
تخصيص الجزائر مليار دولار للتنمية في أفريقيا بين الاحتياج والمساعدة
قرار مساعدة
وأوضح رئيس الحكومة الجزائرية نذير العرباوي، خلال أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية، الذي عقد في إشبيلية الإسبانية، أن بلاده تعمل من خلال الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي على المساهمة في دعم البنية التحتية والصحة والتعليم والطاقة في العديد من الدول الأفريقية التي خصصت لها مليار دولار، مضيفاً أن الجزائر تعتبر التنمية المستدامة والتضامن الدولي ركيزتان أساسيتان لسياستها الخارجية، وهو ما تجسد خلال مساهمتها المستمرة في دعم جهود التنمية في القارة الأفريقية، فضلا عن انخراطها التام في تجسيد التكامل القاري عبر العديد من المشاريع ذات الطبيعة الاندماجية.
وأبرز العرباوي، الذي كان يلقي كلمة باسم الرئيس عبدالمجيد تبون، أن الجزائر نجحت في الخروج بشكل كامل من عبء المديونية الخارجية، مما يمكنها من المساهمة في مساعدة الدول التي لا تزال تحت وطأة الديون، بفعل تبنيها سياسة مالية قائمة على تسخير مواردها الخاصة، مشيراً إلى أن بلاده تتطلع إلى إطلاق مبادرات عاجلة لمعالجة الديون الأفريقية المتفاقمة، وإعادة النظر في عمل المنظومة المالية الدولية، وإيجاد إطار عمل أممي لسد ثغرات الديون واقتراح خيارات عملية، خاصة بسبب الإجحاف الذي لحق بالقارة الأفريقية التي لا تزال مثقلة بتحديات صعبة.
وعلى رغم أن القرار يأتي في سياق نشاط وكالة التعاون الدولي التي أنشأها الرئيس تبون في فبراير (شباط) 2020، التي تهتم بإنجاز مشاريع تنموية وخدمية بتمويل جزائري في الدول الأفريقية، وخاصة دول الساحل، إلا أن الإعلان هذه المرة لم يمر دون نقاشات شعبية كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لها، إذ انتقد متابعين الخطوة واجمعوا على أنها غير ضرورية في ظل تدهور القدرة الشرائية وضعف التنمية في بعض مناطق البلاد.
تعاملات أفريقية سابقة تثير قلقاً شعبياً
وما زاد من الاستياء تعامل بعض دول الساحل مثل مالي والنيجر بسلبية و"عدم احترام" مع الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث بلغت الأمور إلى حد استدعاء السفراء بسبب التهم التي وجهتها حكومتي البلدين إلى الجزائر، تارة بدعم الإرهاب وأخرى بالتدخل في الشؤون الداخلية، الأمر الذي دفع بالجزائريين إلى اعتبار منح مليار دولار إلى أفريقيا قرار غير مجدي، لا سيما أنه تم مسح ديون عدة دول أفريقية في وقت سابق.
وتساءل خالد على صفحته بـ "فيسبوك" "من يهتم بالبنية التحتية في الجزائر؟"، وقال صالح مستهزئا: "سيعترفون بالجميل وتكون بيننا صداقة وحسن الجوار كما اعترفت مالي والنيجر وغيرهم"، وأضافت بهية "ياحبذا لو دعم الشعب في عيد الأضحى شراء الأضاحي، ويا حبذا لو تم توفير السيارات، ويا حبذا لو الاهتمام بأمر الطرقات المهترئة"، وتابعت سامية "آلاف الطلبة يتخرجون كل عام في مئات التخصصات ولا يملكون حق التوظيف وتوفير فرص عمل"، وأبرز مراد "مليار دولار يكفي لبناء 3 مستشفيات بمعايير أوروبية"، وغيرها من التعليقات التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق أن أسقطت الجزائر في 2013 ديوناً مستحقة على دول أفريقية بقيمة 902 مليون يورو (نحو مليار و57 مليون دولار)، أي قرابة مليار دولار، وأعلنت في 2018، أنها مسحت ما قيمته 3.5 مليار دولار، من ديون لـ14 دولة أفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة، لأسباب إنسانية.
الاتصال المؤسساتي يبدو عليه الضعف
لكن الأكاديميين والباحثين في العلاقات الدولية كانت لهم أراء مختلفة، حيث أبرز أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي أن الاتصال المؤسساتي يبدو عليه الضعف بعد أن عجز عن توضيح مقاصد السلطة ومبادراتها، ويمتد ذلك لسنوات طويلة، وقال إن السلطة حاولت تدارك الخلل لكن للأسف لم يصل إلى المستوى المطلوب، مشيراً إلى أن تخصيص مليار دولار لتمويل برامج التنمية في أفريقيا، خطوة تدخل ضمن السياسة الخارجية للجزائر، وهو اختصاص حصري برئيس الجمهورية كما ينص عليه الدستور، وتدخل ضمن الأدوات الدبلوماسية وممارسة الدور الإقليمي والحفاظ على المكانة، ولا يمكن ربطه بالسياسات الداخلية، لكن فئات شعبية واسعة بل حتى النخب، لا تدرك الأمر بسبب ضعف الاتصال المؤسساتي.
