أزمة المقاتلين الأجانب بسوريا.. هل هناك خيار غير الجيش؟
يمثل التحول في الموقف الأميركي حيال دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد، انعكاساً لتبدل في مقاربة واشنطن لسوريا ما بعد الأسد، إذ يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تتبنى سياسة واقعية أكثر، تفضل استيعاب هذه العناصر ضمن مؤسسات الدولة الجديدة بدلاً من الدفع بهم نحو العمل السري أو الانخراط في تنظيمات راديكالية أو حتى العودة إلى بلدانهم وتوسيع دائرة التطرف والعمل العسكري المضاد للأنظمة.
وعلى الرغم من التحديات، فإن هذه السياسة تسعى إلى تحقيق استقرار نسبي في المدى القصير، ولو كان ذلك على حساب المعايير التقليدية لمكافحة الإرهاب. وعلة الرغم من أن واشنطن كانت إلى حد قريب مصرة على إبعاد المقاتلين الأجانب من المنطقة وعدم دمجهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلا أن تحولاً ملحوظاً سُجّل في الموقف الأميركي عقب الجولة التي قام بها الرئيس ترامب في الشرق الأوسط ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، في الرياض، وتعيين السفير الأميركي في تركيا توماس باراك، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا.
باراك نفسه كان قد أعلن أن "تفاهماً شفافاً" قد تم التوصل إليه مع القيادة السورية الجديدة بشأن دمج المقاتلين الأجانب ضمن مشروع الدولة الجديدة، حيث اعتُبر أن الإبقاء عليهم داخل مؤسسات الدولة أفضل من تهميشهم أو تركهم دون هيكل رسمي، ما قد يؤدي إلى انجرافهم نحو تنظيمات أكثر تطرفاً مثل تنظيم "داعش" أو القاعدة، وبالتالي قد يشكلون خطراً على المنطقة التي تسعى الولايات المتحدة إلى ترتيبها.
وعلى مدار 13 عاماً من المعارك في سوريا، انضم آلاف المقاتلين (مسلمين ومسيحيين أعلنوا إسلامهم) من دول مختلفة، إلى صفوف المعارضة المسلحة خلال سنوات الحرب، التحق بعضهم بتنظيمات متطرفة مثل "داعش" أو القاعدة، في حين تشكّلت وحدات خاصة من آخرين ضمن "هيئة تحرير الشام"، وتميّز هؤلاء بالانضباط والولاء والخبرة القتالية والعقيدة الأمنية الخاصة والمختلفة عن باقي تشكيلات المعارضة السورية المسلحة. سابقاً، وعند اشتداد أزمة الإيغور في 2018 و2019، سُلّط الضوء على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، الذين ينتمون إلى الإيغور والصين وآسيا الوسطى، ما أثار قلق الصين، التي تم تقديم مطالبات منها لتقييد نفوذ هذا الحزب داخل سوريا والتخلص من هؤلاء المقاتلين ورفض عودتهم إلى بلادهم.
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أُسندت مناصب عسكرية عليا إلى قيادات أجنبية كان لها يد طولى في القتال إلى جانب عناصر "هيئة تحرير الشام" سابقاً والتي قادت ذاتها عملية "ردع العدوان"، ما أدى إلى تصاعد التوتر بين إدارة دمشق الجديدة والدول الغربية، إلا أن الاعتراضات تم تخفيفها لاحقاً، خصوصاً بعد المباحثات الأميركية-السورية. وقد أُعلن عن حلّ جماعة الحزب الإسلامي التركستاني رسمياً، ودُمجت ضمن الجيش السوري، حيث أصبحت تعمل تحت سلطة وزارة الدفاع ووفق السياسات الوطنية.
وبعد ذلك توالت الأخبار عن إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب وأُسرهم، تقديراً لدورهم في "تحرير البلاد من النظام السابق؛ على أساس ان هؤلاء المقاتلين خضعوا لعملية فلترة أيديولوجية، وأن التخلي عنهم قد يُفضي إلى انضمامهم لتنظيمات أكثر تطرفاً أو كشف أسرار العقيدة القتالية للإدارة الجديدة، وبالتالي تصبح مكشوفة امام أجهزة الاستخبارات العالمية بكيانها الجديد.
