
مولاي عبد السلام الجبلي : أمينة شريكة النضال والمنفى
في أواخر سنة 1949 وبداية 1950، كانت الحركة الوطنية بمراكش ممثلة في حزب الاستقلال في أوج نشاطها، وبادر الراحل عبد الله إبراهيم -توفي في 2005- -عندما عاد من فرنسا بعد الدراسة- إلى قيادة عملية تجديد وإنشاء خلايا للحركة الوطنية بالمدينة، حي القصبة حي فريد إذ أنه جزء من المدينة وفي الوقت نفسه منفصل عنها. وكان له قائد خاص هو السي حسي أخ باشا مراكش التهامي الكلاوي -توفي في 1957-. كان أبرز عناصر الحركة الوطنية في حي القصبة الشهيد محمد البقال – أعدمه الاستعمار الفرنسي في 1954- كُلّفت بالاتصال به وإنشاء خلايا بالحي الذي يعاني من تسلط القائد حسي الكلاوي. كان محمد البقال يتوفر على دكان بالحي يمارس فيه تجارة بيع المواد الغذائية بالتقسيط، بدأنا الدعاية بين جمهور المصلين في المساجد الصغرى التي تقتصر على الصلوات الخمس دون صلوات الجمع نستقطب الجمهور لتلقي دروس محو الأمية وفي نفس الوقت نقوم بتوعية الحاضرين بأهداف الحركة الوطنية. وقد ربطتني علاقة وثيقة بالشهيد البقال حتى صرت عضوا في عائلته وصار عضوا في عائلتي، وبدعم من والدته رقية إحدى الأمهات العظيمات، والجميع يناديها أمي رقية، وابنتيها زينب وفاطمة. كان للشهيد محمد البقال شقيق اسمه أحمد متزوج بالسيدة فاطمة العلوي شقيقة زوجتي فيما بعد أمينة، وأمهما مطلقة واسمها حبيبة ووالدهما مولاي أحمد العلوي الذي تزوج السيدة فاطمة الزهراء، أول امرأة شهيدة اغتالها المستعمر الفرنسي أثناء مظاهرة 15-08-1953 ضد قرار نفي محمد الخامس التي سميت مظاهرة المشور، وقد أطلق اسمها على أحد شوارع المدينة بعد الاستقلال، وكان يدعى شارع الرميلة.
أمينة ووالدتها تزوران باستمرار شقيقتها فاطمة المتزوجة بأحمد شقيق الشهيد محمد البقال، بل كانتا شبه مقيمتين معهم، وأثناء الاعتقالات التي طالت عائلة الشهيد كانت الشرطة الاستعمارية تعتقل أم أمينة أيضا لأنها بالنسبة لهم فرد من العائلة. وقد لعبت أمي رقية والدة الشهيد دورا في التقريب بيني وبين أمينة، وقد أخبرتها قبل الزواج أن ظروفي الاجتماعية جد عادية، وأنني لا أدري مصيري مع الظروف السياسية، واقتنعت بذلك لأنها مُشبعة بالجو النضالي في منزل الشهيد محمد البقال خاصة أمنا رقية التي تذكرني دائما برواية الأم للكاتب الروسي مكسيم غوركي التي قرأتها مرات عدة في 1958. تم عقد الزواج بمنزلنا في حي قاعة بناهيض وأصر والدي على إقامة حفل الزفاف رغم رفضي، بحضور عائلة أمينة وعائلة الشهيد البقال وعائلتي فقط. كنت آنئذ عضوا في خلية المقاومة بالدار البيضاء، وكان لي سكن مكترى هناك وأخذت أمينة إلى البيضاء حيث أقمنا. وبدأت الاعتقالات ضد عناصر المقاومة في البيضاء في أواخر الخمسينات من القرن الماضي بادعاءات غير مبررة من طرف النظام، وانتقلت إلى منطقة كَلميم لأن هناك سلاحا مهما كان مخفيا لدى جيش التحرير، وخشينا أن تصل إليه أيادٍ غير مسؤولة، كانت لدينا سيارة كبيرة من نوع « كادياك »، كنا قد استولينا عليها من مرآب باشا مراكش -التهامي الكلاوي- حملنا فيها السلاح ونقلناه إلى ضيعة قرب الدار البيضاء، وقام بالإشراف عليه الراحل حمو الفاخري الذي اعتقل فيما بعد، وتم الاستيلاء على هذا السلاح من طرف الأجهزة الأمنية بعد اعتقال الفاخري وجماعة من المقاومين بخلية البيضاء، مما اضطرني لتغيير محل سكني