logo
المقدم إبراهيم كاظم الموسوي… نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي انكسر بصمت

المقدم إبراهيم كاظم الموسوي… نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي انكسر بصمت

موقع كتاباتمنذ 7 أيام
في مدينة الحلة، حيث ينبت الورد على ضفاف الفرات وتفوح من الأزقة رائحة الطيبة والنخوة، وُلد الشهيد المقدم إبراهيم كاظم الموسوي سنة 1924، في بيتٍ عريق النسب، متواضع الحال، مشبع بالقيم والوفاء. لم تكن ولادته حدثًا عابرًا، بل انبثاق نواةٍ لضميرٍ حيٍّ سيحمل على كتفيه همّ وطنه، وينذر حياته من أجل شعبه.
أكمل دراسته الأولى في مدينته، ثم انطلق نحو الكلية العسكرية، حيث التحق بالدورة (24) بتاريخ 12 أيلول 1945، فاختار صنف الدروع، وكأن القدر كان يُهيئه ليكون درعًا حقيقيًا في وجه الطغيان. وبعد تخرجه برتبة ملازم، كان من أوائل المشاركين في حرب فلسطين عام 1948، مقاتلاً لا يُهادن، ومؤمنًا بعدالة القضية.
نبوغه العسكري وكفاءته اللافتة في صنف الدروع، فتحا له أبواب المشاركة الدولية، فاختير ضمن الوفد العراقي بقيادة العقيد داود الجنابي للإسهام في تأسيس وتدريب الجيش الليبي في زمن الملك السنوسي. وفي ليبيا، بين عامي 1955 و1956، لم يكن مجرد مدرب عسكري، بل كان ملهمًا ومؤسسًا، غرس في قلوب الليبيين روح الانضباط وحب الوطن، حتى أن الحكومة الليبية قلّدته وسام الدرجة الأولى، وحيّته بكتب شكر تقديرًا لمساهمته اللافتة في تأسيس صنفها المدرع.
لكنّ درب النضال عند إبراهيم لم يكن محصورًا بالميدان العسكري، فقد انتمى، أثناء دراسته الثانوية، إلى اتحاد الطلبة العام، وبدأت تتبلور لديه ملامح الوعي السياسي، وسرعان ما انخرط في التنظيمات العسكرية للحزب الشيوعي، عاملًا بصمت وجهد ووفاء لا يشوبه تردّد.
وحين أخذ الغليان يعلو في صفوف الضباط الساخطين على فساد العهد الملكي، كان إبراهيم في طليعة الضباط الأحرار. انضم إلى خلاياهم منذ عام 1954، وأدى دورًا محوريًا في ثورة 14 تموز 1958، إذ كان من بين القوات التي زحفت على بغداد فجرًا، وتمركزت قرب دار الإذاعة، ثم أوكلت إليه مهمة محاصرة قصر الرحاب لمنع وصول أي دعم قد يجهض ولادة الثورة.
بعد النجاح، خدم إبراهيم في مكتب الزعيم عبد الكريم قاسم، ثم نُسب في 16 كانون الأول 1959 عضوًا في هيئة السيطرة بالمحكمة العسكرية العليا الخاصة، لما عُرف به من خلقٍ رفيع، وضبطٍ صارم، وسيرة نزيهة تشهد بها صدور زملائه.
ولم تكتفِ روحه الحرة بثورة واحدة، فحين اشتعلت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، لبّى النداء متطوعًا، وكان في طليعة المقاتلين الذين ساهموا في دحر المحتل وإعلاء راية الجزائر المستقلة، متجاوزًا الحدود الجغرافية ليؤكد وحدة الدم العربي في معارك الحرية.
