
موقف زوما من الصحراء بداية لتَفكك الدعم الإفريقي للبوليساريو
في خطوة ذات رمزية دبلوماسية لافتة، استقبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، زعيم حزب uMkhonto we Sizwe (MK) ، ثالث قوة سياسية صاعدة في جنوب إفريقيا بعد انتخابات ماي 2024.
ويرى مراقبون أن هذا اللقاء يمثل أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية، إذ يعكس تحوّلاً عميقاً في التوجهات السياسية داخل جنوب إفريقيا تجاه ملف الصحراء، خاصة بعدما عبّر حزب زوما، في وثيقة رسمية، عن دعمه العلني لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، معترفًا بسيادته على أقاليمه الجنوبية.
شرخ في الموقف التقليدي لجنوب إفريقيا
لطالما اعتُبرت جنوب إفريقيا إحدى أبرز القلاع الداعمة لجبهة البوليساريو داخل القارة، وهو موقف ارتبط تاريخياً بإرث حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. غير أن الموقف الجديد لحزب MK، بقيادة شخصية وازنة مثل زوما، يشكل بحسب مراقبين 'شرخاً استراتيجياً' في الموقف التقليدي لبريتوريا، ويهدد بزعزعة وحدة الجبهة الداعمة للانفصال داخل إفريقيا.
الوثيقة التي أصدرها الحزب في يونيو 2024 تحت عنوان: 'شراكة استراتيجية من أجل وحدة إفريقيا، التحرر الاقتصادي، واحترام السيادة الترابية: المغرب نموذجاً' ، استعرضت معطيات تاريخية تضع المغرب كفاعل محوري في دعم حركات التحرر، مشيرة إلى أنه كان أول دولة تقدم دعماً عسكريًا ومادياً لحركة أم كاي منذ عام 1962.
يرى مراقبون أن الرباط بدأت تجني ثمار سياسة إفريقية طويلة النفس، تعتمد على إحياء الروابط التاريخية وتفعيل الدبلوماسية الناعمة، من خلال التعاون الاقتصادي والديني والثقافي، إلى جانب الحضور السياسي المتصاعد داخل الاتحاد الإفريقي منذ العودة إليه سنة 2017.
وتؤشر زيارة زوما، التي تأتي بعد لقاء سابق جمعه بالملك محمد السادس عام 2017، إلى أن المغرب يراكم نقاط القوة في ملف الصحراء من خلال نسج تحالفات جديدة، حتى داخل الدول التي كانت تُعد خصماً دبلوماسياً تقليدياً.
جنوب إفريقيا ما بعد 2024: مشهد سياسي متغير
تشير معطيات ما بعد الانتخابات الأخيرة في جنوب إفريقيا إلى تصدع داخلي في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، مقابل صعود أحزاب جديدة تراجع مواقفها من القضايا الدولية، بما فيها النزاع حول الصحراء. ويرى محللون أن حزب زوما يسعى إلى التمايز عن الحزب الحاكم من خلال تبني مواقف أكثر براغماتية وانفتاحًا على التوازنات الجيوسياسية الجديدة.
وبحسب مراقبين، فإن هذا التحول قد لا يبقى معزولًا داخل جنوب إفريقيا، بل قد يحفّز قوى سياسية أخرى في إفريقيا على إعادة تقييم مواقفها من هذا النزاع، خاصة في ظل تراجع التعاطف الشعبي والنخبوي مع طرح الانفصال، وازدياد الوعي بأن الاستقرار الإقليمي يمرّ عبر احترام السيادة الوطنية.
ويرجح مراقبون أن يشكل هذا التحول ضغطًا إضافيًا على البوليساريو وحلفائها داخل الاتحاد الإفريقي، خاصة في مجلس السلم والأمن، الذي كان إلى وقت قريب منصة للدفع بأجندة الانفصال. كما يُتوقع أن يعيد تشكيل توازنات القوى داخل الكتلة الإفريقية المؤثرة في ملف الصحراء.
