
كيان في طريقه للفناء.. نظرة السينما الوثائقية الإسرائيلية لمستقبل على حافة الهاوية
في مقالته 'الجدار: حوار من طرف واحد'، يروي الكاتب المسرحي البريطاني 'ديفيد هير' محادثة مع صديق إسرائيلي في جلسة شاي بالقدس. فقد قال صديقه: إسرائيل قوية وعدوانية أمام العالم، لكنها هشة من الداخل، ليست لديها ثقة حقيقية في بقائها، والشعب الإسرائيلي يفتقر إلى الإحساس بالاستقرار في المستقبل. ما من إسرائيلي يخطط لزمن طويل من غير أن يتساءل: هل سنظل موجودين؟
هذا الشعور الذي يشبه حالة الشتات، يعكس إحساسنا أننا بلا جذور؛ قادرون على التكيف، لكن غير قادرين على الاستقرار. بعد ستين عاما، لا تزال إسرائيل وطنا غير مكتمل.
يُنبئ هذا الكلام عن شعور دائم بالتهديد، ووجهة نظر تشاؤمية بشأن المستقبل الإسرائيلي، ونحن نرى دائما أن لذلك الشعور صدى، حتى في خطاب الحكومات الإسرائيلية، فهي تلجأ منذ نشأتها لتبرير جرائمها بالدفاع عن نفسها، بترويج الخطاب المتعلق بعيش اليهود في بيئة عدائية، ترغب أن تُعمل فيهم محرقة أخرى.
وفور انتهاء حملات الردع الإسرائيلية بنجاح، يتحول خطاب الحكومة من المحرقة إلى داود الذي صرع جالوت بحجر. ولكن يبقى شعور الفناء والهلاك لدى قطاع من المجتمع الإسرائيلي.
نستطيع أن نرى صدى ذلك الشعور معكوسا في تمظهرات عدة، منها الأدب الروائي والشعر والمسرح، وكذلك النقاشات الأكاديمية بالجامعات، والبرامج التلفزيونية اليومية، ناهيك عن السينما، روائية كانت أو وثائقية.
يمكن للسينما الوثائقية بالتحديد أن تخبرنا كثيرا عن تلك الحالة في البنية النفسية الإسرائيلية، ذلك لكون الوثائقيات وسيطا يمكن الوصول إليه أسرع، من دون عوائق لغوية تتعلق ببطء حركة الترجمة للأدب العبري.
كما أن للسينما الوثائقية ميزة أخرى في صلب سماتها، فهي تتعامل بأدوات البحث التاريخي والاجتماعي والإنساني، ويقل فيها -أو يكاد ينعدم- التخييل الروائي، الذي يفرغ الواقع من دلالاته المرجعية الحقيقية، ويلجأ لدلالات متخيلة على نحو أكثر جمالا وتشويقا، وذلك ما قد يحضر في الفيلم الروائي العادي عند مناقشة قضية معينة.
لذلك يبدو الفيلم السينمائي الوثائقي وثيقة تاريخية اجتماعية مرئية لا مكتوبة، حين يقدم تقديما جيدا وموضوعيا.
قراءة الواقع الإسرائيلي من السينما الوثائقية
شهدت السينما الوثائقية الإسرائيلية في السنوات الماضية نهضة جعلتها كثيرة الحضور في المشهد العالمي خارج إسرائيل، لا سيما من خلال الاعتماد على سمات النقد الذاتي لأفعال الجيش الإسرائيلي المشينة.
يقول موقع 'قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت' (IMDb) إن السنوات العشر الماضية شهدت إطلاق 302 من الأفلام الوثائقية الإسرائيلية، وإذا افترضنا وجود هامش خطأ في التصنيف، فسيظل العدد ضخما، مقارنة بحجم الكيان الصغير.
لقد رأينا عدة أفلام رُشحت لجائزة الأوسكار، عن أفضل فيلم أجنبي، وأفضل فيلم وثائقي، منها فيلم الدراما الوثائقية 'رقصة فالس مع بشير' (Waltz with Bashir)، للمخرج 'آري فولمان' (2008). ومنها فيلم 'حراس البوابة' (The Gate Keepers)، للمخرج 'درور موريه' (2012).
ولكن أفلاما من هذه النوعية لا تزيد عن كونها نوعا من أموات القتل ثم التباكي، تعتمد على منهج المؤرخين الصهاينة الجدد من أمثال 'بيني موريس' في التعامل مع الأرشيف الإسرائيلي، بنوع من أنواع تصحيح السردية الصهيونية الأسطورية التي لا تصمد في وجه التمحيص والنقد، واستبدالها بسردية أكاديمية أخرى، تتعامل مع التاريخ كما كان، لا تاريخا مليئا بالأبطال الإيجابيين والرؤى المثالية.
وبالتوازي مع أفلام تلك النوعية، توجد أفلام أخرى قدمها مخرجون من أطياف اليسار ومعسكر السلام، تساعد الناظر فيها على استخلاص انطباع عام عن الشعور بالمستقبل المشؤوم الآتي حتما، بوصفه نتيجة لمشكلات الحاضر، التي تتركز مواضيعها على كون إسرائيل مجتمعا غربيا أبيض، يواجه مشكلات خطيرة في العلاقة مع الآخر الفلسطيني.
