الكيزان ووهم الانتصار بالأكاذيب
النور حمد
لم يعرف تاريخ الحكم في السودان حكامًا أسسوا حكمهم على بث الأكاذيب وإغراق الناس في تلافيفها كما فعل الإخوان المسلمون. وما أكثر ما ردد السودانيون ما قاله الدكتور حسن الترابي، عرَّاب كل هذا الخراب العظيم، لقائد انقلابه الذي اختاره ليطيح به النظام الديمقراطي: "إذهب إلى القصر رئيسًا وسأذهب إلى السجن حبيسًا". كانت تلك أولى الأكاذيب التمويهية لهذه الحقبة الكئيبة المظلمة التي أوصلت البلاد إلى هذه الكارثة منعدمة الشبيه التي نعيشها الآن. منذ تلك اللحظة، توالت الأكاذيب والتمويهات إلى يومنا هذا. والمدهش أن كل هذا المسلك الإجرامي الممتد تجري نسبته زورًا وبهتانًا عظيمًا لإرادة السماء. وقد كان من المستغرب جدًا زعم الدكتور الترابي، لاحقًا، أنه لم يكن يعرف العميد عمر حسن أحمد البشير، قائد، انقلابه، إلا قبل يومٍ واحدٍ من تنفيذه الانقلاب. تلك كانت ضربة البداية لفترة حكمٍ كارثيٍّ لنظامٍ بالغ البشاعة، بالغ السوء، مفارقٌ لأبسط قواعد الأخلاق، جرى تأسيسه، منذ اللحظة الأولى، على التمويه والخداع ونشر الأكاذيب، وتبرير كل صور الاستبداد والظلم والقهر. واستمر هذا النظام الشيطاني يمارس، وبلا ونى، بث الأكاذيب وارتداء مسوح التمويه والإسراف في تضليل الرأي العام، إلى أن انتهى به الحال جثَّةً ضخمةً نتنةً، خرافية الأبعاد، لأكبر أكذوبةٍ في تاريخ السودان السياسي.
من المأساة إلى المهزلة
تقول عبارةٌ منسوبةٌ إلى كارل ماركس: "يعيدُ التاريخُ نفسه؛ فى المرة الأولى كمأساةٍ، ثم يعيدها فى المرة الثانية كمهزلة". ويبدو أننا أكملنا مرحلة المأساة وولجنا مرحلة المآسي الممزوجة بالمهازل. أضاعت علينا، مرحلة المأساة، نحن السودانيين، ثلاثين عامًا حسومًا، جعلنا فيها الإخوان المسلمون ورئيس جمهوريتهم المزعوم، فارغ العقل، ميت القلب، منطفئ الروح، المسمى عمر البشير، أضحوكةً بين شعوب الأرض. وكلنا نذكر كيف أنه أُجلس وهو ضيفٌ رسميٌّ لدى دولةٍ شقيقةٍ مع صبي. كما نذكر كيف هرب من عاصمةٍ إفريقيةٍ خوف التسليم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكيف جاءته طائرةٌ خاصةٌ محمَّلةً ب 25 مليون دولاراً، فأخذ ذلك المال إلى بيته. كما نذكر كيف جلس مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتن طالبًا الحماية من بأس الأمريكان.
لقد بدأت مرحلة المأساة المختلطة بالمهزلة حين خلق ذلك الرجل الذي قلَّد نفسه رتبة المشير، عبر منظومة الفساد المؤسسي التي رعاها لخدمة الأغراض الشخصية للذين التفوا حوله. لقد أحب الرجل أولئك الذين تحلقوا حوله وطبَّلوا له لقرابة الثلاثة عقود. فخلق لهم من أموال الشعب أوضاعًا اقتصادية مريحة، على التفاوت بينهم. فقاموا هم من جانبهم بنصب المنصات ومكبرات الصوت في الميادين العامة للقاءاته الجماهيرية الزائفة التي كانوا يعدونها له تباعا. فتفننوا في حشد الرجرجة والدهماء للقاءاته الفارغة تلك، بإغراءات لا تتعدى بضعةً من جنيهاتٍ مع ساندويتش بائسٍ وزجاجة من مشروب الكولا أو من رصيفاتها. لكي يأتي هو ليرغي ويزبد بحديثٍ لا معنى له، مندفعًا في الهياج والصياح حتى تنشرخ حباله الصوتية. ثم يختم تلك المهزلة المعتادة على مسرح التفاهة الذي أعدوه له، برقصةٍ بعصا المارشالية، على أنغام قيقم الحماسية.
