بعد تجميد الوضع اميركيا: الملف اللبناني في "البراد" ينتظر ولادة الشرق الأوسط الجديد؟!
كان واضحا ان الاستراتيجية الاميركية التي جمدت الوضع في لبنان الى حين، بانتظار استكمال الترتيبات التي قادت اليها التوجهات الخاصة بالرئيس دونالد ترامب الذي يسعى الى ترتيب شامل للوضع في المنطقة على الطريق الى تكوين الشرق الاوسط الجديد الذي صمم التوصل اليه، بعدما جعل من كامل المنطقة الممتدة من الخليج العربي الى عمق شرق المتوسط "بقعة واحدة" وضعت في مجسم واحد على مكتبه في البيت الأبيض ليعيد تركيبها من جديد على قاعدة إعادة توزيع الأدوار والمغانم على القوى الاقليمية فيها بعد تجسيد الأحجام وتقدير الحقوق من منظار الرؤية الاميركية.
على هذه الخلفيات، قالت مصادر ديبلوماسية تسعى الى قراءة التطورات الاخيرة المتسارعة لـ "المركزية" ان الرئيس الاميركي نجح في استغلال زيارته الاولى الخارجية الى الرياض وجاراتها الخليجية ليقدم أول صورة "تشبيهية" عن الشرق الجديد بالخطوط الاميركية التي تبنتها إدارته بعد تطعيمها بما قالت به الاستراتيجية الجديدة التصالحية التي اعتمدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع محيطه منذ التوصل الى وثيقة بكين مع الجمهورية الإسلامية الايرانية وعلى مستوى العالم العربي. وهي الصورة التي راودت ترامب في ولايته الاولى التي انتهت على غفلة من دون ان يتمكن من تحقيقها في نهايتها. بحيث انه امضى اربع سنوات خارج البيت الأبيض يراقب سياسات خصمه الديمقراطي الرئيس جو بايدن منتقدا كل خطوة اتخذها ، خوفا من ان تتغير الظروف التي يمكن ان تعيق تنفيذ ما أراده على الصعيد العالمي بطريقة تعطل أو تؤخر مشروعه للشرق الاوسط الجديد الذي بشرت به الادارات الاميركية السابقة منذ عقدين من الزمن.
وانطلاقا من هذه المؤشرات، أضافت المصادر بالاستناد الى ما تناولته تقارير ديبلوماسية وصلت منذ أيام قليلة الى بيروت، ان مسلسل تأجيل زيارات المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان اكثر من مرة، منذ آخر زيارة قامت بها في 30 نيسان واول ايار الماضيين إلى وقت لاحق اقترب من ان يكون في آخر حلقاته. ذلك انه يقال ان عودتها الى بيروت باتت رهن أحداث وتطورات جديدة على الساحة اللبنانية ما زالت تنتظرها، يعني ان هناك مهلة محدودة امام المسؤولين اللبنانيين للانتهاء من بعض الخطوات التي تعهدوا بها لئلا تكون زيارتها "خالية الوفاض". وهو أمر يؤدي الى وجود مرحلة قد تطول او تقصر قياسا على قدرة المسؤولين اللبنانيين واركان الحكم بشكل خاص على تجاوز بعض العقبات التي اعاقت المساعي المبذولة لتسوية أو إغلاق بعض الملفات الحساسة، ولا سيما منها ما يتصل بمصير السلاح غير الشرعي الفلسطيني كما اللبناني والخطوات الاخرى المتعلقة بالإصلاحات المالية والاقتصادية والادارية، كمؤشر على قدرة العهد الجديد في خوض مغامرة التعافي والإنقاذ.