وهناك مجتمع آخر يهودي شرقي (المزراحي)، وهو مجتمع زادت حالة الاستقطاب فيه، تحت وطأة تيار في حكومة يمينية صهيونية متطرفة، تحكم البلاد منذ أكثر من عقد، وقد قادت الكيان لأكبر أزمة دستورية منذ تأسيسه، وطرحت سيناريو الخوف من الفناء والهلاك بجدية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، سنحاول أن نناقش عددا من الأفلام التي تنبئ عن مصير مشؤوم، مرده إلى تلك القضايا بالتحديد.
'الصندوق الأزرق'.. تبرعات يهود العالم لدعم هندسة التهجير
يعد فيلم 'الصندوق الأزرق' (Blue Box) الذي أخرجته 'ميشال فايتز' (2021) من الأفلام التي تساعد على فهم حاضر العلاقة ومستقبلها مع الآخر الفلسطيني، من خلال فتح بطن التاريخ.
للفيلم بطلان؛ أولهما مؤسسة 'الصندوق القومي اليهودي'، الذي أُسس عام 1901 لدعم المجهود الصهيوني للاستحواذ على الأراضي الفلسطينية بالتبرعات، وقد كان يطلب من الأطفال والكبار اليهود والمتحمسين للمشروع الصهيوني حول العالم أن يتبرعوا ولو بدرهم يوضع في الصندوق الأزرق المعدني الصغير.
ونرى في أحد المشاهد الأرشيفية دعاية تقول: حين ترفع يدك لتضع قطعا نقدية في الصندوق، ترفع يدا أخرى في أرض إسرائيل، لتطهير فدان آخر وحرثه وزراعة شجرة أخرى.
أما ثاني الأبطال فهو 'جوزيف فايتز'، وهو جد مخرجة الفيلم، وشهرته في إسرائيل 'أبو الغابات الإسرائيلية'، وهو وعائلته ذوو مكانة رفيعة لدى الشعب الإسرائيلي حتى الآن، لكونه صاحب مشروع تشجير إسرائيل، وملء 'صحاريها' بالغابات الشجرية. ولكن المخرجة خلال بحثها في الأرشيف وجدت أن لجدها لقبا آخر ممحوا من السجلات الرسمية، ألا وهو 'مهندس التهجير'.
كان 'جوزيف فايتز' مهاجرا روسيا، جاء وهو ابن 18 عاما إلى فلسطين مطلع القرن العشرين، في موجات الهجرة المبكرة حتى قبل وعد بلفور، وحين تفتش المخرجة مذكراته تجدها تشهد أن تلك الأرض لم تكن 'أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض' كما تروج الأسطورة الصهيونية الوطنية، بل تحفل مذكراته بأوصاف عن أرض خصبة، يدأب الفلاحون العرب على زراعتها موسما بعد آخر.
ويقدم الفيلم رسومات بيانية بناء على المعلومات الواردة في المذكرات، فتشرح الفرق العددي الكبير جدا بين العرب واليهود، الذي أخذ يتضاءل سنة بعد أخرى حتى النكبة، ففي عام 1910 كان عدد العرب 650 ألفا، ولم يتخط اليهود ثمانين ألفا.
'لقد آلمني الأمر، لكن مصلحة شعبي تأتي أولا'
يضرب فيلم 'الصندوق الأزرق' سردية أخرى تتعلق بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم وقبضوا الثمن، من خلال حملة الاستملاك الصهيونية، ففي عام 1932 كلف 'فايتز' بمنصب رفيع في الصندوق القومي اليهودي، للتفاوض على الأراضي وامتلاكها باسم الصندوق، ويتضح أن كثيرين ممن باعوا أراضيهم للصندوق كانوا من الطبقة البرجوازية، التي تقيم خارج فلسطين، وتتوزع بين دمشق وحلب والقاهرة وبيروت.
وقد سهلت بيع الأراضي تلك الرأسمالية الزراعية التي سادت في تلك الحقبة، وهي تقوم على ما يسمى الملكية الغائبة، التي تفوق النمط الإقطاعي سوءا، فالملاك يعيشون في العواصم والمدن الكبرى، ولا يربطهم بأرضهم إلا الدخل الذي يعود عليهم منها.
ولم تكن لحارث الأرض أي حقوق واضحة إزاء مالكها، ولم يكن هناك نوع من العقد المكتوب أو غير المكتوب، لذلك استطاع 'فايتز' طرد المزارعين من أراضيهم بالقوة أو باللين، ولقد دوّن مشاعره تجاه ذلك قائلا: لقد آلمني الأمر، لكن مصلحة شعبي تأتي أولا.
'بعد نقل العرب تُفتح البلاد على مصراعيها لنا'
يحتوي الفيلم مادة أرشيفية مهمة ونادرة التقطتها كاميرا 'فايتز'، من قرى فلسطينية خاوية على عروشها، نكبت في عام 1948، واضطر 750 ألفا من أهاليها للهجرة واللجوء مؤقتا إلى أن تنتهي الحرب.
ولكن الحرب انتهت بخرق 'ديفيد بن غوريون' قرار الأمم المتحدة 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين، فعيّن الحكومة الإسرائيلية وصية على تلك الأراضي الفارغة، ثم باع 250 ألف فدانا للصندوق القومي اليهودي، الذي أوكل مشروع طمس معالم القرى بتشجيرها إلى 'جوزيف فايتز'.