نحن وأمم الجوار
في هذه السنوات الثلاثين الكالحة التي أغرقنا فيها الإخوان المسلمون في بحر أكاذيبهم اللجي، كانت الأمم الإفريقية المحيطة بنا منخرطةً في بناء الدولة الوطنية لمرحلة ما بعد الاستعمار وقطعوا في ذلك شوطًا عظيما. هذا حين كان إخوان الشياطين وقائد انقلابهم الذي قوضوا به النظام الديمقراطي غارقين في سرقة المال العام والتغطية عليه بالأكاذيب وصرف الشعب عن المراقبة بالتفاهات من برامج غنائية وخلق نجوم معبودة من مغنين بلا مواهب ولا إدراك لوظيفة الفن وبمنافسات رياضية في أبأس استادات كرة القدم على وجه الأرض. وهكذا سدر هؤلاء الضالون المضلون في غيهم حتى قامت قيامتهم على أيدي فئةٌ من شباب البلاد الأنقياء الأتقياء الشرفاء، من أولي العزم والهمة العالية، وقلبوا الطاولة على غثاثاتهم وتفاهاتهم. لكن، لأنهم يفتقرون إلى النبل والانصاف، فقد ألقت بهم الهزيمة في مستنقع الإنكار والاستكبار. ورمتهم في نيران الحقد والكراهية ونزعات الثأر السقيمة. فشرعوا منذ انتصار الثورة في مرحلتها الأولى في إعداد صنوف الكيد من مراوغاتٍ وخلط للأوراق وبلبلة للرأي العام. مستخدمين في كل ذلك آلتهم الإعلامية التي صنعوها على قرار الآلات الإعلامية الفاشية. فطفقت تبث الأكاذيب وتثير الفتن وتشق الصفوف وتبلبل الرأي العام وتغطي كل حقيقةٍ واضحةٍ ناصعةٍ بأغطيةٍ كثيفةٍ من الأكاذيب.
حبل الأكاذيب القصير
مارس الإخوان المسلمون عبر تاريخهم السياسي الكذب والتمويه والخداع، وهذه واحدةٌ من أهم صفات معتنقي الأيديولوجيات الدينية المنحرفة. فهم لا يتورعون من فعل شيءٍ مطلقًا يرون أنه يخدم أغراضهم. وبدلاً من أن يروا عظمة شعبهم كما رأى ذلك العالم بأجمعه، فيخلون الطريق له لكي يحقق مطالبه العادلة في الحرية والديمقراطية والتنمية اتجهوا إلى الإيغال في رذائل الكذب والتمويه والخداع إيغالاً مهلكًا. مكبين بوجوههم في حفرة الغي المفضي بأهله إلى النار. قالوا: لن نفض اعتصام الشباب أمام القيادة العامة، ثم ما لبثوا أن قاموا بفضه بأكثر الأساليب وحشيةً ووضاعةً ونذالةً وخسةً وقلة مروءة. ثم وقَّعوا على الوثيقة الدستورية، لكن، ما لبثوا أن احتالوا عليها مختلف الحيل، قبل أن ينقلبوا عليها، هي الأخرى. ثم لمَّا لم يُجد كل ذلك، ولم يقدم الأمور خطوةً واحدةً إلى الأمام، وعندما خرجت قوات الدعم السريع عن طوعهم ووقفت إلى جانب الاتفاق الإطاري، لجأوا إلى استخدام أقصى وأقسى صنوف الكيد، فأشعلوا هذه الحرب اللعينة التي أحرقت الأخضر واليابس، وتسببت في أكبر كارثةٍ إنسانيةٍ عرفها العالم في هذا القرن. نسفوا الاستقرار والأمن ظنا منهم أن هذه هي الطلقة الأخيرة الناجعة لإخضاع الشعب. لكن، هيهات، فقد فشل المخطط وخرج الأمر من أيديهم وسيخرج كل يومٍ جديدٍ أكثر، حتى لا يبقى لهم منه في أيدهم شيء، كان على ربك حتما مقضيا. ويبدو أن الإخوان المسلمين وصنائعم من العسكر لا يعرفون أن ثورات الشعوب من إرادة الله. ومن يغالب إرادة الله يُغلب ولو بعد حين: "فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا".
