logo
سقوط إسرائيل قبل بلوغها ثمانين عاما

سقوط إسرائيل قبل بلوغها ثمانين عاما

بوابة الأهرام١٩-٠٤-٢٠٢٥

لا توجد دولة فى العالم تعيش الخوف من مدى إمكانية استمرار وجودها فى المستقبل مثل إسرائيل وتملَّك التيار العلمانى واللادينى فكرة عدم بقائها واستند فى ذلك إلى الوقائع التاريخية لتكون جدلية بقاء الدولة وعمرها الافتراضي، وهذا ما تكشف بوضوح خلال السنوات الأخيرة فى تصريحات قادة إسرائيل ومفكريها بعيدا عن المهتمين بنبوءات التيارات الدينية ونصوصها، وأصبح يُعرف كما يقول الكاتب الفلسطينى الدكتور عبدالله معروف تحت مُسمَّى «لعنة العقد الثامن» والتى ترجع فكرتها إلى رواية يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودى السياسي، وهى أن عامة اليهود أقاموا لأنفسهم بفلسطين على مدى التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وتهاوى كلاهما وسقطا فى عقدهما الثامن من عمرهما، ولم يقُم لليهود بعدهما أى كيان مستقل سياسيا بفلسطين على مدار التاريخ حتى قيام دولة إسرائيل الحالية عام 1948، وهى حاليا فى منتصف عقدها الثامن، وهذا ما يُعاظم تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين أن تلحق بإسرائيل هذه «اللعنة» التى ترتبط بالانقسام المجتمعي، وهو ما تشهده إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبدأ يأخذ طابع التفسخ وتطورات ما يعرف باسم «الانقلاب القضائي» فى عهد حكومة «نيتانياهو» اليمينية قبل معركة «طوفان الأقصي» التى لم تسهم كما يذكر الدكتور عبدالله معروف فى توحيد المجتمع الإسرائيلي، ولكنها زادت فى انقسامه احتجاجا على فشل الحكومة فى إدارة المعركة، والتعامل مع ملف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين فى غزة، كما أن غُبار المعركة لم يمنع استمرار وتداول موضوع لعنة العقد الثامن فى وسائل الإعلام لدى الإسرائيليين، ومازالت بعض المواقع وصفحات التواصل الاجتماعى تتناول هذه القضية بمزيد من الخوف والشك فى نتائج هذه الحرب التى فاجأت إسرائيل وجعلتها فى موقع مُتلقى الضربة الأولي، مما يجعل المراقب الإسرائيلى العادى يشعر بأن فكرة «لعنة العقد الثامن» حقيقة.. وقد ربطت بعض التيارات الدينية المتشددة والمعارضة لقيام إسرائيل ذلك بنصوص دينية للتخوف على مستقبل إسرائيل.
ويضيف الكاتب الفلسطينى أنه من المفارقات فى هذا المجال أن لعنة العقد الثامن عرفتها شعوب أخري، بداية من الاتحاد السوفيتى الذى سقط فى عقده الثامن، إلى الجمهورية الفرنسية الثالثة التى سقطت تحت الاحتلال الألمانى فى عقدها الثامن أيضا وغيرهم.. ويُرجع المؤرخون ذلك إلى أن العقد الثامن فى العادة يكون مرحلة حساسة فى تاريخ أى دولة، تبعا لكونه مرحلة ذروة حياة الجيل الثالث الذى لا يأخذ فكرة إمكانية انهيار مشروع الدولة على محمل الجد، ويلتفت أكثر لتناول المشاكل الداخلية وتعميقها بما يؤدى لاحقا لإضعاف الدولة كليا بسبب تفسخ المجتمع وتمحوره حول مشاكله، ويُدلل الدكتور عبدالله معروف على ما ذكره قائلا: شاهدت محاضرة مُسجلة بالفيديو للكاتب العراقى محمد أحمد الراشد، تناول فيها قصة حول جارتهم اليهودية العراقية عام 1948، وقد جاءت لبيتهم وهى تبكى بسبب قيام دولة إسرائيل، وقالت لوالدته: «إن هذه الدولة ستدوم 76 سنة». وأضاف.. وفى لقاء على إحدى القنوات العربية مع مؤسس حركة حماس وزعيمها الروحى الشيخ «أحمد ياسين» يقول إنه يرى من خلال الاستشفافات التاريخية والقرآنية، أن إسرائيل لن ترى السنة الثمانين وأعطاها حتى عام 2027، ويأتى اليوم «إيهود باراك وبنيامين نيتانياهو ونفتالى بينيت»، وكلهم شغلوا منصب رئيس الوزراء ليقولوا «إن أمام إسرائيل تحديًا كبيرا يتمثل فى مدى إمكانية وصولها إلى «سن» الثمانين.
ويبقى من الثابت أن النبوءات مسألة جاذبة للشعوب وحامية لأصحابها، سواء القائمة على النصوص المقدسة أو الشخصيات المتخصصة، أو على النظرة العامة للتاريخ وقوانينه وأسلوب مساره، فإن الجامع بينها تمسك الشعوب بها، ورغبة بعضهم فى تحقيقها، وخوف آخرين من حتميتها، لدرجة الشلل والعجز، والذى يؤدى فى النهاية لتحويلها إلى حقيقة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

