
بوشهر.. حين يُطال الخليج بنيران لم يُشعلها
في لحظة من البجاحة السياسية التي تجيدها بعض الأصوات المتطرفة في إسرائيل، طالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دول الخليج بتمويل حرب بلاده ضد إيران، بحجة أن إسرائيل "تقوم بالعمل القذر نيابة عن العالم".
وكأن على دول الخليج العربي أن يدفع ثمن مغامرات لم يشارك فيها، فقط لأنه ناجح اقتصادياً! نسي أو تناسى أن دول الخليج ليست طرفاً في إشعال هذه الصراعات، بل تسعى دائماً لاحتوائها، وأن نجاحها هو نموذج سياسي واقتصادي يُحتذى به.
هذا المطلب الذي فيه الكثير من الاستخفاف بسيادة الدول، وتجاهل فجٌّ لموقف الخليج الواضح، وبالأخص موقف مملكة البحرين الذي عبّر عنه صراحة معالي وزير الداخلية حين قال: "البحرين ليست طرفاً في الحرب، ولن تكون"، كلمات حاسمة تختصر الموقف البحريني المتوازن، القائم على الحكمة والالتزام بمبادئ السلام التي أرساها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، والذي كان ولايزال أحد أبرز الأصوات الداعية للتسامح والتعايش في العالم في زمن مزقته الحروب، ولعل مواقف جلالته في المحافل الإقليمية والدولية، لاسيما في "قمة القاهرة للسلام"، خير شاهد على أن البحرين تملك بوصلة أخلاقية وسياسية لا تحيد عنها، مهما ارتفعت أصوات المدافع.
الأزمة لم تتوقف عند حدود الخطاب السياسي، ولكنها امتدت إلى ما هو أخطر بكثير، إعلان متحدث عسكري إسرائيلي، قبل أن يتراجع لاحقاً، عن قصف مفاعل بوشهر النووي الإيراني الواقع على ضفاف الخليج العربي، ورغم أن إسرائيل نفت لاحقاً أن يكون المفاعل قد استُهدف، فإن مجرد ورود هذه العبارة في خطاب رسمي كافٍ لإشعال عاصفة دبلوماسية وبيئية.
الفرق بين قصف منشآت تخصيب اليورانيوم مثل نطنز أو أراك، وقصف مفاعل نووي فعّال كمنشأة بوشهر، يكمن في الأثر الكارثي المحتمل على حياة الخليج بأكملها، فبينما لا تُصدر منشآت التخصيب إشعاعات مباشرة عند استهدافها، فإن ضرب مفاعل نووي قد يتسبب في تسرب إشعاعي يلوّث مياه الخليج، ويهدد المدن الساحلية، ويعطل محطات تحلية المياه التي تعتمد عليها الدول بشكل شبه كامل، فالبحرين تعتمد كلياً على التحلية، وقطر والكويت كذلك، بينما تصل النسبة في الإمارات إلى أكثر من 80%، وحدوث تلوث إشعاعي في بوشهر قد يخرج هذه المحطات عن الخدمة خلال ساعات قليلة، مما قد يؤدي إلى أزمة صحية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعربت عن قلقها الشديد، مشددة على ضرورة تقديم معلومات دقيقة بشأن أي استهداف لمواقع نووية، أما روسيا التي يتواجد أكثر من 600 من خبرائها في مفاعل بوشهر، فسارعت بالمطالبة بوقف فوري لأي هجمات بالقرب من المنشأة، نظراً لحساسية الموقع وخطورته، أما إيران وبالرغم من تأكيدها المستمر على سلمية برنامجها النووي، قامت بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي في محيط المفاعل تحسباً لأي طارئ، وفي تحذير صريح، قال رئيس الوزراء القطري في مارس الماضي: "استهداف بوشهر يعني أن الخليج سيواجه كارثة.. بلا ماء، بلا سمك، بلا حياة".
الأخطر أن مفاعل بوشهر يقع في منطقة حساسة جيوسياسياً، وهي منطقة نشطة زلزالياً، ما يضاعف من حجم المخاطر المحيطة به، ففي عام 2013، شهدت المنطقة زلزالاً، وفي يناير 2025، سجّل مركز رصد الزلازل الإيراني هزة أرضية أخرى، ومع أن الهزة لم تُخلّف آثاراً مباشرة، فإنها تذكير بهشاشة الموقع، وبالتهديد المضاعف في حال اقترن النشاط الزلزالي بأي مغامرة عسكرية غير محسوبة قد تُحوّل الخليج إلى مسرح لكارثة لا تُحمد عقباها.
بالنظر إلى هذا المشهد المتأزم، تبرز مواقف البحرين كنهج متزن وسط ضجيج التصعيد، رافضة الانجرار وراء منطق السلاح، ومتمسكة بثبات بمبدأ السلام كخيار استراتيجي أساسي، فجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، رائد السلام وحكيم الأمة، الذي أطلق مركزاً عالمياً للتعايش السلمي، يُجسّد برؤيته السامية وفكره المتبصر نموذجاً قيادياً نادراً في عالم مليء بالأزمات.
إن جلالته، المُدرك بعُمق لحقيقة أن الحروب لا تجلب وراءها أمناً ولا استقراراً، ولكنها تُخلّف وراءها الكثير من الكراهية والفرقة والدمار، كما يؤمن جلالته إيماناً راسخاً بأن السلام لا يُصنع بالقوة ولا يُفرض من فوهة البندقية، بل يُبنى على أسس الحوار، والتفاهم، والمفاوضات الحكيمة.