سوف ينكشف الغطاء
لن يمر وقتٌ طويلٌ حتى ينكشف الغطاء عن الأكاذيب والخداع والتمويه الذي جرى تضليل كثيرٍ من البسطاء به من أبناء شعبنا، عبر السنوات الخمس ونَيْفٍ الماضية. ففي مقابل الإلصاق الكاذب لتهم العمالة والارتزاق بالقوى الوطنية المساندة لأهداف الثورة، سوف ينكشف، في المقابل، الانبطاح المذل والكامل للإخوان المسلمين ولمليشياتهم المسماة جيشًا للنظام المصري وللنظام الإريتري، واستجلابهم المقاتلين المرتزقة من إريتريا ومن التقراي المعارضين للحكومة الإثيوبية وغيرهم من دواعش الدول الإسلامية. كما ستنكشف أكثر وأكثر خدعة كيكل واحتلال مدني وقرى الجزيرة وانسحابات الجيش من مدني وسنجة، ومن غيرها من مدن وقرى السودان. كما ستنكشف حقيقة ترويع أهل الجزيرة الذي قام به كيكل بمساندة عناصر الاستخبارات العسكرية التي جرى إدخالها في قوات الدعم السريع وأُلبست زي قوات الدعم السريع. أيضًا ستنكشف حقائق النهب الواسع لمدينة الخرطوم الذي طال البنوك والمتاجر والبيوت والمرافق الحكومية والمناطق الصناعية. وكذلك ما جرى من حفرٍ واسع النطاق لكابلات النحاس الضخمة وضغطها في مكعبات وتحميلها على الشاحنات وتهريبها إلى دول الجوار. كما ستنكشف الأكاذيب والخدع الكثيرة المتتالية التي روجت لها الآلة الإعلامية الكيزانية الضخمة. وسوف يعرف كثيرون إلى أي مدى قد جرى تضليلهم وأنهم كانوا مخدوعين. المدهش أن كل واحد من الإخوان المسلمين يعرف حقيقة كل هذه الحيل والأكاذيب ولكنهم لا ينزعجون قط من هذه الأساليب ولا يشعرون بأي قدرٍ من الاستخذاء من استخدامها. فهم أصلا لا يبالون؛ لا بقيم الدين وبلا بمقدَّرات الوطن. فالقطر السوداني بالنسبة لهم ليس سوى مزرعةٍ نائيةٍ في بلد مستباح. كل ما يهمهم فيه أن يجنوا ريع موارده لينعموا به عيشًا في الخارج. خلاصة القول: إن مناهضة هؤلاء الظلمة المستبدين الأفاكين واجبٌ أخلاقيٌّ يمليه الدين، كما تمليه القيم الإنسانية والأعراف التي تواضع عليها البشر عبر الأزمنة في مختلف الأمم والملل والنحل. ومن يقصر في مقاومتهم فهو ملومٌ عند الله، وعند الصالحين من الناس الذين سيشهدون عليه يوم الدين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة عيون
منذ 4 ساعات
- شبكة عيون
الذهب يخسر 23 دولاراً في يوم واحد ويتراجع 1.9% خلال أسبوع
الذهب يخسر 23 دولاراً في يوم واحد ويتراجع 1.9% خلال أسبوع ★ ★ ★ ★ ★ مباشر: تراجعت أسعار الذهب عند تسوية تعاملات اليوم الجمعة، مع استمرار حالة عدم اليقين والمخاوف الجيوسياسية في ظل التحركات العسكرية في الشرق الأوسط. وهبط سعر العقود الآجلة للذهب بنسبة 0.6%، بخسائر نحو 23 دولاراً، إلى مستوى 3385 دولارات للأوقية، بتراجع أسبوعي 1.9%. وبحلول الساعة 8:31 مساءً بتوقيت جرينتش، هبط الذهب في المعاملات الفورية إلى 3368 دولاراً للأوقية. وبحلول الساعة 8:37 مساءً بتوقيت جرينتش، تراجع سعر الدولار أمام اليورو بنسبة 0.3% عند مستوى 1.1530 دولار، وصعدت الورقة الخضراء أمام الين الياباني بنسبة 0.4% عند مستوى 145.9900 ين، واستقرت أمام الجنيه الإسترليني عند مستوى 1.3463 دولار. وأكد المتحدث باسم الرئاسة الإيرانية، ماجد فرحاني، في تصريح لشبكة CNN، أن بلاده تؤمن بالحوار كخيار لحل النزاعات، سواء كان الحوار مباشراً أو غير مباشر. وأشار المتحدث إلى أن الولايات المتحدة "قادرة على إنهاء الحرب بين إيران وإسرائيل بمكالمة هاتفية واحدة من الرئيس دونالد ترامب"، في إشارة إلى النفوذ الأميركي في إدارة مجريات الصراع بالمنطقة. وحذّر المتحدث من أن "في حال تورطت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، فهناك العديد من الخيارات المتاحة أمام إيران"، دون الكشف عن طبيعة تلك الخيارات. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية .. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر .. اضغط هنا ترشيحات إيران: نؤمن بالحوار وواشنطن قادرة على إنهاء الحرب بمكالمة من ترامب مباشر (اقتصاد) مباشر (اقتصاد) الكلمات الدلائليه أسعار سعر الدولار ترامب السعودية مصر اقتصاد


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
5 عوامل ستحكم توجهات النفط وسط "اشتعال" التوتر
تباينت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الخميس، مع تقييم الأسواق ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى إسرائيل في هجماتها على إيران، بعدما دخل الصراع يومه السابع. وانخفضت أسعار العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم أغسطس (آب) 0.15 في المئة أو 13 سنتاً عند 76.57 دولار للبرميل، بينما استقرت أسعار العقود الآجلة لخام "نايمكس" الأميركي تسليم يوليو (تموز) عند 75.09 دولار للبرميل. يأتي هذا بعدما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى احتمال تدخل الولايات المتحدة في النزاع، لكنه لم يحسم الأمر، مما خلق حال عدم يقين في السوق ودفع المستثمرين إلى تجنب اتخاذ مراكز جديدة في السوق، فأسهم في تراجع الأسعار. وعلى مدى الأسبوع الجاري، حقق خام "برنت" مكاسب ملحوظة مرتفعاً من 74 دولاراً إلى مستوياته الحالية، مدفوعاً بتزايد القصف المتبادل في الشرق الأوسط. أما خام غرب تكساس، فشهد قفزة لافتة من 67 دولاراً إلى أكثر من 75 دولاراً في غضون أيام قليلة. أما على مدى الشهر الماضي، فتقلبت أسعار الخام بصورة حادة وسط حال من الضبابية الشديدة، إذ تراوح "برنت" ما بين 58 و88 دولاراً للبرميل، بينما تحرك الخام الأميركي ضمن نطاق 55 إلى 84 دولاراً، في انعكاس مباشر لحال التوتر السياسي والمخاوف حول مستقبل إمدادات الطاقة العالمية. احتمال انقطاع إمدادات على صعيد متصل، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان اليوم، رداً على سؤال حول ما إذا كانت السعودية وروسيا ستتدخلان لتعويض أي انقطاع محتمل لإمدادات النفط الإيرانية "ردود فعلنا تكون فقط على الحقائق"، مضيفاً خلال منتدى اقتصادي في سانت بطرسبورغ أن "أوبك+" تحالف جدير بالثقة. وأكد المسؤول السعودي أن تحالف "أوبك+" يُعدّ تحالفاً موثوقاً وفاعلاً يراعي الظروف عند حدوثها". وأشار إلى أن هناك مجموعة "أوبك+" و"مجموعة الثماني"، وكلنا يجب أن نتفق في إطار هذه الصيغة، ويجب أن تتاح لنا الفرصة للرد على أية أوضاع وفقاً للتطورات، مضيفاً "لا يحق لأحد أن يتحدث باسم الجميع من دون أن يعرف رأي الجميع في مجموعتنا". وشدد وزير الطاقة على أن "أوبك+"، منذ إنشائه، حل كثيراً من المشكلات، مؤكداً أن التحالف تنظيم جدي وفاعل، ويتابع باهتمام