
رعب فرنسي من التقارب الجزائري الإيطالي لإنتاج القمح
بدت بوادر رعب فرنسي حقيقي من التقارب الجزائري الإيطالي، وخصوصا ما تعلق بمشاريع إنتاج القمح والبقوليات الجافة جنوب البلاد، والذي فهم لدى نخب ودوائر فرنسية على أنه 'انتقاص' مباشر من حصة باريس في السوق الجزائرية.
وجاء التعبير الصريح عن هذا القلق والتوجس الفرنسي من التقارب الجزائري الإيطالي في مجال الفلاحة وإنتاج القمح خصوصا، خلال نقاش بمجلس الشيوخ جرى يوم 12 فيفري الجاري، وهو الغرفة العليا للبرلمان الفرنسي، جمعت عددا من أعضاء 'السينا' بالباحث والأستاذ في القضايا الجيوسياسية، عدلان محمدي، وهو من أصل جزائري، خصصت لبحث سبل وكيفيات الخروج من الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا.
وخلال النقاش الذي اطلعت 'الشروق' على محتواه، تدخل السيناتور أكلي ملولي عن مقاطعة فال دو مارني، وهو أيضا من أصول جزائرية، عن التقارب الجزائري الإيطالي والاستثمارات التي وصفها بالثقيلة في إطار مخطط 'ماتاي' الموجه للقارة السمراء، إلى جانب منافسة الأمريكيين أيضا.
وقال في هذا الصدد 'كما كنت أقول اليوم، كما نرى فيما يتعلق بالقمح، تعرفون أن هناك خطة ماتاي، لأنه إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أننا لسنا وحدنا في هذا العالم في إفريقيا، هناك الأمريكيون ولكن هناك أيضا الإيطاليبن الذين وضعوا خطة ماتاي باستثمارات ضخمة جدا في إفريقيا عموما، وخاصة في الجزائر'.
وأضاف السيناتور أكلي ملولي قائلا 'سيأخذون (يقصد الايطاليين) 36 ألف هكتار في الجنوب الجزائري لإنتاج القمح، وبالتالي ستحقق الجزائر الاكتفاء الذاتي وسيذهب هذا القمح أيضا إلى إيطاليا، مما يعني أن كميات القمح التي نبيعها ستكون أقل بكثير (يقصد فرنسا)، وهذا أيضا أمر واقعي'.
وشدد السياسي الفرنسي على أنه إذا لم يتم اخذ هذه المسألة في الحسبان، أي التقارب الجزائري الايطالي في مجال القمح، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من عزلة فرنسا، لأن باريس ليس لها مشاكل مع الجزائر فقط، بل أيضا في دول أخرى.
وقال في هذا الصدد 'لدينا منافسين هم أصدقاؤنا ولكنهم منافسون لنا أيضا، وإذا لم نأخذ هذه المسألة في الحسبان فسينتهي بنا الأمر إلى العزلة، لأنه كما قلت، هناك مشاكل مع الجزائر وفي السنغال أيضا، خصوصا مع تطور المشاعر المعادية لفرنسا'.
وختم السيناتور أكلي ملولي مداخلته بتوجيه سؤال للباحث عدلان محمدي جاء فيه 'هل تعتقد اليوم كباحث أن بوسعنا التخلي عن محور باريس -الجزائر، وهو محور قوي بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط، من دون أن نظلم الآخرين، وخاصة بالنسبة للتنمية في أفريقيا؟'.
وفي رده على سؤال السيناتور ملولي، شدد الباحث ذو الأصول الجزائرية عدلان محمدي، على أنه لا يعتقد إطلاقا بضرورة التضحية بين العلاقة الثنائية بين الجزائر وفرنسا، واصفا هذا الخطاب الذي يدعو إلى التضحية بهذه العلاقة بأنه 'خطير للغاية'، ولكونه أيضا من وجهة النظر الدبلوماسية 'لا يحمل الكثير من الوزن والمعاني'.