مع أمينة، إذ اكتريت غرفة بحي درب السلطان عن طريق الأخ الراحل العربي محي، الذي كان يقوم بتزويد العائلة باحتياجاتها. كان يزورني أيضا الراحل محمد بن سعيد أيت ايدر، وقد رزقت ببنت وولد هما: هند ونزار-رحمه الله-، وبقيت مختفيا حتى 1961. اشتدت الحملات الأمنية لاعتقالي على قدم وساق لدرجة إعلان جوائز مالية لمن يرشد عني، مما شكل خطورة على جسم المقاومة والحركة السياسية لكون اعتقالي قد يؤدي إلى صعوبات جمة للجسم النضالي، فاقترح علي مغادرة البيضاء إلى اسبانيا، وذلك في سنة 1961، وبقيت أمينة متخفية مع الأولاد، وصدر الأمر باعتقالها لكون السيارة التي حملنا بها السلاح من كَلميم إلى البيضاء في اسمها. ولحسن الحظ فإن محمد بناصر زوج المناضلة خديجة المذكوري يملك ضيعة قرب البيضاء، فقام بنقل أمينة وولديها إلى منزله هناك، ثم فيما بعد قام الراحل المقاوم السعيد بونعيلات بنقلهم إلى الشمال المغربي وبمساعدة قائد بمدينة العرائش يدعى أحمد، ثم إلى تطوان عند محمد بوجنة صهر القائد أحمد ومن الإعلاميين المعروفين، وهما اللذان ساعداني في المرور عبر الحدود إلى اسبانيا، ثم التحقت بي العائلة في « مالاكَا »، حيث مكان إقامتي، ورغم معرفة السلطات الأمنية الإسبانية بشخصي، فإنها عاملتني باحترام لكون الراحل عبد الله إبراهيم أوصى بي خيرا رغم أنه كان خارج الحكومة آنئذ. (أذكر أنه ربطتني علاقة جيدة بالراحل حافظ إبراهيم المقيم في اسبانيا، وهو تونسي من كبار رجالات الحركة الوطنية المغاربية، شيد مختبرا لصناعة الأدوية مع زوجته الإيطالية). وكان لتدخل الأخ عبد الله إبراهيم أن عينت الحكومة الإسبانية ضابطا خاصا للاتصال بي وتسهيل إقامتي التي لم تطل لعدم ارتياحي للإقامة في اسبانيا، فبمجرد إعلان استقلال الجزائر في 1962 هاجرت مع العائلة إليها، وازدانت العائلة بابن ثالث هو رياض الذي ولد في مدريد، التي انتقلت إليها من « مالاكَا » فصرنا خمسة. قضينا مدة لا بأس بها بالجزائر، وازدادت الخلافات داخل المعارضة المغربية حول أسلوب النضال خصوصا التدخل الأمني الجزائري في شؤونها، مما أرغمني على التفكير في منفى جديد هو فرنسا. وساعدتني الحكومة السورية عبر سفارتها في الجزائر قد أمدتني بوثائق سفر جديدة باعتباري مواطنا سوريا، نظرا لعلاقتي الجيدة بالرئيس السوري والزعماء نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وزعين، وأذكر أن السيدة سعاد عبد الله المسؤولة عن الشؤون الثقافية في السفارة والتي ترأست الاتحاد النسائي السوري فيما بعد هي من سلمتني الوثائق. بعد انتقالنا إلى باريس واجهت صعوبة البحث عن عمل لكون المبالغ المالية التي أتوفر عليها ضئيلة، عملت في بعض المصانع: كرونو وغيرها، وفي مجال التنظيف، ثم وجدت مطعما مغربيا تديره سيدة جزائرية اسمه مطعم « كليوباترا »، وتبحث عن طباخ يتقن الطبخ المغربي الذي تعلمته عن أمي، وبدأت العمل لديها شرط أن تهيئ لي وثائق لطلب الإقامة. وكنت أسكن في المقاطعة الخامسة، إلا أن مسيرة المطعم لم تف بوعدها فسافرت من جديد إلى الجزائر، إذ تبين أن الوثائق الجزائرية أكثر قبولا بفرنسا من غيرها، وبالجزائر سلموني وثائق جزائرية كاملة لي وللعائلة بمجرد تقديم الطلب، رجعت إلى فرنسا /باريس، وكان علي تغيير السكنى فانتقلت إلى منطقة تدعى (شاميني)، وبالتالي وجب تغيير العنوان والمدارس بالصفة الجديدة كجزائريين.