بالغ التطورات الجارية. من جانبه قال الممثل الخاص للرئيس الروسي للتعاون الاستثماري والاقتصادي مع الدول الأجنبية كيريل دميترييف لـوكالة "رويترز" على هامش المنتدى إن "من الممكن اتخاذ روسيا والولايات المتحدة والسعودية إجراء مشتركاً لتحقيق استقرار أسواق النفط". وأضاف دميترييف، وهو أيضاً رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، أن هناك سابقة لإجراء مماثل في 2020. وقال محلل السوق لدى "آي جي" توني سيكامور ضمن مذكرة "لا تزال هناك علاوة مخاطرة جيدة في السعر مع ترقب المتعاملين لمعرفة ما إذا كانت المرحلة التالية من الصراع الإسرائيلي- الإيراني هي ضربة أميركية أو محادثات سلام". إيران ثالث منتج وإيران هي ثالث أكبر منتج في منظمة "أوبك"، إذ تضخ نحو 3.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، لكن الأهم من ذلك هو مرور نحو 19 مليون برميل يومياً من الخام والمنتجات النفطية عبر مضيق هرمز، ويتصاعد القلق من أن يتسبب القتال في تعطيل التدفقات التجارية من هناك. مفترق طرق وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل، تقف أسعار النفط العالمية أمام مفترق طرق مصيري، تقوده خمسة عوامل رئيسة ترسم ملامح المستقبل القريب للسوق. وحدد محللون لـ"اندبندنت عربية" خمسة محركات رئيسة تتحكم في أسعار النفط حالياً، مؤكدين أن الخطر الأكبر بالقطاع سيبقى من جهة بوابة مضيق جبل هرمز الذي من المتوقع أن تهدد إيران بإغلاقه حال تصاعد الأحداث. وأوضح المحللون أن أول تلك العوامل التوترات الجيوسياسية في الخليج، إذ أن الأزمة بين إيران وإسرائيل أصبحت العامل الأبرز في تحديد مسار السوق، ولا سيما مع تصاعد المخاوف من تهديد الملاحة في مضيق هرمز، مشيرين إلى سياسات إنتاج تحالف "أوبك+" وهي الجهة المنظمة للأسعار التي تواصل سياسة الحذر من دون اتخاذ قرارات برفع الإنتاج على رغم تصاعد الأحداث الجارية. وبينوا أن من تلك العوامل اتجاهات الدولار الأميركي، إذ إن ضعف الدولار أخيراً يدعم أسعار الخام لكنه ليس العامل الحاسم وحده، لافتين إلى أن تقلبات عقود المشتقات ونشاط المضاربين في الأسواق يعززان من موجات الارتفاع الحادة الجارية في الأسعار. وأشاروا إلى أن تباين الرؤى من قبل المؤسسات المالية العالمية وتفاوتها يزيدان من حال التذبذب وعدم اليقين في الأسواق. القلق على هرمز ويشير تقرير "بلومبيرغ الشرق" إلى أن أكبر مصدر قلق لأسواق النفط يتمثل في مضيق هرمز، لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن إيران تسعى إلى تعطيل حركة الشحن في هذا الممر البحري الضيق عند مدخل الخليج العربي، إذ يمر عبر المضيق نحو خُمس إنتاج النفط العالمي. وقال رئيس "معهد البترول الأميركي" مايك سومرز خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، "لا نرى أن هذا السيناريو مرجح في الوقت الحالي، لكن نظراً إلى الوضع المضطرب الذي تعيشه إيران حالياً، أعتقد بأن على الجميع مراقبة مضيق هرمز عن كثب". صعود حاد وبدوره أوضح المحلل النفطي الكويتي خالد بودي أن هذا الصعود الحاد في أسعار النفط يعكس بصورة رئيسة قلق الأسواق من احتمال تعطل الإمدادات العالمية، ويأتي هذا القلق مدفوعاً بتصاعد التهديدات التي تستهدف أمن الملاحة في مضيق هرمز