
5 عوامل ستحكم توجهات النفط وسط "اشتعال" التوتر
تباينت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الخميس، مع تقييم الأسواق ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى إسرائيل في هجماتها على إيران، بعدما دخل الصراع يومه السابع.
وانخفضت أسعار العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم أغسطس (آب) 0.15 في المئة أو 13 سنتاً عند 76.57 دولار للبرميل، بينما استقرت أسعار العقود الآجلة لخام "نايمكس" الأميركي تسليم يوليو (تموز) عند 75.09 دولار للبرميل.
يأتي هذا بعدما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى احتمال تدخل الولايات المتحدة في النزاع، لكنه لم يحسم الأمر، مما خلق حال عدم يقين في السوق ودفع المستثمرين إلى تجنب اتخاذ مراكز جديدة في السوق، فأسهم في تراجع الأسعار.
وعلى مدى الأسبوع الجاري، حقق خام "برنت" مكاسب ملحوظة مرتفعاً من 74 دولاراً إلى مستوياته الحالية، مدفوعاً بتزايد القصف المتبادل في الشرق الأوسط. أما خام غرب تكساس، فشهد قفزة لافتة من 67 دولاراً إلى أكثر من 75 دولاراً في غضون أيام قليلة.
أما على مدى الشهر الماضي، فتقلبت أسعار الخام بصورة حادة وسط حال من الضبابية الشديدة، إذ تراوح "برنت" ما بين 58 و88 دولاراً للبرميل، بينما تحرك الخام الأميركي ضمن نطاق 55 إلى 84 دولاراً، في انعكاس مباشر لحال التوتر السياسي والمخاوف حول مستقبل إمدادات الطاقة العالمية.
احتمال انقطاع إمدادات
على صعيد متصل، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان اليوم، رداً على سؤال حول ما إذا كانت السعودية وروسيا ستتدخلان لتعويض أي انقطاع محتمل لإمدادات النفط الإيرانية "ردود فعلنا تكون فقط على الحقائق"، مضيفاً خلال منتدى اقتصادي في سانت بطرسبورغ أن "أوبك+" تحالف جدير بالثقة.
وأكد المسؤول السعودي أن تحالف "أوبك+" يُعدّ تحالفاً موثوقاً وفاعلاً يراعي الظروف عند حدوثها".
وأشار إلى أن هناك مجموعة "أوبك+" و"مجموعة الثماني"، وكلنا يجب أن نتفق في إطار هذه الصيغة، ويجب أن تتاح لنا الفرصة للرد على أية أوضاع وفقاً للتطورات، مضيفاً "لا يحق لأحد أن يتحدث باسم الجميع من دون أن يعرف رأي الجميع في مجموعتنا".
وشدد وزير الطاقة على أن "أوبك+"، منذ إنشائه، حل كثيراً من المشكلات، مؤكداً أن التحالف تنظيم جدي وفاعل، ويتابع باهتمام بالغ التطورات الجارية.
من جانبه قال الممثل الخاص للرئيس الروسي للتعاون الاستثماري والاقتصادي مع الدول الأجنبية كيريل دميترييف لـوكالة "رويترز" على هامش المنتدى إن "من الممكن اتخاذ روسيا والولايات المتحدة والسعودية إجراء مشتركاً لتحقيق استقرار أسواق النفط".
وأضاف دميترييف، وهو أيضاً رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، أن هناك سابقة لإجراء مماثل في 2020.
وقال محلل السوق لدى "آي جي" توني سيكامور ضمن مذكرة "لا تزال هناك علاوة مخاطرة جيدة في السعر مع ترقب المتعاملين لمعرفة ما إذا كانت المرحلة التالية من الصراع الإسرائيلي- الإيراني هي ضربة أميركية أو محادثات سلام".
إيران ثالث منتج
وإيران هي ثالث أكبر منتج في منظمة "أوبك"، إذ تضخ نحو 3.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، لكن الأهم من ذلك هو مرور نحو 19 مليون برميل يومياً من الخام والمنتجات النفطية عبر مضيق هرمز، ويتصاعد القلق من أن يتسبب القتال في تعطيل التدفقات التجارية من هناك.
مفترق طرق
وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل، تقف أسعار النفط العالمية أمام مفترق طرق مصيري، تقوده خمسة عوامل رئيسة ترسم ملامح المستقبل القريب للسوق.