وفي صباح 8 شباط 1963، ذلك اليوم الذي أسدل فيه ليل الانقلاب الأسود ستائره على العراق، سمع إبراهيم البيان الأول، فلم يهرب أو يتوارَ، بل توجّه فورًا إلى وحدته العسكرية ليدافع عن الثورة التي ساهم في بنائها. هناك، عند بوابة وزارة الدفاع، حيث كان الزعيم يعتصم مع رفاقه، اعتُقل إبراهيم وأودع سجن معسكر الرشيد.
لم تُمنح له محاكمة، ولم يُسمح له بكلمة وداع، بل صدر عليه حكم الإعدام فورًا، ونُفذ فيه بتاريخ 11 شباط 1963 في مقر اللواء التاسع عشر، إلى جانب العقيد حسين خضر الدوري، والزعيم داود الجنابي، في مشهد قيل إنّ عبد السلام عارف، رئيس الجمهورية الانقلابية، هو من أمر به، مدفوعًا بحقد قديم على كل من بقي وفيًا لعبد الكريم قاسم.
لكن الحلة لم تنس ابنها. يروي الدكتور عدنان الظاهر ملامح شخصية إبراهيم، فيقول: 'كان شابًا شهمًا، خفيض الصوت، وفيًّا لأهله وأصدقائه، كثير التواضع، يختلط بالناس في المقاهي، ويشارك شباب مدينته في رياضة الزورخانة'. ويذكر كيف كان يراه، وهو ملازم ثانٍ، يمارس السباحة في شط الحلة، أو يجلس في مقهى أبو سراج على ضفة الفرات، قريبًا من الجسر القديم.
تزوّج من الست وفيقة، كريمة رئيس محاكم الحلة مصلح الدين الدراجـي، وأنجب منها ابنهما البكر حيدر. وعلى الرغم من مسؤولياته العائلية والعسكرية، لم يقطع صلته بالحلة، بل بقي يعود إليها بشوق التلميذ لمدرسته الأولى.
ولعلّ أكثر المشاهد تأثيرًا ما رواه الدكتور عدنان عن زيارته لمكتبة قرطاسية في طرابلس عام 1978، حيث سأله صاحب المكتبة، وهو ضابط ليبي سابق:
ــ 'من أين أنت؟'
ــ 'من العراق'.
ــ 'ومن أي مدينة؟'
ــ 'من الحلة'.
فصمت الرجل، نكّس رأسه، وقال بحزنٍ مفاجئ:
ــ 'هل تعرف الضابط إبراهيم الموسوي؟'
فردّ الدكتور متأثرًا: 'كيف لا أعرفه؟ إنه صديقي وقريب بعض أقاربي.'
فأجاب الليبي: 'كان معلّمي… وقد بلغني أنه استُشهد في انقلاب 1963، فهل هذا صحيح؟'
قال: 'نعم، للأسف الشديد.'
وغصّت الكلمات في الحلق، فذاك الضابط الليبي، الذي أصبح بائعًا للقرطاسية بعد تقاعده المبكر بسبب ميوله اليسارية، ظل وفيًا لذكرى من علّمه أولى دروس العسكرية والشرف.
رحل إبراهيم كاظم الموسوي كما يرحل الكبار، صامتًا، شجاعًا، مرفوع الرأس، لم يساوم، ولم يغيّر جلده، ظل حتى اللحظة الأخيرة وفيًا للحلم الذي رآه مع رفاقه فجر 14 تموز.
ولئن لم يحمل جسده النبيل وسامًا عند رحيله، فقد حملته ذاكرة المدن، ورفوف المكتبات، وقلوب الرجال، نسرًا من الحلة، ودرعًا من العراق، وسيرةً لا تموت.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العراق إلى أين ؟
العراق إلى أين ؟