وواصل كاهي، أن مبلغ مليار دولار لا يقارن بما تنفقه دول وظيفية لزرع الفوضى وتغذية النزاعات، وما يحدث في السودان وليبيا ودول الساحل خير دليل، وأضاف أن الأمر لا يتعلق بهبات مجانية أو أعمال خيرية بل يدخل ضمن الاستثمارات الجزائرية في القارة الأفريقية بما يعود بالفائدة على الأداء الدبلوماسي والاقتصاد الجزائري، كما أن المبادرة تستهدف تنمية مشتركة لدول أفريقيا في إطار التكامل والاندماج، وتحقيق الأمن والاستقرار، مبرزا أن الرئيس الجزائري بإنشائه الوكالة الوطنية للتعاون الدولي والتنمية أعلن عن عودة حقيقية للجزائر إلى القارة الأفريقية.
ليست المرة الأولى
وكان الرئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، قد قرر إنشاء وكالة التعاون الدولي في فبراير- شباط 2020، لتتولى إنجاز مشاريع تنموية وخدمية بتمويل جزائري في الدول الأفريقية، وخاصة دول الساحل، ووضع وتنفيذ السياسة الجزائرية للتعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وكذلك التعاون الثقافي والديني والتربوي والعلمي مع الدول الصديقة والمجموعات التي يمكن أن تقيم تعاونا معها في مجالات متعددة.
وعملت الوكالة حتى الآن على تنفيذ برامج ومشاريع خدماتية لمصلحة سكان وسط وشمالي مالي والنيجر القريبة من الحدود مع الجزائر، في مجالات بناء مراكز صحية، وتوفير مياه الشرب، ومراكز التكوين المهني، ومدارس للتعليم.
وليست المرة الأولى التي تخصص الجزائر مليار دولار لتنمية أفريقيا، إذ أشار وزير المالية، لعزيز فايد، خلال فعاليات افتتاح الاجتماع الخامس لسنة 2024، لمجلس إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، أن الجزائر خصصت مبلغ مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في أفريقيا، بناء على توجيهات الرئيس تبون، وذلك ضمن جهودها لتعزيز التعاون جنوب- جنوب وتكريس مبادئ التضامن والتكامل القاري، مبرزا جهود بلاده في تنفيذ مشاريع كبرى تسعى لتعزيز التكامل الإقليمي، مثل مشروع الطريق العابر للصحراء، وشبكة الألياف البصرية، وأنبوب الغاز العابر للصحراء، وغيرها من المشاريع الاستراتيجية.
كما قرر الرئيس تبون في سنة 2023، تخصيص مليار دولار أمريكي لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية موجهة لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، وقال الوزير الأول آنذاك أيمن بن عبد الرحمان، إن هذه الخطوة تأتي قناعة من الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في أفريقيا بالتنمية، مضيفا أن الخطوة تندرج في سياق تمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا، أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"من الخطأ النظر إلى المبادرة من زاوية واحدة"
إلى ذلك، يعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد ميزاب، أن الحديث عن مليار دولار الذي يُروّج حاليا على أنه قرار جديد، هو في الحقيقة جزء من التزام أعلن عنه الرئيس تبون منذ نحو سنتين ضمن مقاربة شاملة لدعم الشراكة الأفريقية عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، وبالتالي ما جرى مؤخرا هو تفعيل لهذا الالتزام وليس إعلانا عن قرار طارئ أو معزول، مضيفا أنه من الخطأ النظر إلى هذه المبادرة من زاوية واحدة تفصل السياسة الخارجية عن الواقع الداخلي، على اعتبار أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي للجزائر يبدأ من محيطها، حيث إذا انهارت دول الجوار واشتدت أزماتها، "فالعواقب ترتد علينا مباشرة"، وأشار إلى عدة تحديات تواجه الجزائر مثل تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا جنوب الصحراء، التحديات الأمنية العابرة للحدود، التحولات السياسية والانقلابات التي تخلق فراغا أمنيا على الحدود، و"استنزاف الموارد الوطنية في إدارة أزمات لا نصنعها ولكن ندفع ثمنها".
