
إسلام الإنجليز !!
لقد أصبح المشهد أقرب إلى فكرة الحفاظ على التراث فى حد ذاته كدرع حامية للهوية بأكثر منه رغبة صادقة فى الحفاظ على العقيدة الدينية نفسها؛ ففى الوقت الذى روجت فيه أبواق الدعاية الغربية منذ زمن ليس بقريب إلى (عبقرية) مبدأ فصل الدين عن الدولة؛ كركيزة رأى فيها الغربيون ارتباطًا شرطيًا حتميًا لانطلاق المجتمعات نحو آفاق التقدم؛ وتبِعهم فى ذلك، وللأسف، ثلة من (حَمَلَة المباخر) من مدعى الثقافة والليبرالية فى مجتمعاتنا (البائسة)؛ مروجين لضرورة الإطاحة أيضًا بتعاليم الدين عندنا وقيوده على درب اللحاق برِكاب الطوافين فى أفلاك الازدهار؛ ها نحن اليوم نشهد فى كل يوم رغبة حثيثة مسيطرة لدى الغربيين فى (التمسح) بصروح الكاثوليكية والبروتستانتية التى هجروها هم أصلًا منذ عقود غير آسفين عليها؛ تاركين إياها فريسة فى مهب رياح الإلحاد العاتية؛ حتى أن موجات المد العقائدية ببلدانهم راحت تنحسر رويدا رويدًا؛ إلى أن انحصرت تقريبًا فى حدود بنايات دور العبادة؛ والتى تمحور جُل دورها حول مراسم عقد القران (بأنواعه المستحدثة هناك ما بين رجل ورجل وامرأة وامرأة)؛ وقدَّاسات الدفن الجنائزية؛ وقليل من مصلّين؛ وقليل من أعياد، لولا ارتبطاها بالأجواء الكرنفالية الاحتفالية المصاحبة، لَما حظيت هناك بثمة انتباه جماهيرى يُذكر!!
نحن أمام واقع غربى شديد التناقض؛ يقوم على تقزيم وتهميش دور الكنيسة (للأسف) فى شتى مناحى حياتهم؛ فى الوقت الذى ينادون فيه اليوم داخل أروقتهم المجتمعية بحتمية الذود عن الهوية الدينية المسيحية لأوروبا ككل أمام موجات (الاجتياح) الإسلامية القادمة مع جحافل المهاجرين نحو القارة العجوز وأمريكا الشمالية!!
ولعله من أبرز مظاهر هذا التناقض قاطبة ما يدور هذه الأيام على الساحة البريطانية من حملات تشويه للإسلام والمسلمين داخل بقايا الإمبراطورية التى (لا تغيب عنها الشمس)؛ فمنذ أن أبدى العاهل البريطانى، تشارلز الثالث، نوعًا من التقدير تجاه الديانة الإسلامية، وبالتبعية تجاه الجالية المسلمة المستوطنة ببلاده من شتى الأصقاع؛ مستشهدًا فى ذلك ببعض آيات من القرآن الكريم؛ حتى قامت الدنيا ضده ولم تقعد؛ مستكثرين عليه (وعلينا) هذا الميل المتحضر للتعايش مع الآخر فى مصلحتنا نحن المسلمين؛ ليس خوفًا على جوهر عقيدته أو حتى عموم عقيدتهم فى شيء؛ وإنما باعتباره قد أخل بتصرفه هذا، من حيث الشكل والمضمون، بهيبة منصبة كرأس للكنيسة الإنجليكانية ( وهى غير الكنيسة الإنجيليّة بالمناسبة)؛ ما كان يحتم عليه ويلزمه بالامتثال الكامل الذى لا تشوبه شائبة لهذا الخط الكنسى العقائدي؛ وإلا نال من الهوية البريطانية ككل وطعنها فى مقتل ثقافى، بالمفهوم الواسع لكلمة ثقافة!!