ومن هنا اكتسب لقب 'مهندس التهجير'، وحقق حلمه الذي كتبه في مذكراته عام 1940: بعد نقل العرب، ستفتح البلاد على مصراعيها لنا، لا يجب ترك قرية أو عشيرة، لا يوجد حل آخر.
'وهبنا الصندوق الأزرق ومفتاحا لصندوق أسود'
تعتمد المخرجة على لقاءات مع أفراد عائلتها؛ الجيل الثاني من أبيها وأعمامها، والجيل الثالث من أحفاد 'فايتز'، فتواجههم بتلك الحقائق التي تتكشف لها عن جدهم، وترصد ردود أفعالهم بالكاميرا.
إن تلك المواجهة تضعنا أمام صورتين للمجتمع الإسرائيلي المعاصر، فتبدو المخرجة 'ميشال فايتز' مناصرة للحقيقة ولحقوق الفلسطينيين، مع أنها غيبت الصوت العربي في الفيلم، فلم ينعكس إلا من مذكرات جدها، وفي المقابل أبوها الذي يخبرها في نهاية الفيلم أنه لا يريد أن يشترك في هذا العار الذي تفعله بحق جدها، فلو أنها كانت موجودة في زمانه، لما استطاعت أن تراه إلا بطلا.
لقد وجدت المخرجة -وهي تقرأ المذكرات صفحة بعد أخرى- أن جدها ترك لهم معضلة أخلاقية كبرى، ولكنها همت بالعمل على كشف الحقائق، لأنها رأت أنها ستساعد كثيرا في تحديد مستقبل إسرائيل مع الآخر الفلسطيني، إما بالتعايش أو استكمال المعادلات الصفرية، التي تعني فناء أحد الأطراف.
وهكذا تذيل فيلمها بقولها: لقد كان جدي أبا الغابات، وكان مهندس التهجير أيضا، لقد وهبنا الصندوق الأزرق، لكنه وهبنا كذلك مفتاحا لصندوق أسود.
'المزراحيم.. المنسيون في أرض الميعاد'
إن السردية التي فككتها المخرجة 'ميشال فايتز' في فيلمها هي السردية التاريخية التي يضعها الجهاز الأكاديمي، وتلك سردية عرّفها المؤرخ 'إيلان بابيه' في كتاب 'فكرة إسرائيل.. تاريخ السلطة والمعرفة'، بأنها 'سردية تاريخية يضعها الجهاز الأكاديمي، وتصبح الأداة الأساسية لبناء الذاكرة القومية الجمعية وترسيخها'.
يقول 'بابيه': وقد ولى المؤرخون وجوههم قبل السجلات الأرشيفية السياسية، واتخذوها قبلة مقدسة للحقيقة، ورأوا أنفسهم أئمة هذه الحقيقة وسدنتها. ولكن نظرا إلى زمانية هذه الحقيقة، فإن الواجب لا يتمثل في حمايتها وحسب، بل في إثباتها كذلك، وهو إثبات يتحقق بالتكرار لا بالفحص والتحليل.
بينما تواجه 'ميشال فايتز' مشكلة مع الآخر، ما زالت عصية على الحل تهدد مستقبل الدولة، تريد المخرجة 'ميشال بوغانم' أن تعيد إلى الضوء قضية أوهمت الحكومة نفسها بأنها قد حلت، وهي قضية اليهود الشرقيين (المزراحيم)، وذلك بفيلمها 'المزراحيم.. المنسيون في أرض الميعاد' (Mizrahim, les oubliés de la Terre Promise)، الذي أخرجته عام 2021.
اليهود العرب.. صدمة المعاناة والتمييز في أرض الأحلام
تنطلق 'ميشال بوغانم' من إطار العائلة أيضا، فتبدأ بقصة أبيها ذي الأصل المغربي، وقد قدم من الدار البيضاء، فاصطدم بدوائر الهجرة الصهيونية، التي رشّته ومرافقيه بمواد مطهرة، حتى لا يدخلوا بأوبائهم المجلوبة معهم من العرب.
وقد ألقى هذا التمييز بظلاله منذ اللحظة الأولى عليه، وأصبح ذا دور فاعل في حركة 'الفهود السوداء'، التي أنشأها مجتمع المزراحيم على نمط نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد نشأت حركة الفهود السود في إسرائيل في حاضنة استشعرت القهر والمواطنة من الدرجة الثانية، بعد أن كانوا وُعدوا بالحلم الإسرائيلي.
فحين قدم اليهود المزراحيم أول مرة إلى إسرائيل، كانوا في مرحلة متأخرة من الهجرات الصهيونية، ولم يكونوا جزءا من المشروع الصهيوني الأساس، وبسبب حروب إسرائيل مع العرب، أغري اليهود الشرقيون بسبب الظروف الضاغطة في مجتمعهم العربي بالهجرة إلى إسرائيل.
ويجادل عباس شبلاق في كتابه 'يهود العراق: هجرة أم تهجير؟' بأن الحركة الصهيونية قد اقترفت تفجيرات في مدن العراق ضد اليهود العراقيين، لتجبرهم على الهجرة بسبب الشعور بالرفض من محيطهم العربي.