أثناء بحثي عن العمل وجدت أمينة عملا كمدبرة منازل بمساعدة علال سيناصر وزوجته حورية بنيس، وعملت في عدة محلات منها منزل لأحد كبار الفرنسيين كان يعشق الطبخ المغربي ويقيم بمنزله ندوات وحفلات ومحاضرات. بعد رجوعي إلى باريس عملت طباخا في مطعم اسمه « المشوي » بشارع « سان ميشيل » القريب من دار المغرب. وبدأت البحث عن محل خاص لحسابي الخاص. وجدت محلا معروضا للكراء هو جزء من مسرح « بوبينو » وأسست مطعم « أوطاجين » في المقاطعة 14 بباريس يعمل ليلا فقط، تساعدني أمينة في جميع أعماله طباخة ونادلة ومنظفة، إذ سبق لها العمل كما ذكرت سابقا لدى إحدى العائلات الفرنسية المثقفة التي كانت تعقد حفلات وندوات بمنزلها.
وقد تشاركنا في العمل وتربية الأبناء، وكان الثقل يقع عليها. كانت صبورة لم تشتك قط من وضعها أو عملها أو من ظروفي المالية الصعبة. وبعد رجوعي إلى المغرب في 1979 عاشت معي مراحل العضوية في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وساعدتني في إنشاء ضيعة تامصلوحت وبناء المدرسة وقبلها مدرسة أخرى، وكانت اليد اليمنى لي في كل هذه المراحل والتي سبقتها، ورغم فقداننا ابننا نزار فقد أظهرت جلدا على هذا المصاب الجلل، كانت أما عظيمة مثل كل الأمهات مشبعة بالقيم والتعاليم الإسلامية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مراكش الإخبارية
منذ 4 ساعات
- مراكش الإخبارية
مولاي عبد السلام الجبلي : أمينة شريكة النضال والمنفى
في أواخر سنة 1949 وبداية 1950، كانت الحركة الوطنية بمراكش ممثلة في حزب الاستقلال في أوج نشاطها، وبادر الراحل عبد الله إبراهيم -توفي في 2005- -عندما عاد من فرنسا بعد الدراسة- إلى قيادة عملية تجديد وإنشاء خلايا للحركة الوطنية بالمدينة، حي القصبة حي فريد إذ أنه جزء من المدينة وفي الوقت نفسه منفصل عنها. وكان له قائد خاص هو السي حسي أخ باشا مراكش التهامي الكلاوي -توفي في 1957-. كان أبرز عناصر الحركة الوطنية في حي القصبة الشهيد محمد البقال – أعدمه الاستعمار الفرنسي في 1954- كُلّفت بالاتصال به وإنشاء خلايا بالحي الذي يعاني من تسلط القائد حسي الكلاوي. كان محمد البقال يتوفر على دكان بالحي يمارس فيه تجارة بيع المواد الغذائية بالتقسيط، بدأنا الدعاية بين جمهور المصلين في المساجد الصغرى التي تقتصر على الصلوات الخمس دون صلوات الجمع نستقطب الجمهور لتلقي دروس محو الأمية وفي نفس الوقت نقوم بتوعية الحاضرين بأهداف الحركة الوطنية. وقد ربطتني علاقة وثيقة بالشهيد البقال حتى صرت عضوا في عائلته وصار عضوا في عائلتي، وبدعم من والدته رقية إحدى الأمهات العظيمات، والجميع يناديها أمي رقية، وابنتيها زينب وفاطمة. كان للشهيد محمد البقال شقيق اسمه أحمد متزوج بالسيدة فاطمة العلوي شقيقة زوجتي فيما بعد أمينة، وأمهما مطلقة واسمها حبيبة ووالدهما