وعليه، فإن تحديد أي موعد لاورتاغوس بعيدا من المواعيد الوهمية والملغومة التي تسربت عن خطأ او عن عمد، سيشكل مناسبة للكشف عما تحقق من خطوات ما زالت عالقة. ذلك ان أي موعد ان تم تحديده من المؤكد انها ستناقش جديدا قد تحقق. وما سيحضر على طاولة المفاوضات سيشكل محطة لإطلاق مرحلة جديدة يمكن ان تقود البلاد الى مرحلة من الانفراج او العكس فالخياران ما زالا مطروحين بقوة ولا تنفع المواقف الرمادية في انهاء الجدل حول ما يمكن ان يتحقق.
وإلى تلك اللحظة التي يحددها الموعد الجديد لأورتاغوس، ينبغي التوقف عند كيفية إمرار الوقت الفاصل بين آخر زيارة لها والموعد المقبل ، فهي انصرفت الى جانب متابعتها للوضع في لبنان للقيام بمهام اخرى إضافية ألقيت على عاتقها عدا عن عنايتها بالملف اللبناني. هي بالاضافة الى مشاركتها في بعض النشاطات الاقليمية والدولية من موقعها كنائبة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط في "منتدى قطر الاقتصادي" وعودتها الى واشنطن للمشاركة في اجتماعات مجموعة العمل من اجل لبنان وعشائها السنوي، ستشارك في الساعات المقبلة الى جانب الموفد الرئاسي الاميركي الخاص بالأزمة السورية توماس براك في زيارتهما الى تل ابيب مطلع الأسبوع المقبل للبحث في بعض الخطوات التي تتناول الجديد المحقق على الساحتين السورية واللبنانية.
وان كانت سوريا قد سبقت لبنان الى الضوء منذ اللقاء الذي جمع رئيسها الانتقالي احمد الشرع بالرئيس ترامب وإصداره قرار فك العقوبات عنها سرقت الأضواء من الملف اللبناني، وقد تكون سبقته باستعداداتها لمواكبة الخريطة الجديدة للشرق الأوسط على خلفية قدرة الحكم الجديد على التعاطي مع مستجدات المنطقة ولا سيما منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول العام الماضي. ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل، فان المصادر الديبلوماسية تتريث في حكمها على الجديد المحتمل في لبنان، فالتحضيرات في الناقورة وعلى مستوى اللجنة العسكرية الخماسية تستعد لعقد اجتماع للجنة بكامل أعضائها حدد مبدئيا يوم الاربعاء المقبل، إن حضرت اورتاغوس إلى لبنان وسط مخاوف من عدم القدرة على اطلاق اي خطوة جديدة على مستوى انسحاب جيش الاحتلال من التلال المحتلة، إن لم تعلن اي خطوة جديدة تتصل بمصير سلاح المقاومة إلا في حال اكتفت الادارة الاميركية بما تحقق على مستوى السلاح الفلسطيني، بانتظار التثبت من انتهاء مهمة تفكيك مواقع "حزب الله" في جنوب الليطاني بعدما تحدث رئيس الحكومة نواف سلام في آخر مواقف له بأن لبنان أنجز 80 % من تفكيك وجمع هذه المواقع وهو امر اثار القلق لأنه قد يبرر العمليات العسكرية الاسرائيلية في الجنوب عندما تتحدث عن اغتيال قادة ميدانيين من الحزب يحاولون إحياء قدراتهم العسكرية فيها.
والى تلك المرحلة، تختم المصادر الديبلوماسية لتقول، ستبقى السيناريوهات الغامضة سائدة على خلفية تقديم الرغبات والامنيات على الحقائق الصعبة ، ما لم تعلن خطوات عملية تحيي البحث في كيفية الانتقال من مرحلة تجميد العمليات العدائية الى محطة وقف اطلاق النار النهائي والشامل. وهو امر يؤكد ان ملف لبنان المجمد حاليا ينتظر اكتمال الخطوات الجارية بسرعة هائلة في المنطقة قبل اعادة البحث في القضايا اللبنانية التفصيلية.