وسعيا وراء 'الحلم الإسرائيلي'، وأرض اللبن والعسل، وبيوت شاطئ البحر التي تحدثت عنها 'لوسيت لنيادو' في مذكراتها 'الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين: وقائع خروج أسرة يهودية من مصر'، وجد اليهود القادمون من بلاد العرب أنفسهم في خدمة اليهودي الأشكنازي الأبيض، وبدلا من الأرض الموعودة وجدوا أنفسهم في معسكرات العبور المتربة، أو الثكنات الصحراوية الباردة.
أجيال المزراحيم.. تحيز عرقي تكذبه الدعاية الحكومية
تلتقي مخرجة 'المنسيون في أرض الميعاد' مع 3 أجيال من اليهود المزراحيم، لتعرض من خلال قصصهم وضع المزراحيم في المجتمع الإسرائيلي، وفي تتابع زمني، تحاول أن تعرض القضايا ومساراتها منذ البداية إلى اللحظة الراهنة، لتؤكد أن التحيز ضد مجتمع اليهود الشرقيين لم ينتهِ، وإن روجت الحكومات لعكس ذلك.
إن ما حدث كما يظهر في السردية التي تقدمها المخرجة، هو أن الجيل الأول من المهاجرين قد لقي معاملة عنصرية من السلطات الصهيونية.
فمنذ اللحظة الأولى في عام 1960 فُصل بين العرب والأشكناز في الفصول المدرسية، ووُطن أغلبهم مع عائلاتهم في مدن حدودية نائية متاخمة لمناطق الاشتباك مع فلسطين والأردن وسوريا ومصر، وقد اتخذوا مضخة للمصانع في المدن الحضرية للعمالة الرخيصة، التي يمكن الاستغناء عنها في أي وقت، بلا غطاء قانوني ولا حماية للحقوق.
اختطاف أطفال اليمنيات.. جريمة الدولة بحق أبنائها
أشد مظاهر قصة المزراحيم قتامة هي قصة اختطاف الأطفال اليمنيين من أمهاتهم، على أيدي ممرضات المستشفى، كما يذكر في الفيلم، فإن طفلا من كل ثمانية قد اختطف من أمه، وهي قصة غطتها إحدى حلقات برنامج 'المتحري' تحت عنوان بساط الريح.
تقابل المخرجة أمهات يروين أنهن خُدعن وقيل لهن إن أطفالهن ماتوا فجأة، أثناء وجودهم في الحضانة بالمستشفى، واضطر المستشفى لدفنهم بسرعة، والحق أن المستشفى أعطاهم لوكالات تبنٍّ، تسهل للأسر الأشكنازية العقيمة وجود أطفال للتبني من دون بحث مضن.
لذلك لم يكن مستغربا أن يكون مجتمع المزراحيم وقود الطبقة العاملة الرثة، لذلك تأسس حزب الفهود عام 1971، ودافع عن حقوق المزراحيم بناء على أسس ماركسية، ولقد حاول التصدي لمحاولة سلخ المزراحيم عن أصولهم العربية وعلاقتهم بالعرب، لذلك اتخذ موقفا مسالما من العرب الفلسطينيين، ودعا لعلاقات ودية مع الدول العربية، لكن الانشقاق والانقسام سرعان ما فكك الحزب، وشتت نضال المزراحيم.
ومع أنهم حسبوا أن مشاركتهم في حرب 1973، ودخول ممثليهم إلى الكنيست، كان بداية ستدمجهم في المجتمع الإسرائيلي، وتجعلهم مواطنين من الدرجة الأولى، فإن ذلك لم يحدث. فنهاية الفيلم تبدو مشبعة بالإحباط والتشاؤم، وتقارن الكاميرا عمران مدن الأشكناز بمدن المزراحيم، ناهيك عن الوظائف ومواقع الدولة التي يحتلها الأشكناز، في مقابل تمييز ما زال يناله المزراحيم في التوظيف والتعليم، وحتى في الجيش الإسرائيلي ذاته.
يشارك فيلم 'خطيئة الأجداد' (The Ancestral sin) للمخرج 'ديفيد ديري' (2017) نفس النظرة التي تحملها 'ميشال بوغانم' تجاه شقاق المجتمع الإسرائيلي وتصدعه، فهو يرى أن دمج الشرقيين في المجتمع شكلي، فمثلا لم يرأس الحكومة حتى الآن يهودي شرقي، كما أن عدد السجناء الشرقيين أضعاف نظرائهم من الأشكناز.
التمسك باللغة والثقافة العربية.. أوجه الاحتجاج
يظهر الاحتجاج على 'الحلم الإسرائيلي' من المزراحيم الغاضبين في فيلم 'المزراحيم.. المنسيون في أرض الميعاد'، من خلال التمسك باللغة العربية والفرنسية، والتخلي عن التحدث بالعبرية، كما أن هناك مظاهر من الاحتجاج تظهر في ثقافة الطهي والملبس والغناء كذلك.
ونرى اليوم كثيرا من الصهاينة ذوي الأصل العربي، ممثلين في الحكومات الإسرائيلية وقيادة الجيش والشرطة الإسرائيلية المغتصبة لحقوق الفلسطينيين، ولكن يفيد الفيلم في كشف النقاب عن الصوت المتشائم والمقموع في السردية، عن المزراحيم الذين يُتوهم أنه أذيبوا تماما.
