logo
دبلوماسية سعودية تصنع التوافق

دبلوماسية سعودية تصنع التوافق

الشرق الأوسطمنذ 5 أيام
يعدّ المؤتمرُ الدولي رفيعُ المستوى حول التسوية السَّلمية للقضية الفلسطينية، وتنفيذ حلّ الدولتين، الذي رأسته السعودية بالاشتراك مع فرنسا، وانعقد على مدى ثلاثة أيام في نيويورك، أحدَ أبرز التحركات السياسية الدولية تجاه القضية الفلسطينية منذ سنوات. وقد خلص المؤتمرُ إلى وثيقة تاريخية تضمنت 42 بنداً، هدفت إلى الدفع نحو مسار ملزم لتنفيذ حل الدولتين وتعزيز الاعتراف بدولة فلسطين. وقد جاء انعقاد هذا المؤتمر في توقيت بالغ الدقة، مع استمرار الحرب على غزة وتصاعد التوترات الإقليمية، وسط انسداد المسار التفاوضي منذ تعثر مفاوضات السلام الأخيرة.
ويكتسب هذا المؤتمر أهميته لا من مكانه وتوقيته فحسب؛ بل من طبيعة مخرجاته ونوعية الحضور فيه. فقد شهد المؤتمر مشاركة نحو 160 دولة، من بينها 125 دولة ومنظمة إقليمية أعلنت دعمها الصريح لخطة حل الدولتين ضمن إعلان نيويورك الختامي. وتميز التمثيل بطابعه الرفيع، حيث شارك وزراء خارجية، ونواب رؤساء دول، ومندوبون رسميون من مختلف أنحاء العالم. كما أصدرت أكثر من عشرين دولة بياناً مشتركاً باسم السعودية وفرنسا، بجانب الإعلانات التاريخية المتوالية عن عزم عدد من الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تجسيداً للشرعية الدولية ودعماً للسلام، ما يعكس توافقاً دولياً نادراً حول دعم مسار سياسي جاد للقضية الفلسطينية. وبالتالي، فنحن نتحدث عن إجماع دولي واسع، جمع على طاولة واحدة كبرى الدول والمنظمات الإقليمية، في تحالف متعدد الأطراف نادر الحدوث منذ سنوات. كما أن المؤتمر تميز بطابعه الواقعي العملي وتدرجه الزمني المدروس بعيداً عن أي شعارات، حيث قدم خريطة طريق شاملة تتعامل مع تعقيدات المرحلة على ثلاثة مستويات متكاملة: فعلى المدى القريب، ركز على التهدئة الإنسانية من خلال الدعوة إلى وقف فوري للعمليات العسكرية، وتسهيل دخول المساعدات عبر الأمم المتحدة والصليب الأحمر، إلى جانب معالجة ملف الأسرى. وعلى المدى المتوسط، أُعيد التأكيد على أهمية إطلاق خطة إعمار شاملة بقيادة عربية وإسلامية، تعيد بناء ما دمرته الحرب وتؤسس لاستقرار دائم. أما على المدى البعيد، فقد أولى المؤتمر أولوية لوضع الأسس السياسية والمؤسسية الكفيلة بتفعيل حل الدولتين، ضمن إطار زمني واضح ومسار تفاوضي قابل للتنفيذ. وبالتالي، كانت الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر تشكل إطاراً متكاملاً وقابلاً للتنفيذ من أجل تطبيق حل الدولتين، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، والإسهام في بناء مستقبل المنطقة وشعوبها. وهذا التأكيد على الإطار الزمني والآليات التنفيذية يجعل المؤتمر خطوة عملية، ويمنحه وزناً ميدانياً لم تتم رؤيته منذ اتفاق أوسلو.
إنَّ الوصول إلى هذا التوافق الدولي الواسع لم يكن ليتحقق لولا الدبلوماسية السعودية النشطة، التي لعبت دوراً محورياً منذ تأسيس التحالف الدولي لحل الدولتين في سبتمبر الماضي، وما تبعه من اجتماعات متابعة في الرياض وبروكسل وأوسلو والقاهرة والرباط، وصولاً إلى تنظيم المؤتمر رفيع المستوى في نيويورك. وقد مثل هذا المؤتمر ثمرة الحراك الدبلوماسي المتواصل، ورسخ الإرادة الدولية نحو حل عادل وشامل يقوم على أساس حل الدولتين. وبفضل جهودها المتواصلة، تمكنت المملكة من ردم الفجوات بين مختلف الأطراف، وتأسيس أرضية مشتركة مكنت من بلورة «إعلان نيويورك» بصيغته التوافقية. لقد أدارت الرياض هذا المسار بتوازن واحتراف جامعٍ بين التمسك بالمبادئ والثوابت من جهة، وبين فهم عميق لتعقيدات المشهد الدولي من جهة أخرى. ومن خلال هذا المؤتمر، أسهمت المملكة في تشكيل تكتل دولي جديد ضاغط باتجاه تسوية شاملة، بالتنسيق مع فرنسا وعدد من الدول الأوروبية والعربية، مما منح المؤتمر طابعاً عملياً يتجاوز البيانات الدبلوماسية إلى رؤية تنفيذية محددة. وقد تجلّى هذا الحراك في التزام واضح بخريطة طريق ضمن جدول زمني لا يتجاوز خمسة عشر شهراً، وهو ما يؤكد أن المملكة لا تكتفي بالدعوة إلى المبادئ؛ بل تسعى لصياغة آليات واقعية لتحقيقها. إن هذا الدور السعودي النشط والريادي، في وقت يتراجع فيه بعض القوى الكبرى عن التزاماته، أو ينحاز لطرف على حساب العدالة، يعكس نهجاً مستقلاً في السياسة الخارجية، قائماً على الشرعية الدولية، والتوازن، وتحقيق الأمن عبر العدل لا عبر القوة.
وأخيراً على أهمية هذا المؤتمر وما حمله من زخم سياسي ورسائل دولية واضحة، لكننا لن نسرف كثيراً في التفاؤل، ونعلم جيداً أن المرحلة المقبلة تنطوي على تحديات معقدة ترتبط بالانقسام الفلسطيني، ومواقف بعض الأطراف الفاعلة، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن مجرد انعقاد هذا المؤتمر في هذه اللحظة الحرجة، وبهذا المستوى الرفيع من التمثيل، يعكس تحولاً جديراً بالمتابعة، وربما بداية مسار مختلف يعيد وضع القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجاسر إلى المرتبة الثالثة عشرة
الجاسر إلى المرتبة الثالثة عشرة