المركزية - طوني جبران
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
طهران وواشنطن تتفقان على تخصيب إقليمي مشترك.. ولكن
قبل أن تُعقد الجولة السادسة للمحادثات الإيرانية الأميركية سلّم وزير خارجية عمان بدر البوسعيدي، رسالة الولايات المتحدة إلى نظيره الايراني عباس عراقجي خلال زيارة قصيرة إلى العاصمة الإيرانية يوم السبت الماضي. تتضمن الرسالة مقترحات الولايات المتحدة حول تفاصيل الاتفاق النووي الجديد. الرسالة المكتوبة التي أرسلها البيت الأبيض إلى إيران كانت استجابة لطلب الوفد المفاوض الإيراني من كبير المفاوضين الأميركيين ستيف ويتكوف بأن الولايات المتحدة تسجّل شروطها حتى تعرف ماذا تريد من إيران، وماذا تتعهد بتنفيذها، وذلك بعد تقلب المواقف الأميركية وتضاربها بين تصريحات وزير الخارجية ووزير الدفاع وممثل الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط، فضلاً عن الرئيس دونالد ترامب. حالياً صارت لدى إيران وثيقة مكتوبه يمكن التعويل عليها كموقف أميركي نهائي حتى اللحظة. الاعتراف بحق التخصيب مقابل تجميده بالرغم من أنه لم يعلن إلى حد الآن مضمون الرسالة الأميركية إلا أنه يُقال إن البيت الأبيض اقترح تشكيل اتحاد إقليمي يتضمن إيران والسعودية لتخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية والولايات المتحدة، وهناك فكرة أخرى تتضمن الاعتراف بحق إيران في التخصيب، مقابل تجميد إيران أنشطتها في تخصيب اليورانيوم. أين ستقع منشآت التخصيب؟ في ما يتعلق بفكرة الاتحاد الإقليمي لتخصيب اليورانيوم، فإن إيران أعربت عن مواففتها لتلك الفكرة مرات عدة في محاولة لتطمين الطرف الآخر من سلمية برنامجها. كما أن الاتفاق على هذه الفكرة هو وليدة الجولة الخامسة من المحادثات في روما الأسبوع الماضي، ولكن الشيطان في التفاصيل، إذ إن الولايات المتحدة تريد أن تكون هذه المنشآت خارج إيران وفق المصادر المطلعة، ولكن إيران لن تقبل به كما لم تقبل به في العام 1977 عندما اقترح هنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة حينها على إيران أن تقبل بتشكيل اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم، يتضمن دول منطقة الخليج، وأن تكون المنشآت خارج إيران. ولكن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية حينها أكبر اعتماد الذي توفي قبل شهرين في منفاه الولايات المتحدة، رفض هذا المقترح بشكل حاسم، وأكد للأميركيين بأن المنشآت يجب أن تكون داخل إيران. واعترف الوزير كسينجر بعد سنوات بأن مقترحه هذا لإيران كان محاولة خداع منه، ولكنها لم تفلح. إيران اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه منذ 48 عاماً في مجال تخصيب اليورانيوم. ويمكن القول إنها لم تكن لديها خبرة في التخصيب في العام 1977 وكانت حينها تريد أن تستعين بالعلماء الأجانب، ولكنها الآن قادرة على تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة وأكثر، بل هي قادرة على إنتاج القنبلة النووية. فكيف تقبل بنقل المنشآت إلى الخارج وهي فعلاً موجودة وشغالة على أراضيها؟ وقد أكد وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري يوم أمس الاثنين، أنه "إذا كان الهدف من المفاوضات هو التأكد وبناء الثقة بأن إيران لا تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية، فأعتقد أننا نستطيع الوصول إلى اتفاق. ولكن إذا كان الهدف هو حرمان إيران من أنشطتها السلمية، فلن يكون هناك اتفاق بالتأكيد". ويقصد عراقجي حرمان إيران من التخصيب على أراضيها. إذاً لماذا تصر إيران على الاحتفاظ بالتخصيب على أراضيها؟ فضلاً عن النفقات الهائلة التي دفعتها إيران لتأسيس منشآتها المنتشرة في أرجاء البلاد من فوردو الواقعة بين العاصمة طهران ومدينة قم تحت الجبال إلى منشأة نطنز ومنشأة أصفهان وغيرها، فإن إيران تخشى أنه في حال إنشاء محطة تخصيب مشتركة في أي دولة أخرى، قد يتم طردها من هذا الاتحاد في حال نشوب خلاف. إيران تدرس المقترح الأميركي وقال وزير الخارجية الإيرانية خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره المصري: "سنقدم قريباً رداً مناسباً على المقترح الأميركي. سيكون هذا الرد مستنداً إلى مواقف ومبادئ الشعب الإيراني". وفي سياق متصل، نقلت "رويترز" عن مصدر إيراني مطلع، قوله إن إيران تُعد حالياً نصاً سلبياً على مقترح البيت الأبيض. وتقول مصادر مطلعة أخرى إن الرد الإيراني يتضمن وقف العقوبات الأميركية الجديدة. من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن البيت الأبيض، أصدر أمراً جديداً بوقف جميع الأنشطة العقابية ضد إيران. وكتبت أن هذا القرار يُعد مؤشراً على تحوّل في نهج الولايات المتحدة قبيل مفاوضات نووية حسّاسة. وبحسب التقرير الذي نُشر يوم الأحد الماضي، فإن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أبلغت الأسبوع الماضي أمر تعليق العقوبات الجديدة أولاً إلى كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي ووزارة الخزانة، ثم إلى وزارة الخارجية. ورداً على هذا التقرير، لم ينفِ البيت الأبيض الخبر فحسب، بل صرحت نائبة المتحدثة آنا كيلي، في بيان، أنه "سيتم الإعلان عن أي قرارات جديدة بشأن العقوبات من قبل البيت الأبيض أو الجهات المعنية". وتعتبر هذه المبادرة أيضاً استجابة لرغبة إيران التي اعتبرت، خلال الجولات السابقة للمحادثات، أن فرض عقوبات جديدة عليها خلال لا يبشر بخير ولا يكشف عن حسن نوايا لدى الطرف الآخر.

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
أزمة المقاتلين الأجانب بسوريا.. هل هناك خيار غير الجيش؟
يمثل التحول في الموقف الأميركي حيال دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد، انعكاساً لتبدل في مقاربة واشنطن لسوريا ما بعد الأسد، إذ يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تتبنى سياسة واقعية أكثر، تفضل استيعاب هذه العناصر ضمن مؤسسات الدولة الجديدة بدلاً من الدفع بهم نحو العمل السري أو الانخراط في تنظيمات راديكالية أو حتى العودة إلى بلدانهم وتوسيع دائرة التطرف والعمل العسكري المضاد للأنظمة. وعلى الرغم من التحديات، فإن هذه السياسة تسعى إلى تحقيق استقرار نسبي في المدى القصير، ولو كان ذلك على حساب المعايير التقليدية لمكافحة الإرهاب. وعلة الرغم من أن واشنطن