يضعنا هذا السيناريو أمام مسألة معقدة من عدة نواحٍ: فالجيش السوري الجديد هو جيش وطني جامع وموحّد لأبناء الدولة السورية، ولا يقبل في الوضع الراهن كون الجيش في طور التشغيل والتشكيل، ضمّ عناصر أجنبية ذات خلفيات جهادية متشددة. ومن جهة أخرى، فإن انتماء هؤلاء المقاتلين مختلف عن الانتماء الثوري للسوريين، على اعتبار ان مهمتهم في سوريا كانت دينية إيديولوجية وليست سياسية متعلقة بمجملها بإسقاط نظام الأسد كنظام أمني واستخباراتي. وهناك تحدٍّ إضافي متعلق بالتزامات مالية ولوجستية مرتبطة بتأمين هؤلاء المقاتلين ودفع رواتبهم على أنهم الأعلى أجراً في ن صفوف المقاتلين الى جانب فصائل المعارضة السورية سابقاً، بواقع 1500 دولار لكل عنصر، بالإضافة إلى عملية الفرز والرتب العسكرية مقارنة بضباط سوريين أصليين ما قد يفتح الباب امام التناحر الأمني والعسكري.
أما على مستوى شرعية الدولة، فإن هذا الدمج قد يضعف شرعية الإدارة الحالية أمام المجتمع الدولي في حال ارتكب هؤلاء المقاتلون انتهاكات، ما يعيد للأذهان نماذج سابقة من الحروب بالوكالة والجيوش الموازية. اما الأمر الأكثر خطورة، فهو احتمالات انشقاق مقاتلين منهم أو إعادة التموقع في مشاريع أكثر تطرفاً قائمة، خصوصاً في ظل عدم وجود خطة لمعالجة الجذور الفكرية والسياسية التي أنتجت هذه الظاهرة من الأصل؛ وتسريب معلومات الجيش السوري الجديد لقوى استخباراتية خارجية.
ومع أن هذا السيناريو قائم، إلا أنه يمكننا صياغة نظرة مغايرة واقعية تستحق التوقف عندها، لأنه يُعيد النظر في هذه التحديات من زاوية الأمن الإقليمي والأخلاق المدنية، ويقدّم حلاً وسطًا بين الإقصاء التام والدمج العسكري الكامل. فعلى المستوى الأمني، يُنظر إلى بقاء هؤلاء المقاتلين في سوريا كخيار أقل كلفة للدول التي ينتمون إليها، خصوصاً في أوروبا وآسيا الوسطى، حيث يُعدّ وجودهم داخل الأراضي السورية –تحت رقابة واضحة– وسيلة فعّالة للحد من تمدد الفكر المتشدد نحو بلدانهم الأصلية، وتفادي المخاطر الأمنية المرتبطة بعودتهم.
أما على المستوى المدني و الأخلاقي، فإن كثيراً من هؤلاء المقاتلين قدموا إلى سوريا للقتال إلى صفوف المعارضة السورية المسلحة قبل كانون الأول/ديسمبر 2024، وشكلوا ثقلاً أمنياً وعسكرياً بحكم تدريبهم في معسكرات خارجية وفي ظروف مشددة و قاسية استفاد منها مقتلون آخرون، كما شكلوا نقلة في النظرة الإيديولوجية للقتال والمعارك في سوريا، لا سيما وأنهم أظهروا انضباطاً خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية في سوريا، واستقروا لاحقاً داخل المجتمع المحلي من خلال الزواج والأعمال وتكوين الأسر في أماكن إقامتهم، لا سيما في أرياف حلب وإدلب و حماه والساحل السوري؛ دون تسجيل سلوكيات متمردة أو خارجة عن السيطرة.