مولاي أحمد العلوي الذي تزوج السيدة فاطمة الزهراء، أول امرأة شهيدة اغتالها المستعمر الفرنسي أثناء مظاهرة 15-08-1953 ضد قرار نفي محمد الخامس التي سميت مظاهرة المشور، وقد أطلق اسمها على أحد شوارع المدينة بعد الاستقلال، وكان يدعى شارع الرميلة. أمينة ووالدتها تزوران باستمرار شقيقتها فاطمة المتزوجة بأحمد شقيق الشهيد محمد البقال، بل كانتا شبه مقيمتين معهم، وأثناء الاعتقالات التي طالت عائلة الشهيد كانت الشرطة الاستعمارية تعتقل أم أمينة أيضا لأنها بالنسبة لهم فرد من العائلة. وقد لعبت أمي رقية والدة الشهيد دورا في التقريب بيني وبين أمينة، وقد أخبرتها قبل الزواج أن ظروفي الاجتماعية جد عادية، وأنني لا أدري مصيري مع الظروف السياسية، واقتنعت بذلك لأنها مُشبعة بالجو النضالي في منزل الشهيد محمد البقال خاصة أمنا رقية التي تذكرني دائما برواية الأم للكاتب الروسي مكسيم غوركي التي قرأتها مرات عدة في 1958. تم عقد الزواج بمنزلنا في حي قاعة بناهيض وأصر والدي على إقامة حفل الزفاف رغم رفضي، بحضور عائلة أمينة وعائلة الشهيد البقال وعائلتي فقط. كنت آنئذ عضوا في خلية المقاومة بالدار البيضاء، وكان لي سكن مكترى هناك وأخذت أمينة إلى البيضاء حيث أقمنا. وبدأت الاعتقالات ضد عناصر المقاومة في البيضاء في أواخر الخمسينات من القرن الماضي بادعاءات غير مبررة من طرف النظام، وانتقلت إلى منطقة كَلميم لأن هناك سلاحا مهما كان مخفيا لدى جيش التحرير، وخشينا أن تصل إليه أيادٍ غير مسؤولة، كانت لدينا سيارة كبيرة من نوع « كادياك »، كنا قد استولينا عليها من مرآب باشا مراكش -التهامي الكلاوي- حملنا فيها السلاح ونقلناه إلى ضيعة قرب الدار البيضاء، وقام بالإشراف عليه الراحل حمو الفاخري الذي اعتقل فيما بعد، وتم الاستيلاء على هذا السلاح من طرف الأجهزة الأمنية بعد اعتقال الفاخري وجماعة من المقاومين بخلية البيضاء، مما اضطرني لتغيير محل سكني مع أمينة، إذ اكتريت غرفة بحي درب السلطان عن طريق الأخ الراحل العربي محي، الذي كان يقوم بتزويد العائلة باحتياجاتها. كان يزورني أيضا الراحل محمد بن سعيد أيت ايدر، وقد رزقت ببنت وولد هما: هند ونزار-رحمه الله-، وبقيت مختفيا حتى 1961. اشتدت الحملات الأمنية لاعتقالي على قدم وساق لدرجة إعلان جوائز مالية لمن يرشد عني، مما شكل خطورة على جسم المقاومة والحركة السياسية لكون اعتقالي قد يؤدي إلى صعوبات جمة للجسم النضالي، فاقترح علي مغادرة البيضاء إلى اسبانيا، وذلك في سنة 1961، وبقيت أمينة متخفية مع الأولاد، وصدر الأمر باعتقالها لكون السيارة التي حملنا بها السلاح من كَلميم إلى البيضاء في اسمها. ولحسن الحظ فإن محمد بناصر زوج المناضلة خديجة المذكوري يملك ضيعة قرب البيضاء، فقام بنقل أمينة وولديها إلى منزله هناك، ثم فيما بعد قام الراحل المقاوم السعيد