
نتنياهو يدفن مستقبل إسرائيل في رمال غزة
بقلم: عاموس يادلين وأودي أفينتال
تعبّر زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط عن رؤية أميركية - عربية مشتركة للتقدم الإقليمي والازدهار الاقتصادي والتطور التكنولوجي المتقدم وازدياد التنسيق السياسي. إسرائيل أمام فرصة تاريخية لتستقل هذا القطار السريع الذي لا ينتظر في المحطة، بعد أن ألحقت إسرائيل ضرراً عسكرياً بالغاً بأعدائها، وبنجاح كبير، وبلغ استخدام الأدوات العسكرية ذروته، خصوصاً في قطاع غزة. والآن، تقف إسرائيل عند نقطة حاسمة لترجمة الإنجازات الميدانية إلى مكاسب استراتيجية توسّع الفجوة في القوة بينها وبين أعدائها، وذلك من خلال خطوات سياسية ترسّخ العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعزز اندماجها في المنطقة وشراكاتها، كجزء من نظام إقليمي محدّث يشكل ثقلاً موازناً لإيران.
من أجل اغتنام هذه الفرصة التاريخية، على إسرائيل أن توقف الحرب في غزة، والتي تحققت أهدافها العسكرية منذ وقت طويل، بعد أن تلقت حركة «حماس» ضربة قاسية تمنعها من تكرار هجوم 7 تشرين الأول. سيتيح وقف الحرب لإسرائيل التقدم نحو صفقة شاملة لتحرير المخطوفين، وإعادة التركيز على مسار التطبيع مع السعودية، وضمان انخراط الدول العربية في حلّ مسألة غزة، واستثمار هذا التحول لتعميق التنسيق مع الولايات المتحدة بشأن المعايير التي ستوقف البرنامج النووي الإيراني وتضمن عدم تمكّن طهران من الوصول إلى سلاح نووي.
في المقابل، إذا أصرّت الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب وتوسيعها إلى ما لا نهاية، ومن دون جدوى، بذريعة السعي لتحقيق نصر كامل على «حماس»، أو بهدف إيجاد ضغط من أجل صفقة تبادُل جزئية، فإنها ستفشل في تحقيق أهداف الحرب، وستواصل إضعاف مكانة إسرائيل وتعميق عزلتها، وسيرسّخ نتنياهو موقعه كـ»مُعرقل» إقليمي. وفقاً لهذا السيناريو الذي يتبلور أمام أعيننا، قد تُقدم الولايات المتحدة ودول المنطقة على فرض إنهاء الحرب، بمبادرة منها، أو في المقابل، قد تفقد اهتمامها بقطاع غزة، وتترك إسرائيل تغوص وحيدة في هذه المشكلة، خارج صفقات الاستثمار الضخمة، والمشاريع التكنولوجية الرائدة (في مجالات الذكاء الاصطناعي، والشرائح الإلكترونية، وغيرها)، وخارج المسارات الإقليمية.
في أعقاب إصرار الحكومة على مواصلة الحرب الاختيارية، التي تفتقر إلى أيّ جدوى وطنية في غزة، يبدو أن إسرائيل، بقيادتها، تفقد السيطرة على أمنها القومي، بالتدريج، لدرجة أن حليفتها الكبرى والوحيدة، الولايات المتحدة، تفاجئها بدفع عمليات استراتيجية محورية في القطاع والمنطقة، مع تجاهُل تام للمصالح الإسرائيلية.
وفي ظلّ التخبط في الحرب على غزة، وفي أثناء زيارته للشرق الأوسط، أدار ترامب مفاوضات مباشرة مع حركة «حماس» من وراء ظهر إسرائيل، وبتجاهُل تام لها، من أجل الإفراج عن المواطنين الأميركيين الأسرى في غزة، حتى إنه توصل إلى تفاهمات إضافية مع «حماس». فطريقة الإفراج عن الجندي عِيدان ألكسندر، على الرغم من أنها حدث مُفرح بحد ذاته، فإنها تمثل ذروة جديدة لعملية تهميش إسرائيل وإبعادها عن الخطوات التي يقودها البيت الأبيض في المنطقة، ويُعد ذلك تعبيراً عن رؤية أميركية تعتبر أن السياسة الإسرائيلية لا تساهم في تحقيق الاستراتيجية التي يسعى ترامب لدفعها في الشرق الأوسط، بل تعرقلها.