هذا الواقع يفرض مقاربة مدنية وأخلاقية تعترف بتحولهم الاجتماعي وتدعو إلى احتوائهم، لا تصفيتهم أو نفيهم، لما قد يخلقه من اختراقات عقائدية عابرة للحدود. يبقى دمجهم بالمؤسسة العسكرية أمراً قابلاً للجدل من الناحية الوطنية الصرفة، نظراً لما يشكّله من تحديات لسيادة الجيش السوري الجديد وهويته المحلية. من هنا، يُقترح العمل على دمجهم في إطار مدني خاضع للرقابة، عبر برامج إسكان، وتشغيل، وتأهيل مجتمعي، مع إمكانية منح الجنسية تدريجياً ضمن شروط صارمة وواضحة، بما يضمن تحويلهم إلى فاعلين مدنيين في مشروع الدولة، دون أن يشكّلوا عبئاً عسكرياً أو أمنياً مستقبلياً على دولة لا تزال قيد التشكيل بعد الإرث السيئ الذي خلفه نظام الأسد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 37 دقائق
- النهار
صباح "النهار"- عراقجي يحمل عرضاً "بلا تدخل" وإسرائيل تهاجم سوريا... السلاح والإعمار وإنذار مبكر!
إليكم أبرز الأخيار اليوم الأربعاء 4 حزيران/يونيو 2025 مانشيت "النهار": لودريان "راجع" ويمهّد لمؤتمر إعادة الإعمار... عراقجي يحمل عرضاً لصفحة جديدة "بلا تدخل" بعد طول انكفاء ظاهري عن المشهد اللبناني المباشر، تتحرك "الرعاية " الفرنسية للوضع في لبنان مجدداً عبر زيارة جديدة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت في الأسبوع المقبل، علماً أن آخر زياراته للبنان كانت يوم انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في التاسع من كانون الثاني الماضي. للمزيد اضغط هنا إسرائيل تُهاجم "وسائل قتالية" في جنوبي سوريا: النظام يتحمل مسؤولية ما يجري أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة "وسائل قتالية تابعة للنظام السوري" الليلة الماضية. وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر "إكس": "هاجمت طائرات جيش الدفاع الحربية الليلة الماضية وسائل قتالية تابعة للنظام السوري في منطقة جنوب سوريا في أعقاب إطلاق القذيفتيْن الصاروخيتيْن نحو الأراضي الاسرائيلية مساء أمس". للمزيد اضغط هنا يتوجّه حجاج بيت الله الحرام مع إشراقة صباح اليوم الأربعاء، إلى صعيد مشعر منى، لقضاء يوم التروية. ويقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو 7 كيلومترات، وهو وادٍ تحيط به الجبال من كل جانب، ويقضي فيه الحجاج ليالي التشريق، ويؤدون فيه شعائر كـرمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير. للمزيد اضغط هنا تردد أن ملف لبنان يمكن أن يتابع من الموفد الأميركي إلى سوريا ما يجعله ملحقاً بالملف السوري لتؤكد مصادر لبنانية على علاقة بمراكز القرار في واشنطن أن ممثلاً بديلاً لمورغان أورتاغوس سيعين قريباً وأن الاهتمام الأميركي بلبنان جدي جداً. للمزيد اضغط هنا استجواب الضابط زوج المتهمة بتهريب الأدوية المغشوشة والمزورة تأكد أن المديرية العامة للأمن العام استجوبت الضابط زوج المتهمة بتهريب الأدوية المغشوشة والمزورة واتخذت إجراء غدارياً بحقه في انتظار جلاء الملابسات حول القضية. للمزيد اضغط هنا مؤسسة غزة الإنسانية تعلق توزيع المساعدات... والأمم المتحدة تصوت على مطلب لوقف النار لن توزع مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة أي مساعدات اليوم الأربعاء فيما تحث إسرائيل على تعزيز تدابير سلامة المدنيين خارج محيط مواقع التوزيع، بعد يوم من مقتل عشرات الفلسطينيين الذين كانوا يسعون للحصول على المساعدات. للمزيد اضغط هنا كتب نبيل بومنصف: إنذار مبكر لدولة "ناشئة"! ليس ثمة مغالاة إطلاقا إن صارت دعوات لبنان، بدولته الناشئة منذ بداية عهد الرئيس جوزف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، إلى التشبه بالسلطة الانتقالية في سوريا، مثار تشاؤم لدى كثيرين من اللبنانيين.