بونعيلات بنقلهم إلى الشمال المغربي وبمساعدة قائد بمدينة العرائش يدعى أحمد، ثم إلى تطوان عند محمد بوجنة صهر القائد أحمد ومن الإعلاميين المعروفين، وهما اللذان ساعداني في المرور عبر الحدود إلى اسبانيا، ثم التحقت بي العائلة في « مالاكَا »، حيث مكان إقامتي، ورغم معرفة السلطات الأمنية الإسبانية بشخصي، فإنها عاملتني باحترام لكون الراحل عبد الله إبراهيم أوصى بي خيرا رغم أنه كان خارج الحكومة آنئذ. (أذكر أنه ربطتني علاقة جيدة بالراحل حافظ إبراهيم المقيم في اسبانيا، وهو تونسي من كبار رجالات الحركة الوطنية المغاربية، شيد مختبرا لصناعة الأدوية مع زوجته الإيطالية). وكان لتدخل الأخ عبد الله إبراهيم أن عينت الحكومة الإسبانية ضابطا خاصا للاتصال بي وتسهيل إقامتي التي لم تطل لعدم ارتياحي للإقامة في اسبانيا، فبمجرد إعلان استقلال الجزائر في 1962 هاجرت مع العائلة إليها، وازدانت العائلة بابن ثالث هو رياض الذي ولد في مدريد، التي انتقلت إليها من « مالاكَا » فصرنا خمسة. قضينا مدة لا بأس بها بالجزائر، وازدادت الخلافات داخل المعارضة المغربية حول أسلوب النضال خصوصا التدخل الأمني الجزائري في شؤونها، مما أرغمني على التفكير في منفى جديد هو فرنسا. وساعدتني الحكومة السورية عبر سفارتها في الجزائر قد أمدتني بوثائق سفر جديدة باعتباري مواطنا سوريا، نظرا لعلاقتي الجيدة بالرئيس السوري والزعماء نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وزعين، وأذكر أن السيدة سعاد عبد الله المسؤولة عن الشؤون الثقافية في السفارة والتي ترأست الاتحاد النسائي السوري فيما بعد هي من سلمتني الوثائق. بعد انتقالنا إلى باريس واجهت صعوبة البحث عن عمل لكون المبالغ المالية التي أتوفر عليها ضئيلة، عملت في بعض المصانع: كرونو وغيرها، وفي مجال التنظيف، ثم وجدت مطعما مغربيا تديره سيدة جزائرية اسمه مطعم « كليوباترا »، وتبحث عن طباخ يتقن الطبخ المغربي الذي تعلمته عن أمي، وبدأت العمل لديها شرط أن تهيئ لي وثائق لطلب الإقامة. وكنت أسكن في المقاطعة الخامسة، إلا أن مسيرة المطعم لم تف بوعدها فسافرت من جديد إلى الجزائر، إذ تبين أن الوثائق الجزائرية أكثر قبولا بفرنسا من غيرها، وبالجزائر سلموني وثائق جزائرية كاملة لي وللعائلة بمجرد تقديم الطلب، رجعت إلى فرنسا /باريس، وكان علي تغيير السكنى فانتقلت إلى منطقة تدعى (شاميني)، وبالتالي وجب تغيير العنوان والمدارس بالصفة الجديدة كجزائريين. أثناء بحثي عن العمل وجدت أمينة عملا كمدبرة منازل بمساعدة علال سيناصر وزوجته حورية بنيس، وعملت في عدة محلات منها منزل لأحد كبار الفرنسيين كان يعشق الطبخ المغربي ويقيم بمنزله ندوات وحفلات ومحاضرات. بعد رجوعي إلى باريس عملت طباخا في مطعم اسمه « المشوي » بشارع « سان ميشيل » القريب من دار المغرب. وبدأت البحث