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

الجاسر إلى المرتبة الثالثة عشرة

صدر قرار أمين محافظة جدة صالح بن علي التركي بترقية المهندس محمد بن حسن الجاسر إلى المرتبة الثالثة عشرة؛ تقديراً لجهوده وإسهاماته المميزة في العمل البلدي. وأعرب الجاسر عن بالغ شكره وتقديره على هذه الثقة، مؤكداً أنها ستكون حافزاً لبذل المزيد من العطاء لخدمة الوطن والمواطن، والمساهمة في تحقيق مستهدفات أمانة جدة. أخبار ذات صلة

أمير حائل يقدم واجب العزاء لأسرة الجارالله في وفاة فقيدتهم
أمير حائل يقدم واجب العزاء لأسرة الجارالله في وفاة فقيدتهم

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

أمير حائل يقدم واجب العزاء لأسرة الجارالله في وفاة فقيدتهم

قدّم أمير حائل الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز، العزاء لأسرة الجارالله في وفاة فقيدتهم شيخة بنت عبدالرحمن بن جارالله الجارالله (رحمها الله). جاء ذلك خلال اتصال هاتفي مع مدير عام مكتب نائب أمير المنطقة عبدالله بن عبدالرحمن الجارالله، معرباً عن تعازيه له ولإخوان وذوي الفقيدة، داعياً الله أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته، وأن يلهم ذويها الصبر والسلوان. أخبار ذات صلة

بيان لـ31 دولة عربية وإسلامية يدين تصريحات نتنياهو
بيان لـ31 دولة عربية وإسلامية يدين تصريحات نتنياهو