واعتبر الباحث في القضايا الجيوسياسية عدلان محمدي، أن الفرق بين فرنسا وايطاليا هو الوزن الاستعماري الذي لا يعتبر نفسه، مشيرا إلى أن إطلاق تسمية 'ماتاي' على هذا المخطط للحكومة الايطالية له أيضا دلالات، لأن ماتاي في نهاية الأمر هو 'إيني' والدعم لجبهة التحرير الوطني واستقلال الجزائر، كما أن له وقعه في الجزائر وشمال إفريقيا.
وعلق بالقول 'هناك هذا الفرق وللأسف لدينا خطاب سياسي في فرنسا، بغض النظر عن الخطاب في الجزائر، لأن الخطاب الموجود في الجزائر ليس بجديد، بالمقابل فإن العبارات المستخدمة في النقاش السياسي في فرنسا فيما يتعلق بالمسألة الجزائرية تتم على حساب العلاقات الثنائية'.
وأضاف الباحث محمدي 'أتذكر انه قبل التشريعيات وحتى قبل تعديل القانون السابق للهجرة، كانت هناك محاولات برلمانية لنقض اتفاقية الهجرة لسنة 1968 مع الجزائر بصفة أحادية، وحينها الرئيس ماكرون صرح بأنه ليس من مهام البرلمان أن يقوم بدور العلاقات الخارجية لفرنسا بدلا عني'.
وختم بالقول 'اليوم لدينا انطباع بوجود هذا الخطر وحتى من خارج البرلمان من خلال قدرة عصبة أو طبقة سياسية (في إشارة لليمين المتطرف)، على التأثير وأحيانا بصفة غير لائقة وغير متناسبة على السياسة الخارجية الفرنسية'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 6 أيام
- الشروق
هذه النتائج المرجوة من مشروع 'بي.أف' الإيطالي في تيميمون
كشفت منصة ايطالية متخصصة في النقاشات ودراسة الاتجاهات الحالية والمستقبلية للسياسة الأوربية عن النتائج المرجوة والانعكاسات المنتظرة إنتاجيا واقتصاديا واجتماعيا لمشروع مجموعة 'بونيفيكي فيراريزي' الإيطالية بالصحراء الجزائرية وتحديدا بولاية تيميمون، المخصص لإنتاج القمح والبقوليات الجافة على مساحة 36 ألف هكتار. وجاء الكشف عن المعطيات في دراسة لنادي التفكير 'The European House Ambrossetti /TEHA Club '، وهو منصة دائمة للمناقشات الخاصة رفيعة المستوى والتواصل، يلتقي من خلالها المديرون التنفيذيون وصناع القرار الأوروبيون بانتظام ويناقشون القضايا ذات الأولوية بالنسبة للأعمال والاقتصاد، تتعلق بمشروع ماتاي للحكومة الايطالية الموجه للقارة الإفريقية، جرى عرضها السبت بمنتدى 'أمبروسيتي-نحو الجنوب' بمدينة سورينتو الايطالية. وورد في الدراسة التي تحوز 'الشروق' نسخة منها، أن المشروع الزراعي الضخم بين الجزائر وإيطاليا في تيميمون ينتظر أن يحقق نتائج استراتيجية على أكثر من صعيد، ويعول عليه ليكون أحد أبرز النماذج الناجحة في استصلاح الأراضي الصحراوية وتثبيت الأمن الغذائي الوطني. وتشير الدراسة على انه من الناحية الإنتاجية، يتوقع أن يضيف ما بين 40 و45 ألف طن سنويا من الحبوب والبقوليات، موجهة كليا للسوق المحلية، مما سيساهم في تقليص فاتورة الاستيراد وتقوية القدرات الإنتاجية الذاتية للجزائر في محاصيل حساسة مثل القمح والعدس والفاصولياء. أما في الشق الاقتصادي، فمن المرتقب أن يدرّ المشروع قيمة مالية إضافية تتراوح بين 76 و129 مليون دولار سنويا، أي ما يمثل نحو 0.24 بالمائة إلى 0.40 بالمائة من حجم السوق الزراعية الوطنية، فيما سيصل الأثر الاقتصادي الكلي السنوي إلى 193 مليون دولار. وعلى الصعيد الاجتماعي، ينتظر أن يحسن المشروع ظروف معيشة حوالي 600 ألف إلى 650 ألف شخص، من خلال خلق مواطن شغل مباشرة وغير مباشرة، وتموين الأسواق المحلية بمنتجات غذائية أساسية بأسعار معقولة. وبحلول سنة 2028، التاريخ المتوقع لوصول المشروع إلى طاقته الكاملة، سيكون قد تم بناء منظومة فلاحية وصناعية متكاملة تشمل الزراعة والتحويل الغذائي، عبر مركب لإنتاج العجائن، مما يعزز سلاسل القيمة ويمنح المشروع بعدا تنمويا واستراتيجيا طويل المدى. وأشار التقرير إلى أنه وحسب مجموعة 'بي.