إن استدعاء نتنياهو إلى البيت الأبيض لتبليغه، في اللحظة الأخيرة، أن الإدارة الأميركية دخلت في مفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي، والقرار الذي فاجأ إسرائيل بخصوص وقف الحرب مع اليمن لتقليل الخسائر، وكذلك فصل مشروع الطاقة النووية المدني في السعودية عن مسار التطبيع بينها وبين إسرائيل، أمور كلها عبارة عن إشارات تحذير ساطعة إلى التدهور المرتقب في متانة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وقد تدخل حكومة نتنياهو في مواجهة مباشرة وصدامية مع ترامب، وهو ما قد يجعله يسرّع خطواته لتشريع المشاريع النووية في كلٍّ من إيران والسعودية، من دون أخذ مواقف إسرائيل ومصالحها في الحسبان، وقد يُقدِم على خطوات ترغم إسرائيل على الانصياع، مثل وقف المساعدات العسكرية الحيوية لحرب طويلة في غزة، أو إيران، وربما يمسّ بجوانب أُخرى من العلاقات بين البلدين، بما في ذلك تآكل الالتزام الأميركي بشأن الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي. وفي هذا السياق، ربما لم تأتِ تصريحات نتنياهو من العدم خلال نقاش في لجنة الخارجية والأمن بشأن ضرورة «الفطام» عن المساعدات الأمنية الأميركية.
في المقابل، إن الموافقة على وقف الحرب في غزة ينطوي على إمكانات أكبر لتحقيق أهدافها عبر وسائل سياسية، مقارنةً باستمرارها العسكري من دون غاية أو جدوى، والذي يجرّ إسرائيل إلى الغرق في القطاع بثمن باهظ من حياة المخطوفين وجنود الجيش وأمن إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة. فإلى جانب تحرير الأسرى، تستطيع إسرائيل مطالبة إدارة ترامب، في المقابل، بضمانات جانبية شبيهة بتلك التي حصلت عليها لدى وقف إطلاق النار في لبنان، وتنص على أن إعادة إعمار غزة لن تتم إلا بالتزامن مع نزع سلاحها وإنهاء حُكم «حماس»، مع احتفاظ إسرائيل بحقها في العمل بكافة الوسائل لمنع إعادة بناء «الإرهاب» وتعاظُمه، ومحاسبة منفّذي «مجزرة» 7 تشرين الأول.
أمّا الخطة المصرية - العربية للإدارة في غزة وإعادة إعمارها، والتي تقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات، فستكون مشروطة بنزع سلاح القطاع، بموافقة دولية وإقليمية، وهو ما يعزز بشدة الضغط الشعبي على «حماس» من طرف سكان غزة. وفي ظل هذه الأوضاع، ستدخل قوات عربية إلى غزة لتحل محل «حماس»، بالتدريج، مستغلةً الضربة التي تلقّتها وضعفها، بدلاً من أن تضطر إسرائيل إلى احتلال القطاع والسيطرة عليه بشكل دائم، بكل ما يحمله ذلك من تبعات عسكرية، واقتصادية، وسياسية وأخلاقية.
في المحصلة، لا يزال في إمكان نتنياهو الظهور كقائد، ويتحرر من قبضة اليمين المتطرف المسيحاني داخل حكومته، من أجل أمن إسرائيل القومي. وعلى النقيض من ذلك، فإن توسيع الحرب في غزة من أجل «إنعاش» هذه الحكومة سياسياً، سيزج بها في عزلة إقليمية ودولية غير مسبوقة، وسيدفع الثمن من حياة الأسرى والقتلى والمصابين في صفوف جنود الجيش، النظاميين والاحتياط، ومن الموارد الوطنية والاقتصاد، ومن مكانة إسرائيل وقوتها.
عن «N12»

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ 7 ساعات
- جريدة الايام
لماذا يستكين العرب ؟!
كان يمكن للعرب وهم يعدون اثنتين وعشرين دولة عضواً في الأمم المتحدة، وبتعداد سكاني أكثر من أربعمائة مليون نسمة، وبجيوش واقتصاد وجغرافيا، مجتمعة لو كانت دولة واحدة، لكانت دولة عظمى عالمياً، دون شك، لكن حتى والعرب منقسمون على 22 دولة ونظام حاكم، كان يمكنهم أن يفعلوا شيئا مهما، بل حاسما خلال الأيام العشرة التي مضت، لجهة وقف حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام على الشعب الفلسطيني، وهو شعب من الأمة العربية، وكانت هناك مناسبتان مرتا خلال الأيام العشرة الماضية، وشكلتا مناسبتين مهمتين، لو كان القادة العرب على قدر المسؤولية القومية، لقاموا بواجبهم