ويتابع ميزاب، أن دعم الاستقرار في هذه الدول عبر مشاريع تنموية موجهة، بشروط جزائرية، ليس تضحية، بل وقاية واستثمار في الأمن القومي، مبرزا أن "مليار دولار تُصرف بطريقة مدروسة قد تجنبنا إنفاق أضعافها لاحقا في معالجة الأزمات، موجات لاجئين، جماعات مسلحة، وتهديدات تمس الداخل"، وأوضح أنه لا أحد ينكر التحديات الداخلية، بالرغم من الإصلاحات الجارية التي لم تلمسها كل الفئات بعد، مشددا أن ما يجب فهمه هو أن المعركة ليست داخلية فقط، على اعتبار أن قوة الجبهة الداخلية وحدها لا تكفي إذا كان الطوق المحيط بك هشا أو معاديا، وأشار إلى أن بلاده تتحرك وفق منطق شامل بين إصلاح داخلي وتحصين خارجي وبناء عمق استراتيجي أفريقي يضمن مصالحها لا يهددها، وختم أن الجزائر لا تهمش أبناءها، بل تحميهم بمنطق استباقي يجمع بين التنمية والردع، وبين التكافل والانفتاح، وبين السيادة والتضامن.
تقارير تفسد حسن النية؟
ولعل ما فتح مجال الاستياء والقلق تزامن الخطوة مع تقرير صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي في الجزائر إلى 3.6 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.1 في المائة في عام 2023، وقال في بيان، إن الضغوط المالية المتزايدة تشكل تحديات تمويلية كبيرة، وفي حال استمرارها فإنها ستزيد الدين العام على المدى المتوسط، مرجحا أن تؤدي حالة عدم اليقين العالمية المستمرة وتقلب أسعار المحروقات إلى تراجع الصادرات والاستثمار، مما سيساهم في اتساع عجز الحساب الجاري في 2025.
لكن الحكومة الجزائرية ردت على التقرير وشددت أن البلاد تسجل نسبة نمو للناتج الداخلي الخام تصل إلى 4.2 بالمئة، وهو أداء أشادت به مؤسسات مالية دولية عدة، واعتبرته دليلا على الصمود والقدرة على التعافي، مشيرة إلى أن الصادرات خارج المحروقات واصلت نموها، لتبلغ نحو 7 مليارات دولار في سابقة تاريخية تؤكد قدرة البلاد على الانتقال نحو نموذج اقتصادي جديد يخدم الأجيال القادمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأمناء
منذ 37 دقائق
- الأمناء
أسعار صرف العملات الأجنبية صباح اليوم 13 يوليو
(الامناء نت / خاص) العاصمة عدن: دولار امريكي= 2872 : 2849 ريال سعودي= 753 : 749 حضرموت: دولار امريكي= 2872 : 2849 ريال سعودي= 753 : 749 صنعاء: دولار امريكي= 522 : 524 ريال سعودي= 138.5 : 139


حضرموت نت
منذ 2 ساعات
- حضرموت نت
أسعار صرف العملات الأجنبية صباح اليوم 13 يوليو
العاصمة عدن: دولار امريكي= 2872 : 2849 ريال سعودي= 753 : 749 حضرموت: دولار امريكي= 2872 : 2849 ريال سعودي= 753 : 749 صنعاء: دولار امريكي= 522 : 524 ري ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.


صحيفة المواطن
منذ 3 ساعات
- صحيفة المواطن
سبيس إكس تستثمر ملياري دولار في شركة إيلون ماسك للذكاء الاصطناعي
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم السبت، أن شركة سبيس إكس خصصت ملياري دولار لشركة الذكاء الاصطناعي 'إكس إيه آي – xAI' في إطار جولة تمويل بقيمة 5 مليارات دولار، مما يعمق الروابط بين مشروعات الملياردير إيلون ماسك في وقت تسابق فيه شركته الناشئة الزمن لمنافسة شركة أوبن إيه آي. أضافت الصحيفة أن هذا الاستثمار يأتي عقب اندماج 'إكس إيه آي' مع منصة إكس، في صفقة تقدر القيمة المجمعة للشركتين بنحو 113 مليار دولار، مشيرة إلى أن روبوت المحادثة 'جورك' بات يستخدم الآن لدعم خدمات ستارلينك ويُنظر إليه كأداة مستقبلية للدمج في روبوتات أوبتيموس التي تطورها شركة تسلا، وفق وكالة 'رويترز'. ولم ترد 'سبيس إكس' و 'إكس إيه آي' بعد على طلبات رويترز للتعليق. ورغم الجدل الذي أثارته بعض ردود 'جورك' في الآونة الأخيرة، وصف ماسك الروبوت بأنه 'أذكى ذكاء اصطناعي في العالم' فيما تواصل 'إكس إيه آي' ضخ استثمارات ضخمة على تدريب النماذج وتوسيع البنية التحتية الخاصة بها. وتأسست شركة 'إكس إيه آي' في عام 2023 على يد ماسك بهدف تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة تتميز بالشفافية والموثوقية مع تركيز معلن على فهم الطبيعة الحقيقية للكون.