وحدد محللون لـ"اندبندنت عربية" خمسة محركات رئيسة تتحكم في أسعار النفط حالياً، مؤكدين أن الخطر الأكبر بالقطاع سيبقى من جهة بوابة مضيق جبل هرمز الذي من المتوقع أن تهدد إيران بإغلاقه حال تصاعد الأحداث.
وأوضح المحللون أن أول تلك العوامل التوترات الجيوسياسية في الخليج، إذ أن الأزمة بين إيران وإسرائيل أصبحت العامل الأبرز في تحديد مسار السوق، ولا سيما مع تصاعد المخاوف من تهديد الملاحة في مضيق هرمز، مشيرين إلى سياسات إنتاج تحالف "أوبك+" وهي الجهة المنظمة للأسعار التي تواصل سياسة الحذر من دون اتخاذ قرارات برفع الإنتاج على رغم تصاعد الأحداث الجارية.
وبينوا أن من تلك العوامل اتجاهات الدولار الأميركي، إذ إن ضعف الدولار أخيراً يدعم أسعار الخام لكنه ليس العامل الحاسم وحده، لافتين إلى أن تقلبات عقود المشتقات ونشاط المضاربين في الأسواق يعززان من موجات الارتفاع الحادة الجارية في الأسعار.
وأشاروا إلى أن تباين الرؤى من قبل المؤسسات المالية العالمية وتفاوتها يزيدان من حال التذبذب وعدم اليقين في الأسواق.
القلق على هرمز
ويشير تقرير "بلومبيرغ الشرق" إلى أن أكبر مصدر قلق لأسواق النفط يتمثل في مضيق هرمز، لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن إيران تسعى إلى تعطيل حركة الشحن في هذا الممر البحري الضيق عند مدخل الخليج العربي، إذ يمر عبر المضيق نحو خُمس إنتاج النفط العالمي.
وقال رئيس "معهد البترول الأميركي" مايك سومرز خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، "لا نرى أن هذا السيناريو مرجح في الوقت الحالي، لكن نظراً إلى الوضع المضطرب الذي تعيشه إيران حالياً، أعتقد بأن على الجميع مراقبة مضيق هرمز عن كثب".
صعود حاد
وبدوره أوضح المحلل النفطي الكويتي خالد بودي أن هذا الصعود الحاد في أسعار النفط يعكس بصورة رئيسة قلق الأسواق من احتمال تعطل الإمدادات العالمية، ويأتي هذا القلق مدفوعاً بتصاعد التهديدات التي تستهدف أمن الملاحة في مضيق هرمز الذي يعد شرياناً حيوياً يمر عبره نحو 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية.
وأشار إلى أن هذه التطورات تأتي في وقت بالغ الحساسية للأسواق العالمية التي تكافح بالفعل لمواجهة الضغوط التضخمية وتقلبات أسعار السلع الأساسية. وضمن تحليل معمق، أشار المتخصص في الشأن الاقتصادي بالجامعة اللبنانية جاسم عجاقة إلى أن المقترح الجاري لمد خط أنابيب نفط يربط شرق السعودية بغربها ليس وليد اللحظة، بل هو مشروع ذو جذور تاريخية تعود لثمانينيات القرن الماضي.
وأوضح عجاقة أن هذا المشروع يكتسب أهمية حيوية غير مسبوقة في ظل "الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة التي تحيط بمضيق هرمز"، مضيفاً أن السعودية وشركاءها الإقليميين، مثل الإمارات والكويت ودول خليجية أخرى، ينظرون إلى هذا الأنبوب كحل استراتيجي لضمان "تدفق آمن وموثوق للنفط"، متجاوزاً بذلك أية أخطار أو تطورات محتملة قد تطرأ على مضيق هرمز.
أزمة إمدادات
وحذر المتخصص في شؤون الطاقة مدحت يوسف من أن إغلاق مضيق هرمز لن يقتصر تأثيره في أزمة إمدادات وحسب، بل سيشكل نقطة تحول جذرية في أسواق الطاقة العالمية بأكملها. وأوضح أن السعودية، على رغم امتلاكها لبدائل، لن تتمكن بمفردها من سد الفجوة الهائلة التي ستنتج من توقف صادرات الخليج العربي عبر المضيق.