الذي يفرضه عليهم المنصب الذي يشغلونه، وبصلاحيات غير محدودة، ونقصد بشكل صريح مناسبتي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج العربي، كذلك مناسبة انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد. والعرب يحيطون بإسرائيل من الجهات الثلاث، وللمفارقة فإن جامعة الدول العربية التي تعتبر الإطار الجامع للعرب، قد تأسست في نفس الوقت الذي جرى فيه اغتصاب فلسطين، وإقامة الكيان الإسرائيلي بدلاً من دولة فلسطين المستقلة، وهي قلب العرب، حيث شهدت عبر التاريخ أهم الحروب التي جرت بين العرب من جهة والاحتلالات الخارجية، من مغول وبيزنطيين، ففي عين جالوت، جرت معركة العرب مع المغول بعد أن احتلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وانتصر فيها العرب بالطبع، وفي حطين انتصر صلاح الدين وحرر القدس، ووضع نهاية الاحتلال الصليبي للمشرق العربي بعد أن استمر مائتي عام، والعرب اليوم، ليسوا أقل قوة مفترضة أو على الورق، إن كان عسكريا أو اقتصاديا، وليس هناك من مقارنة سكانية بين العرب وإسرائيل، ولا من حيث المساحة الجغرافية ولا حتى من حيث القوة الاقتصادية، وباختصار يمكن القول، إنه يمكن للعرب لو أرادوا، أو لو تحققت لهم الإرادة الحرة، أن ينفخوا على إسرائيل لتطير أو تتبدد. قبل عشرة أيام جاء دونالد ترامب في جولة للشرق الأوسط، انحصرت في ثلاث دول، هي: السعودية وقطر والإمارات، وكانت تلك جولته الخارجية السياسية الأولى، وقد لوحظ أنها اقتصرت على هذه الدول الثلاث، دون أن تشمل الجولة لا إسرائيل ولا دول عربية أخرى، مثل مصر والأردن، بما أكد بوضوح، أن الرجل اختار الدول الثرية، لأن الاقتصاد يمثل بوصلة خطه السياسي، ولأنه يعتبر أن التنافس المركزي لأميركا إنما هو مع الصين، وليس مع روسيا كما كان يعتقد سلفه الديموقراطي جو بايدن، وهو حصل ما سعى إليه من الدول الخليجية الثلاث، من استثمارات بلغت عدة تريليونات من الدولارات، بما يمكن الاقتصاد الأميركي من الوقوف في وجه الاقتصاد الصيني الذي يتفوق عليه في نسبة النمو السنوي، وفي ميزان التجارة بين البلدين، ومن الطبيعي أن تكون الدول الخليجية الثلاث قد حصلت على المقابل من ترامب، لكن فيما يخص الملف الفلسطيني، وصفحته المشتعلة المتمثلة بحرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين بجناحيها قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لم يحدث أي شيء، وذلك بالرغم من تصريحات ترامب نفسه عشية زيارته تلك. قبل الزيارة أعلن ترامب أنه خلال الأيام ما بين الأربعاء والجمعة، وهي فترة وجوده في الخليج العربي متنقلا بين الدول الثلاث، سيكون هناك إعلان خاص بغزة، وكان يراهن على ما يبدو على ما يجري في الدوحة من تفاوض من الواضح تماما أنه يجري رغم أنف بنيامين نتنياهو، وذلك بعد أن قدمت حماس هديتها لترامب والمتمثلة بالإفراج عن عيدان اسكندر مزدوج الجنسية الإسرائيلية الأميركية دون مقابل، والعالم كله يعرف أن أميركا هي فقط من يمكنها أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب، خاصة بعد أن تيقن العالم كله ومنه معظم الإسرائيليين وبحكم الوقائع من أن الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لم يتم ولن يتم إلا بالتفاوض، ورغم أن إسرائيل أعلنت بشكل صريح ووقح أنها ستطلق ما تسميه «عربات جدعون» بعد انتهاء زيارة ترامب، وذلك في حال عدم التوصل للاتفاق في الدوحة، وهي تدرك أن ذلك الاتفاق لن يكون، لأن نتنياهو بات يطالب باستسلام فلسطيني تام، وليس باتفاق يحقق بعض مطالب الطرفين. أي أن الطريق كان واضحا، حتى في هذه اللحظة، وبعد مضي عام ونصف العام، لم يفعل العرب شيئا مهما أو حاسما، أو يقارب ما هم عليه من أسباب قوة افتراضية، كان يمكن لدول الخليج، أن تحصل على ثمن الاستثمارات الهائلة في أميركا من ترامب، وكان يمكنها لو طلبت منه على الأقل