الذي يعد شرياناً حيوياً يمر عبره نحو 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية. وأشار إلى أن هذه التطورات تأتي في وقت بالغ الحساسية للأسواق العالمية التي تكافح بالفعل لمواجهة الضغوط التضخمية وتقلبات أسعار السلع الأساسية. وضمن تحليل معمق، أشار المتخصص في الشأن الاقتصادي بالجامعة اللبنانية جاسم عجاقة إلى أن المقترح الجاري لمد خط أنابيب نفط يربط شرق السعودية بغربها ليس وليد اللحظة، بل هو مشروع ذو جذور تاريخية تعود لثمانينيات القرن الماضي. وأوضح عجاقة أن هذا المشروع يكتسب أهمية حيوية غير مسبوقة في ظل "الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة التي تحيط بمضيق هرمز"، مضيفاً أن السعودية وشركاءها الإقليميين، مثل الإمارات والكويت ودول خليجية أخرى، ينظرون إلى هذا الأنبوب كحل استراتيجي لضمان "تدفق آمن وموثوق للنفط"، متجاوزاً بذلك أية أخطار أو تطورات محتملة قد تطرأ على مضيق هرمز. أزمة إمدادات وحذر المتخصص في شؤون الطاقة مدحت يوسف من أن إغلاق مضيق هرمز لن يقتصر تأثيره في أزمة إمدادات وحسب، بل سيشكل نقطة تحول جذرية في أسواق الطاقة العالمية بأكملها. وأوضح أن السعودية، على رغم امتلاكها لبدائل، لن تتمكن بمفردها من سد الفجوة الهائلة التي ستنتج من توقف صادرات الخليج العربي عبر المضيق. وأشار إلى أن تجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل سيكون إيذاناً بما أسماه "عصر الطاقة الجيوسياسية"، وفي هذا العصر الجديد، ستعود الاعتبارات العسكرية والجيوسياسية لتتصدر مشهد تسعير النفط عالمياً، مما يعيد تشكيل ديناميكيات السوق بصورة عميقة. رؤية المؤسسات العالمية وتتباين رؤى المؤسسات المالية العالمية الكبرى حول مستقبل أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2025، إذ تراوح السيناريوهات ما بين الاستقرار الحذر وموجات صعود قد تدفع الخام فوق حاجز 100 دولار، وقد تتجاوزه بكثير في حال التصعيد العسكري المباشر، مما يعكس حال عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، مدفوعة بصورة رئيسة بالأخطار الجيوسياسية المتزايدة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ورفع بنك "غولدمان ساكس" تقديراته لعلاوة الأخطار الجيوسياسية إلى 11 دولاراً للبرميل، متوقعاً أن يراوح خام "برنت" ما بين 88 و92 دولاراً إذا استمرت الأزمة من دون تصعيد مباشر على إمدادات الخليج. ومع ذلك، يرجح البنك قفز الأسعار إلى 100 دولار أو أكثر في حال تعطيل صادرات النفط الإيرانية أو إغلاق موقت لمضيق هرمز. ويتوقع بنك "باركليز كابيتال" نطاقاً سعرياً بين 85 و100 دولار، محذراً من موجة صعود سريعة قد تدفع السوق بسهولة إلى 110 دولارات في حال استهداف منشآت نفطية إيرانية أو تعطيل الصادرات. ويتبنى بنك "جيه بي مورغان" رؤية أكثر حذراً، متوقعاً استقرار الخام بين 70 و80 دولاراً إذا لم تشهد الأزمة تصعيداً مباشراً، وعلى رغم إقرار البنك باحتمال قفز الأسعار فوق 100 دولار، فإنه لا يرى هذا السيناريو يتحقق إلا إذا خرجت الأزمة عن السيطرة بصورة كاملة. أما "سيتي بنك"، فيرجح بقاء أسعار النفط في نطاق 70-80 دولاراً على المدى القصير، لكنه حذر من أن "أي خلل في الملاحة أو استهداف جديد لمنشآت