الزمان

timeمنذ 24 دقائق

  • الزمان

العراق إلى أين ؟

العراق إلى أين ؟ – هشام نجار بعد سقوط النظام العربي في بغداد إثر الغزو الأميركي عام 2003، لم تسقط الدولة فحسب، بل سقط معها التوازن الإقليمي، وفتح الباب واسعًا أمام النفوذ الإيراني في قلب المنطقة العربية. وجدت طهران في العراق فرصة استراتيجية نادرة: حدود طويلة، فراغ سياسي، وغياب القرار السيادي. وسرعان ما بدأت إيران بفرض حضورها عبر تثبيت قيادات طائفية موالية، وبناء مليشيات عقائدية مسلحة، وتشكيل شبكة نفوذ داخل مؤسسات الدولة العراقية. لم يكن المشروع الإيراني محصورًا داخل العراق فحسب، بل امتد إلى سوريا ولبنان واليمن، في مسعى واضح للهيمنة على المنطقة العربية. إسرائيل من جهتها لم تبدِ معارضة مبكرة لهذا التمدد الإيراني، طالما أنه يصب في تفكيك النسيج العربي وهو هدف إسرائيلي تقوم إيران بهذه الموامرة نيابة عنها . لكن طهران، حين شرعت في بناء مفاعلاتها النووية، تجاوزت الخطوط الحمراء، ما ولّد توترًا حادًا مع تل أبيب، تم احتواؤه لاحقًا في حرب خاطفة لم تتجاوز عشرة أيام، تكبدت فيها إيران خسائر استراتيجية، خاصة بعد هزيمتها في سوريا وتراجع نفوذها في لبنان. ومع كل هذا، يبقى العراق الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المعقدة. سيطرة مستمرة رغم الرفض الشعبي رغم أن نسبة الشيعة في العراق لا تتجاوز نسبة 40بالمئة ، إلا أن إيران لا تزال ممسكة بخيوط اللعبة السياسية، عبر أدواتها الحزبية والمليشياوية. ولعل الأخطر من ذلك، أن ثروات العراق تُنهب أمام أعين الجميع، وسط تفكك إداري، وفساد مستشري، وغياب تام للمحاسبة. موجات احتجاجية لكن العراق ليس مستسلمًا بالكامل. فقد خرجت في السنوات الأخيرة موجات احتجاجية عارمة، أبرزها انتفاضة تشرين 2019، التي رفعت شعار 'نريد وطنًا' ورفضت الطائفية والتبعية والفساد. هذه الانتفاضات قادها شباب من كافة الطوائف، وخصوصًا من السنة والشيعة العرب الوطنيين الذين يجب التأكيد هنا على أمر بالغ الأهمية: إن الغالبية العظمى من الشيعة العرب في العراق هم وطنيون أصيلون، يرفضون التبعية لإيران ولا يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه، بل يعتبرون أنفسهم جزءًا من النسيج العراقي والعربي، ويطالبون بدولة ذات سيادة، لا مرجعية خارج الحدود. مفترق طرق العراق اليوم يقف عند مفترق طرق مصيري، بين ثلاثة سيناريوهات: الانهيار البطيء إذا استمر النفوذ الإيراني، وتواصل نهب المال العام، وفُقِد الأمل بالإصلاح، فإن العراق مرشح للانحدار نحو دولة فاشلة، عاجزة عن النهوض أو الاستقلال. في حال استمرار الضغط الشعبي، ونمو التيارات المدنية العابرة للطوائف، وظهور قيادة عراقية حقيقية، يمكن للعراق أن يطرد التدخلات، ويعيد بناء دولة القانون والمؤسسات. إذا تفجرت المواجهة بين إيران وخصومها، فقد يتحول العراق إلى ساحة حرب بالوكالة، يدفع فيها الشعب العراقي الثمن الأكبر. رغم تعقيد المشهد، فإن العراق ما زال يملك فرصة حقيقية للإنقاذ. يمتلك شعبًا حيًا، وموارد ضخمة، وإرثًا حضاريًا عظيمًا. لكنه يحتاج إلى قيادة وطنية شجاعة، ونظام سياسي عادل، وظهير شعبي صلب. يبقى السؤال مفتوحًا، لكنه ليس بلا إجابة: الجواب رهن بإرادة العراقيين أولاً، وبميزان القوى الإقليمي والدولي ثانيًا. والشعب العراقي الوطني هو سيد الموقف. مدير المشاريع الهندسية لادارة الصحة في نيويورك

يعول على النتائج.. العيداني يشد الرحال لتركيا بشأن المياه
يعول على النتائج.. العيداني يشد الرحال لتركيا بشأن المياه

