري الذي سيجلب الاضطرابات وعدم الاستقرار لدول المنطقة. فيمكن لتلك الدول أن تكثف المحادثات والمسارات الدبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا لوقف الهجوم وربما بدء مفاوضات إقليمية تتناول ملف الانتشار النووي في المنطقة ككل، وهناك أيضاً دور الصين وروسيا حليفتا إيران.
وفي ظل هذه المسارات تدرك إيران أن معركتها الآن هدفها الأساس الحفاظ على بقاء النظام، لذا ستستمر المواجهات مع إسرائيل إلى أن تستنزف قدرات الطرفين، ثم تتدخل واشنطن لوقف الهجوم.
وفي حال تدخلت واشنطن لضرب إيران، بخاصة مفاعل "فوردو"، ستصعد طهران من أوراق الضغط لديها والتي ستكون تهديد الملاحة في الممرات المائية كمضيق هرمز أو دفع الحوثيين إلى إحداث توترات في باب المندب والقرن الأفريقي، بهدف خلق اضطرابات في سوق الطاقة العالمية والأسعار والتأثير في الأسواق المالية.
كما من الممكن أن تستهدف بعض الأصول والمصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، وربما تدفع وكلاءها إلى التدخل مثل "حزب الله"، على رغم أنه في مرحلة تعافٍ من حرب إسرائيل عليه، كما أنه مقيد بالقيادة اللبنانية التي تريد النأي بالنفس عما يحدث، ولكن قد يتدخل حال أصبح بقاء النظام الإيراني مهدداً وكذلك الحال بالنسبة إلى الميليشيات العراقية.
كما تهدد إيران بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي ولكن من غير المحتمل أن تقدم على هذه الخطوة التي ستمنح إسرائيل حجة لضرب كل المنشآت بذريعة أن لدى طهران سلاحاً نووياً، ومن ثم تريد إظهار أنها ما زالت ضمن إطار الشرعية الدولية ولديها ضمانات قانونية وسياسية تجاه استهداف منشآتها وأنه يمكن للمفتشين الدوليين الوصول إلى تلك المنشآت، لذا تراجع مجلس الشورى الإيراني عن تلك الخطوة واقترح سلسلة من الشروط والإجراءات، وإذا لم تتحقق، فستنسحب إيران من المعاهدة، ومن بين الشروط المقترحة مسألة عدد المفتشين في إيران، أي إن عدد المفتشين يفوق العدد المسموح به، أو أن بعض المهمات التي سمحت لهم بها وكالة الطاقة الذرية تتجاوز المهمة التي كلفهم بها القانون الدولي.
في المجمل وعلى رغم أن مألات التصعيد بين إيران وإسرائيل غير واضحة إلى الآن، لكن في حال بقي النظام فمن المؤكد أن إسرائيل لن تتوقف عن هدف أساس هو التخلص من قدراته الصاروخية التي وصلت إلى تل أبيب وحيفا وأوقعت بعض الخسائر، كما أن إيران ستعمل على إعادة بناء تسليحها وستركز بصورة أكبر على شراء صواريخ "سام" من روسيا والصين بدلاً من شراء طائرات مقاتلة، كما ستعمل على إعادة بناء أجهزتها الأمنية على نحو يعالج الخلل الاستخباراتي والأمني ووجود شبكة عملاء في الداخل، مما يعنى مزيداً من الانغلاق والتضييق على المواطنين وزيادة الفجوة بينهم والنظام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
باكستان تخشى صعود انفصاليين على الحدود إذا تزعزع استقرار إيران