توتر غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي بسبب الرهائن وطلب عاجل من عائلات الأسرى
توتر غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي بسبب الرهائن وطلب عاجل من عائلات الأسرى

مصرس

timeمنذ ساعة واحدة

  • مصرس

توتر غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي بسبب الرهائن وطلب عاجل من عائلات الأسرى

كشفت القناة 12 الإسرائيلية، في تقرير لها أمس السبت، عن تصاعد التوتر بشكل غير مسبوق بين دافيد زيني، رئيس جهاز الشاباك الجديد، ورئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، على خلفية إدارة ملف الأسرى لدى "حماس". توتر متصاعد بين رئيس الشاباك ورئيس الأركان الإسرائيليوجاء في تقرير القناة أن زيني أدلى بتصريحات حادة خلال اجتماع مغلق في هيئة الأركان العامة، حيث قال: "أنا ضد صفقات الرهائن، هذه حرب أبدية"، وهو ما أثار موجة من الاستياء في أوساط عائلات المختطفين.وأشار التقرير إلى أن هذه التصريحات لم تكن الأولى من نوعها، فقد نقل عن مشاركين في اجتماع سابق عُقد في القيادة الجنوبية أن زيني وجه انتقادا صريحا لهاليفي، قائلًا: "أنت تعطي الأولوية لإعادة الرهائن على تدمير "حماس"، مما أدى إلى نشوب مشادة كلامية بين الطرفين، وفق التقرير. زيني لا يهتم بملف الرهائنوأعربت مصادر أمنية مطلعة عن قلقها من توجهات زيني، مشيرة إلى أنه "لا يأخذ قضية الرهائن بالحسبان"، في تناقض مع نهج الجيش القائم على التوازن بين الضغط العسكري والحفاظ على حياة المختطفين.وقال أحد المسئولين الأمنيين للقناة 12 إن "زيني كان من بين الأقلية في هيئة الأركان التي عارضت صفقات تبادل الأسرى، ولم يكن لصوته تأثير يُذكر حتى الآن. لكن تعيينه رئيسا للشاباك قد يغير هذا الواقع". عائلات الأسرى: تصريحات زيني خطيرة وتستوجب الإدانةمن جانبها، جاءت ردود الفعل الغاضبة من عائلات المختطفين، حيث طالبت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة بتوضيح عاجل من الحكومة، معتبرة أن تصريحات زيني "خطيرة وتستوجب الإدانة".وجاء في بيان لعائلات الأسرى: "إذا كانت هذه التصريحات صحيحة، فهي تمثل خرقا أخلاقيا يمسّ بالقيم الإنسانية ويسيء إلى الشعب الإسرائيلي بأسره. نطالب بإعادة النظر فورا في تعيينه".رئيس حزب إسرائيلي: ديفيد زيني غير مناسب لمنصب رئيس الشاباكبعد ساعات من تعيينه، رئيس أركان الاحتلال يستدعي رئيس الشاباك الجديد ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا

«العمى العظيم» والمقاومة تحت السيطرة!
«العمى العظيم» والمقاومة تحت السيطرة!