شفق نيوز

timeمنذ 24 دقائق

  • شفق نيوز

يعول على النتائج.. العيداني يشد الرحال لتركيا بشأن المياه

بحث محافظ البصرة أسعد العيداني، يوم الاثنين، مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ملف الإطلاقات المائية من الأنهار المشتركة بين العراق وتركيا، وتأثير شح المياه على المحافظة والعراق بشكل عام. وقال المكتب الإعلامي لمحافظ البصرة، في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إن "محافظ البصرة أسعد العيداني التقى في زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لبحث ملف الإطلاقات المائية وتأثيراتها على الأوضاع المائية في العراق، وخاصة في محافظة البصرة الجنوبية". ولفت إلى أن "اللقاء تناول ملف الإطلاقات المائية من الأنهار المشتركة بين العراق وتركيا لاسيما نهر دجلة والفرات في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها المنطقة بسبب شح المياه والتغيرات المناخية". وبين أنه "تم التركيز على التداعيات السلبية لانخفاض مستوى الإطلاقات المائية على قطاعي الزراعة والمياه في البصرة وهو ما يهدد استدامة الحياة اليومية للمواطنين في المحافظة". هذا وأعلن رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، مطلع تموز/يوليو الماضي، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وافق على إطلاق 420 متراً مكعّباً في الثانية من المياه في اليوم للعراق. كما أكد مصدر فني في سد الموصل لوكالة شفق نيوز، أن الإطلاقات المائية من السد باتجاه نهر دجلة جرى رفعها إلى 350 متراً مكعباً في الثانية، فيما أشار إلى أن الواردات القادمة من تركيا شهدت زيادة طفيفة، لكنها ما تزال أقل من المعدلات التي نصّ عليها الاتفاق الاستراتيجي بين العراق وتركيا. في حين كشف الخبير في إستراتيجيات وسياسات الموارد المائية، رمضان حمزة، يوم الأحد 6 تموز/يوليو الماضي، عن عدم استفادة العراق من زيادة الإطلاقات المائية من قبل تركيا، فيما أشار إلى أن هذه المياه ستعمل على تحسين وضع نهر دجلة. وقال حمزة، لوكالة شفق نيوز، إن "العراق لن يتمكن من الاستفادة الفعلية من كميات المياه التي اطلقتها تركيا مؤخراً، كما أن قرار الحكومة العراقية بالغاء الموسم الزراعي الصيفي لهذا العام قلل من فرص الاستفادة من هذه الإطلاقات المائية".

بين القصف والاحتجاج: الانقسام يتعمّق في إسرائيل حول حرب غزة
بين القصف والاحتجاج: الانقسام يتعمّق في إسرائيل حول حرب غزة