كانت إلى حد قريب مصرة على إبعاد المقاتلين الأجانب من المنطقة وعدم دمجهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلا أن تحولاً ملحوظاً سُجّل في الموقف الأميركي عقب الجولة التي قام بها الرئيس ترامب في الشرق الأوسط ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، في الرياض، وتعيين السفير الأميركي في تركيا توماس باراك، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا. باراك نفسه كان قد أعلن أن "تفاهماً شفافاً" قد تم التوصل إليه مع القيادة السورية الجديدة بشأن دمج المقاتلين الأجانب ضمن مشروع الدولة الجديدة، حيث اعتُبر أن الإبقاء عليهم داخل مؤسسات الدولة أفضل من تهميشهم أو تركهم دون هيكل رسمي، ما قد يؤدي إلى انجرافهم نحو تنظيمات أكثر تطرفاً مثل تنظيم "داعش" أو القاعدة، وبالتالي قد يشكلون خطراً على المنطقة التي تسعى الولايات المتحدة إلى ترتيبها. وعلى مدار 13 عاماً من المعارك في سوريا، انضم آلاف المقاتلين (مسلمين ومسيحيين أعلنوا إسلامهم) من دول مختلفة، إلى صفوف المعارضة المسلحة خلال سنوات الحرب، التحق بعضهم بتنظيمات متطرفة مثل "داعش" أو القاعدة، في حين تشكّلت وحدات خاصة من آخرين ضمن "هيئة تحرير الشام"، وتميّز هؤلاء بالانضباط والولاء والخبرة القتالية والعقيدة الأمنية الخاصة والمختلفة عن باقي تشكيلات المعارضة السورية المسلحة. سابقاً، وعند اشتداد أزمة الإيغور في 2018 و2019، سُلّط الضوء على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، الذين ينتمون إلى الإيغور والصين وآسيا الوسطى، ما أثار قلق الصين، التي تم تقديم مطالبات منها لتقييد نفوذ هذا الحزب داخل سوريا والتخلص من هؤلاء المقاتلين ورفض عودتهم إلى بلادهم. في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أُسندت مناصب عسكرية عليا إلى قيادات أجنبية كان لها يد طولى في القتال إلى جانب عناصر "هيئة تحرير الشام" سابقاً والتي قادت ذاتها عملية "ردع العدوان"، ما أدى إلى تصاعد التوتر بين إدارة دمشق الجديدة والدول الغربية، إلا أن الاعتراضات تم تخفيفها لاحقاً، خصوصاً بعد المباحثات الأميركية-السورية. وقد أُعلن عن حلّ جماعة الحزب الإسلامي التركستاني رسمياً، ودُمجت ضمن الجيش السوري، حيث أصبحت تعمل تحت سلطة وزارة الدفاع ووفق السياسات الوطنية. وبعد ذلك توالت الأخبار عن إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب وأُسرهم، تقديراً لدورهم في "تحرير البلاد من النظام السابق؛ على أساس ان هؤلاء المقاتلين خضعوا لعملية فلترة أيديولوجية، وأن التخلي عنهم قد يُفضي إلى انضمامهم لتنظيمات أكثر تطرفاً أو كشف أسرار العقيدة القتالية للإدارة الجديدة، وبالتالي تصبح مكشوفة امام أجهزة الاستخبارات العالمية بكيانها الجديد. يضعنا هذا السيناريو أمام مسألة معقدة من عدة نواحٍ: فالجيش السوري الجديد هو جيش وطني جامع وموحّد لأبناء الدولة السورية، ولا يقبل في الوضع الراهن كون الجيش في طور التشغيل والتشكيل، ضمّ عناصر أجنبية ذات خلفيات جهادية متشددة. ومن جهة أخرى، فإن انتماء هؤلاء المقاتلين مختلف عن الانتماء الثوري للسوريين، على اعتبار