
البرلمان المصري يتراجع عن دعم " الإفتاء" ويوافق للأزهر على تعديلات "الفتوى الشرعية"
في مشهد يعكس توازنات دقيقة بين المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي والدولة المصرية، وافق
مجلس النواب المصري
، خلال جلسته العامة اليوم الأحد، على سلسلة من التعديلات المقترحة من الأزهر الشريف على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، بعد اجتماع طارئ عقدته هيئة كبار العلماء، وسط تراجع واضح عن الصيغة الحكومية الأولية التي أثارت اعتراض الأزهر. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها الأزهر من فرض رؤيته على السلطة التنفيذية والتشريعية، فقد سبق أن اعترض عام 2020 على مشروع قانون "دار الإفتاء"، الذي كان يمنح الدار استقلالًا تشريعيًّا وإداريًّا عن الأزهر، في خطوة اعتبرتها الهيئة العليا للمؤسسة الدينية استهدافًا مباشرًا لدورها التاريخي مصدرًا أول للفتوى. وفي أعقاب انتقادات حادة من هيئة كبار العلماء آنذاك، اضطرت الحكومة إلى سحب المشروع.
السيناريو نفسه تكرر مع مشروع قانون "تنظيم إصدار الفتوى الشرعية"، الذي قُدّم بصيغة تمنح وزارة الأوقاف ودار الإفتاء أدوارًا موازية أو متقاطعة مع هيئة كبار العلماء، من دون اشتراط العودة إليها في منح التراخيص أو ضبط معايير الإفتاء، ما اعتبره الأزهر تقليصًا لمرجعيته الدينية. لكن الأزهر، عبر وكيله محمد الضويني، تقدم بحزمة تعديلات أعادت تثبيت موقعه المرجعي، حظيت بقبول واسع داخل البرلمان.
ومن أبرز التعديلات التي أُقرت، تعديل المادة 9 لتنص على أن تصدر اللائحة التنفيذية للقانون بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الأزهر فقط، بعد أن كانت النصوص الأولية تنص على عرض مشترك مع دار الإفتاء ووزارة الأوقاف. كما نص التعديل على تشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء لإعداد اللائحة، تضم وزير الأوقاف ووكيل الأزهر ومفتي الجمهورية.
تقارير عربية
التحديثات الحية
شيخ الأزهر يطلب مشاركته بجلسة برلمانية لصد مخطط حكومي
وأوضح البرلماني محمد الضويني أن "فلسفة التعديل قائمة على احترام الأزهر من قبل جميع المؤسسات الدينية، باعتباره الجهة المرجعية"، مشيرًا إلى أن "تمثيل الأوقاف ودار الإفتاء محفوظ داخل لجنة إعداد اللائحة، وهو ما يعزز التنسيق دون المساس بمكانة الأزهر". وفي الجلسة، عبّر نواب محسوبون على النظام عن دعمهم لمقترحات الأزهر، رغم دفاعهم في الجلسة نفسها عن المشروع في صورته الأولى. وقال النائب عمرو درويش، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن "القانون يأتي في توقيت بالغ الأهمية، ويعيد لمصر مكانتها كمنبر رئيسي للإسلام الوسطي"، محذرًا من قنوات ومنصات تبث فتاوى متطرفة وغير منضبطة تستهدف الشباب.
أما النائب إبراهيم المصري، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي، فرأى أن "القانون يمثل نقلة نوعية"، إذ "ينظم الجهات المختصة بالإفتاء ويواجه الفكر المتطرف ضمن إطار قانوني يتفق مع الشريعة الإسلامية". النائب الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان، أشار إلى أن الفوضى في الفتوى صارت أمرًا لا يمكن التغاضي عنه، وأن "وجود معايير واضحة للإفتاء يشبه في أهميته التخصص في الطب، فلا يجوز أن يقتحم غير المؤهلين هذا المجال".