شفق نيوز

timeمنذ 24 دقائق

  • شفق نيوز

بين القصف والاحتجاج: الانقسام يتعمّق في إسرائيل حول حرب غزة

في ظل تعثّر محادثات وقف إطلاق النار مع حماس، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توسيع العمليات العسكرية في غزة، رغم تصاعد الضغوط الداخلية والدولية. ظهر رهينتان من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، في مقاطع مصوّرة نشرتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وهما يعانيان الضعف والجوع الشديدان. ويقول أحدهما إنه لا يستطيع الوقوف أو المشي، وإنه "على وشك الموت"، وشُوهد الآخر في الفيديو المصور وهو يحفر ما يقول إنه سيكون قبره بيده، ما أثار صدمة واسعة في إسرائيل، وأعاد إشعال الدعوات للتوصل إلى اتفاق هدنة يُنهي الحرب ويضمن عودة الرهائن إلى عائلاتهم، وسط تحذيرات منظمات أممية من خطر المجاعة في القطاع. سخطٌ عام وتحديات سياسية أظهر استطلاع رأي نُشر مؤخراً على قناة 12 الإسرائيلية، أن 74% من الإسرائيليين، بمن فيهم 60% ممن صوتوا لائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يؤيدون عقد اتفاق مع حماس يُطلق بموجبه سراح جميع الرهائن دفعةً واحدةً مقابل إنهاء حرب غزة. ووجّه نحو 600 من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين المخضرمين المتقاعدين، من بينهم رؤساء سابقون لجهازي الشاباك والموساد، رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يطلبون منه التدخل لوقف الحرب، معتبرين أن حماس "لم تعد تشكل تهديداً استراتيجياً، وأن الحرب فقدت مشروعيتها". كما وقّع أكثر من 1400 من العاملين في قطاع الفن، رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يطالبونه بوقف فوري لـ "الفظائع التي تُرتكب باسمنا" في غزة، على حدّ تعبيرهم. تبرز أهمية هذه التحركات غير المسبوقة من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية السابقة، باعتبارها تؤشر إلى انقسام داخلي عميق حول جدوى استمرار الحرب، فرسالة المسؤولين المتقاعدين، تُعد تحدياً مباشراً لسياسات نتنياهو، خاصة مع تأكيدهم أن "إسرائيل حققت أهدافها العسكرية" وأن "استمرار القتال يُفقد الدولة توازنها الأخلاقي والأمني" بحسب تعبيرهم. "إطالة الحرب ليست بدافع سياسي" رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، يوسي كوبرفاسر، يقول لبي بي سي عربي: "إن إطالة أمد الحرب في قطاع غزة ليست بدافع سياسي، بل لتحقيق أهداف محددة وضعتها إسرائيل منذ البداية، أبرزها هزيمة حركة حماس عسكريا، وإسقاط حكمها في القطاع، ومنع غزة من أن تصبح منصة لهجمات مستقبلية ضد إسرائيل". وأكد كوبرفاسر على "وجود شبه إجماع داخل الدولة الإسرائيلية على ضرورة تحقيق هذه الأهداف، محذرا من أن بقاء حماس في الحكم سيُعد إنجازا كبيرا لها، يسمح لها بإعادة بناء قوتها العسكرية وتعزيز مكانتها بعد أي عملية إعادة إعمار مرتقبة في القطاع". كوبرفاسر اعتبر استعادة الرهائن الإسرائيليين أولوية ملحة للقيادة السياسية والعسكرية، لكنه يقرُّ بوجود"خلافات بين المستوى السياسي والعسكري بشأن إدارة الحرب ومدى التورط في القطاع"، مشيرا إلى تردد الجيش الإسرائيلي في السيطرة الكاملة على غزة "خشية أن يُطلب منه لاحقا إدارة القطاع، وهو سيناريو يرفضه الجيش بشدة". فيما يتعلق بالمستقبل، رجح كوبرفاسر أن إسرائيل قد تلجأ إلى "تصعيد محدود" لزيادة الضغط على حماس ودفعها لتقديم تنازلات، لكنه أعرب عن شكوكه في قدرة هذا التصعيد على حسم المواجهة بالكامل. "بقاء حماس في السلطة يُعتبر انتصارا للحركة" كبير الباحثين في معهد البحوث الأمنية والقومية في تل أبيب، يوحانان تسوريف، يشارك كوبرفاسر في رأيه بأن بقاء حركة حماس في السلطة يعتبر انتصارا لها، ويشير في حديثه لبي بي سي عربي إلى أنه " إذا تم إطلاق سراح سجناء فلسطينيين ضمن صفقة تبادل، فستعيد حماس بناء قوتها ولن تتخلى عن هدفها الاستراتيجي في القضاء على إسرائيل، مما يشكل تهديداً طويل الأمد". تسوريف قال إن هناك أفكارا لتوسيع العمليات العسكرية بهدف الضغط على حماس، لكنه شكك في قدرة هذه الخطوة على تحقيق الأهداف المرسومة دون التوغل في عمق غزة، مع تأكيده أن"القرار النهائي بشأن المسار المستقبلي