بوابة الأهرام

timeمنذ ساعة واحدة

  • بوابة الأهرام

«العمى العظيم» والمقاومة تحت السيطرة!

فى كتابه الذى نشر أول مرة عام 2009، تحت عنوان «العمى العظيم» وأعيد طباعته مؤخرا، يشرح تشارلز إندرلان مراسل التليفزيون الفرنسى فى اسرائيل 25 عاماً، كيف ان بنيامين نيتانياهو شخص يحب اللعب بالنار. ويواصل استراتيجية أسلافه منذ عودته إلى السلطة عام 2009، فى منع إنشاء دولة فلسطينية، وهى سياسة وافقت هوى الراديكالية اليهودية وقادة الاستيطان، وقادت إسرائيل إلى أكبر هزيمة عسكرية وسياسية منذ إنشائها بعد هزيمة السادس من أكتوبر 1973. الكتاب يشمل عددا ضخما من المواقف والقصص الحصرية التى عايشها شخصياً المؤلف توضح الحسابات الخاطئة، و»العمى» الذى أصاب القادة الإسرائيليين فى مواجهة العدو، الذى أسسوا قواعده، وبدأ العمى عندما اعتقد الإسرائيليون أن الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس عام 1987، يمكن أن يكون «الترياق لمنظمة التحرير الفلسطينية»، تماماً كما كانت وكالة المخابرات المركزية فى واشنطن مقتنعة بأن أسامة بن لادن وطالبان يمكن أن يكونا بمثابة حصن ضد الشيوعية. وبمنتهى الصراحة فى 2019 أعلن نيتانياهو أمام نوابه أن أى شخص يريد منع قيام دولة فلسطينية عليه أن يدعم تقوية حماس وتحويل الأموال إليها، وعندما اجتمع رئيس مكافحة أموال الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية مع مسئول الملف بالحكومة الإسرائيلية، وأخبره بأننا نهتم بأموال حماس فيرد المسئول الإسرائيلى بأنه ليس لديه الحق فى أطلاعه على البيانات، لكن الموساد اكتشف عام 2014 أن حماس لديها شركة عقارية عملاقة فى إسطنبول تجنى أموالاً طائلة ومدرجة فى البورصة، ولكن نيتانياهو منعهم من الإعلان عنها، ويأخذ الأمريكيون المعلومة، كما اكتشف الإسرائيليون فى أحد الأنفاق ملايين اليوروهات والدولارات، وأوراقا توضح أن ميزانية بناء نفق خرسانى بطول 1 كم، تبلغ 100 ألف دولار وقتها، وكان يحيى السنوار قد أوضح لاحقاً أن لديه 500 كيلومتر من الانفاق، نيتانياهو ترك كل هذا يحدث على نطاق واسع، فهو بالفعل ومنذ بداية التسعينيات تحالف مع أعداء عملية أوسلو، وفى عام 1994 يغتال الإرهابى جولدشتاين 29 مسلما يصلون فى الحرم الإبراهيمي، وانفجرت حملة انتحارية إنتقامية، وأدت سياسة إسحاق رابين المرنة ضد المتطرفين اليهود، إلى اغتياله على يد متطرف صهيونى عام 1995، وانحدرت عملية السلام إلى الجحيم. وقامت الجماعات الجهادية بهجمات انتحارية حولت الجمهور الإسرائيلى إلى معارضة أوسلو. وأضافت فكرة آرييل شارون الانسحاب الأحادى من غزة، صورة انتصار حماس، من ثم كانت فكرة الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتساءل الجميع، هل نسمح لحماس بتقديم مرشحين؟ وقال رجال شارون لندع حماس تقدم مرشحين للإنتخابات وكأننا ندعم عملية أوسلو، وسُمح لهم بالتقدم رغم ان استطلاعات وصلت لشارون بأن حماس ستفوز بالانتخابات، لكنه تركهم، بل وساهم فى نجاح انقلاب حماس على السلطة فى غزة 2007 وقُتل مئات من مسلحى فتح والسيطرة على كل مواقع السلطة الفلسطينية. والعقلية الاسرائيلية كانت دائماً تعتبر السلطة الفلسطينية هى العدو وليس حماس، وبالتالى استطاع شارون النجاح فى تعزيز الانقسام. يختتم الكتاب على قدوم 7 أكتوبر لتحدث حالة من الارتباك فى الدولة الإسرائيلية الذى بدأ عام 2018، مع صدور قانون نيتانياهو «إسرائيل أمة الشعب اليهودي» العنصرى ضد المجتمعات غير اليهودية فى إسرائيل، والذى شكل حدثاً كارثيا، كونه يمنع الطوائف غير اليهودية فى إسرائيل من التمتع بنفس حقوق اليهود، ومنها البناء على أرض إسرائيل، وإعطاء الأولوية للمستوطنات فى إسرائيل نفسها، دون التحدث عن الأراضى الفلسطينية، التى اصبحت متاعا بلا صاحب! هذا القانون مر فى صمت عالمى كامل لم تعلق عليه أى حكومة أو مؤسسة حقوقية!. ثم جاءت المظاهرات المضادة للحكومة الراديكالية وتجاوزات نيتانياهو، وجاء دور جنود الاحتياط الذين هددوا بعدم خدمة حكومة اليمين المتطرف الحالية، ضاربين فى عمق فكرة أن تحتفظ إسرائيل بجيش قوي، متعللين بانه فى وقت ليس على الجميع نفس الالتزامات، والجيش يؤثر عليهم بطريق مختلفة، ولا يجب مطالبتهم بالخدمة الالزامية، ومع فقدان الجيش الإسرائيلى منذ بداية الحرب عشرات الآلاف من الرجال، سواء وفيات او إصابات أو أشخاص احتياطيين لا يريدون الانضمام، فالشاب الإسرائيلى على سبيل المثال الذى أكمل 3 أو 4 سنوات من الخدمة العسكرية، والذى يتم تعبئته اليوم 3 أشهر و3 أشهر أخرى يترك عمله جانبًا، وعائلته ويدفع الضرائب، ويرى أن هذا تمييز فى المجتمع الإسرائيلي، على الجانب الآخر هناك 160 ألف من المتشددين الذين لا يخدمون فى الجيش فحسب، بل يدفعون ضرائب قليلة جدًا، بل يساهمون فى انهيار التعليم العلمانى الذى يتلقى ميزانية أقل من التعليم أو الديني، هذا المستوى من التفاوت ربما يكون أحد أكبر المخاطر التى تواجه إسرائيل. كتاب العمى العظيم، كتاب غربي، يعترف بالحقائق والأرقام أن الإرهاب فى المنطقة صناعة إسرائيلية برعاية أمريكية، ويؤكد عدم الاعتقاد بأن إيران وحزب الله وحماس يمثلون تهديدا وجوديا لإسرائيل لكن الوضع الداخلى هو الأخطر، ففى عام 2023، غادر55 ألف إسرائيلى ولم يعودوا، خروج هؤلاء الأشخاص عالى التأهيل من أطباء ومهندسين،من الدولة سيساهم فى تحولها لبلد متدينة صغيرة فى حالة حرب مع الجيران، بالتأكيد هذا الوضع يحتاج استراتيجيات جديدة مع شركاء جدد، لمواجهة هذا الخطر الدائم الذى تظهرلنا اليوم صورته الوحشية الدنيئة أكثر وضوحاً، والأمر لم يعد متروكا للمجتمع الدولى بل لنا نحن أصحاب المواجهة مع هذه الدولة، لوقف هذه المسيرة الحمقاء نحو مآس جديدة. ----------------- ◙ أستاذ ريادة الأعمال