ان مهمتهم في سوريا كانت دينية إيديولوجية وليست سياسية متعلقة بمجملها بإسقاط نظام الأسد كنظام أمني واستخباراتي. وهناك تحدٍّ إضافي متعلق بالتزامات مالية ولوجستية مرتبطة بتأمين هؤلاء المقاتلين ودفع رواتبهم على أنهم الأعلى أجراً في ن صفوف المقاتلين الى جانب فصائل المعارضة السورية سابقاً، بواقع 1500 دولار لكل عنصر، بالإضافة إلى عملية الفرز والرتب العسكرية مقارنة بضباط سوريين أصليين ما قد يفتح الباب امام التناحر الأمني والعسكري. أما على مستوى شرعية الدولة، فإن هذا الدمج قد يضعف شرعية الإدارة الحالية أمام المجتمع الدولي في حال ارتكب هؤلاء المقاتلون انتهاكات، ما يعيد للأذهان نماذج سابقة من الحروب بالوكالة والجيوش الموازية. اما الأمر الأكثر خطورة، فهو احتمالات انشقاق مقاتلين منهم أو إعادة التموقع في مشاريع أكثر تطرفاً قائمة، خصوصاً في ظل عدم وجود خطة لمعالجة الجذور الفكرية والسياسية التي أنتجت هذه الظاهرة من الأصل؛ وتسريب معلومات الجيش السوري الجديد لقوى استخباراتية خارجية. ومع أن هذا السيناريو قائم، إلا أنه يمكننا صياغة نظرة مغايرة واقعية تستحق التوقف عندها، لأنه يُعيد النظر في هذه التحديات من زاوية الأمن الإقليمي والأخلاق المدنية، ويقدّم حلاً وسطًا بين الإقصاء التام والدمج العسكري الكامل. فعلى المستوى الأمني، يُنظر إلى بقاء هؤلاء المقاتلين في سوريا كخيار أقل كلفة للدول التي ينتمون إليها، خصوصاً في أوروبا وآسيا الوسطى، حيث يُعدّ وجودهم داخل الأراضي السورية –تحت رقابة واضحة– وسيلة فعّالة للحد من تمدد الفكر المتشدد نحو بلدانهم الأصلية، وتفادي المخاطر الأمنية المرتبطة بعودتهم. أما على المستوى المدني و الأخلاقي، فإن كثيراً من هؤلاء المقاتلين قدموا إلى سوريا للقتال إلى صفوف المعارضة السورية المسلحة قبل كانون الأول/ديسمبر 2024، وشكلوا ثقلاً أمنياً وعسكرياً بحكم تدريبهم في معسكرات خارجية وفي ظروف مشددة و قاسية استفاد منها مقتلون آخرون، كما شكلوا نقلة في النظرة الإيديولوجية للقتال والمعارك في سوريا، لا سيما وأنهم أظهروا انضباطاً خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية في سوريا، واستقروا لاحقاً داخل المجتمع المحلي من خلال الزواج والأعمال وتكوين الأسر في أماكن إقامتهم، لا سيما في أرياف حلب وإدلب و حماه والساحل السوري؛ دون تسجيل سلوكيات متمردة أو خارجة عن السيطرة. هذا الواقع يفرض مقاربة مدنية وأخلاقية تعترف بتحولهم الاجتماعي وتدعو إلى احتوائهم، لا تصفيتهم أو نفيهم، لما قد يخلقه من اختراقات عقائدية عابرة للحدود. يبقى دمجهم بالمؤسسة العسكرية أمراً قابلاً للجدل من الناحية الوطنية الصرفة، نظراً لما يشكّله من تحديات لسيادة الجيش السوري الجديد وهويته المحلية. من هنا، يُقترح العمل على دمجهم في إطار مدني خاضع للرقابة، عبر برامج إسكان، وتشغيل، وتأهيل مجتمعي، مع إمكانية منح الجنسية تدريجياً ضمن شروط صارمة وواضحة، بما يضمن تحويلهم إلى فاعلين مدنيين في مشروع الدولة، دون أن يشكّلوا عبئاً عسكرياً أو أمنياً مستقبلياً على دولة لا تزال قيد التشكيل بعد الإرث السيئ الذي خلفه نظام الأسد.

