logo
في وداع فارس من زمن الثورة ، عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي

في وداع فارس من زمن الثورة ، عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي

شبكة أنباء شفامنذ 5 ساعات

في وداع فارس من زمن الثورة: عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي
قال تعالى:
'كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ'
[سورة آل عمران: 185]
رحيل رجل من زمن المبادئ
في لحظة وداع لا تشبه سوى التاريخ، ننعى إلى أبناء شعبنا الفلسطيني وأحرار الأمة رحيل أحد رجال الثورة المنسيين في الإعلام، العظماء في الميدان، المرحوم عدنان إسماعيل ياسين رداد (أبو عصام)، الذي غادر دنيانا الفانية في مدينة نجران بالمملكة العربية السعودية، بعد مسيرة حياة حافلة بالنضال والعطاء.
البدايات: من الزاوية إلى ميادين الثورة
هو أحد أبناء بلدة الزاوية بمحافظة سلفيت، غادرها شابًا بعمر 16 عامًا في عام 1964، ليبدأ رحلته مع الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ لحظاتها الأولى، متطوعًا في صفوف حركة 'فتح'، مؤمنًا بعدالة القضية، ومتيقنًا أن الكفاح هو الطريق نحو التحرير.
في أرشيف الثورة: محطات من البطولة
في أرشيف الثورة، يُذكر 'أبو عصام' ضمن أوائل المقاتلين الذين خاضوا عمليات التسلل عبر نهر الأردن نحو الأراضي المحتلة في أواخر الستينيات، وكان له دور بارز في معركة الكرامة عام 1968، حين كان جنديًا صلبًا ضمن صفوف الفدائيين الذين صمدوا في وجه آلة الحرب الصهيونية.
مقاتل في وجه الاحتلال: من بيروت إلى البقاع
شارك لاحقًا في حرب لبنان 1982، حيث قاتل بشجاعة في جبهات الجنوب وبيروت، وكان شاهدًا على حصار العاصمة، ومجازر صبرا وشاتيلا. وفي حرب المخيمات منتصف الثمانينيات، واصل أبو عصام دوره الوطني بثبات، رغم كل الانقسامات والصعوبات التي عصفت بالثورة.
رفيق الشهيد سعد صايل
وكانت أبرز محطاته الأخيرة، مرافقة الشهيد القائد سعد صايل (أبو الوليد)، رئيس هيئة أركان الثورة الفلسطينية، حيث لازمَه حتى لحظة اغتياله الغادر في سهل البقاع عام 1982، وكان أبو عصام من أوائل من حملوا جثمانه، ودوّنوا تفاصيل الحادثة.
رجل عاش للوطن ومات بعيدًا عن ترابه
برحيله، تفقد فلسطين أحد جنودها المجهولين، من أولئك الذين لم يبحثوا عن منصب أو شهرة، بل عن كرامة وطنهم، وسلامة شعبهم.
سكن أبو عصام مدينة نجران حتى وفاته بتاريخ ٢٤-٥-٢٠٢٥ ، ولم تطأ قدماه أرض الزاوية منذ أكثر من ستين عامًا، لكن الزاوية كانت في قلبه، وكان في قلوب أبنائها.
شخصية استثنائية تفرض احترامها
كل من عرفه عن قرب يؤكد انه وحدويًا، وطنيًا، قوميًا عروبيًا، لا يساوم على مبادئه، ولا يهادن في الحق. ترك أثرًا طيبًا في كل من عرفه، وكان رمزًا للكرامة والوفاء والإخلاص. فقد كان من أندر الشخصيات التي تفرض احترامها بحضورها وصدقها وهدوئها العميق.
نم قرير العين أيها الفارس
نم قرير العين يا أبا عصام، فأنت من الذين لم يبدّلوا تبديلا.رحمك الله وغفر لك، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في وداع فارس من زمن الثورة ، عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي
في وداع فارس من زمن الثورة ، عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 5 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

في وداع فارس من زمن الثورة ، عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي

