
المسألة السورية: أيُ مركزية ولا مركزية؟
دمشق في حاجة إلى دور أميركي ودور روسي إضافة إلى الدعم العربي لضبط الصراع بين تركيا وإسرائيل على سوريا، والحاجة الملحّة والأساس هي إلى الرهان على العصب الوطني التاريخي في البلد وتقوية الوحدة الوطنية، ومعالجة الحساسيات والعصبيات الطائفية، ووضع حد نهائي لسياسة التكفير واستسهال ارتكاب المجازر ضد الأقليات.
وليس أخطر من العجز عن حماية البلاد من التغول الإقليمي، ولا سيما الإسرائيلي منه، سوى تجاهل المخاوف والمطالب لدى الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين، وحتى لدى الأكثرية التي ليست جهادية، ولا أهم من الحوار بين السلطة الجديدة والأقليات سوى القدرة على تغليب العقل والواقعية في معالجة المطالب والمخاوف.
واللافت أخيراً هو مسارعة الرئاسة إلى الرد على مخرجات "المؤتمر الوطني الكردي"، وظهور دعوات حمّالة أوجه في الساحل الغربي، والرفض الدرزي بصوت واحد للفتنة وتأكيد التمسك بوحدة سوريا.
"المؤتمر الوطني الكردي" الذي ضم 300 شخصية من كل الأحزاب الكردية، قدّم لائحة مطالب تتركز على "نظام برلماني بغرفتين، يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، مع اعتماد مجالس للمناطق في إطار النظام المركزي، ولا مركزية تضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة"، فضلاً عن "المطالبة بجمعية تأسيسية برعاية أممية لصياغة دستور جديد بمبادئ ديموقراطية، وتشكيل حكومة جامعة والإعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والرئاسة ردت متهمة "قسد" بمخالفة الاتفاق بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، ورافضة أية دعوات إلى "فيدرالية أو لا مركزية"، معتبرة أن "وحدة سوريا خط أحمر"، وأنه لا مجال لاستئثار مكون واحد بمنطقة، ومن الصعب بالطبع أن يحصل الكرد على لا مركزية واسعة في منطقة يسمونها "روجافا"، تكون على غرار إقليم كردستان العراق.
لكن من الصعب أيضاً إعادة الكرد للوضع الذي كانوا عليه في الماضي، فما حدث في حرب سوريا منذ عام 2011 أحدث متغيرات دراماتيكية وتحولات مهمة، والمسألة في المعالجة ليست المركزية أو اللامركزية، بل أيُ مركزية ولا مركزية؟ فالنظام السوري مركزي على الطريقة الفرنسية منذ قيام الجمهورية تحت الانتداب، لكن المركزية مرت بمرحلتين، ما بعد الاستقلال حتى الوحدة بين سوريا ومصر، وما بعد سقوط الوحدة وبدء حكم البعث وآل الأسد.
في المرحلة الأولى كانت المركزية ناعمة، دمشق مركز السلطة، لكن زعماء الأطراف لهم أدوار كبيرة في مناطقهم، من سلطان باشا الأطرش في السويداء وحلفاء صالح العلي في جبال العلويين إلى آل الجابري في حلب والآتاسي في حمص و البرازي والحوراني في حماة، وفي المرحلة الثانية صارت المركزية شديدة جداً، فكل السلطة للرئيس في دمشق والبقية موظفون عنده، لا زعماء في المناطق ولا شخصيات قيادية حتى في "حزب البعث" الحاكم للدولة والمجتمع، بل مجرد أسماء تنتقيها دمشق لممارسة السياسة المقررة من الرئيس.