قد يستغل مسلحون انفصاليون ومتشددون على الحدود الباكستانية - الإيرانية أي انهيار للسلطة في إيران، وهي مخاوف عبر عنها قائد الجيش الباكستاني في اجتماع هذا الأسبوع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وتنشط الجماعات المناهضة لإيران وباكستان على جانبي الحدود الممتدة لنحو 900 كيلومتر. وأشار المسؤولون الإسرائيليون مراراً إلى أنهم يسعون إلى زعزعة استقرار الحكومة الإيرانية أو إسقاطها مع استمرار قصف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية. إلى جانب الخوف من امتداد الفوضى من إيران، تشعر باكستان أيضاً بالقلق من السابقة التي أرستها إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية لدولة أخرى. وكانت باكستان والهند، الخصمان المسلحان نووياً، خاضتا نزاعاً دام أربعة أيام في مايو (أيار). وعقب غداء يوم الأربعاء في البيت الأبيض مع قائد الجيش الباكستاني عاصم منير، قال ترمب "إنهم غير راضين عن كل شيء"، في إشارة إلى وجهات نظر باكستان بشأن صراع إسرائيل وإيران. وقال الجيش الباكستاني أمس الخميس إن ترمب ومنير ناقشا ملف إيران "مع تأكيد الجانبين على أهمية حل الصراع". ونددت باكستان بالهجوم الإسرائيلي على إيران ووصفته بأنه انتهاك للقانون الدولي. وقال شفقت علي خان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية أمس الخميس "ما يحدث في إيران الشقيقة يمثل لنا قضية خطيرة للغاية... هذا يعرض الهياكل الأمنية الإقليمية بأكملها للخطر، ويؤثر علينا بشدة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ورحبت بعض الجماعات المسلحة على الحدود بالاضطرابات. وقالت جماعة "جيش العدل"، وهي جماعة متشددة إيرانية شكلتها أقليات عرقية وتنشط من باكستان، إن الصراع الإسرائيلي مع إيران "فرصة عظيمة". وقالت الجماعة في بيان في 13 يونيو (حزيران) "تمد جماعة جيش العدل يد الأخوة والصداقة إلى كل أبناء الشعب الإيراني وتدعو الجميع ولا سيما البلوش والقوات المسلحة إلى الانضمام إلى صفوف المقاومة"، وفق تعبيرها. في المقابل، تخشى إسلام اباد من سعي المسلحين الانفصاليين من أقلية البلوش لديها، ويتخذون من إيران مقراً، إلى تكثيف الهجمات. وقالت مليحة لودهي السفيرة الباكستانية السابقة لدى واشنطن "هناك خوف من أن تكون مساحات غير محكومة أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية". ولباكستان حدود مضطربة مع أفغانستان التي تحكمها حركة "طالبان" ومع الهند. ولا ترغب باكستان في زيادة رقعة الحدود المضطربة على حدودها الطويلة مع إيران. والمنطقة الحدودية بين إيران وباكستان مأهولة بالبلوش، وهم أقلية عرقية في كلا البلدين يشتكون من التمييز وأطلقوا حركات انفصالية. وعلى الجانب الباكستاني، تسمى المنطقة إقليم بلوشستان، وفي إيران سيستان وبلوشستان. وحتى وقوع القصف الإسرائيلي على إيران، كانت طهران أقرب إلى الهند من باكستان، بل إن باكستان وإيران تبادلتا الغارات الجوية العام الماضي والاتهامات بإيواء المسلحين البلوش، لكن الهجوم على إيران غير الحسابات إذ لم تندد الهند بحملة القصف الإسرائيلي. وعبرت الصين أيضاً عن قلقها البالغ إزاء الوضع الأمني في بلوشستان إذ تعد المنطقة محور برنامج بكين لاستثمار مليارات الدولارات في البنية التحتية في باكستان، والذي يتمحور حول ميناء جوادر الجديد الذي تديره الصين. وسبق أن استهدفت جماعات مسلحة من البلوش في باكستان عاملين صينيين ومشروعات صينية. وقال سيمبال خان المحلل المقيم في إسلام اباد إن جماعات البلوش المختلفة يمكن أن تتحول إلى حركة "بلوشستان الكبرى" مع مسعى إلى إقامة دولة جديدة على مناطق البلوش في باكستان وإيران. وذكر خان "سيقاتلون جميعاً معاً إذا انفجر الوضع".