في وداع فارس من زمن الثورة: عدنان إسماعيل ياسين رداد 'أبو عصام' بقلم : د. عمر السلخي قال تعالى: 'كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ' [سورة آل عمران: 185] رحيل رجل من زمن المبادئ في لحظة وداع لا تشبه سوى التاريخ، ننعى إلى أبناء شعبنا الفلسطيني وأحرار الأمة رحيل أحد رجال الثورة المنسيين في الإعلام، العظماء في الميدان، المرحوم عدنان إسماعيل ياسين رداد (أبو عصام)، الذي غادر دنيانا الفانية في مدينة نجران بالمملكة العربية السعودية، بعد مسيرة حياة حافلة بالنضال والعطاء. البدايات: من الزاوية إلى ميادين الثورة هو أحد أبناء بلدة الزاوية بمحافظة سلفيت، غادرها شابًا بعمر 16 عامًا في عام 1964، ليبدأ رحلته مع الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ لحظاتها الأولى، متطوعًا في صفوف حركة 'فتح'، مؤمنًا بعدالة القضية، ومتيقنًا أن الكفاح هو الطريق نحو التحرير. في أرشيف الثورة: محطات من البطولة في أرشيف الثورة، يُذكر 'أبو عصام' ضمن أوائل المقاتلين الذين خاضوا عمليات التسلل عبر نهر الأردن نحو الأراضي المحتلة في أواخر الستينيات، وكان له دور بارز في معركة الكرامة عام 1968، حين كان جنديًا صلبًا ضمن صفوف الفدائيين الذين صمدوا في وجه آلة الحرب الصهيونية. مقاتل في وجه الاحتلال: من بيروت إلى البقاع شارك لاحقًا في حرب لبنان 1982، حيث قاتل بشجاعة في جبهات الجنوب وبيروت، وكان شاهدًا على حصار العاصمة، ومجازر صبرا وشاتيلا. وفي حرب المخيمات منتصف الثمانينيات، واصل أبو عصام دوره الوطني بثبات، رغم كل الانقسامات والصعوبات التي عصفت بالثورة. رفيق الشهيد سعد صايل وكانت أبرز محطاته الأخيرة، مرافقة الشهيد القائد سعد صايل (أبو الوليد)، رئيس هيئة أركان الثورة الفلسطينية، حيث لازمَه حتى لحظة اغتياله الغادر في سهل البقاع عام 1982، وكان أبو عصام من أوائل من حملوا جثمانه، ودوّنوا تفاصيل الحادثة. رجل عاش للوطن ومات بعيدًا عن ترابه برحيله، تفقد فلسطين أحد جنودها المجهولين، من أولئك الذين لم يبحثوا عن منصب أو شهرة، بل عن كرامة وطنهم، وسلامة شعبهم. سكن أبو عصام مدينة نجران حتى وفاته بتاريخ ٢٤-٥-٢٠٢٥ ، ولم تطأ قدماه أرض الزاوية منذ أكثر من ستين عامًا، لكن الزاوية كانت في قلبه، وكان في قلوب أبنائها. شخصية استثنائية تفرض احترامها كل من عرفه عن قرب يؤكد انه وحدويًا، وطنيًا، قوميًا عروبيًا، لا يساوم على مبادئه، ولا يهادن في الحق. ترك أثرًا طيبًا في كل من عرفه، وكان رمزًا للكرامة والوفاء والإخلاص. فقد كان من أندر الشخصيات التي تفرض احترامها بحضورها وصدقها وهدوئها العميق. نم قرير العين أيها الفارس نم قرير العين يا أبا عصام، فأنت من الذين لم يبدّلوا تبديلا.رحمك الله وغفر لك، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الجرح الرابع: الحصول على وسائل المعيشة
الجرح الرابع: الحصول على وسائل المعيشة