أف' الايطالية، فإنه بحلول عام 2028، سيشهد المشروع زراعة 70 بالمائة من المساحة الممنوحة لها في شكل حبوب (قمح بالدرجة الأولى)، في حين سيخصص الجزء المتبقي للبقوليات الجافة، ما يعني أن القمح سيستحوذ على نحو 25 ألف و200 هكتار. وكما هو معلوم، فإن مجموعة 'بي.أف' الايطالية قد طلبت قبل عدة أسابيع رسميا توسيع استثماراتها بتيميمون ليشمل أيضا تربية الأبقار والعجول لإنتاج اللحوم الحمراء والحليب والأعلاف.


الشروق
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- الشروق
عرقاب يبحث مع الرئيس التنفيذي لشركة 'إديسون' الإيطالية آفاق التعاون في مجالات الطاقة
استعرض وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، مع الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإيطالية 'إديسون'، نيكولا مونتي، علاقات التعاون وفرص الشراكة، وذلك خلال اللقاء الذي جمعهما اليوم الجمعة، 16 ماي، بمدينة سورينتو الإيطالية. وجاء اللقاء على هامش مشاركة الوزير في أشغال الطبعة الرابعة للمنتدى الدولي 'نحو الجنوب: الاستراتيجية الأوروبية من أجل حقبة جيوسياسية واقتصادية وسوسيو-ثقافية جديدة في منطقة المتوسط'، المنعقد بالمدينة ذاتها. وخلال المحادثات، تم استعراض واقع علاقات التعاون وآفاق الشراكة بين مجمعي سوناطراك وإديسون، وسبل تعزيزها من خلال مشاريع هيكلية جديدة في قطاع الطاقة، لاسيما في مجالات المحروقات وتسويق الغاز الطبيعي، إضافة إلى تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر وتوسيع التعاون في مجال البنى التحتية الطاقوية، وفق ما جاء في بيان الوزارة. كما تناولت المحادثات فرص تعزيز التعاون بين شركتي سونلغاز وإديسون، لاسيما في مجالات النقل الكهربائي، صناعة المعدات، والطاقات المتجددة. وناقش الطرفان أيضا مشروع الربط الكهربائي المباشر بين الجزائر وإيطاليا، بالاستفادة من القدرات الكبيرة التي تمتلكها الجزائر في مجال الطاقات المتجددة، بما يعزز موقعها كمزوّد موثوق للطاقة في حوض المتوسط. وأكد الوزير عرقاب، في هذا السياق، أهمية العلاقات التي تربط شركات القطاع، وخاصة الجزائرية منها، بنظيراتها الإيطالية، ولاسيما تلك الناشطة في مجالات متعددة من قطاع الطاقة. كما طرح على طاولة النقاش مشروع 'الممر الجنوبي' لتصدير الهيدروجين، باعتباره أحد المشاريع الاستراتيجية الواعدة في إطار التحول الطاقوي، إلى جانب بحث سبل التعاون في ميادين التكوين، تبادل الخبرات، ونقل التكنولوجيا. هذا ما ستستفيد منه الجزائر ضمن مشروع 'ماتاي' الإيطالي وتبادل الجانبان وجهات النظر حول سبل تعزيز التعاون جنوب–جنوب في إطار 'مخطط ماتي'، خاصة من خلال دعم الدول الإفريقية في تطوير مواردها الطبيعية وتحديث بنيتها التحتية، بما يسهم في تنويع سلاسل التوريد، ضمان أمن الطاقة، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة. وفي ختام اللقاء، عبّر الطرفان ن ارتياحهما لمستوى الثقة والتفاهم الذي يميز العلاقة بين مجمع سوناطراك وشركة إديسون، مؤكدَين حرصهما المشترك على توسيع قاعدة الشراكة وتنويع مجالات التعاون بين الجزائر وإيطاليا في قطاع الطاقة.