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
حتى لو هُزِمت المقاومة في فلسطين…إسرائيل لن تنتصر! (2)
"نهاية الفصل العنصري كانت شهادة على إمكانية النصر من خلال الإيمان بالعدالة، والصبر، والإصرار على المساواة". – الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع تزايد التأييد الدولي لحل الدولتين، وتعاظم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وصل عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين حتى أيار/مايو 2025 إلى 147 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة. وقد انضمت إلى هذا المسار دولٌ ذات ثقل دبلوماسي، مثل إسبانيا، النرويج، أيرلندا، سلوفينيا، أرمينيا، جزر الباهاماس، جامايكا، ترينيداد وتوباغو، بربادوس، وكولومبيا، وكلها اتخذت قرارها بعد حرب غزة. كما أعربت دول أخرى، بينها فرنسا، المملكة المتحدة، ومالطا، عن نيتها اللحاق بهذا التوجه. لكن، ورغم هذا الزخم، لا تزال بعض الدول الكبرى ترفض الاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة مستقلة، وفي مقدمتها: الولايات المتحدة، كندا، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، نيوزيلندا، سويسرا، ودول عدة من الاتحاد الأوروبي. الولايات المتحدة… محور المعادلة يبقى الموقف الأميركي حجر الأساس في كل ما يتعلّق بمستقبل الصراع. ففي ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، بدت واشنطن وكأنها تمنح إسرائيل "شيكًا على بياض": • اعتراف رسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل. • شرعنة ضم الجولان المحتل. • الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. • فرض عقوبات قاسية على طهران. • اغتيال قاسم سليماني، أحد أبرز القادة العسكريين الإيرانيين. لكنّ ولاية ترامب الثانية جاءت مخالفة للتوقعات. ففي 7 نيسان/أبريل 2025، استقبل ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وأعلن بشكل مفاجئ بدء محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، مؤكدًا أن لقاءً "كبيرًا جدًا" سيُعقد بعد أيام. وتوالت المؤشرات على تباين المواقف بين الجانبين، إذ سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية أن ترامب قال لنتنياهو في مكالمة لاحقة: "أريد حلًا دبلوماسيًا مع الإيرانيين… وأؤمن بقدرتي على إبرام صفقة جيدة". ورغم نفي مكتب نتنياهو لوجود خلاف، أكد ترامب بنفسه حصول المكالمة، وتشديده على التزامه بمسار التفاوض مع طهران، ورفضه لأي عمل عسكري إسرائيلي ضدها. وفي أوائل أيار/مايو، وقبيل أول جولة لترامب في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية، اتخذت واشنطن سلسلة خطوات فُسّرت على أنها ابتعاد عن المزاج الإسرائيلي: • وقف الحملة الجوية في اليمن، رغم تهديدات الحوثيين لإسرائيل. • تفاوض مباشر مع "حماس" لتأمين الإفراج عن الجندي الأميركي - الإسرائيلي إيدان ألكسندر. • زيارة إلى السعودية استُثنيت منها إسرائيل. • إعلان إنهاء العقوبات على سوريا. • عرض صريح على إيران بفتح صفحة جديدة إذا أُنجز الاتفاق النووي. كل هذه التحركات ترافقت مع فتور متزايد في العلاقة مع نتنياهو، الذي بات يرى في توجهات ترامب خطرًا على أجندته. أوروبا… الرأي العام يسبق الحكومات في الدول الأوروبية الكبرى، كشفت استطلاعات الرأي (لا سيما في فرنسا، بريطانيا، وألمانيا) عن تنامي تعاطف لافت مع الفلسطينيين، خصوصًا بين فئة الشباب. شارك مئات الآلاف في مظاهرات ضخمة مؤيدة لغزة، طالبت برفع الحصار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها. وازدادت الدعوات في الأوساط البرلمانية والسياسية إلى: • تجميد صفقات الأسلحة مع إسرائيل. • مراجعة اتفاقات التعاون العسكري والتجاري. • دعم المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية. أصبحت مفاهيم مثل العدالة الدولية وحقوق الإنسان جزءًا أساسيًا من الخطاب الرسمي لبعض الحكومات والأحزاب، لا سيما اليسار والخضر. وفي دول مثل النرويج، إسبانيا، وأيرلندا، استُدعي سفراء إسرائيل، ودُعمت مبادرات الاعتراف بدولة فلسطين. ورغم أن هذه التحولات ليست جذرية بعد، فإنها تراكمية، تُعمّق الفجوة بين المواقف الرسمية والرأي العام، وتؤسس تدريجيًا لتحوّل في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه إسرائيل. داخل إسرائيل… تشققات في الهيكل قد يكون الخلاف داخل الكيان المحتل أحد العوامل المؤثرة، إذ تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متزايدة من الداخل، سواء من شخصيات سياسية وعسكرية أو من الشارع الإسرائيلي، تطالب بإنهاء الحرب على غزة والتوصل إلى حلول سياسية. هذه التحركات تعكس تغيرًا في المزاج العام داخل إسرائيل تجاه استمرار العمليات العسكرية في القطاع خاصة واتجاه مستقبل إسرائيل. مع اتهام عدد لا بأس به من أركان الدولة الصهيونية ومعارضي بنيامين نتنياهو كمثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك الذي حذر من أن استمرار الحرب سيقود إسرائيل نحو "الهاوية"، مشيرًا إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ومستقبل الدولة في خطر. وأكد أن نتنياهو هو المسؤول عن دفع البلاد إلى هذا الوضع الخطير. أما رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت فقد ذهب أبعد من ذلك بوصف العمليات العسكرية في غزة بأنها "حرب تدمير" و"قتل عشوائي للمدنيين"، معتبرًا أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، كما وصف حكومة نتنياهو بأنها "عصابة بلطجية"، محذرًا من تدهور صورة إسرائيل دوليًا وداعيًا إلى وقف الحرب قبل فوات الأوان. أما نائب القائد السابق للجيش الإسرائيلي، يائير غولان، فقد صرح بأن إسرائيل "تتجه لتُصبح دولة منبوذة، كما حدث مع جنوب أفريقيا، إذا لم نعد إلى رشدنا كدولة". وأضاف أن "الدولة العاقلة لا تخوض حرباً ضد مدنيين، ولا تمارس قتل الرضّع كهواية". أما وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، فقد أدلى بتصريحات مشابهة، منتقدًا طريقة تعامل الحكومة مع الحرب، معبرًا عن إدانته لها وفق قاعدة أخلاقية ترتكز ان قتل المدنيين العزّل والأطفال "يُفقد إسرائيل روحها والمبادئ الأخلاقية التي قامت عليها" وفق قوله. الانقسام الداخلي في إسرائيل عامل مؤثر على استقرار تلك الدولة وعلى حاضرها والأهم على مستقبلها. فالانقسام في جنوب أفريقيا ساهم مساهمة فاعلة في سقوط دولة الفصل العنصري. وجنوح المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين ثم إلى اليمين الأكثر تطرفًا، يضع المجتمع هناك أمام انقسامات حادة قد تؤدي إلى صدامات لن تكون بأي شكل من الأشكال لمصلحة الاحتلال، والفصل العنصري، ومشاريع الإبادة، والتهجير. لا تطبيع مع مشروع تهجيري قد يكون وقف إطلاق النار، أو حتى اتفاقات السلام، جزءًا من لغة السياسة. لكن التطبيع مع إسرائيل، كما أثبتت التجربة هو خيار مختلف تمامًا. لقد أدرك الجميع اليوم أنّه لا يمكن تطبيع العلاقات مع كيان يسعى إلى تهجير أهل غزة نحو مصر، وأهل الضفة نحو الأردن. فـ"اتفاقات أبراهام" لم تُقدّم شيئًا ملموسًا للقضية الفلسطينية، بل كشفت مدى عدوانية إسرائيل على المستوى العالمي. إنها دولة تمارس "البلطجة" باسم معاداة السامية، وتغتال أفرادًا من أبناء الطائفة اليهودية لتشتيت الأنظار عن مجازرها، وتُسخّر الإعلام، والمال، والاقتصاد، في خدمة خطاب التضليل. لا يمكن لكيان لا جذور له في الجغرافيا، ولا صلة له بالمحيط، أن ينجح في فرض تاريخ مزوّر على حساب أصحاب الأرض. وفي النهاية، تبقى المعادلة الأوضح: وما الصبر إلا صبر ساعة.