وأشار إلى أن تجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل سيكون إيذاناً بما أسماه "عصر الطاقة الجيوسياسية"، وفي هذا العصر الجديد، ستعود الاعتبارات العسكرية والجيوسياسية لتتصدر مشهد تسعير النفط عالمياً، مما يعيد تشكيل ديناميكيات السوق بصورة عميقة.
رؤية المؤسسات العالمية
وتتباين رؤى المؤسسات المالية العالمية الكبرى حول مستقبل أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2025، إذ تراوح السيناريوهات ما بين الاستقرار الحذر وموجات صعود قد تدفع الخام فوق حاجز 100 دولار، وقد تتجاوزه بكثير في حال التصعيد العسكري المباشر، مما يعكس حال عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، مدفوعة بصورة رئيسة بالأخطار الجيوسياسية المتزايدة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفع بنك "غولدمان ساكس" تقديراته لعلاوة الأخطار الجيوسياسية إلى 11 دولاراً للبرميل، متوقعاً أن يراوح خام "برنت" ما بين 88 و92 دولاراً إذا استمرت الأزمة من دون تصعيد مباشر على إمدادات الخليج. ومع ذلك، يرجح البنك قفز الأسعار إلى 100 دولار أو أكثر في حال تعطيل صادرات النفط الإيرانية أو إغلاق موقت لمضيق هرمز.
ويتوقع بنك "باركليز كابيتال" نطاقاً سعرياً بين 85 و100 دولار، محذراً من موجة صعود سريعة قد تدفع السوق بسهولة إلى 110 دولارات في حال استهداف منشآت نفطية إيرانية أو تعطيل الصادرات.
ويتبنى بنك "جيه بي مورغان" رؤية أكثر حذراً، متوقعاً استقرار الخام بين 70 و80 دولاراً إذا لم تشهد الأزمة تصعيداً مباشراً، وعلى رغم إقرار البنك باحتمال قفز الأسعار فوق 100 دولار، فإنه لا يرى هذا السيناريو يتحقق إلا إذا خرجت الأزمة عن السيطرة بصورة كاملة.
أما "سيتي بنك"، فيرجح بقاء أسعار النفط في نطاق 70-80 دولاراً على المدى القصير، لكنه حذر من أن "أي خلل في الملاحة أو استهداف جديد لمنشآت الطاقة الإيرانية قد يدفع الأسعار موقتاً فوق 100 دولار".
ويرى بنك الاستثمار "آي أن جي" أن الأسواق تتفاعل لحظة بلحظة مع الأخبار الواردة من الخليج، مؤكداً استعداد الخام للقفز فوق 100 دولار في حال التصعيد المباشر.
أما "ريستاد إنرجي"، الشركة المستقلة في مجال أبحاث الطاقة وذكاء الأعمال، فأكدت ضمن تقريرها الأخير أن "السوق في حال هشاشة غير مسبوقة"، مشددة على أن أي تطور عسكري جديد قد يعيد مشهد ارتفاع الأسعار إلى مستويات ثلاثية الأرقام.
معركة تلوح في الأفق
وفي النهاية فإن العالم يقف اليوم أمام لحظة اختبار جديدة لأسواق الطاقة، إذ تترابط السياسة بالاقتصاد في مشهد معقد وغير قابل للتنبؤ، وبينما تسابق الجهود الدبلوماسية الزمن لمنع انفجار الأسعار، تبقى الأسواق في حال تأهب قصوى لأي تطور جديد.