فلسطين أون لاين

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • فلسطين أون لاين

الجرح الرابع: الحصول على وسائل المعيشة

بعد نزوج المواطن الغزاوي من بيته رغماً عنه، يحصل على لقب" نازح" ويسكن الخيمة، هنا تبدأ المأساة التي لا أحد يعلم متى تنتهي، فالحياة في مخيمات النزوح تشبه وضع أعداد كبيرة من السمك في حوض صغير مع قليل من الطعام والشراب، والكثير من الخوف والقلق والبحث المستمر عن مقومات الحياة التي تختلف عن البيت، فلا شيء بالخيمة، لا تلفاز، لا غسالة، لا ثلاجة، لا كهرباء، لا صالة ضيافة، لا راحة نفسية. تبدأ رحلة الأسرة في البحث عن مقومات الحياة منذ الصباح، ونظراً لتفرع الحاجات من غذاء وماء ودواء وكساء، فيتم تقسيم الأبناء لفرق، لتوفير المياه الحلوة ومياه الغسيل، جمع الحطب، إحضار الطعام من التكية التي أغلب طعامها من البقوليات "الفاصولياء والبازيلاء والعدس والمعكرونة الأرز"، التي أتعبت أمعاء الغزيين؛ لأن الحصول على غير تلك الأصناف يُعد ترفاً، ومسألة عصية على رب الأسرة الذي فقد عمله بسبب العدوان، ولم يجد عملاً ليعيش منه، خاصة إن كانت أسرته كثيرة العدد. لو أردنا تفصيل الاحتياجات، فالخضار تقلصت حصة المواطن منها بسبب قلة وجودها بالأسواق نتيجة تدمير الاحتلال للأراضي الزراعية وسيطرته على مساحة كبيرة من أراضي القطاع، أما الفاكهة التي بها عناصر غذائية يحتاج إليها الجسم، إن 90% من الناس لم يزد نصيبهم عن نصف كيلو من أصناف كثيرة، منذ عام تقريباً. أما الحصول على اللحوم بكل مشتقاته، وكذلك البيض، مسألة صعبة، ولك أن تتصور عزيزي القارئ أنه منذ بداية رمضان-مارس 2025 حتى كتابة هذا المقال مايو2025 لم نتناول اللحوم نظراً لإغلاق العدو لمعابر غزة. ونظراً لغياب نصف الأطعمة وغلاء النصف الآخر، نلجأ لتقليص عدد الوجبات، ونأكل الزعتر والدقة التي نطحن الحمص والعدس والمعكرونة ليصبح دقة مع إضافة الملح، وهذا على المدى البعيد يسبب أمراضا في الكلى، كما يلجأ الآباء لإيهام أطفالهم أنهم شبعوا ليتيحوا لهم فرصة الأكل. في الحرب لم يعد لدينا خيار أن نقول عن طعامٍ ما " لا أحبه"، وبعد الحرب سنشتكي جميعا من أمراض الصدر؛ لأن دخان النار قد تغلغل إلى صدورنا. أما المياه بنوعيها الصالحة للشرب التي تُستخدم للغسيل، فالحصول عليها يحتاج لبذل الجهد الكبير وإنفاق وقت طويل للوقوف في طابور. وكي نعد ما يمكن تسميته بالطعام، نلجأ للحطب والخشب نتيجة انقطاع غاز الطهي، فهو ممنوع بأمر من العدو، وإن حدث وسمح العدو بدخول الغاز، فإنه يكون نصيب كل رب أسرة 6 كيلو لمدة شهر وبسعر مرتفع. أما الحصول على كأس شاي فهي تدخل في إطار الكماليات؛ لأنها تحتاج لسكر، والسكر ممنوع، ولو وُجد فهو مرتفع الثمن 10 دولارات للكيلو. أما الحلويات فتناولها يحتاج لتخطيط عميق قبل أسبوع من يوم الشراء، فهي مرتفعة السعر بحكم دخول عدة عناصر فيها مثل السكر والزيت والسميد والطحين ويلزمها غاز، وكل هذه الأشياء مفقودة. أما الدقيق فهو المشكلة الكبرى عند رب الأسرة، فلا طعام يصلح بدون خبز، وكيس الدقيق 25 كيلو يتم استهلاكه خلال أسبوع، ونظراً لعدم توفره بالقدر الكافي فهو مرتفع الثمن، وقد وصل سعره إلى ما يزيد على 500 دولار. في غياب هذه المأكولات يلجأ الناس للتكية التي تطبخ الأطعمة وتوزعها على النازحين وهذه مفيدة إلى حدٍ ما، من حيث إنها توفر ثمن الطعام والحطب، لكنها لا تكفي للأسرة. إجمالاً مهما كتبنا وصفاً لواقع حياتنا بغزة خلال العدوان، فلن نستطيع التعبير بشكل دقيق، لأن الظروف أقوى من كل الحروف، لكن الخيط الذين يبقينا على قيد الأمل قول الله عز وجل: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" [البقرة: 155]. فنحن في غزة نُبتلى الآن بـ"الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات" ولسان حالنا يقول: نصبر ونحتسب، وحسبنا الله ونعم الوكيل، بانتظار تحقيق "وبشر الصابرين". المصدر / فلسطين أون لاين

حين يُربّينا الألم وتُهذّبنا النعمة ، رحلة القلب إلى الله ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
حين يُربّينا الألم وتُهذّبنا النعمة ، رحلة القلب إلى الله ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

شبكة أنباء شفا

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • شبكة أنباء شفا

حين يُربّينا الألم وتُهذّبنا النعمة ، رحلة القلب إلى الله ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