الطاقة الإيرانية قد يدفع الأسعار موقتاً فوق 100 دولار". ويرى بنك الاستثمار "آي أن جي" أن الأسواق تتفاعل لحظة بلحظة مع الأخبار الواردة من الخليج، مؤكداً استعداد الخام للقفز فوق 100 دولار في حال التصعيد المباشر. أما "ريستاد إنرجي"، الشركة المستقلة في مجال أبحاث الطاقة وذكاء الأعمال، فأكدت ضمن تقريرها الأخير أن "السوق في حال هشاشة غير مسبوقة"، مشددة على أن أي تطور عسكري جديد قد يعيد مشهد ارتفاع الأسعار إلى مستويات ثلاثية الأرقام. معركة تلوح في الأفق وفي النهاية فإن العالم يقف اليوم أمام لحظة اختبار جديدة لأسواق الطاقة، إذ تترابط السياسة بالاقتصاد في مشهد معقد وغير قابل للتنبؤ، وبينما تسابق الجهود الدبلوماسية الزمن لمنع انفجار الأسعار، تبقى الأسواق في حال تأهب قصوى لأي تطور جديد. ومن المؤكد أن أسعار النفط لن تعود لمستويات الأمان قبل اتضاح مسار الأزمة الجيوسياسية، بينما تظل عيون المستثمرين والمؤسسات المالية مشدودة نحو الخليج، حيث تُرسم ملامح مستقبل الطاقة، وربما شكل جديد للنظام الاقتصادي العالمي بأسره.


الموقع بوست
منذ 2 أيام
- الموقع بوست
التوترات ترفع أسعار الوقود في اليمن
وصلت شظايا الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران وتبعاتها المتواصلة التي تطاول الأسواق العالمية إلى قطاع الطاقة والنفط في اليمن، الذي من المتوقع أن يكون من أكثر القطاعات المتأثرة بالحرب، وما يرافقها من توترات وأحداث متصاعدة في المنطقة. وفي قرار مبكر، أقدمت الجهات المعنية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن، على فرض تسعيرة جديدة للوقود، حيث رفعت بموجبها سعر صفيحة البنزين 20 لتراً من 34 ألف ريال إلى 35 ألفاً و900 ريال (حوالي 30 دولاراً)، في حين وصلت صفيحة الديزل 20 لتراً إلى 34 ألفاً من 33 ألفاً و500 ريال. يأتي ذلك في ظل تسارع انهيار العملة المحلية بالتزامن مع الأحداث المتصاعدة الناتجة عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حيث حطم سعر الصرف مستويات قياسية جديدة بتجاوزه حاجز 2600 ريال مقابل الدولار، مع استمراره بالتدهور واقترابه من تحطيم رقم قياسي آخر بتجاوزه حاجز 2700 ريال للدولار، مع توقعات تُرجح كسر حاجز الألف الثالث في فترة وجيزة قد لا تتجاوز نهاية يونيو/ حزيران الجاري. وربطت مصادر معنية في شركة النفط الحكومية هذه الزيادة الطارئة بتدهور العملة المحلية الذي تزامن مع مستجدات الأحداث الطارئة في المنطقة، واضطراب أسعار النفط العالمية التي تواصل ارتفاعها منذ أيام، عدا عن ارتفاع تكاليف النقل والتخزين بسبب الحرب والتوترات الحاصلة في المنطقة. المحلل الاقتصادي مراد منصور، يقول لـ"العربي الجديد" إن التسعيرة الجديدة تُعد الرابعة خلال هذا العام، حيث يتم فرض جرعة سعرية جديدة للوقود في عدن ومناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ليس مع كل حدث طارئ فقط في اليمن أو المنطقة، بل مع كل تدهور جديد في سعر صرف العملة المحلية. وتؤكد شركة النفط الحكومية في عدن أنها تبذل جهوداً كبيرة للحيلولة دون رفع أسعار المشتقات النفطية، لكن الأمر يبقى مرهوناً بتقلبات السوق والأوضاع في المنطقة. في هذا السياق، يشير منصور إلى تسرع الجهات المعنية في عدن بفرض