ومن المؤكد أن أسعار النفط لن تعود لمستويات الأمان قبل اتضاح مسار الأزمة الجيوسياسية، بينما تظل عيون المستثمرين والمؤسسات المالية مشدودة نحو الخليج، حيث تُرسم ملامح مستقبل الطاقة، وربما شكل جديد للنظام الاقتصادي العالمي بأسره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 18 دقائق
- مباشر
رويترز: إسرائيل استأنفت تصدير الغاز بكميات محدودة من فائض الإمدادات
مباشر: قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية، إن إسرائيل استأنفت تصدير الغاز بكميات محدودة من فائض الإمدادات، وذلك بعد نحو أسبوع من إغلاق حقلين بحريين رئيسيين عقب اندلاع الحرب الجوية بين إسرائيل وإيران. وقال متحدث باسم الوزارة لـ"رويترز" إن الصادرات تستأنف الآن من الفوائض بعد تلبية الاحتياجات المحلية. وأوضح مصدر في وزارة الطاقة أن معظم الغاز المصدر المحدود يتدفق حالياً إلى الأردن، ولم تصل إلى مصر سوى "كميات ضئيلة" هذا الأسبوع. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا


Independent عربية
منذ 28 دقائق
- Independent عربية
ماذا يعني تفكيك إيران؟
من الأهداف المعلنة وغير السرية للهجوم الإسرائيلي على إيران هو إزالة النظام القائم والقضاء على الجمهورية التي تحكم إيران منذ 46 عاماً. وإن كان هذا الهدف إسرائيلياً معلناً، فإنه أيضاً يعتبر هدفاً استراتيجياً لا يقتصر على الإدارات الأميركية، بل تلتقي معها كل العواصم الغربية التي تعتبر هذا النظام عائقاً أمام تحقيق مخططاتها ومشاريعها في هذه المنطقة الحيوية اقتصادياً واستراتيجياً. ولا تخفي الإدارات الأميركية العمل من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وقد دفعت بالكثير من مواقفها المعلنة والسرية من أجل تحقيقه، ولم تخلُ مواقف وتصريحات كبار المسؤولين الأميركيين من الإشارة إلى هذا الهدف بشكل مباشر أو بشكل موارب. ولعل آخر هذه المواقف ما ألمح إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام عندما تحدث عن وجود خطط وتصور لما ستكون عليه طبيعة الحكم في إيران بعد القضاء على النظام القائم ومن هي الجهة التي ستحكم. هذا القرار وهذه الخطة كشفها ترمب في سلسلة اجتماعات متوالية ومتتالية لمجلس الأمن القومي الأميركي، والتي خلصت إلى اتخاذ قرار بالتدخل في الحرب القائمة بين طهران وتل أبيب، مع احتفاظ الرئيس بقرار البدء بالتدخل في التوقيت المناسب. لكن ماذا يعني تنفيذ مخطط التخلص والقضاء على النظام الحاكم في إيران؟ سؤال قد يبدو للبعض في غير محله انطلاقاً من رغبة لديهم في تحقيق هذا الهدف من دون التوقف أمام تداعياته أو الاهتمام بالآثار التي قد تترتب على ذلك. إلا أن قراءة موضوعية واستشرافية لمثل هذا الحدث، لا يمكنها إلا أن تتوقف عند المآلات التي ستكون عليها المنطقة برمتها وليس فقط إيران. حروب داخلية فإسقاط النظام الإيراني القائم والقضاء عليه، لن يكون بالسهولة التي يتوقعها الراغبون به، لأن المؤسسات التي عمل النظام على بنائها خلال العقود الأربعة الماضية من الصعب عليها الاستسلام بسهولة. وهي من أجل الحفاظ على مكتسباتها والدفاع عن مصالحها، لن تتردد في اللجوء لأي إجراء مهما كانت تداعياته. أي إنها ستعمد لاستخدام ما في يدها من قدرات عسكرية وتنظيمية للتصدي وقمع محاولات التغيير، حتى وإن أدت إلى حروب داخلية. ولا شك أن منظومة السلطة الإيرانية أو الدولة العميقة قد وضعت الخطط العملياتية لمواجهة مثل هذه الاحتمالات، وقد فوضت القوى المحلية في كل الأقاليم الإيرانية باتخاذ الإجراء المناسب للحفاظ على النظام. وإذا ما كان السيناريو الأول المتوقع هو حروب