والكنيسة الإنجليكانية الحالية، والمعروفة أيضًا باسم الأسقفية، تعد رمزًا لانشقاق الكنيسة الإنجليزية عن عباءة الكاثوليكية الرومانية منذ عام 1534؛ إبان عهد الملك هنرى الثامن؛ تأثرًا بعموم الحركة البروتستانتية فى أوروبا؛ حيث تم تنصيب الملك الإنجليزى منذئذٍ رئيسا أعلى لكنيسة إنجلترا والراعى والحامى لها؛ ومن ثم فإن (جسارة) الملك تشارلز الثالث بإقامة وحضور مأدبة إفطار رسمية فى رمضان الماضى لأقطاب الجالية المسلمة ببريطانيا داخل قاعة سانت جورج بقلعة وندسور جاء بمثابة سابقة تاريخيّة كبيرة، إذ هى المرة الأولى التى تُقام فيها مأدبة إفطار بهذا الحجم داخل منشأة رسمية وبحضور نحو 360 مسلمًا.
فلما نضيف إلى ذلك أن عمدة لندن الحالى، صادق خان، مسلم؛ وأن العمدة الحالية لمدينة لوتون Luton, تاهمينا سليم، مسلمة؛ وأن العمدة الحالى لمدينة أولدهام Oldham، زاهد تشاوهان، مسلم؛ وأن العمدة الحالى لمدينة روتشديل Rochdale، أحمد شاكيل، مسلم، وأن عمدة مدينة لييدز Leeds فى 2022 - 2023 كان مسلما، وأن عمدة مدينة بلاكبيرن Blackburn فى 2023 - 2024، كان مسلمًا؛ وأن عمدة مدينة شيفيلد Sheffield فى 2018 - 2019 كان مسلمًا.. إذن فهناك تغير يجب أن يُنظر إليه بعين الاعتبار و(الاحترام) فى ضوء أحدث تعداد سكانى (عام 2021)؛ حيث بلغ عدد المسلمين فى المملكة المتحدة نحو أربعة ملايين نسمة، أى ما يعادل 6% من إجمالى السكان.
وقد شهد عدد المسلمين ببريطانيا زيادة ملحوظة خلال العقدين الماضيين بين تعدادى عامى 2001 و2021، بزيادة فى إنجلترا وويلز بنسبة 150% تقريبًا (من 1.6 مليون نسمة إلى 3.9 مليون نسمة).
فى حين يتمتع المسلمون فى المملكة المتحدة بمتوسط أعمار صغيرة مقارنةً بالمجموعات الدينية الأخرى؛ حيث تقل أعمارهم عن 18 عامًا!!
وتشير التوقعات إلى أن عدد السكان المسلمين سيستمر فى النمو بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة القادمة؛ إذ تؤكد إحصائيات متفرقة أخرى أن متوسط أبناء الأسرة المسلمة هناك يضم ما بين 6 و8 أطفال!!
ولقد أثارت تبعات تطبيق مبدأ (الإدماج والتنوع) Inclusion and Diversity بالمدارس البريطانية، كنوع من تعزيز التعايش بين الثقافات المتباينة، جدلًا واسعًا فى الأيام الأخيرة؛ لما أسفر عنه حاليا من انخراط التلاميذ (غير المسلمين) فى ممارسة طقوس الصلاة الإسلامية وترديد بعض الآيات القرآنية؛ ما تم اعتباره تعديا على التراث والقيم المسيحية البريطانية التى اتضح (فجأة) أنها (راسخة) هناك!!