حين يُربّينا الألم وتُهذّبنا النعمة : رحلة القلب إلى الله ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات في متاهات الحياة، حيث تتلاطم أمواج الأقدار، وتتعاقب الأيام ما بين مدٍّ وجزر، وبين نورٍ وظلمة، تتجلّى أمامنا حكمةٌ ربانيةٌ خالدة، تهمس في أذن القلب: 'كلُّ ما يمرُّ بك، نعمةٌ كانت أو نقمة، إنّما هو درسٌ سماويٌّ يُنقّي روحك ويقودك نحو الله'. فالحياةُ ليست مشهداً عابراً، بل مسرحُ ابتلاءٍ تتقلب فيه الأدوار، وتتشكل فيه النفوس، ويُصقل فيه المعدن الأصيل كما يُصقل الذهب في بوتقة النار. كم من نعمةٍ أُهديت إلينا فغرتنا، وكم من عطيةٍ ألّهتنا عن واهبها، حتى استحالت النعمة إلى حجابٍ يحجب نور الفطرة! وكم من مصيبةٍ هبّت على قلوبنا كريحٍ عاتية، فإذا بها تحمل بين طياتها مفاتيح العودة، وتفتح أبوابًا لم نكن لنطرقها إلا حين ضاقت بنا الأرض بما رحبت. نعم، فالمصيبة ليست شرّاً مطلقاً، بل هي يدُ العناية الإلهية تمسح على القلب لينهض من غفلته، وتوقظ فيه نور الرجوع إلى أصل الحكاية. ألا ترى كيف يقولون: 'كل كسرٍ أوجعك، فهو جبرٌ إن حاكلك إلى الله'؟ عبارةٌ تختصر سِفراً من الفهم العميق، تُخبرنا أنّ الألم في ميزان الله ليس عذاباً، بل هو مِعراج، يُطهّر القلب ويُنقي الروح. فما أوجعك اليوم قد يكون نبعَ يقينٍ غداً، وما هزّك من الداخل قد يكون أصلَ الثبات فيك. كأنما يُعيد الله ترتيب روحك بما يليق بجنّته، ويهديك بالحزن إلى الفرح الأبدي. يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168]. فانظر كيف يتجلّى الامتحان في لباسين: ثوبٍ من حرير النِّعَم، وآخر من شوك الابتلاء، ليختبر الله صدق التوجُّه، لا رخاوة الحال. فالنعمة قد تكون استدراجاً لمن طغى، والبلاء قد يكون اصطفاءً لمن ارتقى. وما أعظم من نظر إلى الدنيا بعيون الآخرة، ففهم أن كلَّ ما فيها زائل، وكلَّ ما عند الله هو الأبقى. وفي هدي الحبيب ﷺ نقرأ أعظم درسٍ في الرضا: 'عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له'. فما أبهى هذه الفلسفة الربانية! حيث لا تُقاس الأمور بالمقاييس الأرضية، بل بموازين الثبات واليقين. فالصبر جناح، والشكر جناح، وبهما يُحلّق المؤمن فوق هموم الدنيا نحو رضوانٍ لا يغيب، وسكينةٍ لا تُقهر. ليس في هذه الدار خلود، ولا فيها كمال، فهي دار عبور، وزادها الإيمان، ورُفقتها حسن الظن، ومقصدها الله. من فهم حقيقتها، عاش مطمئناً، وإن ضاقت عليه السبل. ومن أيقن أن خلف الألم باباً من نور، استراح قلبه وإن تكسّرت أضلاعه. فاجعل من كل نعمةٍ طريقاً إلى السجود، ومن كل بلاءٍ سلّماً إلى الصعود. لا تجعل من عطايا الدنيا وسادةً تغفو عليها، ولا من مصائبها سجناً يُقيّدك. بل كن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رضي الله عنه–، وقد زهد في الدنيا وما فيها: 'ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي في صدري، وبستاني في قلبي، أينما ذهبت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.' فليكن قلبك جنة، وعقلك منارة، وأفكارك جناحين يحلقان بك إلى علاء الرضا. إنك لا تصنع سعادتك بالمكان، بل بالإيمان؛ ولا تبني طمأنينتك بما تملك، بل بما ترضى؛ فأنت حيث يكون قلبك، فإن كان مع الله، فكل الأرض جنة. رحلة الحياة لا تحتاج إلى زادٍ من الذهب، بل إلى قلبٍ راضٍ، ونفسٍ صابرة، ويقينٍ يُنبت الأمل في صخر الابتلاء. فلتكن حياتك رحلةً إلى الله، لا تعثرك فيها النعم، ولا تُثنيك المصائب، بل يكون كل ما فيها خطوةً في درب الرجوع، ونفَساً في طريق الوصال، ودرجاً تصعد به إلى رحمته ورضوانه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store