
'البرغوثي' يكتب: المصارف المركزية وإصدار النقد.. مصرف ليبيا المركزي نموذجًا
في عالم الاقتصاد الحديث، لم تعد المصارف المركزية مجرد مؤسسات تطبع النقود وتوزعها، بل أصبحت حجر الأساس في منظومة الاستقرار النقدي والمالي لأي دولة. إن إصدار النقد اليوم لا يعني فقط الأوراق المطبوعة بل يشمل أيضًا 'النقد الافتراضي' الذي يتشكل من خلال النظام المصرفي، ويُعرف بالنقد الرأسي والنقد الأفقي.
1)الإصدار الرأسي للنقد، الدولة كمصدر للسيولة
يبدأ خلق النقد من القمة، عندما تقوم الدولة ممثلة في سلطاتها السيادية (وزارة المالية) ببيع العملات الأجنبية المتحصلة من إيرادات التصدير (وفي الحالة الليبية من النفط والغاز ) إلى مصرف ليبيا المركزي بسعر صرف رسمي( بدون الرسم الضريبي). هذا البيع يُحوّل إلى دنانير تُودع في حسابات الخزانة العامة لدى المصرف المركزي، وتشكل ما يُعرف بالنقد الرأسي.
مصرف ليبيا المركزي، كمصدر وحيد للإصدار النقدي، يقوم بناءً على هذه العملية بإعادة تدوير هذه الدنانير من خلال آلية الإنفاق العام، ما يخلق موجة أولى من السيولة تدخل إلى الجهاز المصرفي عبر المرتبات والتحويلات والميزانيات التشغيلية والتنموية.
2)الإصدار الأفقي للنقد، المصارف التجارية ودورها في التوسع النقدي
النقد الأفقي هو ذلك الذي يُخلق عندما تقوم المصارف التجارية بمنح تمويلات، مما يؤدي إلى زيادة في عرض النقود والكتلة النقدية المتداولة. في الأنظمة الاقتصادية المستقرة، يتوسع هذا النقد عبر قروض استهلاكية أو استثمارية حقيقية تموّل نشاطًا إنتاجيًا يُسهم في النمو ويولّد ثروة تعوّض التضخم الناتج عن التوسع النقدي.
لكن في الحالة الليبية، لا يُمكن تطبيق هذا النموذج الكلاسيكي بحذافيره. إذ إن حجم القروض الاستهلاكية الممنوحة للأفراد ضئيل نسبيًا، وأغلب التمويلات التي منحتها المصارف التجارية لم تذهب لتمويل مشاريع إنتاجية أو استهلاكية، بل وُجّهت في الغالب لتمويل السلطات التنفيذية عبر شراء سندات الخزانة او تمويلها بقروض بدون سندات باعتبار ان سندات الخزانة مربوطة بأجل استحقاق.
هذه القروض والسندات مثّلت أداة لتمويل العجز في الميزانية العامة، مما يعني أن التوسع النقدي تم عبر الدولة وليس عبر القطاع الخاص، أي إن التوسع تم في اتجاه رأسي جديد ولكن هذه المرة من داخل الجهاز المصرفي.
وبهذا المعنى، فإن ما يُعرف بالنقد الأفقي في ليبيا كان هو الآخر انعكاسًا لعجز في ضبط الإنفاق العام وليس نتيجة طلب حقيقي في السوق على التمويل أو استثمار خاص واسع.
3)التمويل بالعجز وتحديات الاستقرار النقدي
هذه البنية جعلت من مصرف ليبيا المركزي الطرف الأكثر ضغطًا عليه في المعادلة الاقتصادية. فهو مطالب بالحفاظ على الاستقرار النقدي، بينما يواجه ضغوطًا مستمرة من الحكومة لتمويل عجزها. هذا التمويل يتم عادة من خلال منح قروض أو إصدار سندات يتم شراؤها من قبل المصارف التجارية، التي تقوم لاحقًا باستخدامها كأصول لتوسيع ميزانياتها وتوليد سيولة جديدة( المقصود بسيولة هو الودائع تحت الطلب أو نقود ورقية وليس نقود ورقية فقط).
لكن هذه السيولة لا تقابلها زيادة في السلع أو الخدمات، ما يولّد ضغطًا تضخميًا، ينعكس في نهاية المطاف على أسعار الصرف ومستوى الأسعار في السوق المحلي.
4)دور مصرف ليبيا المركزي في التوازن
رغم هذه التحديات، يمكن القول إن مصرف ليبيا المركزي قد قام بأداء الحد الأدنى من دوره في الحفاظ على الاستقرار النقدي، خاصة في ظل غياب دور فعّال للسلطات المالية والتشريعية في كبح جماح العجز المالي، وهو ما يستدعي تفهّمًا دقيقًا لتعقيد مهمته.
فهو ليس مسؤولًا فقط عن ضبط أسعار الصرف أو إدارة الاحتياطيات، بل مطالب كذلك بأن يتدخل لتخفيف حدة الأزمات التي تُخلق خارج نطاق اختصاصه، من خلال أدوات نقدية محدودة، دون التسبب في انهيار القدرة الشرائية للدينار أو استنزاف الاحتياطي الأجنبي.
5)الحاجة إلى تنسيق السياسة النقدية والمالية
إن نموذج مصرف ليبيا المركزي يُبرز الحاجة الماسة إلى تنسيق أكبر بين السياسة النقدية والسياسة المالية، وعدم تحميل جهة واحدة تبعات أخطاء مؤسسات أخرى. فتوسيع النقد يجب أن يكون محكومًا بسقف الإنتاج والقدرة الاستيعابية للاقتصاد، لا بالضغط السياسي أو الحاجة اللحظية للصرف العام.