داخلية، فإن السيناريو الثاني الذي يقوم ويرتكز على السيناريو الأول، هو ذهاب إيران نحو التقسيم والتفكيك. ولمعرفة خطورة هذا السيناريو وأبعاده، لا بد من التوقف عند مسألة مهمة وأساسية في معرفة التركيبة السكانية وخريطة توزع القوميات داخل الحدود الإيرانية، كمدخل ضروري لمعرفة وفهم ما ستكون عليه الحال في حال ذهبت الأمور نحو التقسيم. عواصم غربية تعتبر النظام الإيراني القائم عائقاً أمام تحقيق مخططاتها ومشاريعها في هذه المنطقة الحيوية اقتصادياً واستراتيجياً (أ ف ب) ولأن التقسيم في إيران لن يقتصر على حدود الهضبة الإيرانية، بل ستكون له تداعيات على كل خرائط المنطقة الجيوسياسية التي قامت منذ قرن مع اتفاقية سايكس– بيكو، لا بد من معرفة خريطة المستفيدين من هذا التفكيك والتقسيم ومن هم المتضررون. وإذا ما توقفنا فقط عند خريطة توزيع القوميات الرئيسة في التركيبة الإيرانية، فإننا سنكون أمام خريطة جداً معقدة، تشمل كل المحافظات والمناطق الحدودية بين إيران والدول المجاورة لها، والتي تعتبر مناطق تداخل قومي بين إيران وهذه الدول، إذ تتوزع هذه القوميات على طرفي الحدود المشتركة. ما يجعل من العلاقة بينها وبين هذا الامتداد متداخلة بين الطموح الداخلي الخاص وبين الأبعاد الإقليمية أو المرتبطة بدول الجوار الإيراني. وهي خريطة تحتل فيها قوميات أساسية صدارة المشهد، وتملك القدرة على لعب دور محوري في مستقبل إيران والصورة التي ستكون عليها خريطة التقسيم المحتمل واستراتيجية تقليم أظافر إيران الداخلية. ففي الشمال والشمال الغربي، هناك تمركز واضح لأبناء القومية الأذرية التركية في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وأرورميه وأردبيل وزنجان التي تشكل امتداداً طبيعياً لأتراك وأذريين دولة أذربيجان بقيادة إلهام علييف، وبالتالي فإن أي تفكيك لوحدة الأراضي الإيرانية يعني اقتراب علييف والقيادة الأذربيجانية من تحقيق حلم توحيد مناطق انتشار هذه القومية وإقامة دولة أذربيجان الكبرى. ولا شك أن هذا الطموح سيكون مدعوماً بوضوح من الحليف الأساس لباكو، أي إسرائيل التي تقيم علاقات استراتيجية عميقة معها، وقد ظهرت أثار ذلك في الهجوم الإسرائيلي على النظام الإيراني والتعاون العسكري والأمني الكبير بين الطرفين والذي ساعد في تسهيل مهمة الضربة الإسرائيلية في العمق الإيراني. الحلم الأذري بإقامة دولة أذربيجان الكبرى، من المحتمل أن يولد صراعاً بينها وبين دولة تركمانستان من جهة، وبين أبناء القومية الأذرية والقومية التركمانية في إيران من جهة أخرى، بخاصة وأن مناطق انتشار التركمان في المحافظات الشمالية لإيران تعتبر مناطق تداخل مع قوميات أخرى مثل الكيلك والأذريين، وبالتالي فإن الأمور قد تذهب إلى صراع بين باكو وعشق أباد التي ترتبط أيضاً بتحالفات وعلاقات عميقة واستراتيجية مع تل أبيب. وإذا ما كانت دولة أذربيجان تتصدر قائمة المستفيدين من هذا التفكك، فإنها تواجه معضلة قد لا تكون بسيطة مع المكون الكردي- الإيراني، لجهة التداخل في انتشار هاتين القوميتين، بخاصة بين محافظات الشمال والشمال الغربي والمحافظات الغربية لإيران التي تشمل كردستان وكرمنشاه وإيلام الكردية. وبالتالي فإن هذا التداخل قد يفجر صراعات على مساحات النفوذ وسلطة كل منهما. تمركز لأبناء القومية الأذرية التركية في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية (أ ف ب) الطموحات الأذربيجانية وإذا ما كان حيدر علييف قد ذهب إلى خيار التحالف مع إسرائيل منذ الأعوام الأولى لإعلان إقامة دولة أذربيجان على أنقاض الاتحاد السوفياتي وتفككه، باعتباره خياراً استراتيجياً يضمن