ترامب ونيتانياهو.. خلاف البائع والمشترى
ترامب ونيتانياهو.. خلاف البائع والمشترى

بوابة الأهرام

timeمنذ ساعة واحدة

  • بوابة الأهرام

ترامب ونيتانياهو.. خلاف البائع والمشترى

الخلاف بين ترامب ونيتانياهو لم يعد سرا لكنه يبدو غريبا ومثيرا للدهشة ليس فقط لأن الصداقة بينهما وطيدة والتعاون وثيق، ولكن أيضا لأن القواسم المشتركة فى شخصيتهما وتوجهاتهما كثيرة؛ كلاهما فى داخله منطقة معتمة تسكنها الغطرسة والقسوة والنوازع العنصرية، وكلاهما لا يكترث سوى بمصلحته فقط. على أرض الواقع اظهر الرجلان دائما أقصى درجات الاستهانة والتجاهل والرفض لكل الحقوق القانونية والشرعية والإنسانية للشعب الفلسطيني. وهما يجاهران برغبتيهما فى تنفيذ جريمة التطهير العرقى فى غزة بطرد سكانها، فى انتهاك صارخ للقانون الدولى الذى يتواطآن على خرقه وازدراء رموزه ومؤسساته وفى مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية التى أمرت بالقبض على نيتانياهو كمجرم حرب، فى حين تعمد صديقه الأمريكى أن يكون أول ضيف أجنبى يستقبله بالبيت الأبيض بعد تنصيبه، بل فرض عقوبات على المحكمة وليس على المتهم. هدايا ترامب الاستراتيجية لإسرائيل كثيرة وتاريخية بكل المقاييس وقد قدمها فى ولايته الأولى التى شهدت اعترافه بالقدس عاصمة لها، ونقل سفارة بلاده إليها والتراجع عن حل الدولتين، والاعتراف بشرعية المستوطنات، والاعتراف بضم الجولان. ومنذ عودته للحكم استأنف مسيرة العطاء مفتتحا عهده بإعلان خطته لطرد سكان غزة، ثم أعاد تزويد إسرائيل بالقنابل التى تزن ألفى رطل التى أوقف بايدن تصديرها إليها. ترامب باعتراف نيتانياهو هو أكبر صديق لإسرائيل. لذا يحتاج الخلاف بينهما إلى تفسير. ولكن قبل ذلك من المهم تحديد طبيعة المشكلة على نحو دقيق، وهى بوضوح تام خلاف بين ترامب ونيتانياهو، وليس بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ليست هذه هى المرة الأولى التى ينشب فيها خلاف علنى بين الجانبين. حدث ذلك كثيرا لكن لم يتحول قط إلى صدع أو قطيعة بينهما. حديث زواجهما الكاثوليكى الذى لا طلاق فيه معاد ومكرر وهو توصيف دقيق للعلاقة بينهما. أى خلاف نشب أو سينشب يتعلق فقط بالآليات والوسائل وليس بالأهداف ولا يمس أو يهدد العلاقات الوطيدة بينهما. والخلاف الحالى لا يعنى أن أمريكا ستتخلى عن إسرائيل. وحتى مطالبتها بوقف الحرب (طالما لم تحسمها)، غير مقرون بأى تهديد أو عقوبات لإجبارها على ذلك. قتل الفلسطينيين لا يزعج ترامب لكن الحرب تعرقل مشاريعه لذا يريد وقفها. تجلت مظاهر الأزمة فى قرارات اتخذها ترامب وصدمت نيتانياهو الذى علم ببعضها من وسائل الإعلام. فى مقدمتها الهدنة مع الحوثيين لوقف هجماتهم على القوات الأمريكية فقط دون وقف استهداف إسرائيل. قبل ذلك وبعده كانت صدمته كبيرة بالكشف عن المفاوضات مع إيران حول اتفاق نووى جديد. تلقى نيتانياهو صفعة أخرى بنجاح ترامب فى تحرير الجندى الأمريكى المحتجز لدى حماس بعد مفاوضات مباشرة معها ودون أن تشمل الصفقة الأسرى الإسرائيليين. وخلال جولته الخليجية الأخيرة التى لم تشمل زيارة