الأمناء
منذ ساعة واحدة
- الأمناء
رسمياً : البيت الأبيض يكشف موعد قرار ترامب بمهاجمة إيران
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، مساء اليوم الخميس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم اتخاذ قرار بشأن مهاجمة إيران خلال الأسبوعين المقبلين، في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية وتتزايد المخاوف من تصعيد شامل بين طهران والاحتلال الإسرائيلي. وفي مؤتمر صحفي، أكدت ليفيت أن ترمب لا يزال يؤمن بالحلول الدبلوماسية، ويمنحها أولوية، لكنه لن يتردد في استخدام القوة إذا تطلب الأمر. وأضافت أن الرئيس الأميركي بذل جهودًا كبيرة للتوصل إلى حل سياسي مع طهران، مشيرة إلى أن هناك "فرصة كبيرة" لإجراء مفاوضات قد تتم، أو لا تتم، خلال الفترة المقبلة. وفيما يتعلق بالملف النووي، قالت ليفيت إن إيران اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك السلاح النووي، وهو ما يمثل تهديدًا للولايات المتحدة والعالم، مؤكدة أن المجتمع الدولي يتفق مع موقف ترمب الرافض لامتلاك طهران لهذا النوع من الأسلحة. وشددت المتحدثة باسم البيت الأبيض على أن الرئيس ترمب "رئيس سلام من خلال القوة"، ولا يخشى استخدام أدوات الردع العسكري، موضحة أن الاتفاق الذي اقترحه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف على الجانب الإيراني كان "واقعيًا ومقبولًا"، كما أن الإيرانيين أبدوا اهتمامًا بالقدوم إلى واشنطن. وحول الأوضاع الميدانية، أكدت ليفيت أن الإدارة الأميركية مستعدة للدفاع عن مصالحها في أي مكان، ولا ترى في الوقت الحالي مؤشرات على تدخل عسكري صيني لدعم إيران. من جانبه، صرّح مسؤول أميركي أن ترمب سيأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحتملة على القوات والمدنيين الأميركيين في الشرق الأوسط قبل اتخاذ أي قرار نهائي بشأن الهجوم. وأشار في تصريحات صحفية إلى أن القادة العسكريين يقدمون للرئيس مشورة تأخذ في الاعتبار تداعيات أي تحرك عسكري، لافتًا إلى أن القوات الأميركية في المنطقة قامت خلال الأيام الماضية بتعزيز إجراءات الحماية والدفاع بشكل كبير.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
استهدافُ المرشد تفكيرٌ مجنون
الأسبوعَ الماضي دارَ الحديثُ وتَكرَّرَ عن عزمِ إسرائيلَ على استهدافِ المرشد الأعلى في إيران، كمَا لو كان مجردَ هدفٍ عسكري هيّنٍ آخرَ في الحرب الضَّروس بين إسرائيلَ وإيران، التي قد تلتحق بهَا الولاياتُ المتحدة لاحقاً. وقد حرصَ الرئيس الأميركي على أن يباعدَ بينه وبين التخطيطِ الإسرائيلي، معلناً أنَّ القائدَ الإيراني الأعلى على رأسِ قائمة الأهداف الإسرائيلية، وقد أصبحَ على مرمى هدفِهم. وأوضحَ ترمب أنَّه ضد مسعى إسرائيل هذا، ويعارضُه. القضيةُ أبعدُ من كونِه مجردَ هدف آخر، حيث قد يتحوَّل إلى قضيةٍ عقائديةٍ ويخلقُ ثاراتٍ عميقةً بالغة الخطورة. كانت هناك حالاتٌ امتنعَ فيها المتحاربون عن استهدافِ القياداتِ والرُّموز لاعتباراتٍ تتجاوزُ الحساباتِ العسكريةَ المباشرة. كانَ الإمبراطور الياباني هيروهيتو حاكماً ورمزاً مقدساً، وهناك