لقد جعل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه من التعايش السلمي رسالة راسخة، ومن الدبلوماسية الحكيمة نهجاً ثابتاً، مكّنه من ترسيخ مكانته بين أبرز القادة العالميين الداعين للسلام والتفاهم بين الشعوب.
إن الخليج العربي ليس "صرافاً آلياً" لحروب الآخرين، ولا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الطامحة للهيمنة، فهذه الأرض التي كانت دوماً شرياناً نابضاً بالحياة، ترفض أن تُجر إلى صراعات لم تخترها.
وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن أي تهديد لمنشأة بوشهر لا يطال إيران وحدها، ولكنه يعرّض حياة الملايين في الجهة المقابلة للخطر، وأن أي صاروخ طائش قد يحوّل الخليج من مركز للتبادل الحضاري إلى بحر من الرماد.
لقد آن أوان الإنصات لصوت العقل، واحترام خصوصية هذه المنطقة كواحة استقرار، لا كوقود لحروب لا تخصّها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 2 ساعات
- الوطن
الملك القائد الأعلى للقوات المسلحة يقوم بزيارات ميدانية لعدد من وحدات 'قوة الدفاع'
تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله ورعاه ، خلال هذا الأسبوع ، بزيارات ميدانية لعدد من الوحدات التابعة لقوة دفاع البحرين ، وذلك لمتابعة الإجراءات الدفاعية ، معرباً حفظه الله عن تقديره واعتزازه بكافة منتسبي قوة الدفاع الشجعان وحرصهم الدائم على حمل الأمانة بكل إخلاص.


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
مراسلات خلف الكواليس.. مبعوث ترامب يتحاور مع طهران دون حضور رسمي
في تطور لافت يكشف عن تحركات دبلوماسية غير معلنة، أفاد تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، وترجمته 'البلاد'، أن مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ما يزال في 'مراسلات' مباشرة مع مسؤولين إيرانيين، بالرغم من تصاعد وتيرة القتال بين إسرائيل وإيران الذي دخل يومه التاسع. وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن تلك الاتصالات جارية، إلا أن ويتكوف لم يشارك في المحادثات التي جرت يوم الجمعة في جنيف بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) بمشاركة الاتحاد الأوروبي. في المقابل، شهدت جنيف محادثات وُصفت بأنها 'الفرصة الأخيرة' لتفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة، وسط غياب أميركي واضح وموقف متردد من إدارة ترامب. وطرح الأوروبيون في الاجتماع مبادرة جذرية تشمل وقف تخصيب اليورانيوم حتى للأغراض السلمية، وتفكيك منشآت الطرد المركزي، إضافة إلى فرض رقابة صارمة على البرنامج الصاروخي الإيراني وتمويل طهران للمليشيات الإقليمية مثل 'حزب الله' و 'الحوثيين'. إلا أن ترامب علّق باستخفاف على المحادثات، قائلاً إن أوروبا لن تكون قادرة على المساعدة في هذه المسألة، مضيفًا أن أمامه 'أسبوعين فقط' لاتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة عسكرية لإيران، ما زاد من تعقيد المشهد. وسط هذه التحركات، يراقب ترامب تطورات الميدان كـ 'مراقب متردد'، فيما تبدو طهران مصممة على المضي في التصعيد مع الإبقاء على هامش تفاوض مفتوح، ولو تحت النيران.

البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
د. سمر الأبيوكي هل تفعلها الولايات المتحدة الأميركية؟ الأحد 22 يونيو 2025
بعد حالة من التخبط والتصريحات غير المدروسة حول مدى إمكان ضرب أميركا لإيران، أصبحت المفاوضات الورقة الأخيرة التي يلوح بها ترامب بعد تهديداته المباشرة بضرب إيران. ورغم حديثه عن المفاوضات والوصول إلى حل دبلوماسي، فإن التكدس العسكري الرهيب للقوات الأميركية حول مناطق النزاع يعطي مؤشرات بتأهب شديد والميل إلى توجيه ضربة أميركية لطهران حتى إن صرح الرئيس الأميركي بغير ذلك. ومازلنا نتابع هذه الأحداث التي ترمي بظلالها على المنطقة والعالم بأسره بترقب شديد وقلق من أية انبعاثات أو تسريبات بسبب ضربات قد تؤثر على المياه والجو وجودة الحياة لا قدر الله. ماذا يعني ضرب أميركا لإيران؟ يعني أن المعركة تتسع وأن جنونًا في الرد قد يصيب طهران، فتقوم كما صرحت سابقًا بضرب كل المصالح الأميركية في المنطقة. وقلتها سابقًا إن الضربة والرد عليها لا يكلف المنطقة ويلات حرب، كما سيحدث إن قررت الولايات المتحدة الأميركية توجيه الضربة إلى طهران! وهو ما يعني أن الرد قد يأتي مجنونًا بصيغة 'عليَّ وعلى أعدائي'! نتمنى من الله أن تهدأ المنطقة التي تعيش على صفيح ساخن وأن تنعم كل الدول بالأمن والأمان والاستقرار، ولا يسعنا غير أن نكون متابعين واعين لأهمية السلم في المنطقة بأسرها، ويبدأ ذلك كله من السلم النفسي الداخلي لنا ولأسرنا، وأهمية التلاحم الحقيقي بيننا وعدم الميل دون وعي لأخبار من شأنها أن تستهدف هذا الوعي أو تحيده عن طريقه الصحيح.