ويمكن القول هنا إن الطبقة تتكلم بأصوات كثيرة، مع مقدار كبير من التنافر، لكن ذلك ليس من شأنه أن يضعف الأهمية الطاغية للانقسامات الطبقية السائدة، في فهم معاناة مسحوقي مجتمع ما ومهمشيه، فذلك يهدد أمن المجتمع كله، فجنبا إلى جنب من أشكال الترابط، علينا أن نرى جملة التمايزات والفروق كذلك.
'إسرائيل.. حرب القبائل'.. صراع مجتمع على حافة الهاوية
بينما تنطلق الأفلام الآنفة الذكر من التفتيش في جذور الماضي محاولة قرع جرس إنذار قبل بلوغ حافة الهاوية، يخالفها فيلم 'إسرائيل.. حرب القبائل' (Irael: Clash of the Tribes)، للمخرج 'دوكي درور' (2023)، فينطلق من حافة الهاوية، التي بدأت المسيرة الطويلة إليها منذ اغتيال 'إسحاق رابين' عام 1995.
وقد جاء طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر في أحرج لحظة من تاريخ إسرائيل، فلم يكن المجتمع منقسما قط كما كان منقسما يومئذ، فقبل الهجوم بعدة أشهر وقعت تظاهرات مليونية في شوارع إسرائيل، احتجاجا على حكومة 'بنيامين نتنياهو'، ومسعاها الذي هدد مبدأ الفصل بين السلطات.
عنوان فيلم 'حرب القبائل' مستوحى من الأسباط الاثني عشرة في اليهودية، ويطرح فرضية أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع قبلي، وقد اختير هكذا لأن المخرج يرى في المشهد السياسي قبائل متعارضة لا يمكن التوفيق بينها.
يغوص الفيلم في تاريخ 30 سنة من الانقسام، بدأت من معاهدة أوسلو، وشهدت سيطرة تيار اليمين، وتغول المستوطنين والمتدينين، فأصبحوا فاعلين في المشهد السياسي، وقد تطرق الفيلم لكل ذلك لإجابة سؤال التمزق الاجتماعي.
'إيغال عامير'.. اغتيال يجسد عنف الصراع القبلي
يفترض مخرج فيلم 'حرب القبائل' أن قبيلة الأشكناز هي قبيلة الآباء المؤسسين التي جاءت من أوروبا، وتلك القبيلة قد فقدت ثقتها بمشروعها السياسي اليساري، في لحظة اغتيال رئيس الوزراء 'إسحاق رابين' بسبب اتفاقية أوسلو، على يد شاب من المزراحيم المتطرفين يدعى 'إيغال عامير'، وقد برر الاغتيال في محاكمته قائلا: أنت تؤمن بالسلام، وأنا أؤمن بالله.
لقد كان 'إيغال' ابن قبيلة المزراحيم التي لا تغفر للأشكناز عقودا من التمييز والتهميش ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
أما الحريدية المتشددة فهي القبيلة الثالثة، وهي لا تريد دولة ليبرالية حديثة ولا أداء الخدمة العسكرية، ومع ذلك يؤدون دورا سياسيا فعالا يبارك اليمين السياسي.
وأما العرب، فهم القبيلة الرابعة المحشورون بين قبائل إسرائيل، وهم ضحاياها في ذات الوقت.
الانهيار الداخلي.. فكرة مغرية تدعمها الوقائع
تعد فكرة زوال إسرائيل من تلقاء نفسها مغرية جدا للمزاج العربي، فهي تزيح عبء الدخول في حرب شاملة، قد تفني في مرحلة من مراحلها عددا كبيرا من العرب أنفسهم.
إن تلك الرؤية يعززها كثيرا التفكير التفاؤلي والديني، الذي يقرن بين علامات قيام الساعة وتحرير الأقصى وزوال إسرائيل، ثم إن الشعور بأن إسرائيل ستزول من داخلها باحتمال شمشوني توراتي يهد المعبد على سكانه، قد وجد صداه في التفاعل على مقولات لمفكرين، منهم الراحل عبد الوهاب المسيري.
فمقولات المسيري عن زوال إسرائيل بسبب مشكلات داخلية، سرعان ما عادت إلى الرواج بشدة في أعقاب عملية 'طوفان الأقصى'، ويتبين أن ذلك يستند إلى حقائق حادثة ومشكلات تستمر في التفاقم.
مع أن التاريخ لا يسير وفقا للحتميات، فإن الأقرب للواقع هو أن ننتهي إلى ما انتهى إليه فيلم 'حرب القبائل'، ويخبرنا المخرج أن الانقسام في المجتمعات قد يطول عقودا، ولكن لن يرسم مصيرها بنهاية مفتوحة.
والحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة حاليا، وتتوحد فيها 3 قبائل ضد القبيلة الرابعة، ليست إلا مرحلة التقاط أنفاس لمجتمع ممزق، سرعان ما سيعود بعد الحرب ليقتتل مرة أخرى، وتلك المعركة إن لم تنته بعقد اجتماعي جديد يشمل العرب والفلسطينيين، فستنتهي بتحقق نبوءة الفناء، وهلاك إسرائيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
خبير عسكري: عملية بن غوريون غير مسبوقة وقد تستغلها إسرائيل
قال الخبير العسكري والأمني أسامة خالد إن وصول الصاروخ الذي أطلقته جماعة الحوثي على مطار بن غوريون يمثل حدثا غير مسبوق من حيث النوعية والنتائج والتوقيت، وجاء في ذروة سياسية حساسة داخل الحكومة الإسرائيلية التي بدأت تفتخر بالهيمنة العسكرية من دمشق وحتى صنعاء، وأن إسرائيل أصبحت آمنة وبعيدة عن نيران الخصوم. وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أضاف خالد أن العملية تعد "هجمة إيذائية عبر المناورة بالنيران بعيدة المدى، وباستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي من النوع الإستراتيجي، وتم انتخاب الهدف الأكثر حيوية وإستراتيجية في عمق الكيان، وبشكل ناجح ضرب أطراف مطار بن غوريون وعلى مقربة من الطائرات والمباني الرئيسية فيه". وكانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) أعلنت صباح اليوم الأحد أنها استهدفت مطار بن غوريون الإسرائيلي بصاروخ باليستي فرط صوتي وأصاب هدفه في المطار بنجاح. كما تحدث الإعلام الإسرائيلي عن أن الصاروخ اليمني تجاوز 4 طبقات من الدفاع الجوي وسقط في قلب المطار، وأسفر عن حفرة بعمق 25 مترا، مشيرا إلى أن الرأس الحربي للصاروخ "كان كبيرا للغاية، مما تسبب في موجة انفجارات هائلة". فشل الدفاع الإسرائيلي وعن مدى جاهزية الدفاعات الجوية الإسرائيلية، أوضح الخبير العسكري والأمني أن جميع منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية (كالقبة الحديدية، ومقلاع داود، ومنظومتي ثاد وحيتس 3، بالإضافة إلى منظومة باتريوت الأميركية) أخفقت في كشف الصاروخ واعتراضه. ومن وجهة النظر العسكرية، فإن ذلك يمثل فشلا كبيرا على عدة مستويات، كما يدلل على غياب الإنذار المبكر بشأن الهجوم الذي صعّد من وقع المفاجأة على الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية، خاصة مع استخدام الحوثيين تكتيكات جديدة أو أنواع متقدمة من الصواريخ فرط صوتية التي تجاوزت الطبقات الدفاعية الجوية الإسرائيلية بسرعة فائقة تفوق القدرات المعتادة لهذه المنظومات، حسب ما يراه الخبير العسكري. وحسب ما ذهب إليه أسامة خالد، فإن الصاروخ اليمني قد قطع مسافة كبيرة جدا وصولا إلى هدفه في الأراضي المحتلة، ومع ذلك فإن هناك غيابا واضحا في رصد الصاروخ من القوات الجوية الأميركية المتمركزة في البحر الأحمر التي لم تره أبدا وعجزت عن مواجهته. تأثيرات ويعد الهجوم ناجحا من وجهة نظر الخبير العسكري والأمني لأنه حقق لجماعة الحوثي عددا من النتائج: الهجوم حقق مكاسب نفسية كبيرة لجماعة الحوثي. سلط الضوء على هشاشة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية. إسرائيل ستكون أمام سيناريوهات عدة للرد على هذا الهجوم، مثل تنفيذ عمليات غير تقليدية تستهدف البنية التحتية والمراكز الحيوية للحوثيين في اليمن. قد تحاول إسرائيل استهداف قيادات بارزة مثل عبد الملك الحوثي. يحتمل أن تقوم إسرائيل بتنسيق رد مشترك مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لضمان توجيه ضربة رادعة ضد الحوثيين. استغلال الهجوم وقد لا تكتفي إسرائيل بالتصعيد العسكري ضد جماعة الحوثي، بل تذهب إلى أبعد من ذلك عبر استغلال وصول هذا الصاروخ إلى عمقها الإستراتيجي من أجل الذهاب بعيدا نحو تحقيق أهداف إستراتيجية بالمنطقة. ولذلك يقول خالد إن إسرائيل قد تُصعّد سياسيا وإعلاميا ضد إيران، معتبرة إياها الداعم الأساسي لتطوير القدرات الصاروخية للحوثيين. وفي ما يتعلق بإيران تحديدا، أشار المتحدث إلى أنه من المتوقع أن تستغل إسرائيل الهجوم ذريعة للضغط على الولايات المتحدة لإنهاء أي مفاوضات جارية حاليا مع إيران، وربما تصعد من أجل التحرك عسكريا ضدها. ويُرجّح الخبير العسكري والأمني كذلك أن تُنفذ إسرائيل عمليات استخبارية تخريبية في الداخل الإيراني، في محاولة للضغط على طهران لوقف دعمها للحوثيين. وختم خالد تصريحاته للجزيرة نت بأن الأحداث تبقى مفتوحة على تطورات وسيناريوهات عدة، خاصة مع احتمالية تصعيد المواجهة في المنطقة وتأثيراتها الإقليمية والدولية. وكانت جماعة الحوثي أعلنت صباح اليوم أن الهجوم على مطار بن غوريون يهدف إلى إغلاق المطار وحظر الملاحة فيه حتى يُرفع الحصار ويتوقف العدوان على قطاع غزة. وذكرت الجماعة على لسان نصر الدين عامر نائب رئيس الهيئة الإعلامية فيها أن الهجوم استهدف المطار بصاروخ باليستي فرط صوتي وأصاب هدفه في المطار بنجاح. ويشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وراح ضحيته حتى الآن أكثر من 52 ألف شهيد، وإصابة نحو 118 ألف شخص، بالإضافة إلى أعداد غير معلومة من الضحايا تحت ركام منازلهم، ولا تستطيع فرق الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، حسب إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة.