زيارة جاكوب زوما إلى المغرب، وإعلان حزبه دعم مبادرة الحكم الذاتي، تمثل محطة مفصلية في مسار النزاع حول الصحراء. ويذهب مراقبون إلى اعتبار هذه الزيارة بداية لتفكك المنظومة الإيديولوجية التي لطالما غذّت أطروحة الانفصال، وفتح الباب أمام مقاربات سياسية واقعية قائمة على الشراكة، التنمية، واحترام سيادة الدول.
في هذا السياق، يبدو أن المغرب يمضي بثبات نحو ترسيخ طرحه كحل وحيد وواقعي للنزاع، مستفيدًا من تحولات داخلية في دول محورية، ومتسلحًا بتاريخ سياسي يربط قضيته الوطنية بكفاح قارة بأكملها من أجل الحرية والسيادة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلبريس
منذ 5 ساعات
- بلبريس
خاص.. تسريبات 'جبروت' تشڨ قيادة 'البيجيدي'
علمت 'بلبريس' من مصادر قيادية داخل حزب العدالة والتنمية أن الأمانة العامة للحزب تعيش على وقع توترات داخلية متزايدة، نتيجة تباين في المواقف بين الأمين العام عبد الإله بنكيران وعدد من أعضاء القيادة، وذلك في أعقاب ما بات يُعرف بـ'وثائق جبروت' التي تم تسريبها عبر تطبيق 'تلغرام'، والتي تضمنت معطيات منسوبة لمؤسسة رسمية تتعلق بالعقار الفخم الذي يملكه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حيث ربطته الجهة المسربة بشبهات تهرب ضريبي في المعاملات المرتبطة به. وتشير الوثائق، التي خلفت جدلاً واسعاً، إلى أن وهبي سبق له أن حصل على قرض عقاري ضخم بلغ 11 مليون درهم (مليار و100 مليون سنتيم)، ورهن لفائدة البنك عقارًا فخمًا بحي السفراء بسويسي في الرباط، تحت عنوان 'سعيدة'، بمساحة تقارب 2887 مترًا مربعا، ومخصص لبناء فيلا سكنية، قبل أن يتم سداد القرض بالكامل، ويُرفَع الرهن بشكل رسمي يوم 12 يوليوز 2024. وبحسب الوثائق نفسها، فقد قام الوزير وهبي في غشت من السنة ذاتها، بتفويت العقار لإحدى قريباته عبر عقد تبرع نهائي لا رجعة فيه، وهو ما جعله مسجلاً بالكامل باسمها. وفي سياق هذه المعطيات، أفادت مصادر من داخل العدالة والتنمية لـ'بلبريس' أن النقاش احتدم داخل الأمانة العامة للحزب بشأن كيفية التعامل مع الموضوع، حيث طُرحت فكرة إصدار بلاغ رسمي باسم الأمانة العامة للحزب يوضح الموقف من هذه الوقائع، ويعبر عن موقف الحزب المبدئي من شبهات تهرب ضريبي أو تضارب مصالح، غير أن عدداً من أعضاء الأمانة العامة، وصفوا بـ'صقور الحزب'، رفضوا هذا التوجه بشدة. ويبدو أن الموقف المتحفظ من إصدار بلاغ رسمي، كان بدافع علاقات صداقة تربط بعض قيادات الحزب بالوزير وهبي، ومن بين أبرز المدافعين عنه أستاذ جامعي يشغل عضوية الأمانة العامة وكان وهبي قد دافع عنه في وقت سابق في قضية شغلت الرأي العام، إلى جانب دعم عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للحزب بمجلس النواب. رفض هذا الخط التصعيدي دفع الأمين العام عبد الإله بنكيران إلى الخروج عن صمته، واختار الرد بشكل فردي خارج القنوات الحزبية، حيث نشر تدوينة على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك قال فيها: 'وزير يغش في وثيقة رسمية يقدمها لإدارة الضرائب، ويصرح بأقل من عشر الثمن الحقيقي للعقار، ليتهرب من أداء واجبات ضريبية مستحقة، في خرق سافر لمقتضيات الدستور، ولا سيما الفصلين 39 و40 منه، ومقتضيات المدونة العامة للضرائب. استقالة هذا الوزير ضرورة تفرضها دولة القانون والمؤسسات، ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. انتهى الكلام.' وبحسب مصادر 'بلبريس', فإن تدوينة بنكيران لم تلق إجماعاً داخل الأمانة العامة، حيث استمر الخط الرافض للتصعيد في الدفاع عن خيار الصمت، بدعوى تجنيب الحزب الدخول في معارك جانبية، وتفادي فتح جبهات جديدة، ما يعكس حجم الانقسام داخل البيت الداخلي للعدالة والتنمية بين تيار يقوده بنكيران يتشبث بالمواقف الصدامية، وتيار آخر يفضل البراغماتية والحذر في التعامل مع الملفات المتفجرة.