له توطيد علاقاته مع واشنطن والدول الغربية، ويوفر مظلة لاستمرارية نظام سلطته وسلاسة انتقالها إلى ابنه الرئيس الحالي إلهام علييف، فإن مساراً تاريخياً وأكثر رسوخاً قام بين إسرائيل والقيادة الكردية في محافظات الشمال العراقي الكردية، منذ محاولة إعلان الدولة الكردية في مهاباد مع قاضي محمد والملا مصطفى البارزاني، وصولاً إلى التاريخ الحالي، بخاصة بعد التغيير الذي حصل في العراق والقضاء على النظام السابق وتشكيل الدولة الفيدرالية العراقية، والذي لم تعد القيادة الكردية مجبرة على إخفاء هذه العلاقة والتعاون مع تل أبيب. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى غرار الدعم الإسرائيلي للطموحات الأذربيجانية، فإن الطموحات الكردية تحظى أيضاً بدعم إسرائيلي واسع، وتقديم المساعدة لإقامة وطن قومي للأكراد في المنطقة تحت مسمى كردستان الكبرى التي تجمع كل الأقاليم الكردية في العراق وإيران وتركيا وسوريا. وفي حال انفصال أكراد إيران يصبح الحلم الكردي بهذه الدولة أقرب إلى التحقق، لأن آلية الانضمام إلى الإقليم القائم في شمال العراق ستكون سريعة. واقتراب الحلم الكردي بدولته، سيعيد إثارة مخاوف الدولة المركزية في تركيا، التي تعارض وتعادي مثل هذا المشروع، بخاصة وأن الدخول في هذا المسار يعني عودة الموضوع الكردي السوري إلى الواجهة من جديد، والذي يعني هدم كل ما سعت له دولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمؤسسة العسكرية لبنائه على مدى عقود، لأن إمكانية انضمام مناطق انتشار الأكراد السوريين لنواة الدولة الكردية يصبح أقرب إلى الحقيقة، الأمر الذي سيتحول إلى تهديد واضح لوحدة الأراضي التركية ويفتح الطريق أمام عودة أكراد تركيا للتحرك باتجاه تحقيق حلمهم التاريخي الذي يعتبرون أنه كان ضحية للخرائط التي نتجت من الحرب العالمية الأولى وتقسيمات سايكس- بيكو. وبعيداً من المحافظات الشمالية والشرقية والغربية لإيران والتداخل القومي بين التركمان والأذريين والأكراد، فإن محافظات الجنوب والجنوب الشرقي لإيران تدخل على خريطة الكيانات المحتملة لأي تفكيك للجغرافيا الإيرانية، فهي مناطق انتشار أبناء قومية البلوش في سيستان وبلوشستان، والتي تملك امتداداً طبيعياً داخل إقليم بلوشستان ضمن الأراضي الباكستانية والأفغانية. وهذا التداخل قد يفجر صراعات جديدة داخل هاتين الدولتين نتيجة ما قد يواجهانه من طموحات بلوشية بإقامة دولتهم الخاصة، والتي من الطبيعي أن تذهب للتفكير في ضم الأقاليم الباكستانية والأفغانية إليها. محافظات الجنوب والجنوب الشرقي لإيران تدخل على خريطة الكيانات المحتملة لأي تفكيك للجغرافيا الإيرانية (أ ف ب) أما في المحافظات الجنوبية والجنوبية الغربية، وفي مقدمتها إقليم خوزستان، والتي تضم أبناء القومية العربية، فهي المنطقة الأخطر والأكثر أهمية بالنسبة للنظام المركزي في طهران ولدول الجوار العربي، لما تختزنه من مصادر واحتياطات طاقة نفطية وغازية تعتبر من الأكبر في العالم. ولا شك أن هذه المحافظات شهدت على مر التاريخ الإيراني المعاصر ومنذ إعلان المملكة البهلوية، صراعات واسعة بين انفصالية وفيدرالية. إلا أن حساسية الموقع الجيوسياسي بالنسبة لدول الجوار العربي والجيواقتصادي بالنسبة للسلطة المركزية وخريطة الطاقة العالمية، لم تصل إلى أي من مطالبها. إضافة إلى هذه التعقيدات، فإن أزمة مختلفة قد تواجه الطموحات العربية في إقامة كيان مستقل لهم في هذا الإقليم، تتعلق بالبعد العقائدي الذي قد يشكل مصدر تهديد للدول العربية المجاورة، وبالتالي فإن إقامة مثل هذا الكيان قد يكون غير مرغوب به إقليمياً. إلا أن