وكان اللافت في هذه الجلسة لم يكن فقط استجابة النواب، بل ما أظهره وزير الأوقاف أسامة الأزهري من توافق تام مع رؤية الأزهر. ففي رده على التعديلات، قال: "يشرفني قبول مقترح الأزهر. خير من يمثل المؤسسات الدينية هو شيخ الأزهر الشريف"، مؤكدًا أن الوزارة ستظل "ابنة بارة للأزهر الشريف". كما وافق المفتي السابق علي جمعة، رئيس اللجنة الدينية والمؤيد للمشروع الذي رفضه البرلمان، على جميع التعديلات، قائلاً إن المؤسسات الدينية في مصر "تضرب النموذج في وحدة الكلمة والتنسيق بينها لمصلحة البلاد والعباد".
ولم يكن ما حدث في البرلمان مجرد تمرير تعديلات على مشروع قانون، بل إعادة تثبيت لمكانة الأزهر مؤسسةً دينية مرجعية في الدولة، بعد محاولات سابقة لإعادة توزيع الأدوار بين مؤسسات أخرى، خصوصًا دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، في سياق ما وُصف سابقًا بـ"إعادة هيكلة الخطاب الديني". وبحسب مراقبين، يبدو أن الدولة، في هذه المرحلة، اختارت تحاشي الاصطدام مع الأزهر، خصوصًا أن القانون في صيغته النهائية لا يقطع الطريق على التنسيق مع باقي المؤسسات، لكنه يؤكد أن الكلمة الأولى والأخيرة تظل لهيئة كبار العلماء.
ويأتي انتصار الأزهر الأخير في ملف تنظيم الفتوى الشرعية ليُعيد إلى الواجهة صراعًا خفيًّا لكنه مستمر بينه وبين مؤسسات الدولة حول المرجعية الدينية العليا في البلاد. فمنذ سنوات، تتكرر المواجهات بين الأزهر والمؤسسة التنفيذية والتشريعية في قضايا حساسة تمسّ العقيدة والفتوى والمجال العام، من أبرزها الجدل الذي تفجّر عام 2017 حول مسألة "الطلاق الشفهي"، حين دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار قانون يُبطل وقوع الطلاق إلا بالتوثيق الرسمي، في خطوة رآها البعض حينها جزءاً من مشروع أوسع لتحديث التشريعات الدينية.
وبرزت ملامح التوتر بين الأوقاف والأزهر في مشروع قانون دار الإفتاء عام 2020، الذي سعت الحكومة من خلاله إلى منح دار الإفتاء استقلالًا ماليًّا وإداريًّا عن الأزهر، وهو ما رفضته هيئة كبار العلماء واعتبرته "تغولًا على اختصاص الأزهر"، ما أجبر الحكومة في نهاية المطاف على سحب المشروع، في سابقة برلمانية لافتة تعكس حجم نفوذ الأزهر حين يقرر المواجهة.
وتُظهر الوقائع مجتمعة أن علاقة الأزهر بالدولة ليست على مسار مستقيم، بل قائمة على الشد والجذب، تتداخل فيها الحسابات السياسية والدينية. وفي حين تسعى الدولة إلى إحكام السيطرة على المجال الديني لأغراض تتعلق بالضبط الاجتماعي والأمني، يتمسك الأزهر بدوره التاريخي بوصفه "ضمير الأمة"، ويقاوم محاولات تطويعه ضمن جهاز الدولة التنفيذي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 2 دقائق
- مباشر
تعلن شركة مصنع عسق للبلاستيك لمساهميها عن بداية التصويت الالكتروني على بنود الجمعية العامة الغير عادية (الاجتماع الأول ) (إعلان تذكيري)