كثير من تصحير السياسة والثقافة إلى حد إلغاء الحياة السياسية، وكثير من العنف والقمع في ممارسة السلطة والإمساك بالنقابات وتدجين الأحزاب التي يضمها النظام تحت جناح "البعث" في إطار جبهة وطنية هي مجرد واجهة وراءها فراغ، وأليس حكم الشخص الواحد لشعب مسلوب الإرادة بوليصة ضمان للفراغ؟
هذا الوضع كان واحداً من الأسباب التي قادت إلى بدء الثورة على النظام انطلاقاً من درعا وصولاً إلى دمشق وبقية المدن، تظاهرات سلمية تحت شعار "شعب واحد من كل المكونات"، تطالب بالتغيير الديموقراطي والمشاركة الشاملة في السلطة، لكن النظام اختار مواجهة المتظاهرين بالرصاص والقمع وتحويل الثورة إلى حرب، وفي الحرب يتقدم المتشددون وينكفئ المعتدلون وتسود سياسة "التطيّف والتطرف"، وفي الحرب تكثر التدخلات الخارجية ومعها دفع جهاديين سلفيين من الخارج إلى سوريا للمشاركة في الحرب، وبكلام آخر فإن الأوضاع التي أحدثتها الميليشيات في مواجهة النظام تحتاج إلى معالجة واقعية وعقلانية، فلا المركزية الشديدة هي الحل، ولا اللامركزية الرخوة هي الحل، والمطلوب نوع مرن من المركزية لضمان وحدة سوريا، ونوع منضبط من اللامركزية لضمان مشاركة الشعب في إدارة قضاياه المحلية.
يروي الملك الحسن الثاني في مذكراته بعنوان "ذاكرة ملك"، أنه حين كان رئيساً للوزراء أيام والده الملك محمد الخامس، سأل الزعيم السوفياتي بريجنيف عن نصيحة حول خطة خماسية مركزية لتطوير الوضع في المغرب، فقال له "ابتعد من الخطط الخماسية والعشرية، لأن أي خطأ فيها يصعب إصلاحه، في حين أن الخطط القصيرة قابلة للإصلاح فور اكتشاف الخطأ"، والمركزية الشديدة في سوريا وصفة لأخطاء يصعب إصلاحها كما برهنت الوقائع في النظام المنهار، وأكثر الأنظمة نجاحاً هي الأنظمة الفيدرالية أو اللامركزية، بحسب النماذج في أميركا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وسواها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
قائد عسكري سابق: كييف لا يمكنها استعادة حدود ما بعد الاتحاد السوفياتي
نقل موقع إخباري أوكراني عن القائد العسكري السابق فاليري زالوجني القول أمس الخميس إن على أوكرانيا التخلى عن أي فكرة لاستعادة حدودها التي تأسست مع انهيار الحكم السوفياتي عام 1991 أو حتى تلك التي تعود لبداية الغزو الروسي الشامل عام 2022. وكان زالوجني، الذي يشغل الآن منصب سفير أوكرانيا في لندن، قائداً للقوات المسلحة لبلاده حتى فبراير (شباط) 2024. وجرى إعفاؤه من منصبه العسكري بعد أشهر من تقارير ظلت تشير لوجود خلافات بينه وبين الرئيس فولوديمير زيلينسكي. ولطالما دعا زيلينسكي وشخصيات أخرى إلى طرد القوات الروسية والعودة إلى حدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفياتي عام 1991، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014. ونقل موقع "آر بي كيه أوكرانيا" الإخباري عن زالوجني قوله لمنتدى في كييف "آمل ألا يكون هناك أشخاص في هذه القاعة لا يزالون يأملون في حدوث معجزة تجلب السلام لأوكرانيا وحدود عام 1991 أو 2022". وأضاف "رأيي الشخصي هو أن العدو لا تزال لديه الموارد والقوات والوسائل لشن ضربات على أراضينا ومحاولة القيام بعمليات هجومية محددة". وذكر زالوجني أن روسيا تخوض حرب استنزاف منذ عام، وأنه نظراً لقلة عدد القوات الأوكرانية وظروفها الاقتصادية الصعبة، فإن الأمل الوحيد هو الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة. هجمات أوكرانية بمسيّرات تشلّ مطارات موسكو عُلّقت حركة الطيران أمس الخميس حول موسكو بسبب هجمات أوكرانية بمسيّرات، وفق وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت اعتراض ما مجموعه نحو مئة طائرة من دون طيار، بينها 35 لدى اقترابها من العاصمة. وجاء في بيان لوزارة الدفاع أن "الدفاعات الجوية اعترضت ودمّرت 105 مسيّرات أوكرانية" في المجموع. من جهته كتب رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين على منصة تيليغرام أن "أجهزة الإغاثة تعمل في المواقع التي سقط فيها أجزاء حطام". مساء، أشار رئيس البلدية إلى أن 11 مسّيرة جديدة تم اعتراضها لدى اقترابها من المدينة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جهته أشار سلاح الجو الأوكراني إلى أن روسيا أطلقت ليلا "128 مسيّرة هجومية" تم اعتراض أكثر من 112 منها. ويطلق الجيش الأوكراني بانتظام مسيّرات محمّلة متفجرات باتجاه الأراضي الروسية رداً على الضربات الروسية التي تستهدف أراضيه يوميا منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن موسكو نادرا ما تُقصف. وتم تعليق الرحلات في مطارات عدة في العاصمة الروسية الخميس، وفق وكالة الطيران المدني الروسية، بما في ذلك مطار شيريميتييفو الدولي الرئيسي، فضلاً عن مطارات فنوكوفو ودوموديدوفو وجوكوفسكي. إلى الآن، يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوات كييف وواشنطن والأوروبيين لوقف إطلاق نار مستدام. تسيطر روسيا حالياً على نحو 20 في المئة من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها في العام 2014. تقدّر حصيلة القتلى بعشرات الآلاف، وقد دفعت المعارك ملايين الأوكرانيين إلى الفرار من مدن وقرى شرق البلاد وجنوبها. مجموعة السبع تتوعد بتكثيف الضغط على روسيا أيد وزراء المال في مجموعة السبع أمس الخميس تكثيف الضغط على روسيا بما يشمل فرض عقوبات جديدة، إذا واصلت مقاومتها الجهود الهادفة إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا. وأورد الوزراء في بيان ختامي أصدروه إثر اجتماعهم في كندا "إذا لم تتم الموافقة على وقف إطلاق النار، سنواصل النظر في كل الخيارات الممكنة بما فيها خيارات لممارسة أكبر قدر من الضغط على غرار فرض عقوبات".


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
وصف العرب للعرب: نقائض أم فبركات مجهولة؟
تجادل هذه المقالة بأن معظم معاركنا العربية-العربية الكلامية على صفحات الإعلام الاجتماعي (الـ"سوشيال ميديا") هذه الأيام هي من نسج الفبركات، وأن وراءها حسابات وهمية، وأخرى مزيفة، ولعلها مخططة ومدروسة، فالوهمي يتخذ اسماً حركياً غالباً ما ينتسب للطيور وللحيوانات، الطائر الملون والأسد الهصور والغزال الشارد والسلحفاة الطائرة وهكذا... بينما تتخذ بعض الحسابات أسماء علم مثل عبدالله سعد وسعد العجمي وخالد المطيري وفهد البغدادي ومدحت المصري إلخ. لكن المتابع لا يمكن أن يلغي النقائض في التوصيف والتنميط، أي إننا ننمّط بعضنا بعضاً بمجالسنا الخاصة في الغالب، ولكن هناك من يراقب ويتابع ويدرس كيف ننظر إلى بعضنا بعضاً كمجاميع عربية بحسب التجمعات الجغرافية، فيختار من هذه التوصيفات ما يثير التراشق والغضب والحنق، بالتالي معارك على حسابات الـ"سوشيال ميديا". فأهل الخليج عند بعض العرب "الغاضبة"، على سبيل المثال، بدو متخلفون وهمج لا يفهمون، يركبون الجمال ويأكلون الضبان، بل هم أنكى من ذلك بأن وصفهم الله في القرآن الكريم بأنهم أعراب وأشد الناس كفراً ونفاقاً. لكنهم "بعين الرضا" عند عرب آخرين أهل الكرم والمروءة والشمائل العربية الحميدة، يغيثون الملهوف ويعينون المحتاج ويساندون القضايا العربية ويقدمون المساعدات النفطية والبترودولارية لكل