فرضية حصوله لن تكون مستبعدة. الأمر الذي ينقل بالتالي التحدي إلى مستويات مختلفة، ترتبط بالخريطة الجيوسياسية الإقليمية ما ينعكس بصورة مباشرة على الوضع العراقي القائم، وإمكانية عودة الحديث عن تشكيل إقليم شيعي إلى الواجهة من جديد، ليضمن في حال إنشائه المناطق العربية المنفصلة عن الجسد الإيراني، تساعد عليه حالة التداخل الديموغرافي والعشائري الكبيرة بين طرفي الحدود. الخرائط الجيوسياسية وإذا ما كانت هذه الخرائط الجيوسياسية مرهونة بوجود مشروع أميركي بتفكيك إيران، فإن تداعياتها على العراق ستكون الأخطر، لأنه سيكون موزعاً بين إقليمين أساسيين، الأول كردي يرى الاقتراب من تحقيق حلمه التاريخي، ما يعني أمكانية أن تواجه كل من تركيا وسوريا خيار التقسيم أيضاً. والآخر عربي في القومية وشيعي مذهبياً، ما يفتح الطريق أمام عودة المحافظات العربية السنية للمطالبة بإنشاء إقليمها الخاص، والذي لن يكون بعيد المنال حينها، ومن المحتمل أيضاً ألا يقف عند الحدود العراقية، بل يعيد إحياء مشاريع سياسية تعيد رسم جغرافيا المنطقة سياسياً. هذه التفكيك للجغرافيا الإيرانية سيترك قلب الهضبة الإيرانية أو المحافظات المركزية ذات الغالبية القومية الفارسية، مثل جزيرة جافة، وسط دول ضعيفة وهشة في حال لم تذهب للانضمام إلى عمقها القومي، أو دول جديدة في حال استطاعت دول الجوار اقتطاع ما تريده وضمه لجغرافيتها. وستكون دولة فاقدة للمصادر الطبيعية الحيوية، قد تملك نافذة على مياه الخليج، وستكون عرضة لصراعات داخلية على السلطة. يبقى السؤال، أمام هذه السيناريوهات غير المستبعدة في حال اتخذت الإدارة الأميركية توسيع الحرب القائمة بين طهران وتل أبيب والدخول المباشر في مسارها، هل وضعت هذه الإدارة في تصوراتها إمكانية الفشل في تحقيق استبدال سريع للنظام الإيراني القائم، وأن يكون هذا النظام الجديد قادراً على الإمساك بزمام الأمور ومنع الوصول إلى هذا السيناريو التفكيكي؟ وهل ستكون المنطقة قادرة على مواجهة تداعيات إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية وما فيها من خسارات وتغييرات وتبدلات في موازين القوى؟ وهل ستكون المنطقة قادرة على التعامل مع التداعيات السلبية لمثل هذه السيناريوهات؟


Independent عربية
منذ 28 دقائق
- Independent عربية
هل يقود الصراع الإسرائيلي- الإيراني إلى حرب عالمية ثالثة؟
يدعو إلى القلق أن قادة مجموعة السبع - القوى الصناعية والديمقراطيات الكبرى في العالم - الذين اجتمعوا في كندا، لا يملكون ما يمكنهم أو يرغبون في فعله لإنهاء الحرب بين إيران وإسرائيل. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الحرب، على رغم ما تحمله من مشاهد درامية وخسائر مدنية حقيقية، ما زالت حتى الآن محصورة في القصف الجوي المتبادل. إنها نسخة أطول وأكثر كثافة من الضربات التي شنها الطرفان في أبريل (نيسان) وأكتوبر (تشرين الأول)، وقد تهدأ حين ترى إسرائيل أن التهدئة باتت تصب في مصلحتها، على رغم أن الجيش الإسرائيلي يقول حالياً إنه يسيطر بالكامل على الأجواء فوق طهران. تقول إسرائيل إن الغارات الليلية على حيفا وتل أبيب أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص، بينما تقول طهران إن عدد القتلى بلغ مئات. ومع ذلك، لم تصل الأمور بعد إلى مستوى الحرب الشاملة. لا مجال لأن تستخدم إسرائيل سلاحها النووي، ولا احتمال كبيراً بأن تتدخل الولايات المتحدة مباشرة ضد الأراضي الإيرانية أو قواتها. إذا كان دونالد ترمب يريد الانتقام بسبب الأضرار الطفيفة التي لحقت بالسفارة الأميركية في تل أبيب بعد الغارات الليلية على منطقة سكنية، فيمكنه