بلبريس
منذ 7 ساعات
- بلبريس
مكتب دراسات يلوح بمقاضاة و'كالة الواحات' بسبب 'مستحقات'
تواجه الاستراتيجية الوطنية لتنمية المناطق الواحية ومجال الأركان، التي أعدت بإشراف مكتب SUD Conseil عبر فريق من الخبراء الوطنيين، أزمة إدارية وقانونية تؤثر على سير تنفيذها. فالمكتب المكلف بإعداد هذه الاستراتيجية التي تعتمد على رؤية شاملة ومتكاملة حتى عام 2030، ونالت اعترافا واسعا من مختلف الجهات الحكومية والمؤسساتية، لم يتلق إلى اليوم مستحقاته المالية للمرحلة الأخيرة من المشروع، على الرغم من اعتماد الدراسة رسميا من طرف مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (ANDZOA). هذا التأخير في التسوية المالية اعتبره المكتب المعني 'خرقا واضحا لشروط الصفقة العمومية، وخلق حالة من التوتر بين المكتب والوكالة التي تستمر في تقديم الاستراتيجية على أنها نتاج داخلي خاص بها، في حين أن الملكية الفكرية للعمل لم تنقل قانونيا بسبب عدم دفع المستحقات. وقد وجه مكتب SUD Conseil عدة مراسلات رسمية للوزير السابق والحالي دون تلقي رد رسمي حتى الآن'. وقد توصلت جريدة 'بلبريس' برسالة مفتوحة من مكتب SUD Conseil توضح فيها هذه الإشكالية، وتطالب بالتدخل العاجل من قبل الجهات المعنية لتسوية الملف وضمان احترام الالتزامات التعاقدية'. ويطرح هذا الوضع تساؤلات جدية حول احترام الالتزامات التعاقدية وشفافية التعاملات بين المؤسسات العمومية والمكاتب الاستشارية الوطنية، وهو ما قد يؤثر على الثقة بين الطرفين ويشكل سابقة في مجال التعاون المؤسسي. ويأتي هذا في وقت تتطلب فيه السياسات العمومية الترابية احتراما كاملا للحقوق العلمية والمهنية المبذولة في إعداد وثائق استراتيجية ذات أهمية كبرى للتنمية المستدامة للمناطق الهشة بالجنوب المغربي. من جانبهم، أكد خبراء المكتب أن 'بناء شراكات استراتيجية ناجحة بين الدولة والخبرات الوطنية يتطلب اعترافا واضحا بالجهود والالتزامات، وأن استمرار هذا النزاع قد يضطرهم إلى اللجوء إلى المساطر القانونية والقضائية للدفاع عن حقوقهم، مع الحرص في الوقت ذاته على إيجاد حلول مؤسسية ومسؤولة تتماشى مع مبادئ الحكامة الجيدة'.