إسرائيل، وجه لكمة عنيفة وليس مجرد صفعة جديدة إلى نيتانياهو باستقباله الرئيس السورى وإعلانه رفع العقوبات عن بلاده وهو ما يفسد خطط إسرائيل بتحويل سوريا لدولة ضعيفة ممزقة منبوذة. خلال نفس الجولة لم يبد ترامب اهتماما كبيرا بتسويق الصفقات الإبراهيمية ولم يجعل ذلك شرطا لتقديم ضمانات أمنية إلى السعودية. وترك لها حرية اختيار التوقيت الذى يناسبها للتطبيع. لا يمكن اعتبار كل ذلك مصادفة. ترامب تجاهل نيتانياهو بالفعل بل أهانه وتعمد تهميشه فلماذا فعل ذلك؟ من وجهة نظر الباحث الأمريكى ريتشارد هاس الرئيس الفخرى لمجلس العلاقات الخارجية، فإن ما فعله يعكس حقيقة بسيطة هى أن «أمريكا أولا» لا تعنى «نيتانياهو أولا»، وأن ما يحدث مع رئيس حكومتها ليس غريبا ولا جديدا بالنسبة لمواقف ترامب الذى يتعامل مع إسرائيل بنفس القدر من عدم الاكتراث الذى يبديه تجاه الحلفاء الآخرين. لكن لصحيفة تليجراف البريطانية تفسيرا آخر فهى ترى أن سبب الخلاف أعمق من أسلوب ترامب فى اتخاذ القرارات أو تجاهله التشاور مع إسرائيل، بل أعمق من حرب غزة نفسها. وفى تقرير بعنوان «لماذا أدار ترامب ظهره إلى نيتانياهو؟» قالت الصحيفة إن السبب الحقيقى للخلاف هو إصرار ترامب على إبرام اتفاق مع إيران وهو ما يعتبره نيتانياهو كارثة حقيقية وتهديدا وجوديا. الأزمات الداخلية الخانقة حول نيتانياهو وفشله فى تحيق النصر الموعود على حماس وتحرير الأسرى وعجزه عن طرح رؤية واضحة لخططه تمثل جانبا آخر فى تفسير الخلاف بينهما وهو ما ترصده الكاتبة الإسرائيلية مايراف زونسزين الباحثة فى «مجموعة الأزمات الدولية» والتى ترى أن صبر ترامب تجاه نيتانياهو قد نفد ولا يجد فائدة تُرجى من التعامل معه. فى تقرير نشرته الأسبوع الماضى بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أشارت الباحثة إلى شخصية ترامب كرجل أعمال لا يهتم ولا يفهم سوى فى لغة المال والصفقات، ولا يشغل نفسه كثيرا أو قليلا بالتعقيدات السياسية. وهو يدير سياسته الخارجية على هذا الأساس. فى هذا الإطار جاءت جولته الأخيرة فى الخليج التى كرسها لحصد الأرباح دون إبداء اهتمام حقيقى بالقضايا السياسية العالقة. وفى حديث الصفقات والتريليونات تتراجع أهمية نيتانياهو بل إسرائيل نفسها بالنسبة لترامب. وليس سرا أن جزءا أساسيا من دوافعه للاتفاق مع إيران هو رغبته فى فتح أسواقها الضخمة أمام الشركات الأمريكية. تؤكد الباحثة أن نيتانياهو فشل فى كل شيء باستثناء التشبث بالسلطة عبر مواصلة الحرب حتى لا ينهار ائتلافه الحاكم وهو ما يعنى أنه قاب قوسين أو أدنى من دخول السجن إذا أدين بتهم الفساد التى يحاكم بشأنها حاليا. تضيف أخيرا ان تجارة نيتانياهو أصبحت كاسدة. فلم تعد بضاعته التى يسعى إلى تسويقها منذ أكتوبر 2023 وهى القضاء على حماس تغرى أحدا. اكتشف ترامب أخيرا أنه ليس هناك ما يمكن شراؤه من نيتانياهو. لماذا يمول حربا أبدية ولماذا يتورط معه فى حروب جديدة؟. وبما أنه لا مجال لصفقات رابحة معه فلينتظر شريكا آخر بدلا من هذا البائع الفاشل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store