كما أن إصلاح النظام النقدي لا يتم فقط بإيقاف الطباعة أو تجميد الحسابات، بل يبدأ من ضبط المالية العامة ومنح الاستقلال الحقيقي للسلطة النقدية، في إطار رؤية اقتصادية متكاملة تستند إلى الشفافية والانضباط المالي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبار ليبيا
منذ 27 دقائق
- أخبار ليبيا
ارتفاع للدولار واليورو والاسترليني والذهب أمام الدينار بالسوق الموازية (الثلاثاء 05 أغسطس 2025)
سجل سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي في منتـصـف تعاملات السوق الموازية ارتفاعاً نسبياً اليوم الثلاثاء مسجلا 7.81 دينار مقابل 7.670 دينار عند الاغلاق يوم امس. وسجل سعر اليورو ارتفاعاً نسبياً إلى 8.80 دينار مقابل 8.66 عند الاغلاق ليوم امس، فيما سجل سعر الجنيه الإسترليني ارتفاعه إلى 10.05 دينار، مقارنة بـ 9.85 دينار عند الاغلاق ليوم امس. واستقرت الليرة التركية عند 0.190 دينار، فيما ارتفع الدينار التونسي إلى 2.56 دينار ليبي، وارتفع سعر عيار كسر الذهب (عيار 18) إلى 611 دينارا للغرام مقابل 602 دينار عند الاغلاق ليوم امس. وفي السوق الرسمية، سجل سعر صرف الدولار استقراره عند 5.44 دينار في نشرة اسعار المركزي اليوم الثلاثاء. فيما استقر سعر صرف اليورو عند 6.29 دينار، وارتفع سعر الجنيه الإسترليني إلى 7.23 دينار.


أخبار ليبيا
منذ 27 دقائق
- أخبار ليبيا
الوطني للتنمية يناقش تقدم أعمال مسجد المشير
العنوان عقد مهندسو مشروعات الجنوب الغربي بالجهاز الوطني للتنمية اجتماعًا تنسيقيًا مع ممثلي شركة SRJ المنفذة لأعمال إنشاء مسجد المشير، لمتابعة سير العمل ومناقشة مراحل التنفيذ الحالية. وتناول الاجتماع سبل تجاوز التحديات المحتملة خلال مختلف مراحل المشروع، إلى جانب استعراض خطة العمل وآليات التنسيق المستقبلي، بما يضمن استمرار التنفيذ وفق الجداول الزمنية المحددة، وبما يتماشى مع المعايير الفنية المعتمدة. وأكد المجتمعون أن الأعمال تسير بخطى ثابتة، مشيدين بالتزام جميع الأطراف بتنفيذ المشروع بأعلى درجات الجودة والاحترافية، في إطار الحرص على استكماله في المواعيد المحددة.


عين ليبيا
منذ 27 دقائق
- عين ليبيا
ضمان مالي يصل إلى 15 ألف دولار.. واشنطن تشدد شروط الحصول على التأشيرة
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن نيتها إطلاق برنامج تجريبي جديد يفرض على المتقدمين للحصول على تأشيرات العمل والسياحة إيداع ضمان مالي يتراوح بين 5 آلاف و15 ألف دولار، في خطوة تستهدف الحد من تجاوز مدة التأشيرة والامتثال لشروط الدخول إلى الولايات المتحدة. ووفقًا لإشعار رسمي ستنشره الوزارة اليوم في السجل الاتحادي، يبدأ البرنامج التجريبي الذي سيمتد لمدة 12 شهرًا خلال 15 يومًا من تاريخ النشر، ويستهدف المتقدمين من دول تعتبرها الولايات المتحدة ذات معدلات مرتفعة لتجاوز مدة التأشيرة، أو الدول التي تفتقر إلى ضوابط أمنية كافية في فحص الوثائق. ويشترط البرنامج على المتقدمين إيداع مبلغ ضمان مالي يتفاوت بين 5 آلاف و10 آلاف و15 ألف دولار حسب تصنيف الدولة التي ينتمي إليها مقدم الطلب، وذلك لضمان عدم تحميل الحكومة الأمريكية أعباء مالية في حال عدم الالتزام بشروط التأشيرة أو تجاوز مدتها. وأوضح الإشعار أن هذا الضمان المالي لن يطبق على مواطني الدول المشاركة في برنامج الإعفاء من التأشيرة، كما يمكن إعفاء بعض المتقدمين من هذا الشرط استنادًا إلى ظروفهم الشخصية. وتشير وزارة الخارجية إلى أن الفكرة ليست جديدة، إذ تم بحثها في الماضي دون تطبيقها رسميًا، بسبب تعقيدات إجراءات إصدار الضمان ورد قيمته، إضافة إلى المخاوف من تصورات سلبية لدى الجمهور. ومع ذلك، تؤكد الوزارة أن الظروف الحالية تختلف، وأنه لا توجد مبررات حديثة لرفض هذا الإجراء، حيث لم يتم تطبيق نظام الضمان المالي سابقًا لفترات طويلة. ويأتي هذا القرار في ظل توجهات أمنية أمريكية مشددة تهدف إلى تعزيز الرقابة على تأشيرات الدخول وتقليل تجاوزات المدد المسموح بها، خاصة من الدول التي تعرف ارتفاعًا في نسبة من لا يغادرون الأراضي الأمريكية بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهم. ومن المتوقع أن يثير هذا القرار ردود فعل واسعة بين المتقدمين للتأشيرات، حيث قد يشكل الضمان المالي عبئًا ماليًا كبيرًا على كثيرين، خصوصًا طالبي تأشيرات السياحة والعمل المؤقت.