العرب الآخرين. وزد على هذا أن نبي الإسلام واحد منهم وعندهم الحرمان الشريفان. وينظر بعض العرب إلى الفلسطينيين نظرة تعميمية سوداوية غير إنسانية بالمرة، غدارون منافقون حاقدون باعوا أرضهم ويقتتلون في ما بينهم ويتكسبون على قضيتهم. لكن المناقض لهذا التوصيف يصف مَن يقولون ذلك بالصهينة وخذلان الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ويرى أن الفلسطينيين قدموا وما زالوا يقدمون الغالي والثمين من الأرواح والممتلكات، نضالاً من أجل تحرير أرضهم وتقرير مصيرهم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العراق مهد الحضارات البشرية ومنبع الكتابة والقوانين منذ أيام قانون حمورابي، وهو سومر وبابل وعاصمة الخلافة العربية العباسية ومحج الثقافة والعلم والفنون قروناً طويلة. لكن النقضاء العرب يسمونه أرض النفاق والشقاق وقتلة آل البيت والغدر والانقلاب والدموية البشعة ومنبع للخزعبلات والخرافات. مصر هي سبعة آلاف سنة من الحضارة الفرعونية، وهي بلد الثقافة والعلم والأزهر والتقدم وقلب العروبة النابض، منها خرج المعلمون والمثقفون والفنانون والنحاتون والرسامون والمهندسون، لكن مناقضي هذا القول يرددون ما نسب لعمرو بن العاص زوراً، "أرضها ذهب ونساؤها لعب والأمر فيها لمن غلب". ولا يرون في مصر شيئاً من الجمال ويتهمون أهلها بأبشع الصفات والأوصاف. أما ما يقوله عرب المغرب العربي عن بعضهم، فقد لا يكون صالحاً للنشر، وما يقوله السودانيون في الشمال عن السودانيين بالجنوب قول عنصري لا يليق بالقلم في هذا المقام، وهكذا، فلا تكاد توجد منطقة عربية داخل البلد الواحد إلا ولها تصنيف متناقض عند المناطق الأخرى. والحق أن هذه النقائض ليست حكراً علينا في المنطقة العربية، فكل دول العالم لديها تصنيفات وتنميط لبعضها بعضاً يصعب التطرق إليهما بشمولية في هذه المقالة، لكن ما يهم هنا هو تصنيف وتنميط العرب لبعضهم بعضاً، وهو تنميط في غالبه سيئ هذه الأيام، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يوحي بأن "وراء الأكمة ما وراءها". ففجأة تشتعل حرب إعلامية بين مصر والسعودية، وبين سوريا والعراق، وبين الجزائر والمغرب بل بين داخل دول الخليج نفسها وهلم جرا. وتستخدم في هذه الحروب كافة أسلحة التنميط الشامل الذي يعم ولا يخص، وكل أدوات التصنيف التعميمية على البلدان بكل شعوبها وطوائفها وأجناسها. أمر خطر أن تنجرف الناس لحروب النقائض هذه، وأخطرها جميعاً حروب الطوائف من وراء الشاشات وامتشاق لوحات المفاتيح لخوضها، فقديماً قيل، "الحرب أولها كلام". العقلاء هم مطافئ هذه الحروب، وأنجع سلاح لمقاومتها تجاهلها وتجنبها وعدم تصديق من يقف وراءها.


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
بعد انسحاب قوات التحالف... «قسد» ترسل تعزيزات عسكرية ضخمة لقاعدتين بدير الزور
أفاد تلفزيون سوريا، الخميس، بأن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى قاعدتي العمر وكونيكو شرق دير الزور بعد انسحاب قوات التحالف الدولي منهما. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى. ويُذكر أنه في 19 أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن وزير الدفاع الأميركي هيغسيث وجَّه بتوحيد تمركز القوات الأميركية في سوريا ضمن قيادة القوة المشتركة لعملية العزم الصلب؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص الوجود الأميركي في سوريا إلى أقل من ألف جندي خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعد أشهر من سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.