أخبار قطر
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- أخبار قطر
بنيامين كيو الموت انتحارا طريق طلق ناري
closeVideo فوكس نيوز فلاش أعلى عناوين الترفيه عن 14 تموز / فوكس نيوز فلاش أعلى الترفيه والمشاهير العناوين هنا. تحقق من ما هو النقر اليوم في الترفيه. ليزا ماري بريسلي ابنه بنيامين كيو سبب وطريقة الوفاة تم الكشف عنها. مقاطعة لوس أنجلوس مكتب الطب الشرعي فوكس نيوز يوم الثلاثاء ان تشريح الجثة الانتهاء يوم الاثنين حكمت البالغ من العمر 27 عاما سبب وفاة باعتبارها 'داخل الفم بندقية الجرح'. طريقته الموت هو سرد 'انتحار'. بريسلي رد فعل على وفاة ابنها في بيان عبر مدير أعمالها يوم الأحد. ليزا ماري بريسلي الوظائف نادرة الصورة مع أربعة من أطفالها ليزا ماري بريسلي (يسار) بنيامين كيو. (غيتي) 'هي تماما الحزن, عزاء وخارجها دمر ولكن أحاول أن تبقى قوية لها 11 عاما التوائم ابنتها الكبرى رايلي,' وقال البيان. 'لقد عشقت هذا الفتى. كان حب حياتها.' كيو كان ابن بريسلي, 52, و الموسيقي داني كيو. أن يجعل بنيامين حفيد الفيس و بريسيلا بريسلي وشقيق نموذج والممثلة رايلي كيو. إلفيس بريسلي النجم ايرين تسو تذكر BEFRIENDSING الملك على تعيين: 'وكان سخيا جدا و رعاية' بالمقارنة مع بعض من أفراد عائلته ، كيوف عاش نسبيا الضوء خالية من الحياة. لديه واحد يتصرف الائتمان على IMDb, و ذكرت TMZ أن لديه 5 ملايين دولار صفقة قياسية في عام 2009. كما أنه معروف له شبها الفيس, التي, وفقا منفذ ، بريسلي مرة واحدة موجهة. 'بن لا تبدو كثيرا مثل الفيس. كان في Opry وكانت العاصفة الهادئة خلف المسرح,' قالت. 'الجميع أستدرت عندما كان هناك. كان الجميع تشد له صورة لأنه هو مجرد غريب.' انقر هنا للحصول على فوكس نيوز التطبيق يقال ، بريسلي أغنية 'العاصفة نعمة' عن كيوف اسمه الأوسط العاصفة. إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه هو وجود أفكار انتحارية, يرجى الاتصال الوطنية للوقاية من الانتحار شريان الحياة في 1-800-273-تالك (8255). فوكس نيوز' نيت اليوم ساهم في هذا التقرير.


الجزيرة
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
كيف صنع مسلسل "عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي" بصمته الفنية؟
"عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي" مسلسل من الحياة وعن الحياة سيبقى في ذاكرتك لوقت طويل بعد الانتهاء منه. عمل تجب مشاهدته، إذ يتجاوز الحدود الثقافية ويخترق دفاعاتك النفسية وصولا إلى روح روحك، فلا تملك إلا أن تتماهى معه وتستسلم للسحر الذي تجلبه لك الحكاية. ولمزيد من الانسجام والانصهار بين جنبات القصة، اختارت منصة نتفليكس أن يجري عرضه بمعدل 4 حلقات أسبوعية (ساعة لكل حلقة) على مدار شهر مارس/آذار الماضي، لمنح الجمهور وقتا كافيا لمعايشة ما يجري للأبطال ببطء وتركيز. دراما اجتماعية بروح نسوية "عندما تمنحك الحياة يوسفي" يتتبع حياة آي سون (لي جي يون/آيو) وغوان سيك (بارك بو-غوم) بداية من الستينيات وحتى عام 2025، مستعرضا ما شهدته تلك العقود بحياتهما من تحديات بالتوازي مع الأحداث السياسية والتغيرات الاجتماعية التي تشهدها كوريا عموما وجزيرة "جيجو" على وجه الخصوص باعتبارها أكبر جزر كوريا وذات التاريخ الثقافي الثري والمتميز، وتأثير ذلك على واقعهما وصولا لزمننا الحالي. ولعل أكثر الإسقاطات السياسية بروزا كان خسارة آي سون انتخابات الفصل بطفولتها لصالح أكثر الأطفال ثراء، لا لأنها حصلت على أصوات أقل وإنما لأنه جلب الهدايا للجميع، وهو ما جرى على خلفية تزوير الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 1960. لن أكون بقرة ورغم أن المسلسل عمل اجتماعي-رومانسي بالأساس، فإنه لا يمكن تجاهل مقدار ما به من نسوية واضحة، بداية من أم البطلة التي صممت على ألا تصبح ابنتها غواصة مثلها وتفانت من أجل أن تُعلّمها على أمل التحاقها