أخبارنا
منذ 17 ساعات
- أخبارنا
تزامنا مع زيارة تبون لروما.. الإعلام الإيطالي يتفاعل مع دعم حزب جنوب إفريقي لخطة المغرب
بينما كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يحط الرحال بالعاصمة الإيطالية روما في زيارة رسمية يسوق أنها تروم تعزيز التحالفات الطاقية مع هذا البلد الأوروبي، سجل تفاعل إعلامي لافت من قبل الصحافة الإيطالية مع الموقف الغير مسبوق الذي صدر عن حزب سياسي جنوب إفريقي قوي، عبر فيه عن دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، واضعا الجزائر في زاوية حرجة داخل القارة الإفريقية. وأفردت صحيفة Italpress مقالا خاصا سلطت فيه الضوء على التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، جاكوب زوما، زعيم حزب Umkhonto weSizwe، بعد لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في الرباط، حيث أعلن دعمه الكامل للمبادرة المغربية، واصفا إياها بأنها "خطة تضمن السيادة المغربية وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة"، حيث نقلت الصحيفة الإيطالية عن زوما قوله إن الخطة توفر شكلا من أشكال الحكم الذاتي الفعال لسكان الأقاليم الجنوبية، دون المس بوحدة التراب الوطني المغربي، داعيا المجتمع الدولي إلى تأييد هذا الطرح المتوازن. من جانبها توقفت صحيفة AGCNews المتخصصة في المجال الجيوسياسي، عند الدلالات الرمزية والتاريخية لهذا الموقف السياسي الجنوب إفريقي، مبرزة أنه يأتي ليكسر جمود الموقف التقليدي لجنوب إفريقيا، البلد الذي لطالما ساند الطرح الانفصالي بدفع من علاقاته الوثيقة مع الجزائر والحزب الحاكم هناك، حيث أكدت أن الدعم الذي عبر عنه حزب MK يمثل تحولا نوعيا في مواقف دول القارة، خصوصا أن زوما استحضر السياق التاريخي لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، واستدل على ذلك بمشاركة الصحراويين في المسيرة الخضراء سنة 1975، والتي وصفها بـ"فعل سلمي في مسار إنهاء الاستعمار". في السياق ذاته، اعتبرت صحيفة Insidertrend أن الموقف الجديد يعكس تحولا جيواستراتيجيا في علاقات الرباط مع بعض العواصم الإفريقية المؤثرة، مؤكدة أن تحركات المغرب الدبلوماسية تنجح في تحييد قلاع تقليدية كانت محسوبة على المحور المعادي للوحدة الترابية، وأضافت أن الوثيقة السياسية التي نشرها الحزب الجنوب إفريقي مؤخرا، والتي تكرس الروابط التاريخية بين المغرب والصحراء، تمثل خطوة في اتجاه تصحيح مواقف متجذرة ضمن صراعات الحرب الباردة التي لا تتماشى مع متغيرات القارة اليوم. ونقلت وكالة GEAnews مضمون هذا التحول السياسي، مبرزة أن دعم حزب زوما للمبادرة المغربية يأتي في وقت يستمر فيه النظام الجزائري في تكثيف تحركاته الإقليمية والدولية من أجل تلميع صورته ومنافسة الرباط على النفوذ في إفريقيا والبحر المتوسط، لافتا إلى أن هذا الموقف يشكل صفعة دبلوماسية جديدة للجزائر، التي كانت تراهن على بقاء جنوب إفريقيا كحليف استراتيجي لها في ملف الصحراء، خصوصا في ظل انتماء الحزب الحاكم هناك للتيار اليساري القاري المرتبط بإرث النضال الثوري. وأجمعت وسائل الإعلام الإيطالية التي تناولت الحدث على أن موقف حزب MK ليس مجرد إعلان عابر، بل هو مؤشر على بداية تآكل الجبهة الداعمة للانفصال داخل القارة، وتكريس لتقدم المغرب في معركة الشرعية التاريخية والدبلوماسية، حيث وبينما يلتقي تبون بمسؤولين إيطاليين بحثا عن شراكات طاقية ومكاسب اقتصادية، يجد نفسه محاطا بصدى موقف إفريقي قوي يخالف توجهات نظامه ويربك خطط "الكابرانات" الإقليمية، في وقت تواصل فيه الرباط ترسيخ حضورها كفاعل عقلاني وشريك موثوق في أعين المنتظم الدولي.