وأخيرًا.. يجوز للمؤرخين أن يسطروا ما يروق لهم من تلفيقات وأكاذيب وادعاءات؛ ويجوز (للمتضررين) المعاصرين بالمقابل أن يتقولوا على التاريخ بما (يشفي) صدورهم؛ ولكن التجربة الفعلية تشهد على أن انتشار الإسلام فى دولة مثل بريطانيا (المعاصرة) لم يأت بحد السيف أو بفرض (الجزية) كَرهًا على (فقراء) الإنجليز ما دفعهم إلى اعتناق الإسلام (مثلًا)!! الأمر أعمق وأكبر من هذا بكثير؛ فمن بين أسرار هذه العقيدة تحديدًا أنها ما إن تظهر فى بقعة من الأرض، حتى تنتشر ويتعاظم نمو عدد معتنقيها (دون جهد يُذكر)؛ ومهما يحاول أعداؤها من خارجها، أو حتى من (داخلها)، إثارة المخاوف بشأنها، أو تشويه تعاليمها، أو تشويه صورة وسيرة نبيها صلوات الله وسلامه عليه، أو التشكيك فى نصوصها؛ فإنها تظل عقيدة ذات طاقة جذب روحية نابضة، متفردة، موحية، محفزة، ثم نافذة، مخترقة، فمهيمنة؛ يدخل عليها المرء معاديًا، متشككًا، فسرعان ما يسقط فى حبائل منطقها وغرامها.. دون رجعة!!
وتلك هى المشكلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 6 ساعات
- مصرس
فيلم تسجيلي عن حزب الجبهة الوطنية في احتفالية الحزب بالشرقية.. فيديو
بد،أ منذ قليل، حفل المؤتمر الشعبي الأول لحزب الجبهة الوطنية، بمحافظة الشرقية، وبدأ الحفل بآيات من القرآن الكريم. شهد انطلاق المؤتمر الأول لحزب الجبهة الوطنية حضورًا شعبيًا كبيرًا، وعرض فيلم تسجيلي عن الحزب وبداية تأسيسه، والاقبال الشعبي على الحزب.عقد المؤتمر في قرية الصوة التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية، بحضور الدكتور عاصم الجزار رئيس الحزب، والسيد القصير نائب رئيس الحزب، ووسط حضور عدد من قيادات الحزب ولفيف من القيادات الشعبية والتنفيذية.وحضر لفيف من الوزراء الحاليين السابقين على رأسهم المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية، والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والمهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية.كما حضر، الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق، وسامح عاشور نقيب المحامين السابق، والإعلامي تامر أمين، والإعلامي محمد مصطفى شردي.كما حضر عدد كبير من الرياضيين، منهم لاعب الأهلي السابق وليد سليمان، وسيد معوض، وحضر من الفنانين، الفنان هاني سلامة، والفنان سامح الصريطي.الجدير بالذكر، أكد النائب أحمد فؤاد أباظة عضو مجلس النواب ونائب الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية، أن حزب الجبهة يسعى لإعلاء المصلحة العليا للوطن والمواطن، فضلا عن، تعزيز المشاركة المجتمعية والتفاعل المباشر والالتحام مع المواطنين تفعيلا لمبدأ الشفافية.وتابع: ندعو أهالينا للمشاركة فى هذا المؤتمر الشعبي، الذي يعد أول مؤتمر شعبي للحزب على مستوى الجمهورية، حيث يحضره المهندس عاصم الجزار رئيس الحزب، والمهندس السيد القصير الأمين العام للحزب والهيئة العليا للحزب والدكتور عثمان شعلان أمين عام الحزب بالشرقية، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ.وأضاف أباظة، استطاع حزب الجبهة الوطنية فى فترة وجيزة بناء قواعده الحزبية فى المحافظات والانتهاء من تشيكل كافة أماناته المركزية التي ضمت عدد من الوزراء والسياسيين ورموز المجتمع، بالإضافة لإسراع المواطنين للانضمام المواطنين للحزب اقتناعا ببرنامجه الذي يلبى احتياجات المجتمع، ويعد الحزب بادرة أمل جديدة تحقق طموحات الشعب في ظل القيادة السياسية الحكيمة.اقرأ أيضاً | باسم مغنية يكشف عن فيلم عربي مشترك مع هاني سلامة ومرام علي

مصرس
منذ 6 ساعات
- مصرس
وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن الآية الكريمة: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، تحمل رسالة عظيمة تتجاوز المفهوم الفردي إلى البعد الاستراتيجي في حياة الأمة الإسلامية، موضحًا أن الإنفاق في سبيل الله يشمل دعم الجهاد المشروع والدفاع عن الدين، وبناء قوة الأمة وحماية مصالحها، ولا يقتصر على المساعدات الفردية فقط. وأضاف رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة" الناس": أن "قوة المسلمين اليوم لا تقوم إلا بإنفاق واعٍ ومسؤول يُسهم في بناء اقتصاد قوي، يُمكِّننا من إعداد الجيش، وتوفير السلاح، والدفاع عن الأوطان، وعن الأطفال، والمقدسات، والمساجد"، مشيرًا إلى أن ترك هذا الواجب يعرض الأمة كلها إلى الهلاك، وهو ما تعنيه الآية حين تقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).وأوضح أن "الآية ترسم صورة بليغة جدًّا، فالذي لا ينفق على قوته، ولا على عدته، إنما يلقي بنفسه وبأمته إلى الجحيم والهلاك بيده، وهو ما حذّر الله منه".وتابع: "جعل الله تخلّفنا عن الإنفاق في إعداد القوة، والتكاسل عن دعم فرض من فرائض الله، كأننا نُهلك أنفسنا بأيدينا، ولهذا جاءت الآية بعدها تقول: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، فالإحسان هنا يشمل إحسان النية والعمل، والتخطيط والإنفاق، والقوة والرحمة معًا".وأردف: "علينا كأمة إسلامية أن نجمع بين معنيين كبيرين ربّتنا عليهما هذه الآيات الكريمة: أن نحقق العزة مع العدل، وأن نملك القوة مع الإحسان.. هذه هي الرسالة التي تبني أمة وتحمي دينًا وتدافع عن الحق في عالم مضطرب لا يحترم إلا القوي العادل".


بوابة الأهرام
منذ 9 ساعات
- بوابة الأهرام
رئيس جامعة الأزهر: الإسلام ربّى أبناءه على العزة لا الذل وعلى العدل لا العدوان
عبدالصمد ماهر أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن الإسلام دين يربي أبناءه على العزة والكرامة دون أن يدفعهم إلى الظلم أو الاعتداء، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم رسم للمؤمنين منهجًا متوازنًا يجمع بين احترام الحرمات وتحقيق العدالة، وذلك في أرقى صورها. موضوعات مقترحة وقال رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، اليوم السبت: "نجد أن الإسلام لم يشرّع القتال عند المسجد الحرام لأنه ليس ساحة معركة، بل وسّع الدائرة فقال تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾، فربط القتال بوجود الاعتداء أولًا". وأوضح أن ذلك كان قبل نزول آية منع المشركين من دخول المسجد الحرام، فلما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾، أصبحت مكة المكرمة حرمًا آمنًا، لا يُباح لغير المسلمين دخوله، وصارت رمزًا للطهارة والتشريف والهيبة. وتابع أن قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾، يحمل ثلاث جمل من أعظم ما يُربّي المسلم عليه، مؤكدًا: "كل جملة منها تصلح أن تكون مثلاً وحكمة يُحتذى بها؛ فالشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، هذه مبادئ تزرع في المسلم العزة دون ظلم، والقوة دون بطش، والعدل دون انتقام زائد". المؤمن لا يبدأ بالعدوان وشدد على أن الإسلام لا يأمر المؤمنين ببدء القتال، وإنما يأمرهم بالدفاع إذا اعتُدي عليهم، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾. وقال: "هذا تربية إيمانية عظيمة، فالمؤمن لا يبدأ بالعدوان، لكنه لا يرضى بالذل، ولا يقبل أن يكون تابعًا خانعًا". وأردف: "القرآن الكريم يعلّمنا كيف نعيش بعزة وكرامة، نأخذ حقوقنا دون أن نظلم غيرنا، ونرفع الظلم دون أن نتجاوز، في توازن بديع يجعل حياة المؤمن قائمة على العدل والكرامة معًا".