بالجامعة. ومع أن الأم ماتت وابنتها لا تزال صغيرة مما اضطر الأخيرة ترك التعليم بعد فترة، فإن إصرار الأم ظل حافزا لابنتها على أن تقول لا بوجه العادات والتقاليد. وأن تحرص هي نفسها حين تكون أُما على رفض أن تكون ابنتها خادمة لأسرتها أو بقرة وهو التشبيه الدارج بثقافتهم المحلية، وإلحاقها بالجامعة حتى ولو كلفهم ذلك الكثير من الديون أو العيش على الكفاف، لتصبح فيما بعد من رائدات الأعمال بمجال التكنولوجيا. والجميل أن الأم نفسها ظلت قابضة على جمر حلمها البعيد بأن تصبح شاعرة وتنشر ديوانها الأول وهو ما نجحت بتحقيقه بالفعل في السبعينات من عمرها، فيما كانت تعمل على تعليم النساء من كبار السن القراءة والكتابة على أمل أن تمحو أميتهن وتُنير عالمهن حتى ولو في أواخر العمر. ليصبح "عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي" حكاية تتوارثها الأجيال عن نساء تمتعن بأحلام كبيرة، وسعين متحدات وواثقات جيلا بعد آخر لكسر الدائرة التي طالما اختزلت دور المرأة في كونها تأتي بالمرتبة الأخيرة وخادمة للذكور من عائلتها ثم عائلة الزوج فيما بعد. ردود الأفعال بمجرد عرض العمل استطاع أن يحتل المركز الثامن عالميًا في فئة المسلسلات التلفزيونية على نتفليكس في اليوم التالي لإطلاقه، ومع حلول اليوم الثالث بات بالمركز الأول في كل من كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وإندونيسيا وسنغافورة، والمركز الثاني في الفلبين وتايوان، وضمن الأعلى مشاهدة في 41 دولة من بينها قطر والسعودية وفيتنام وتايلاند وماليزيا. فيما حصل على تقييم 9.3 بموقع (IMDb) الفني و100% بموقع "الطماطم الفاسدة"، وتصدر النجمان آي يو وبارك بو غوم محركات البحث، وحظيت شخصية غوان سيك بجماهيرية جارفة، حتى إن المشاهدين أنشؤوا تحديا على منصات التواصل مستوحى منه، حيث يشارك المشاهدون قصصا مؤثرة ذات شجون عن آبائهم وأزواجهم وشركاء الحياة. لهذه الأسباب أحب الجمهور "عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي". ومن أهم مميزات العمل الفنية السيناريو الذي تميز بالعمق والثراء العاطفيين حتى إنه تضمن الكثير من الجمل الأيقونية والمؤثرة، بجانب السيناريو تميز العمل بالإخراج الجذاب والسرد المُلهم والانسيابي رغم أن العمل ضم أجيالا عديدة والأهمّ نجوما مختلفين جسد كل منهم مرحلة عمرية مختلفة لنفس الشخصية وهو ما كان بمثابة تحدّ كبير أمام المخرج والممثلين الذين برعوا في تجسيد أدوارهم وحرصوا على خلق حالة من الانسجام بينهم بدت جلية على الشاشة. ومن جهتها أكدت الممثلة آي يو -التي جسدت شخصية آي سون في أواخر مراهقتها وعشرينياتها، بالإضافة إلى دور ابنة البطلة كذلك- حرصها على قضاء وقت مع الممثلة مون سوري -التي جسدت دور البطلة في الأربعينات والخمسينات-، وتناقشت مع المخرج والكاتب متوصلين إلى ضرورة ترديد كل من النجمتين بعض الجمل الحوارية نفسها لإضفاء مزيد من المصداقية والمعايشة. إعلان تحية للعائلة ورفقاء الحياة "تحية لأجيال الجدات والأجداد والآباء والأمهات الذين عاشوا بشجاعة، وتشجيع لبناتهم وأبنائهم الذين سوف يشقون طريقهم في هذا العالم". هكذا وصف المخرج كيم وون سيك مسلسله "عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي" خاصة وأن العمل يبث بالمشاهدين الكثير من الطاقة التي من شأنها أن تُعينهم على سبر أغوار حياتهم -هم أنفسهم- وصعابها، وهو ما يتناسب مع عنوان العمل بالكورية والذي يعني "شكرا لجهودكم". المسلسل تأليف ليم سانغ تشون، وبطولة آيو، وبارك بو غوم، ومون سو ري، وبارك هاي جون. وهو مناسب للباحثين عن دراما من الواقع لا تتضمن أشرارا، وإنما فقط تقلبات الحياة الثقيلة. دراما تتناول بكثير من التأني والشغف أمورا مثل الحب والتضحية وصراعات الأجيال وما تُلقيه الحياة بوجوه أصحابها من انتصارات وهزائم طوال الوقت وكيف تكون النجاة في وجود رفيق الحياة المثالي لمجابهة غمار الحياة معه.