ترك هذه المهمة لبنيامين نتنياهو (بيبي). لذا، قد تكون هذه لحظة الخطر الأقصى أو ذروة الخطر، وليس تصعيداً إضافياً. إن الأمر لا يبدو حتى الآن وكأنه بداية لحرب عالمية ثالثة. إذا رأيت أن هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر كانت لحظة مفصلية ومزعزعة للاستقرار، على غرار اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 – الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى – فقد تميل إلى اعتبار التطورات الحالية سلسلة من الصحوات القومية في منطقة مضطربة، مرشحة لاستدراج القوى العظمى في زمننا إلى صراع أوسع. وكما فعل الإرهابيون الصرب آنذاك، سترحب "حماس" بالتأكيد بتدخلات قوى أخرى اعتبرتها تقليدياً حليفة لها، أي إيران وروسيا، للوقوف إلى جانبها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. فلا يمكن لـ"حماس" أن تكسب حرباً ضد إسرائيل بمفردها، لكن مع دعم إيران وروسيا، قد تكون لديها فرصة لتحقيق أهدافها وإضعاف إسرائيل. لهذا السبب، بدا رد فعل بيبي المفرط على هجمات السابع من أكتوبر 2023 ساذجاً وغير محسوب، لأنه خدم مصالح "حماس". وعلى رغم كل ما جرى، لم يجر القضاء على المنظمة الإرهابية. ولم تحقق الأهداف الحربية لإسرائيل، بل توسعت لتشمل إذلال إيران، وإنهاء طموحاتها النووية، وربما حتى إسقاط الجمهورية الإسلامية. من الممكن أن تستدرج الولايات المتحدة وروسيا إلى هذا الصراع، كان ذلك ليحدث في عهد بايدن. أما في عهد دونالد ترمب، ومع انكشاف ضعف إيران كما هو الآن، فإن الظروف التي قد تفضي إلى تصعيد أكبر ليست متوفرة. يتردد ترمب بشدة في فعل أي شيء يمكن أن يعرقل هدفه الاستراتيجي المتمثل في إقامة شراكة مع روسيا، إلى درجة أنه لن يتدخل إلا إذا كانت إسرائيل تواجه خطراً وجودياً مباشراً. وبالمثل، لن يتدخل بوتين إلا إذا أصبحت إيران، وهي مصدر دعم دبلوماسي وعسكري للحملة في أوكرانيا، معرضة للخطر. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فلا إسرائيل ولا إيران على وشك الانهيار، فيما تبذل إسرائيل جهداً غير مسبوق لعرقلة مساعي إيران نحو امتلاك قدرة نووية. وهي حقيقة مقلقة، وكان من الأفضل بكثير للجميع لو أن الاتفاق النووي مع إيران حقق هذه النتيجة. لكن بعد انسحاب ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة خلال ولايته الأولى، لم تفعل إيران سوى تسريع برنامجها. إن منع إسرائيل للنظام في طهران من الحصول على أسلحة دمار شامل يتوافق تماماً مع مصالح ترمب. وفي هذا السياق، ليس مفاجئاً أن يلمح إلى إمكان أن يقوم فلاديمير بوتين بدور الوسيط لعقد اتفاق سلام أو في الأقل هدنة. وفي الوقت الراهن، وبالمنطق ذاته، لا يوجد سبب واضح يدفع المملكة العربية السعودية أو تركيا إلى التدخل في الصراع بين إسرائيل وإيران. لذا، ستصدر مجموعة السبع هذا الأسبوع بياناً باهتاً آخر يدعو إلى خفض التصعيد، وهو بيان لن يكون له تأثير يذكر في إسرائيل أو إيران، وسيستمر القصف. وسيتواصل أيضاً التدمير العقيم في غزة، وقد يستأنف الحوثيون أعمالهم الإرهابية منخفضة الحدة قرب مضيق باب المندب، مع تراجعها أحياناً بسبب القصف الأميركي العقابي المتكرر. ومع ذلك، فكل هذا لا يشكل استقراراً، وقد تنفجر الأمور فعلاً، لكن ذلك سيتطلب شيئاً دراماتيكياً، مثل أن يهدي الروس والكوريون الشماليون لإيران سلاحاً نووياً ونظاماً صاروخياً يمكنه الوصول إلى إسرائيل، أو أن تقصف الولايات المتحدة طهران أو المواقع الدينية. عندها فقط، يمكننا أن نتأمل مجدداً كيف ستصطف القوى العظمى وحلفاؤها في مواجهة شاملة، لكن لم يحن ذلك الوقت، بعد.