عن محل خاص لحسابي الخاص. وجدت محلا معروضا للكراء هو جزء من مسرح « بوبينو » وأسست مطعم « أوطاجين » في المقاطعة 14 بباريس يعمل ليلا فقط، تساعدني أمينة في جميع أعماله طباخة ونادلة ومنظفة، إذ سبق لها العمل كما ذكرت سابقا لدى إحدى العائلات الفرنسية المثقفة التي كانت تعقد حفلات وندوات بمنزلها. وقد تشاركنا في العمل وتربية الأبناء، وكان الثقل يقع عليها. كانت صبورة لم تشتك قط من وضعها أو عملها أو من ظروفي المالية الصعبة. وبعد رجوعي إلى المغرب في 1979 عاشت معي مراحل العضوية في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وساعدتني في إنشاء ضيعة تامصلوحت وبناء المدرسة وقبلها مدرسة أخرى، وكانت اليد اليمنى لي في كل هذه المراحل والتي سبقتها، ورغم فقداننا ابننا نزار فقد أظهرت جلدا على هذا المصاب الجلل، كانت أما عظيمة مثل كل الأمهات مشبعة بالقيم والتعاليم الإسلامية.


بلبريس
منذ 17 ساعات
- بلبريس
برصاصة من قلب الأغلبية.. تصريحات بركة تكشف تصدعات الحكومة مجددا
في خطوة تكشف عن عمق التصدعات داخل الأغلبية الحكومية، وجه الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، قذيفة سياسية مباشرة ضد أحد أهم توجهات الحكومة التي يشارك فيها، متهماً السياسة الفلاحية بخدمة "كبار الفلاحين والمستوردين" على حساب الفلاح الصغير. التصريحات، التي رصدتها "بلبريس" خلال المؤتمر السادس للاتحاد العام للفلاحين، لم تكن مجرد نقد عابر، بل جاءت لتؤكد أن الأغلبية "ليست على ما يرام". فخروج بركة، وهو وزير في نفس الحكومة، ليقول بوضوح: " اللي كيستافد أكثر من السياسة الفلاحية هما الفلاحين الكبار والمستوردين، هذا هو الواقع" ، يُعتبر رسالة صريحة بأن حزبه لم يعد متناغماً مع اختيارات حلفائه في تدبير ملف استراتيجي كالأمن الغذائي. هذه "الخرجة المثيرة" ليست الأولى من نوعها، بل هي امتداد لنهج بدأه بركة العام الماضي عندما فجر "فضيحة" دعم مستوردي الأضاحي بـ 13 مليار درهم دون أثر على المواطن. هذا السلوك المتكرر يثبت أن الأمر يتجاوز النقد البنّاء ليصل إلى حد التبرؤ العلني من سياسات حكومية، مما يضع مصداقية وتجانس الفريق الحكومي على المحك. وبينما حاول بركة تغليف نقده بالحديث عن مرجعية حزبه في "تحرير القرى وتأهيل الفلاح"، فإن توقيت ومضمون التصريحات يطرحان تساؤلات أعمق: هل بدأ حزب الاستقلال فعلياً بالتمرد من الداخل تمهيداً لسيناريوهات سياسية قادمة؟ أم أن بركة اختار أن يلعب دور "صوت المعارضة" من داخل الحكومة لكسب نقاط سياسية وشعبية في ظل الاحتقان الاجتماعي المتصاعد؟ الأكيد أن هذه التصريحات لم تعد مجرد رأي، بل هي مؤشر قوي على أن التوافق الذي قامت عليه الأغلبية الحكومية بدأ يتآكل، وأن صوت الفلاح الصغير الذي تبناه بركة قد يصبح المسمار الذي يدق في نعش هذا التحالف الهش.