تسعيرة جديدة على البنزين وهذا يعتبر استغلالاً للحرب والأحداث المتصاعدة في المنطقة، بالرغم من أن الكمية المتداولة حالياً من المشتقات النفطية يتم استيرادها بأسعار سابقة قبل انفجار الحرب الراهنة، لافتاً إلى أن صنعاء لا تزال محطاتها تبيع الوقود بالسعر المتداول والمعتمد منذ فترة، والذي يصل إلى نحو 9500 ريال (نحو 20 دولاراً) للصفيحة. وحسب مصادر مطلعة، فإن شركة النفط الحكومية تأمل من كافة المواطنين تفهم حجم الصعوبات التي تواجهها، في حال ارتفاع أسعار المشتقات النفطية كون الأمر خارجاً عن إرادتها، مؤكدةً أن أي ارتفاعات قادمة ستكون متوائمة مع الوضع المعيشي وقدرة المواطنين الشرائية، كما هو الحال في الارتفاعات السابقة التي عملت الشركة على أن تكون في متناول يد المواطن ومستوى دخله. الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يقول لـ"العربي الجديد" إن الحكومة في عدن تمر بوضع حرج للغاية، حيث يلاحظ الجميع عجزها عن التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويظهر ذلك بشكل كبير في الأزمات والأحداث الطارئة، فهي لا تمتلك أي خطط لمواجهة التبعات كما يحصل حالياً، إذ لم يكن بيدها سوى المسارعة إلى فرض تسعيرة جديدة للوقود والتي ستضاعف من معاناة المواطنين بشكل كبير، موضحاً أن أسعار السلع الأساسية ستزيد بشكل مضاعف في ظل تدهور معيشي يطاول جميع شرائح المجتمع. وبالرغم من فرض التسعيرة الجديدة للوقود، تعمل المؤسسات العامة المختصة في اليمن على طمأنة المواطنين بما تبذله من جهود واحتياطات لمواجهة تداعيات الأحداث الراهنة، وتوفير كميات كافية من المشتقات النفطية، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة، وتزايد المخاطر من إغلاق مضيق هرمز جراء الحرب الإسرائيلية الإيرانية. ويشير مقبل إلى الأزمة المستفحلة في الطاقة الكهربائية التي سيتفاقم وضعها إلى مستويات قياسية بسبب الحرب في المنطقة، والتي سيكون لها تبعات جسيمة على قدرة الحكومة في توفير الوقود الخاص بتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. في السياق، قام رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الاثنين 16 يونيو، بزيارة ميدانية طارئة الى عدد من محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدن، للوقوف على أوضاعها الحالية، والمعالجات العاجلة المطلوبة لرفع قدراتها التوليدية لمواجهة الطلب المتزايد مع حرارة الصيف، وتخفيف معاناة المواطنين. وتتجه الحكومة لإعداد مناقصة شفافة لتعيين شركة رقابية لفحص وقود الكهرباء والرقابة على عملية التوزيع وضمان كفاءة الاستخدام، إضافة إلى إعداد تقرير تفصيلي شامل عن الإيرادات والنفقات الخاصة بالكهرباء خلال العامين الماضيين والستة أشهر الأولى من العام الجاري، وإنجازه في أسرع وقت ممكن. كما تسعى إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية تضمن إيجاد حلول مجدية ودائمة لاستقرار الخدمة المقدمة للمواطنين وتخفيف المعاناة جراء الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، وانتهاج طرق جديدة تؤدي إلى الكفاءة في الإنتاج والتوزيع والتحصيل، وإيجاد بدائل اقتصادية مجدية لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الوقود الأقل كلفة.