أن يعلن رفع يده عن إسرائيل، وأن أميركا لم تعد مع مواصلة حرب الإبادة التي ينكرها كل العالم، ونصف الإسرائيليين، وعلى الأقل كان يمكنهم أن يطلبوا منه تحذيراً واضحاً لإسرائيل، بأنها إن أقدمت على إطلاق «عربات جدعون»، فإن أميركا ستتوقف عن تزويدها بالسلاح والعتاد، وهذا أضعف الأيمان، كان يمكن في حقيقة الأمر، إعلان موقف قوي بهذا الشأن. ثم جاءت القمة في بغداد، لتجمع بعض قادة الصف الأول، وبالطبع ممثلي الاثنتين وعشرين دولة، دون أن يتجاوز الموقف ما هو معتاد منذ عشرات السنين من إدانة ورفض وبيانات ورقية لا قيمة لها، وكان يمكن بالطبع أن يعلن عن قرارات قوية مؤثرة على إسرائيل، من مثل تعليق العلاقات الدبلوماسية لخمس أو ست دول عربية لها سفراء في إسرائيل، هذا إن لم نقل طردهم، كذلك كان يمكن لكل الدول العربية حتى تلك التي ليس لها علاقات مع إسرائيل، أن تعيد التأكيد على عدم التطبيع دون الدولة الفلسطينية، هذا أولاً، وثانياً، أن العرب مجتمعين وفرادى يؤكدون على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأشكال بما في ذلك المقاومة المسلحة، فإذا كانت إسرائيل تحرق الدنيا، وتتدخل في شؤون إيران بحجة الدفاع عن أمنها، وتقول أميركا وغيرها إنها مع أمن إسرائيل، فإن العرب عليهم أن يقفوا مع فلسطين وقفة أميركا مع إسرائيل على الأقل، وكان يمكن للعرب أن يفعلوا ما يفعله اليمن من ضغط اقتصادي على كل ما يتعامل مع إسرائيل رغم شنها حرب إبادة منذ أكثر من عام ونصف العام، بأن يقاطعوا كل من يتعامل مع إسرائيل من دول، وأن يحاسبوا دول العالم على تصويتها في مجلس الأمن والجمعية العمومية. باختصار كان يمكن، وما زال ممكناً للعرب أن يفعلوا أو حتى أن يتخذوا موقفا من شأنه أن يجبر نتنياهو وما يمثله من يمين متطرف، يقف ضده نصف المجتمع الإسرائيلي نفسه، وكان يجب على القادة العرب أن يعلنوا موقف يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين الذي تشكل العام الماضي من ائتلاف حزبي العمل وميريتس، حيث قال إن إسرائيل ذاهبة لتكون دولة منبوذة عالميا على طريقة جنوب إفريقيا أيام الفصل العنصري وأن إسرائيل دولة تقتل الأطفال من باب الهواية، بل كان يمكن ويجب على العرب أن يحذو حذو الدول الأوروبية، ليس مجموعة أيرلندا، إسبانيا، بلجيكا والنرويج، بل فرنسا وبريطانيا وكندا، مع اليابان وهم دول من بين الدول السبع الكبار في الاقتصاد العالمي، الذين أعلنوا رداً على «عربات جدعون» بأنهم سيراجعون علاقاتهم التجارية مع إسرائيل، فيما تؤكد فرنسا وهي دولة عظمى، واحدة من خمس دول لها حق الفيتو في مجلس الأمن، بأنها ستعترف بدولة فلسطين الشهر القادم، رداً على الفاشية الإسرائيلية. إن إسرائيل بما هي عليه حاليا من حكومة فاشية، يمينية متطرفة، تؤكد تماما أنها تقوم بالقتل والتدمير في غزة لإجبار الناس على الذهاب لجنوب القطاع ومن ثم لدولة ثالثة، وتفعل الشيء نفسه في جنين وطولكرم بهدف التطهير العرقي تاليا، وهي تحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات للنيل، فإن لم يكن بشكل صريح فالسيطرة والنفوذ بإعادة ترتيب الشرق الأوسط، وإن لم يكن فإسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية الانتدابية، وهكذا فإنه لم يعد مجديا أن يدفن العرب رؤوسهم في التراب، ويدعي بعضهم على الأقل أن إسرائيل بحكومتها الحالية قابلة للتعايش السلمي مع الآخرين، وأن التطبيع بات نتنياهو بشركائه الفاشيين يراه نتيجة فرض الأمر الواقع، وليس نتيجة تفاوض مع أحد، وهو لأجل هذا رفض ما سعى إليه بايدن، وحتى ما كان يمكن أن يعتبره ترامب هدفه الأسمى، نقصد التطبيع مع السعودية، لأن السعودية طلبت مقابل ذلك أفقاً سياسياً في الملف الفلسطيني يفضي لحل الدولتين، ومجرد الحديث عن أفق لدولة فلسطينية رفضه نتنياهو، بل اقترح على السعودية بفظاظة أن تقيم تلك الدولة على أرضها!