الشروق
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- الشروق
دبلوماسية الجزائر.. من روح الثورة و'الرّجلة' والأخلاق
صرنا نسمع من حين إلى آخر، كلمّا استجدّ موقف أجنبي تجاه المسألة الصحراوية، أو تطوّرت القضية الفلسطينية نحو الأسوأ، أنّ على الجزائر مراجعة سياستها الخارجيّة. ومثل تلك الدعوات تتجاوز في جوهرها التفكير العقلاني في تقييم الأداء التكتيكي والتنفيذي وتقويم المواقف، إلى إعادة النظر في العقيدة الدبلوماسية من الأساس. ينبغي التذكير، بهذا الصدد، أنّ الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة نشأت في سياق المواجهة الثورية مع الاستعمار الفرنسي الغاشم، على يد ثلّة من الشباب الثوريين الذين لم يتدرّجوا في المسارات الأكاديمية بالجامعات العالمية العريقة، ولا ترعرعوا وسط الأجهزة الإدارية لوزارة الخارجيّة التي لم تكن حينها سوى تمثيل ثوريّ فرديّ لجبهة التحرير الوطني، ثم للحكومة المؤقتة في عواصم متفرقة من الدنيا. لكن أولئك الثوار المؤسّسين للدبلوماسية الجزائرية كانوا مشبّعين بروح الإباء والمقاومة والكبرياء والرفض المطلق للقهر والظلم والاستعمار واستعباد الإنسان واستغلال الآخر، فكانوا يتفاوضون مع ممثلي الاحتلال من موقع القوة النفسية والمعنوية مهما اختلفت موازين القوى الماديّة، رافضين التسليم لشروطه ولا التفريط في ذرة تراب واحدة من أرضهم الزكية بدماء الشهداء. تلك التجربة الثوريّة أورثتهم مبادئ الانتصار لكل مظلوم بلا إملاءات ولا شروط، فكيف إن كان شقيق الدم والعقيدة، والدفاع عن حق الآخرين في الحرية والسلام والاستقرار، مقابل النأي بالنفس عن التدخل في شؤونهم الخاصّة والحرص على تكريس سياسة حسن الجوار وعدم الانخراط في لعبة المحاور الإقليمية والدوليّة. تغيّرت الكثير من المعطيات الجيوسياسية خلال نصف قرن ويزيد، لينتقل العالم من الحرب الباردة إلى أحاديّة النظام الدولي الجديد، وعصفت بالقارة الإفريقية والمنطقة العربية أحداث جسام، وبرزت معها شعارات 'الواقعيين' و'البراغماتيين' حتى أضحت الخيانة 'وجهة نظر'، لكن الدولة الجزائرية ظلّت تتمسّك بمبادئها الأخلاقية في عصر سقطت فيه كل القيم من ممارسات الأنظمة السياسية باسم المصالح القطريّة أولا، ولو كان ذلك على حساب الأخوّة والواجب الإنساني. لقد رفضت الجزائر أن تبيع أو تشتري في كل مواقفها الخارجية تجاه قضايا المنطقة، ولم تأخذ يوما قرارها بناء فقط على مصلحة ضيقة أو أجندات خاصّة، ولعلّ دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية منذ 1962 خير شاهد على ذلك، إذ ظلّت منزّهة عن التورّط في الصراعات الفصائليّة، ولم تجعل إسنادها للتحرر الفلسطيني محل مقايضة مع أي طرف. نتذكر قبل نحو 15 عاما، شهادة رئيس الحكومة التونسية الأسبق، محمد مزالي، رحمه الله، متحدثا عن قصة فراره من قرار بن علي بإعدامه شنقا