وثائقُ تؤكّد أنَّه أذن لقادتِه العسكريين بدخولِ الحرب وغزوِ منشوريا وقصفِ «بيرل هاربر» التي تسبَّبت في دخولِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ الحربَ العالميةَ الثانية. مع هذَا قرَّرتِ الحكومةُ الأميركية خلال الحربِ وبتوصيةٍ من الجنرال دوغلاس مكارثر عدمَ استهدافه. وكذلك امتنعتْ عن ضمِّه للقيادات اليابانيةِ التي تمَّت محاسبتهُا بعدَ انتصار أميركا ودخولِها طوكيو. وقد حقَّق ذلكَ القرارُ المصالحةَ الأميركيةَ اليابانية وتقبُّلَ الشعبِ الياباني للأميركيين، ودام هيرهيتو إمبراطوراً ومحلَّ احترام، وامتدَّ به العمرُ نحو 45 عاماً أخرى. آيةُ الله علي خامنئي زعيمٌ روحيٌّ، وأيُّ إضرارٍ به سيتسبَّب في جروحٍ لن تندملَ مهمَا كانَ حجمُ الانتصار الإسرائيلي والأميركي على الأرض. المرشدُ الأعلى هو سلطةٌ ثابتةٌ مدى الحياة وليسَ رئيسَ جمهورية. وسيكونُ له دورٌ مهمٌّ في التَّوصل إلى سلام، كمَا فعلَ آية الله الخميني عام 1988، عندما أعلنَ من جانبه وقفَ الحربِ مع العراق التي كنَّا نظنُّ أنَّها لن تتوقَّفَ أبداً إلا بدمارٍ كاملٍ لأحدِ البلدين أو البلدين معاً. نتذكَّر أنَّه لم يجرؤ أحدٌ في النظام الإيراني آنذاك على الدعوةِ لوقف الحرب مع الجارة العراق، إلا المرشدُ الأعلى الراحل آنذاك. البعضُ ينجرفُ مع سكرةِ الحرب، وتغرُّهُ القدراتُ العسكريةُ الهائلة والانتصاراتُ المؤقتة، ويتسبَّب في خلقِ أحقادٍ قد لا تموتُ لعقودٍ وقرونٍ مقبلة، في حين يمكنُه تحقيقُ الانتصار من دون ذلك. لا شكَّ أنَّ الإسرائيليين يملكون قدراتٍ معلوماتيةً وقوةً تدميرية متفوقةً تمكّنُهم من الوصولِ إلى عمقِ إيران ومخابئِ القيادةِ الإيرانية كمَا فعلوا في لبنانَ وغزة. لكنَّ المرشدَ الأعلى في إيران لا يمكنُ أن يُقارنَ بالأمينِ العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الذي تمَّ اغتيالُه العام الماضي. الفارقُ في المعنَى كبيرٌ والخطأ فيه خطيرٌ. وحتى لو كانتِ المقاربةُ ليست دقيقةً، فإنَّ إعدامَ صدام حسين، في يوم عيد الأضحى عام 2006، مع أنَّه بعثيٌّ وليسَ بالزَّعيم الدينيّ أو القبليّ، جاء ثمنُه مكلفاً، وقد حاولَ الجنرالاتُ الأميركيون لاحقاً إصلاحَ ذاتِ البين وتحقيقَ المصالحةِ مع القوى السُّنية ولم تنجحْ. ولا تزال تعاني واشنطن نتيجةَ ذلك مع نصفِ سكَّانِ العراق. كانَ بمقدورِهم تجنُّبُ ذلك الخطأ الشَّنيعِ وتجسيرُ الهوَّة ومعالجةُ الجروح التي نجمتْ عن الحرب بعد انتصارِهم العسكريّ. الإسرائيليون يستطيعون تحقيقَ انتصاراتٍ عسكريةً مذهلة كمَا فعلوا عام 1967، والعامَ المنصرم، إنَّما هذا لا يعني أبداً كسبَ الحربِ الكبيرة. ونحن حقاً على وشكِ أن ندخلَ فصلاً جديداً ومهمّاً من التاريخ يغيّر ما عرفناه وعايشناه في نصفِ قرن مضى. وهذا يحتاج إلى استخدامِ التهديد بالقوة من دون استخدامِها أو حدودها القصوى، من أجل تحقيقِ التغيير بالتوافق بقدر ما أمكن. وهذا لصالحِ الجميع بمَا في ذلك إسرائيلُ والولايات المتحدة وإيرانُ ودول المنطقة. فالجميعُ، المنتصرون والمهزومون، لهم مصلحةٌ في تخفيضِ التَّوتر والتَّوصل إلى سلامٍ جماعي.