بند توضيح تفاصيل الإعلان إشارة الي إعلان شركة مصنع عسق للبلاستيك على موقع تداول بتاريخ 06/05/2025م بخصوص دعوة مساهميها لحضور اجتماع الجمعية العامة الغير عادية (الاجتماع الأول) والمقرر عقده بمشيئة الله تعالى في تمام الساعة (19:45) يوم الثلاثاء بتاريخ 29/11/1446هـ الموافق 27/05/2025م في مقر الشركة الرئيسي الواقع بمدينة سدير للصناعة والأعمال وذلك عن طريق وسائل التقنية الحديثة - باستخدام خدمات تداولاتي. ويسر الشركة تذكير مساهميها الكرام المسجلين في خدمات تداولاتي بأن التصويت الكترونيا عن بعد على بنود الجمعية بدأ من الساعة 1:00صباحاً يوم الجمعة بتاريخ 25/11/1446هـ الموافق 23/05/2025 وحتى نهاية وقت انعقاد الجمعية , علماً بأن التسجيل والتصويت في خدمات تداولاتي متاحاً ومجاناً لجميع المساهمين باستخدام الرابط التالي : ونود الإحاطة بأنه سيكون هناك بث مباشر للجمعية وذلك عن طريق الرابط المتاح في نظام تداولاتي وفي حال وجود استفسار نأمل التواصل مع علاقات المساهمين عبر وسائل التواصل التالية : - الهاتف : 0559251726


أخبار مصر
منذ 3 دقائق
- أخبار مصر
البحث بالذكاء الاصطناعي في جوجل يثير انتقادات كُبرى
البحث بالذكاء الاصطناعي في جوجل يثير انتقادات كُبرى أعلنت جوجل حديثًا خلال مؤتمرها الأخير Google I/O 2025 بدء إطلاق وضع الذكاء الاصطناعي AI Mode في محرك بحثها، كما بدأت توسيع ميزة ملخصات الذكاء الاصطناعي AI Overviews في نتائج البحث حول العالم، وقد أثار ذلك موجات انتقادات عنيفة للشركة.ووجّه تحالف وسائل الإعلام والأخبار News/Media Alliance، الذي يمثل كبرى المؤسسات الإخبارية والإعلامية في الولايات المتحدة، انتقادات حادة إلى جوجل على خلفية توسيع نطاق وضع الذكاء الاصطناعي AI Mode، الذي يقدّم للمستخدمين واجهة تعتمد على الذكاء الاصطناعي بدلًا من نتائج البحث التقليدية.وفي بيان رسمي، وصف التحالف الميزة الجديدة بأنها تحرم الناشرين من الزيارات والعائدات ، متهمًا جوجل باستخدام المحتوى دون إذن أو مقابل.وبدأ وضع الذكاء الاصطناعي الظهور في محرك بحث جوجل في تبويب جديد داخل صفحة البحث، وهو يقدم ردًا مولّدًا بالذكاء الاصطناعي إلى جانب قائمة من الروابط ذات الصلة بالاستعلام البحثي.وقالت دانييل كوفي، الرئيسة التنفيذية للتحالف: لقد كانت الروابط آخر ما تبقى من مزايا البحث التي توفّر للناشرين زيارات وإيرادات. أما الآن، فتأخذ جوجل المحتوى بالقوة،…..لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر 'إقرأ على الموقع الرسمي' أدناه


حضرموت نت
منذ 3 دقائق
- حضرموت نت
تنفيذي المنصورة يناقش إستعدادات المديرية لإستقبال عيد الأضحى المبارك
ناقش المكتب التنفيذي بمديرية المنصورة العاصمة عدن، في إجتماعه، الذي عقد اليوم 'الخميس'، برئاسة مدير عام المديرية، أحمد علي الداؤودي، إستعدادات المديرية لإستقبال عيد الأضحى المبارك. واستعرض الإجتماع، خطط مكاتب الصحة والنظافة والصرف الصحي والأجهزة الأمنية والجهات المعنية خلال إجازة العيد. وأكد الإجتماع، الحرص على توفير الخدمات للمواطنين ومنها معالجة مشاكل الصرف الصحي والنظافة وإشكاليات الإزدحامات المرورية التي ستشهدها الشوارع العامة والمتنفسات في المديرية. وخلال الإجتماع، شدد مدير عام المنصورة، أحمد الداؤودي، على مضاعفة الجهود والعمل بروح الفريق الواحد لتحسين مستوى الخدمات وتهيئة الأجواء العيدية وتوفير سبل الراحة والطمأنينة لمواطني المديرية وزوارها خلال إجازة عيد الأضحى المبارك.