أولا، هذا الجاري في سوريا إلى حدود "سماح" الإدارة الأميركية لأحمد الشرع بضم عشرات ألوف المقاتلين الأجانب إلى جيش سوري وطني ناشئ، يشكل أسوأ الأنماط على براغماتية أميركية مستعجلة فبركة السلطة الجديدة. للمزيد اضغط هنا وكتب أسامة رمضاني: تونس والانشغال المشروع بأوضاع ليبيا كلما تضطرب الأوضاع في ليبيا ينتاب التونسيين شعور بالتوجس والانشغال. لم تشذ الفترة الأخيرة عن القاعدة مع تصاعد التوتر الذي يغذّيه وجود السلاح بين أيدٍ منفلتة، وتواصل انقسام السلطة إلى منطقتين متنازعتين في الشرق والغرب، واستمرار حكم انتقالي لا يعرف أحد متى يترك مكانه لحكومات منتخبة ودائمة. للمزيد اضغط هنا وكتب عبدالوهاب بدرخان: تخصيب - لا تخصيب: مَن يتنازل أولاً؟ تضارب كبير في الأنباء والمعلومات عن المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا يشير إلى تعقيدات متوقعة. تضاربٌ أيضاً في التوقعات التي تراوح بين اتفاق قريب، كما "يبشّر" الرئيس الأميركي، واتجاه المفاوضات إلى أفق مسدود، كما يتمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي، معتقداً أن استعداد جيشه لإنزال ضربات بالمنشآت هو الحل البديل للمعضلة النووية الإيرانية. للمزيد اضغط هنا بعد أربعة أشهر على تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، بدا أن الترحيب والإحاطة اللذين جاءت بهما داخلياً وخارجياً، مستفيدة من زخم انتخاب الرئيس جوزف عون، أخذ يخف وهجهما نتيجة حملات مركزة انطلقت منذ فترة، تستهدفها رئيساً بالدرجة الأولى، ثم أعضاء. للمزيد اضغط هنا وكتبت روزانا بومنصف: المقارنة بين لبنان وسوريا خاطئة وانتقادية (!) لا توافق شخصيات ديبلوماسية في الخارج على المقاربة التي تسري على مستويات إعلامية وسياسية في لبنان، والتي تقارن بطء التقدم محلياً بالأبواب التي فتحت لسوريا وتوّجت بلقاء الرئيس أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورفع العقوبات عن سوريا. للمزيد اضغط هنا بين لبنان وسوريا.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
ترامب: من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الصيني
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء أنه يقدّر نظيره الصيني شي جيبينغ لكن "من الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق" معه، فيما يتواجه البلدان في حرب تجارية حول الرسوم الجمركية. وكتب ترامب عبر شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، "أقدر الرئيس شي ولطالما أحببته وسأستمر في ذلك، لكن صعب جدا". وتزامن ذلك مع دخول قرار رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة إلى 50 % الأربعاء.


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
ترامب يتحدث عن أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أميركا
اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسؤولي إدارة الرئيس السابق جو بايدن، بخيانة الدولة، مدعيا أن الوثائق التي وقعتها آلة الأوتوبن في عهده سهلت دخول المهاجرين بشكل جماعي إلى الولايات المتحدة. وآلة الأوتوبن (Autopen) في الولايات المتحدة، هي جهاز يُستخدم لتوقيع الوثائق رسميا باسم شخص معين غالبا الرئيس أو كبار المسؤولين عندما لا يكون ذلك الشخص متاحا للتوقيع بنفسه. وكتب الرئيس الأميركي على موقع "تروث سوشيال": "إلى جانب تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020، تعتبر آلة الأوتوبن، أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أميركا". وعلق ترامب قبل ذلك بأن بايدن وقع أوامر بالعفو عن 2500 شخص، بمن فيهم أقاربه، لكن تلك الأوامر ليست قانونية لأنها وقعت بواسطة الأوتوبن دون علم بايدن. ترامب اتهم مسؤولي إدارة بايدن بخيانة الدولة، واعتبر أن تلك الوثائق الموقعة بواسطة آلة الأوتوبن سهلت دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة. وكانت مصادر في الكونغرس قد ذكرت أنه جرى تحديد هوية 4 موظفين في البيت الأبيض بزعم استخدام الجهاز المذكور لتوقيع وثائق نيابة عن بايدن.