جريدة الايام
منذ 7 ساعات
- جريدة الايام
إيران بين الولايات المتحدة وإسرائيل
لا يوجد رئيس أميركي منذ تم الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في آب العام 2002 لم يؤكد على أنه لن يسمح مطلقاً لإيران بامتلاك سلاح نووي. في المقابل، لم يوجد رئيس وزراء إسرائيلي منذ ذلك الوقت لم يعمل على محاولة «إجبار» الولايات المتحدة على مهاجمة هذا البرنامج وتدميره عسكرياً، أو لم يُلوح بأن إسرائيل ستقوم بذلك منفردة إن لم تقم بذلك أميركا نيابة عنها. هنالك عاملان منعا الولايات المتحدة من مهاجمة إيران عسكرياً: أولاً، لم ترغب الولايات المتحدة في أن تتورط في حرب كبيرة جديدة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن تورطت في حربين كبيرتين فيه (واحدة في أفغانستان بدأت العام 2001 وواحدة في العراق بدأت العام 2003) استهلكتا مصادر قوتها العسكرية والمالية والسياسية خلال العقد الأول من القرن العشرين. والثاني، تطوير إيران لنموذج دفاعي «فريد» عبر دعم شبكة من الحلفاء في لبنان والعراق وفلسطين ولاحقاً في اليمن، ما جعل من أي حرب قد تشنها أميركا على إيران بمثابة حرب ستكون على امتداد الشرق الأوسط. في المقابل لم تمتلك إسرائيل خلال العقد الأول من القرن العشرين الإمكانيات اللوجستية للقيام بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية لوحدها، فهي لم تمتلك لا طائرات التزود بالوقود في الجو الضرورية لإيصال طائراتها الى إيران واعادتها الى إسرائيل، وهي لم تمتلك القنابل الخارقة للتحصينات اللازمة للوصول الى أعماق الأرض لتدمير هذه المفاعلات. الولايات المتحدة اختارت العقوبات الاقتصادية على إيران بديلا للعمل العسكري، وإسرائيل استمرت في ضغوطها على الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري، في الوقت الذي كانت هي نفسها ولا زالت تحضر لعمل عسكري مُنفرد. قناعات الولايات المتحدة بضرورة الابتعاد عن أي عمل عسكري ضد إيران تعززت مع وصول الرئيس أوباما للحكم، فهو من جهة كان يرى أن أولوية أميركا يجب أن تكون مواجهة الصين وليس الغرق في حروب جديدة في الشرق الأوسط. وهو من جهة أخرى كان يرى أن مصالح أميركا في الشرق الأوسط لم تعد حيوية كما كانت سابقاً، فدولته تحولت من دولة تعتمد على النفط العربي الى دولة مُصدرة له، وأن إسرائيل يُمكنها العيش مع جيرانها العرب بسلام إن اختارت هي ذلك. لذلك فاوض أوباما إيران بعيداً عن «أعين» إسرائيل وتوصل معها الى اتفاق نووي (تم توقيعه العام 2015) يسمح لها بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم بالحدود الدنيا (بنسبة 3.67٪) وبرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تُمكنها من الاحتفاظ بمخزون عال من اليورانيوم المُخصب، وتُخفض الى حد كبير عدد أجهزتها للطرد المركزي في مفاعلاتها، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. إسرائيل رفضت الاتفاق النووي، وحرضت الكونغرس الأميركي على رفض اعتماده وإقراره (وهو ما حصل) وأصرت على ضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني كاملاً. ورغم تَغلب إسرائيل على العقبات اللوجستية التي تمنعها من الهجوم العسكري على إيران (إسرائيل امتلكت هذه القدرات بحلول العام 2012) إلا أن قادتها العسكريين أوصوا بعدم القيام بعمل عسكري ضد إيران بشكل منفرد خوفاً من أن يقوم حلفاء إيران، وتحديداً حزب الله، بهجوم صاروخي واسع على إسرائيل انتقاما من أي هجوم على إيران. الرئيس ترامب خرج من الاتفاق النووي مع إيران العام 2018 واستعاض عنه بممارسة سياسة العقوبات الاقتصادية القصوى عليها. بينما استمرت إسرائيل في ممارسة سياسات الضغوط القصوى على الولايات المتحدة لمهاجمة إيران عسكرياً لتدمير برنامجها النووي. اليوم الصورة كالتالي: الرئيس ترامب يريد اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران وهو يفاوضها منذ شهرين من أجل ذلك، لكن مُشكلته أن أي اتفاق نووي جديد لن يكون مُختلفاً عن الاتفاق الذي مَزقه العام 2018. إيران تُصر على الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم بالحدود الدنيا التي كانت موجودة في الاتفاق السابق مع أوباما. وهي ترفض أي نقاش لبرنامجها الصاروخي، كما ترفض الحديث عن سياساتها الإقليمية (دعمها لحلفائها). مُشكلة ترامب أنه يريد اتفاقاً نووياً مع إيران مُختلفاً عن الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما معها، لكنه لا يستطيع الحصول عليه لأن إيران ترفض تجريدها من حقها في تخصيب اليورانيوم، ولو شاءت ذلك، لما «عاندت» طوال عقدين من الزمان، ولكانت قد قبلت برفع العقوبات الاقتصادية عنها مقابل تخليها عن هذا الحق. في نفس الوقت، ترامب لا يريد أن يتورط في حرب على إيران يَعلم جيداً أنها قد تفرض عليه ارسال مئات الآلاف من جنوده لمنطقة الشرق الأوسط لحسمها وبما يعيد ترتيب أولويات الولايات المتحدة بعيداً عن مواجهة الصين وسياسة «أميركا أولاً». إسرائيل من جانبها ترى أن هنالك فرصة لتدمير البرنامج النووي الإيراني بالوسائل العسكرية. هي تعتقد أن الأسباب التي كانت تمنعها من مهاجمة البرنامج النووي الإيراني قد اختفت (خروج حزب الله من المواجهة العسكرية بعد الحرب الأخيرة). وهي تعتقد أن تكريس هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط سورية في أيدي قوى غير معادية لإسرائيل، تتطلب ضرب وإضعاف القوة الوحيدة الباقية في المنطقة والمعادية لها وهي إيران. وهي فوق ذلك، تريد تتويج نتائج معركة طوفان الأقصى بالانتصار على إيران لما لذلك من حسابات إستراتيجية أمنية وشخصية أيضا (نتنياهو يريد القول بأن الذكرى التي يتركها لدولته ليست فشله يوم السابع من أكتوبر ولكن تدميره لبرنامج إيران النووي). من هنا يوجد إصرار إسرائيلي على تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وهي على استعداد للذهاب الى آخر الطريق من أجل ذلك بما في ذلك مهاجمة إيران مُنفردة. لكن، في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة- ترامب، ما تريده إسرائيل، هي لا تريد أن تصل المواجهة مع إيران الى الحرب. هذه هي عقدة الرئيس ترامب. أما كيف سيقوم بحلها، فلا أحد يعلم على وجه اليقين: هو لا يريد أن يتورط في حرب، وهو لا يريد اتفاقاً نووياً شبيهاً بالاتفاق السابق الذي كان مع الرئيس أوباما (وهو أكثر ما يُمكن لإيران أن تُقدمه له)، وهو لا يريد مواجهة علنية مع حليفته إسرائيل حول إيران. قناعتي بان الرئيس ترامب سيعود الى سياسة العقوبات القصوى تاركاً لإسرائيل أن تقرر لنفسها إن كانت تريد الذهاب لمواجهة مفتوحة مع إيران لوحدها، وهو ما يعني أن احتمالات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية قائمة وبقوة. على الطرف الآخر، إيران اليوم ليست إيران العام 2003. هي أصبحت تمتلك قوة صاروخية هائلة قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأميركية في كامل منطقة الشرق الأوسط وقادرة على ضرب إسرائيل بقوة كبيرة كما شاهدنا في نيسان وأيلول من العام الماضي. وهي تمتلك برنامجاً نووياً متقدماً جداً بإمكانها تحويله من برنامج سلمي الى برنامج عسكري بسرعة كبيرة إذا وصلت لقناعة أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستقوم بمهاجمتها عسكرياً. وإيران تمتلك مخزوناً كبيراً من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60٪ يَقول الخبراء بأنه يكفي لإنتاج ست قنابل نووية في بضعة أسابيع إن قررت رفع نسبة تخصيبه الى 90٪ وهي النسبة المئوية المطلوبة لصناعة السلاح النووي. ووفق تقارير الخبراء أيضاً، في العام 2006 كانت إيران تمتلك 3000 جهاز طرد مركزياً، وفي العام 2009 أصبحت تمتلك 8000 جهاز، أما عشية توقيع الاتفاق النووي مع أوباما، فقد كانت تمتلك 19000 جهاز طرد مركزي. باختصار، أميركا- ترامب في مأزق. هي تريد ما تريده إسرائيل لكنها لا تريد الذهاب الى الحرب من أجل إسرائيل. والأخيرة تريد الحرب وتسعى لها بكل الطرق حتى لو ذهبت اليها مُنفردة. لكن أي حرب إن حدثت لن تكون نتائجها كما تريد إسرائيل، فهي قد تدفع إيران لامتلاك السلاح النووي، كما أن ردها بما تمتلكه من قوة صاروخية سيكون أيضاً مؤلماً وبشكل كبير لإسرائيل.