أخبارنا
منذ 18 ساعات
- أخبارنا
"بركة" يفجرها من جديد في وجه الحكومة.. كبار الفلاحين والمستوردين هم فقط من يستفيد من دعم الدولة (فيديو)
في خرجة جديدة وُصفت بـ"المثيرة"، وجه الأمين العام لحزب الاستقلال، "نزار بركة"، انتقادات لاذعة للسياسة الفلاحية المعتمدة بالمغرب، متهماً إياها بشكل صريح بـ"خدمة مصالح كبار الفلاحين والمستوردين"، بينما يُترك الفلاح الصغير ـ الذي يمثل 95% من النسيج الفلاحي الوطني ـ يواجه مصيره دون حماية أو دعم حقيقي. وجاءت هذه التصريحات القوية خلال مشاركة "بركة" في أشغال المؤتمر السادس للاتحاد العام للفلاحين بالمغرب، حيث تحدث بلغة مباشرة وغير مألوفة، قائلاً: "اللي كيستافد أكثر من السياسة الفلاحية هما الفلاحين الكبار والمستوردين، هذا هو الواقع"، مضيفاً أن الاهتمام بالفلاح الصغير لم يعد مجرد خيار، بل هو "شرط أساسي لإنجاح النموذج التنموي وتحقيق السيادة الغذائية للبلاد". واعتبر بركة أن "الاتحاد العام للفلاحين" في صيغته الجديدة لم يعد تنظيماً تابعاً لحزب سياسي، بل صار "صوت الفلاحين الصغار"، مطالباً الحكومة ـ التي يشكل حزب الاستقلال أحد أعمدتها ـ بترجمة هذا الصوت إلى سياسات واقعية تُعيد الاعتبار للفلاحة المغربية وتُصحح الاختلالات العميقة التي يعرفها القطاع. وفي نفس السياق، استحضر "نزار بركة" مرجعية حزب الاستقلال الفكرية، قائلاً إن "الفلاح هو عماد الأمة"، وأن التنمية القروية لن تتحقق بدون توزيع عادل للثروات والموارد، وفي مقدمتها الأرض والماء، معتبراً أن "تحرير القرى وتأهيل الفلاح شرط لبناء مغرب قوي". كما جدد "بركة" التذكير بالأزمات التي عصفت بالقطاع، بدءًا من سنوات الجفاف المتتالية، مروراً بتداعيات كوفيد، وانتهاءً بارتفاع كلفة الإنتاج، لكنه شدد في المقابل على أن الحل لا يكمن في ضخ الدعم فقط، بل في توجيهه للفئات المستحقة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يفجّر فيها "نزار بركة" مواقف محرجة للحكومة التي ينتمي إليها، فقد سبق له العام الماضي أن كشف، بلغة صريحة، أن موردو الأضاحي استفادوا من دعم ضخم من خزينة الدولة بلغ 13 مليار درهم، دون أن ينعكس ذلك على أسعار الأضاحي في الأسواق أو يُخفف من العبء على المواطنين، ما اعتُبر حينها "فضيحة مدوية" تطرح تساؤلات حول نجاعة الدعم وتوجيهه. تأتي تصريحات "نزار بركة" في ظرفية سياسية دقيقة، وسط تصاعد الاحتقان الاجتماعي في العالم القروي، وارتفاع الأصوات المطالبة بمراجعة النموذج الفلاحي القائم. كما أنها تطرح تساؤلات حول موقف حزب الاستقلال داخل الحكومة، ومدى انسجامه مع توجهاتها، خصوصاً في ملفات حساسة تمس الأمن الغذائي ومعيشة الفئات الهشة. ومع هذه الخرجة، يبدو أن الأمين العام لحزب الاستقلال اختار أن يكون "صوت الفلاح الصغير" داخل الحكومة، حتى وإن تطلب ذلك الاصطدام مع اختياراتها. فهل هي بداية مراجعة جذرية للسياسات الفلاحية؟ أم أنها مجرد رسائل انتخابية مبكرة تستبق التوترات القادمة؟