سنة 1989، متسلّلا عبر الحدود البريّة الجزائرية. يومها سأله الصحافي التونسي الشهير محمد الهاشمي على قناة 'المستقلّة': 'لماذا اخترت الهروب إلى الجزائر، عوض الاحتماء بأصدقائك الإيطاليين؟' ردّ مزالي من دون تفكير وبكل تلقائيّة: 'لُوخيّان الجزائريين إرجال… مستحيل أن يبيعوني إلى نظام بن علي بأي ثمن… لكنّي لا أثق في غيرهم'، ثم يروي لمحاوره كيف استقبلوه بحفاوة وسلّموه 6 آلاف دولار في ذلك الزمن، وبذلتين لحفظ كرامته قبل المغادرة إلى وجهة أخرى. لذلك، لا غرابة أن تقف الجزائر حاليّا بكل شموخ وشجاعة في وجه الكيان الصهيوني وداعميه من العرب والغرب، مستبسلة في تعرية جرائم الاحتلال الإسرائيلي عبر مجلس الأمن الدولي وكل الأجهزة الأمميّة، غير مبالية بخذلان الجبناء وحسابات الخونة، لأنها تتحرك انطلاقا من قيمها الدبلوماسية ولا يهمها سلوك الآخرين. إذا كان البعض يستعمل ذريعة 'الواجب الأخلاقي' في نشر الديمقراطية المزعومة والذود عن حقوق الإنسان المفترى عليها، لأجل تدمير دول والتخلّص من قوتها الإقليميّة، بحجّة إسقاط النظام المارق، مثلما حصل في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، فإنّ الجزائر تتشبّث فعلا لا قولا بكلّ القيود الأخلاقيّة في مواقفها الخارجيّة. لذلك ترفض بلادنا مطلقا، وتحت أي ظرف، التخلّي عن الحقوق الفلسطينية التاريخية كاملة غير منقوصة، حتى لو قبل جزء من الساحة الفلسطينية نفسها التفاوض بشأنها مع العدوّ الغاصب، مثلما تترفّع بسمو مبدئي عن 'مزايا' التطبيع التي يعرضها عرّابو الكيان الصهيوني في الإقليم العربي، لأنها لا تأكل بثدي شقيقتها حتى لو جاعت، فكيف وهي اليوم قوّة إقليمية حرّة ذات سيادة، يستنجد بها الأشقّاء في دفع العدوان الجائر والتكالب العالمي والتقاعس القومي. والحال نفسه مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره؛ إذ ظلّت الجزائر، في أحلك ظروفها، واقفة مع دعمه، باعتباره صاحب قضية تحرريّة عادلة، بينما جعلت منها قوى دولية عظمى فرصة لابتزاز النظام العلوي، حتى جعلوه عين التجسّس للإمبريالية الصهيونية في المنطقة، وبؤرة تآمرها على الجيران. وفي ضوء القضيتين الفلسطينية والصحراوية، على سبيل المثال لا الحصر، ترفض الجزائر المساومة على خياراتها المبدئية، في حين يتورّط الآخرون في قبض الأثمان العاجلة، مقابل الانخراط في وأد القضية الفلسطينية، ودفع الرشاوى التي فضحتها المحاكم الأوروبية، على خلفية التواطؤ في الالتفاف على الحقوق الصحراويّة. قد يقول قائل إن الدبلوماسية الجزائرية لم تنجح في بعض المبادرات، ومثل هذا الحكم التقييمي ليس قدحا، إذ أنّ الأمم المتحدة نفسها أخفقت في الكثير من الأزمات الدوليّة، بل ينبغي أن يقود أصحاب القرار إلى مراجعة الآليات والوسائل والمقاربات الميدانية، حينما يقتضي الأمر ذلك، أمّا المبادئ الأخلاقيّة، فلا خلاف حولها.