جريدة الايام
منذ 7 ساعات
- جريدة الايام
تاريخ النشر: 23 أيار 2025
كان يمكن للعرب وهم يعدون اثنتين وعشرين دولة عضواً في الأمم المتحدة، وبتعداد سكاني أكثر من أربعمائة مليون نسمة، وبجيوش واقتصاد وجغرافيا، مجتمعة لو كانت دولة واحدة، لكانت دولة عظمى عالمياً، دون شك، لكن حتى والعرب منقسمون على 22 دولة ونظام حاكم، كان يمكنهم أن يفعلوا شيئا مهما، بل حاسما خلال الأيام العشرة التي مضت، لجهة وقف حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام على الشعب الفلسطيني، وهو شعب من الأمة العربية، وكانت هناك مناسبتان مرتا خلال الأيام العشرة الماضية، وشكلتا مناسبتين مهمتين، لو كان القادة العرب على قدر المسؤولية القومية، لقاموا بواجبهم الذي يفرضه عليهم المنصب الذي يشغلونه، وبصلاحيات غير محدودة، ونقصد بشكل صريح مناسبتي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج العربي، كذلك مناسبة انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد. والعرب يحيطون بإسرائيل من الجهات الثلاث، وللمفارقة فإن جامعة الدول العربية التي تعتبر الإطار الجامع للعرب، قد تأسست في نفس الوقت الذي جرى فيه اغتصاب فلسطين، وإقامة الكيان الإسرائيلي بدلاً من دولة فلسطين المستقلة، وهي قلب العرب، حيث شهدت عبر التاريخ أهم الحروب التي جرت بين العرب من جهة والاحتلالات الخارجية، من مغول وبيزنطيين، ففي عين جالوت، جرت معركة العرب مع المغول بعد أن احتلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وانتصر فيها العرب بالطبع، وفي حطين انتصر صلاح الدين وحرر القدس، ووضع نهاية الاحتلال الصليبي للمشرق العربي بعد أن استمر مائتي عام، والعرب اليوم، ليسوا أقل قوة مفترضة أو على الورق، إن كان عسكريا أو اقتصاديا، وليس هناك من مقارنة سكانية بين العرب وإسرائيل، ولا من حيث المساحة الجغرافية ولا حتى من حيث القوة الاقتصادية، وباختصار يمكن القول، إنه يمكن للعرب لو أرادوا، أو لو تحققت لهم الإرادة الحرة، أن ينفخوا على إسرائيل لتطير أو تتبدد. قبل عشرة أيام جاء دونالد ترامب في جولة للشرق الأوسط، انحصرت في ثلاث دول، هي: السعودية وقطر والإمارات، وكانت تلك جولته الخارجية السياسية الأولى، وقد لوحظ أنها اقتصرت على هذه الدول الثلاث، دون أن تشمل الجولة لا إسرائيل ولا دول عربية أخرى، مثل مصر والأردن، بما أكد بوضوح، أن الرجل اختار الدول الثرية، لأن الاقتصاد يمثل بوصلة خطه السياسي، ولأنه يعتبر أن التنافس المركزي لأميركا إنما هو مع الصين، وليس مع روسيا كما كان يعتقد سلفه الديموقراطي جو بايدن، وهو حصل ما سعى إليه من الدول الخليجية الثلاث، من استثمارات بلغت عدة تريليونات من الدولارات، بما يمكن الاقتصاد الأميركي من الوقوف في وجه الاقتصاد الصيني الذي يتفوق عليه في نسبة النمو السنوي، وفي ميزان التجارة بين البلدين، ومن الطبيعي أن تكون الدول الخليجية الثلاث قد حصلت على المقابل من ترامب، لكن فيما يخص الملف الفلسطيني، وصفحته المشتعلة المتمثلة بحرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين بجناحيها قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لم يحدث أي شيء، وذلك بالرغم من تصريحات ترامب نفسه عشية زيارته تلك. قبل الزيارة أعلن ترامب أنه خلال الأيام ما بين الأربعاء والجمعة، وهي فترة وجوده في الخليج العربي متنقلا بين الدول الثلاث، سيكون هناك إعلان خاص بغزة، وكان يراهن على ما يبدو على ما يجري في الدوحة من تفاوض من الواضح تماما أنه يجري رغم أنف بنيامين نتنياهو، وذلك بعد أن قدمت حماس هديتها لترامب والمتمثلة بالإفراج عن عيدان اسكندر مزدوج الجنسية الإسرائيلية الأميركية دون مقابل، والعالم كله يعرف أن أميركا هي فقط من يمكنها أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب، خاصة بعد أن تيقن العالم كله ومنه معظم الإسرائيليين وبحكم الوقائع من أن الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لم يتم ولن يتم إلا بالتفاوض، ورغم أن إسرائيل أعلنت بشكل صريح ووقح أنها ستطلق ما تسميه «عربات جدعون» بعد انتهاء زيارة ترامب، وذلك في حال عدم التوصل للاتفاق في الدوحة، وهي تدرك أن ذلك الاتفاق لن يكون، لأن نتنياهو بات يطالب