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

بيان لـ31 دولة عربية وإسلامية يدين تصريحات نتنياهو

أدان وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ومملكة البحرين، وجمهورية بنغلاديش الشعبية، وجمهورية تشاد، وجمهورية القمر المتحدة، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية غامبيا، وجمهورية إندونيسيا، وجمهورية العراق، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الكويت، والجمهورية اللبنانية، ودولة ليبيا، وجمهورية المالديف، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، والمملكة المغربية، وجمهورية نيجيريا الاتحادية، وسلطنة عُمان، وجمهورية باكستان الإسلامية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، وجمهورية السنغال، وجمهورية سيراليون، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية السودان، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية التركية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والجمهورية اليمنية، وأمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأشدّ العبارات، التصريحات التي أدلى بها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال)، التي نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن ما يُسمى بـ«إسرائيل الكبرى»، والتي تمثّل استهانة بالغة وافتئاتاً صارخاً وخطيراً لقواعد القانون الدولي، ولأسس العلاقات الدولية المستقرة، وتشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي ولسيادة الدول، والأمن والسلم الإقليمي والدولي. وشددوا على أنه في الوقت الذي تؤكّد فيه الدول العربية والإسلامية احترامها للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ولا سيّما المادة 2 الفقرة 4 المتعلّقة برفض استخدام القوة أو التهديد بها، فإن الدول العربية والإسلامية ستتخذ جميع السياسات والإجراءات التي تُؤطر للسلام وتُكرّسه، بما يحقق مصالح جميع الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والتنمية، بعيداً عن أوهام السيطرة وفرض سطوة القوة. كما أدانوا بأشدّ العبارات موافقة الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش على خطة الاستيطان في منطقة «E1»، وتصريحاته العنصرية المتطرفة الرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية، وعدّوا ذلك انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واعتداءً سافراً على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، كما شددوا على أن لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة. وأكدوا رفضهم المطلق وإدانتهم هذه الخطة الاستيطانية وجميع الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية، التي تُشكّل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرار 2334، الذي يُدين جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي، والطابع والوضع القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، عاصمة دولة فلسطين. كما أعادوا التأكيد للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي شدّد على عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وضرورة إنهائه فوراً، وإزالة آثاره والتعويض عن أضراره. وحذروا من خطورة النوايا والسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى ضم الأراضي الفلسطينية، واستمرار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في نهجها الاستيطاني التوسّعي في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها من محاولات المساس بالأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وإرهاب المستوطنين، والاقتحامات اليومية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والتدمير المنهجي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، الذي يُسهم بشكل مباشر في تأجيج دوامات العنف والصراع، ويُقوّض فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. كما حذروا من الاستناد إلى أوهام عقائدية وعنصرية، ما ينذر بتأجيج الصراع وبما يصعب التحكّم في مساراته أو التنبؤ بمآلاته، وبما يُهدّد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء. وفي سياق متصل، جدّد وزراء الخارجية في الدول العربية والإسلامية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، تأكيدهم رفض وإدانة جرائم العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتأكيد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع ضمان النفاذ غير المشروط للمساعدات الإنسانية لوقف سياسة التجويع الممنهج الذي تستخدمه إسرائيل سلاح إبادة جماعية بما يتطلبه ذلك من إنهاء فوري للحصار الإسرائيلي القاتل على القطاع، وفتح المعابر الإسرائيلية مع قطاع غزة، وتحميل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، كامل المسؤولية عن تبعات جرائمها في قطاع غزة، من انهيار المنظومة الصحية والإغاثية، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، وإعادة التأكيد للرفض الكامل والمطلق لتهجير الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة من الذرائع، ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان والانسحاب الكامل من قطاع غزة، تمهيداً لتهيئة الظروف الملائمة من أجل تنفيذ الخطة العربية-الإسلامية لجهود التعافي المبكّر ولإعادة إعمار القطاع، والتأكيد على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وضرورة تولي دولة فلسطين مسؤوليات الحكم في قطاع غزة كما في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بدعم عربي ودولي، في إطار البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وسياسة نظام واحد وقانون واحد وسلاح شرعي واحد. وفي هذا السياق، طالبوا المجتمع الدولي، خصوصاً الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية، بتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والعمل الفوري على إلزام إسرائيل بوقف عدوانها المتواصل على قطاع غزة وتصعيدها الخطير في الضفة الغربية المحتلة، ووقف التصريحات التحريضية الواهمة التي يُطلقها مسؤولوها، إضافة إلى توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتمكينه من نيل حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني، ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store