للحرب لم يُتخذ بعد، وأن الجدل لا يزال قائما داخل القيادة الإسرائيلية حول التوجه بين صفقة سياسية أو تصعيد عسكري إضافي". وكشف تسوريف عن تقديرات في المؤسسة العسكرية تشير إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي يفكر في الاستقالة إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات واضحة مع القيادة السياسية بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب. "خيار وحيد" يرى الخبير السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بات أمام خيار وحيد في المرحلة الحالية، وهو توسيع العملية العسكرية في غزة، في ظل غياب أي أفق لاتفاق سياسي أو تحرك تفاوضي حقيقي. وأوضح شتيرن أنه "لفترة زمنية طويلة جداً، كان التقدير السائد أن نتنياهو يمتنع عن دفع صفقة التبادل إلى الأمام لأسباب سياسية بحتة، أبرزها رفض شركائه في الائتلاف لأي تنازلات قد تؤدي إلى انسحابهم من الحكومة، مما يهدد استقرارها". لكن، وبحسب شتيرن، فإن المشهد تغير مؤخراً، حيث لم تعد هناك أي دينامية تفاوضية فعلية، ولا بوادر لاتفاق قريب، مضيفاً "في ظل هذا الفراغ السياسي والتفاوضي، لا يبدو أن أمام نتنياهو سوى خيار التصعيد العسكري كوسيلة وحيدة للتحرك". سيناريوهات مطروحة بلا حسم بعد نحو أسبوعين من تعثّر المفاوضات نتيجة رفض حماس للشروط الإسرائيلية، يعتزم نتنياهو عرض ثلاثة خيارات مطروحة منذ مدة على المجلس الوزاري المصغّر بحسب ما جاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ألا وهي: شنّ عملية احتلال، فرض حصار موسّع، أو مواصلة استئناف المحادثات على أمل التوصل إلى اتفاق. ورغم تحذير رئيس الأركان من أن تصعيد العمليات قد يهدد حياة الرهائن، لا تزال القيادة السياسية منقسمة، فيما يواصل رئيس الوزراء، صاحب القرار النهائي، تأجيل الحسم. لكن، ورغم طرح هذه السيناريوهات، لم يتم اتخاذ قرار حاسم بشأن أي منها حتى الآن، بسبب الخلافات داخل الحكومة والانقسام بين صناع القرار. وتشير تقديرات إلى أن الخيار الأكثر ترجيحاً هو اتباع استراتيجية "تطويق دون احتلال"، ما قد يُبقي الوضع الميداني في حالة مراوحة "دون تحقيق حسم عسكري أو سياسي". انقسام داخل الحكومة والجيش بينما يميل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلى الحسم العسكري واحتلال القطاع بالكامل، يعارض رئيس الأركان إيال زامير هذا التوجه "محذرا من تآكل قدرة الجيش والمخاطر على حياة الرهائن". ووفقا لإذاعة الجيش، طالب زامير القيادة السياسية بـ "وضوح استراتيجي"، مؤكدا أن الجيش مستعد لقبول صفقة شاملة تنهي الحرب، حتى وإن تطلبت تقديم تنازلات، بشرط الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على المناطق الحدودية. في المقابل، لم يحسم وزير الدفاع يسرائيل كاتس موقفه، فيما لا يزال القائم بأعمال رئيس جهاز الشاباك مترددا، ما يعكس حجم الانقسام والخلافات داخل الأجهزة الأمنية. "استمرار الحرب لا يخدم الأهداف" وسط هذه التباينات، تتواصل الضغوط من عائلات الرهائن، التي حذرت من أن توسيع الحرب قد يكون كارثيا على حياة أبنائها. وفي بيان لهم، شددوا على أن "المراهنة على الحسم العسكري أثبتت فشلها"، وأن "إعادة الرهائن يجب أن تكون أولوية مطلقة" حتى وإن كان الثمن إنهاء الحرب دون تحقيق "نصر استراتيجي". من جهته، أكد زعيم المعارضة يائير لابيد، أن استمرار الحرب لا يخدم الأهداف التي بدأت من أجلها، بل يضر بصورة إسرائيل الدولية دون أن يساهم في استعادة الرهائن. وهاجم بشدة الدعوات لاحتلال غزة، محذراً من أن ذلك سيحمّل المواطنين الإسرائيليين عبء تمويل حياة مدنية كاملة في القطاع دون مكاسب أمنية. وأخيراً، في ظل تراجع التأييد الشعبي وتفاقم التكاليف الإنسانية والسياسية، تتزايد التساؤلات حول جدوى استمرار العمليات العسكرية في غزة. وبينما يرى بعض الخبراء أن الحسم العسكري الكامل قد لا يكون قابلاً للتحقيق أو مستداماً، تزداد الأصوات الداعية إلى حل تفاوضي يوازن بين متطلبات الأمن واعتبارات الواقع الإنساني. وفي غياب تسوية واضحة، يظل النزاع مفتوحاً على احتمالات متعددة، في واحدة من أكثر المراحل تعقيداً منذ بدء الحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store