باستسلام فلسطيني تام، وليس باتفاق يحقق بعض مطالب الطرفين. أي أن الطريق كان واضحا، حتى في هذه اللحظة، وبعد مضي عام ونصف العام، لم يفعل العرب شيئا مهما أو حاسما، أو يقارب ما هم عليه من أسباب قوة افتراضية، كان يمكن لدول الخليج، أن تحصل على ثمن الاستثمارات الهائلة في أميركا من ترامب، وكان يمكنها لو طلبت منه على الأقل أن يعلن رفع يده عن إسرائيل، وأن أميركا لم تعد مع مواصلة حرب الإبادة التي ينكرها كل العالم، ونصف الإسرائيليين، وعلى الأقل كان يمكنهم أن يطلبوا منه تحذيراً واضحاً لإسرائيل، بأنها إن أقدمت على إطلاق «عربات جدعون»، فإن أميركا ستتوقف عن تزويدها بالسلاح والعتاد، وهذا أضعف الأيمان، كان يمكن في حقيقة الأمر، إعلان موقف قوي بهذا الشأن. ثم جاءت القمة في بغداد، لتجمع بعض قادة الصف الأول، وبالطبع ممثلي الاثنتين وعشرين دولة، دون أن يتجاوز الموقف ما هو معتاد منذ عشرات السنين من إدانة ورفض وبيانات ورقية لا قيمة لها، وكان يمكن بالطبع أن يعلن عن قرارات قوية مؤثرة على إسرائيل، من مثل تعليق العلاقات الدبلوماسية لخمس أو ست دول عربية لها سفراء في إسرائيل، هذا إن لم نقل طردهم، كذلك كان يمكن لكل الدول العربية حتى تلك التي ليس لها علاقات مع إسرائيل، أن تعيد التأكيد على عدم التطبيع دون الدولة الفلسطينية، هذا أولاً، وثانياً، أن العرب مجتمعين وفرادى يؤكدون على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأشكال بما في ذلك المقاومة المسلحة، فإذا كانت إسرائيل تحرق الدنيا، وتتدخل في شؤون إيران بحجة الدفاع عن أمنها، وتقول أميركا وغيرها إنها مع أمن إسرائيل، فإن العرب عليهم أن يقفوا مع فلسطين وقفة أميركا مع إسرائيل على الأقل، وكان يمكن للعرب أن يفعلوا ما يفعله اليمن من ضغط اقتصادي على كل ما يتعامل مع إسرائيل رغم شنها حرب إبادة منذ أكثر من عام ونصف العام، بأن يقاطعوا كل من يتعامل مع إسرائيل من دول، وأن يحاسبوا دول العالم على تصويتها في مجلس الأمن والجمعية العمومية. باختصار كان يمكن، وما زال ممكناً للعرب أن يفعلوا أو حتى أن يتخذوا موقفا من شأنه أن يجبر نتنياهو وما يمثله من يمين متطرف، يقف ضده نصف المجتمع الإسرائيلي نفسه، وكان يجب على القادة العرب أن يعلنوا موقف يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين الذي تشكل العام الماضي من ائتلاف حزبي العمل وميريتس، حيث قال إن إسرائيل ذاهبة لتكون دولة منبوذة عالميا على طريقة جنوب إفريقيا أيام الفصل العنصري وأن إسرائيل دولة تقتل الأطفال من باب الهواية، بل كان يمكن ويجب على العرب أن يحذو حذو الدول الأوروبية، ليس مجموعة أيرلندا، إسبانيا، بلجيكا والنرويج، بل فرنسا وبريطانيا وكندا، مع اليابان وهم دول من بين الدول السبع الكبار في الاقتصاد العالمي، الذين أعلنوا رداً على «عربات جدعون» بأنهم سيراجعون علاقاتهم التجارية مع إسرائيل، فيما تؤكد فرنسا وهي دولة عظمى، واحدة من خمس دول لها حق الفيتو في مجلس الأمن، بأنها ستعترف بدولة فلسطين الشهر القادم، رداً على الفاشية الإسرائيلية. إن إسرائيل بما هي عليه حاليا من حكومة فاشية، يمينية متطرفة، تؤكد تماما أنها تقوم بالقتل والتدمير في غزة لإجبار الناس على الذهاب لجنوب القطاع ومن ثم لدولة ثالثة، وتفعل الشيء نفسه في جنين وطولكرم بهدف التطهير العرقي تاليا، وهي تحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات للنيل، فإن لم يكن بشكل صريح فالسيطرة والنفوذ بإعادة ترتيب الشرق الأوسط، وإن لم يكن فإسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية الانتدابية، وهكذا فإنه لم يعد مجديا أن يدفن العرب رؤوسهم في التراب، ويدعي بعضهم على الأقل أن إسرائيل بحكومتها الحالية قابلة للتعايش السلمي مع الآخرين، وأن التطبيع بات نتنياهو بشركائه الفاشيين يراه نتيجة فرض الأمر الواقع، وليس نتيجة تفاوض مع أحد، وهو لأجل هذا رفض ما سعى إليه بايدن، وحتى ما كان يمكن أن يعتبره ترامب هدفه الأسمى، نقصد التطبيع مع السعودية، لأن السعودية طلبت مقابل ذلك أفقاً سياسياً في الملف الفلسطيني يفضي لحل الدولتين، ومجرد الحديث عن أفق لدولة فلسطينية رفضه نتنياهو، بل اقترح على السعودية بفظاظة أن تقيم تلك الدولة على أرضها!