
الصين تحاول إقناع العالم باستخدام اليوان بديلاً عن الدولار
في وقت سابق من مايو الجاري، تعهدت الصين بتقديم قروض بقيمة 9.2 مليارات دولار لقادة أميركا اللاتينية المجتمعين في العاصمة الصينية بكين، وهذا أمر عادي، لكن غير العادي أنها تريد إقراض كل هذه الأموال باليوان الصيني، بدلاً من القروض المعتادة بالدولار الأميركي، التي أعلنت عنها الصين في اجتماعات سابقة لهذا المنتدى الإقليمي.
وقد يثير هذا الأمر سؤالاً مهماً حول من يريد بالفعل اقتراض هذه المبالغ باليوان، وهي عملة
قابلة بالكاد للتحويل، وعلى عكس عملة اليورو فشلت إلى حد كبير في الاستفادة من انخفاض قيمة الدولار في الأشهر القليلة الماضية.
تدويل اليوان
في الواقع، تريد الصين الاستفادة من هذه الفرصة بالذات كي تكون في وضع أفضل، لذلك سعت إلى تدويل عملتها على مدى السنوات الـ15 الماضية على الأقل، وأنشأت بنية تحتية لازمة لإثبات ذلك، وشملت مبادراتها ما يسمى «نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك» لمنافسة نظام «سويفت»، ومنصة «ماي بريدج» متعددة الأطراف لمعاملات العملات الرقمية للبنوك المركزية، فضلاً عن بناء مراكز مقاصة لليوان حول العالم، لكن ما لا تستطيع السيطرة عليه في نهاية المطاف هو من يشتري أو يستخدم اليوان؟
وفي هذا السياق، حاولت الصين تحفيز الإقبال على اليوان من خلال الإقراض، وقد كشفت دراسة جديدة أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن الصين زادت بالفعل نِسَب قروضها الخارجية المقومة باليوان من نحو 15% في عام 2021 إلى ما يقرب من 40% في عام 2024، وإن كان تركيزها في الغالب على آسيا، لذلك ليس من المستبعد أن تجد الصين مقترضين لعملتها في أميركا اللاتينية أيضاً.
تحوّل استراتيجي
يمثل اعتماد خط الائتمان باليوان بدلاً من الدولار تحولاً استراتيجياً، ما يؤكد طموح الصين المتزايد لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في التجارة الدولية.
وقال المؤسس المشارك لمشروع تنمية الجنوب العالمي، إريك أورلاندر: «إنهم يُبرمون المزيد من الصفقات القائمة على الـ(يوان)، لاسيما اتفاقات مبادلة الائتمان التي تُسهّل على الدولة المُقترضة التعامل بـ(الرنمينبي)، وهو اسم العملة الصيني الرسمي، بدلاً من الدولار الأميركي».
ومع تحول المشهد الاقتصادي العالمي في ظل تجدد التوترات التجارية، يعكس سعي الصين الاستراتيجي لبناء شراكات في جميع أنحاء أميركا اللاتينية طموحاتها الجيوسياسية الأوسع، ومع خط الائتمان المقوم باليوان، وتوسيع نطاق السفر من دون تأشيرة، لا تشير هذه المبادرات إلى تنامي نفوذ الصين الاقتصادي، فيما تعتبره الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، «الحديقة الخلفية لأميركا» فحسب، بل تشير أيضاً إلى عزمها على إرساء مسارات بديلة للتجارة والدبلوماسية الدولية، تتجاوز بشكل متزايد نظام الدولار الأميركي.
ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد على الديون لتعزيز اليوان لا يمكن أن يصل إلى هذا الحد، حيث يواجه العديد من دول أميركا اللاتينية خطر التخلف عن سداد ديونه للمرة الأولى منذ عقود، ولاشك أن إقبالها على القروض الصينية لشراء المزيد من السلع والخدمات الصينية محدود.
وكما أوضح تقرير البنك الدولي عن الديون الدولية لعام 2024، لم تعد اقتصادات دول الجنوب العالمي تواجه أزمة سيولة كما حدث في الأجيال السابقة، فقد أثبتت قدرتها الكبيرة على الاقتراض من أسواق السندات ومن البنوك التجارية، بمعنى آخر لديها خيارات.
معيقات اليوان
تُمثل ضوابط رأس المال الصينية أكبر عائق أمامها في هذا الصدد. قد تكون الصين حذرة في تحرير حساب رأسمالها خوفاً من مواجهة مصير مماثل لما واجهته اليابان في الثمانينات، أو كوريا الجنوبية في التسعينات، لكن في الوقت نفسه، تأمل الصين أن تتمكن من إقناع العالم باستخدام المزيد من اليوان من خلال ضمان استقرار قيمته، وهي مهمة صعبة في ظل الحرب التجارية الحالية مع الولايات المتحدة، ومن المفارقات أنها تعتمد على تمسك بكين بالدولار الأميركي، كسند.
علاوة على ذلك، تواجه الصين حالياً ضغوطاً لإقراض المال لتحفيز الطلب الخارجي على صادراتها، وتشير البيانات المتعلقة باحتياطات اليوان، بخلاف القروض، إلى أن معظم الدول لاتزال تفضّل الاحتفاظ بعملات أخرى عدة قبل احتفاظها باليوان.
حتى أكبر مؤيدي الصين لم يُدمجوا احتياطات اليوان في بنوكهم المركزية، إلا بشكل طفيف خلال السنوات القليلة الماضية، والاستثناء الأبرز هو روسيا، التي اضطرت إلى ضخ كميات هائلة من اليوان مقابل النفط والغاز الذي تُكافح لبيعه في أماكن أخرى بسبب العقوبات المفروضة عليها، نظراً لحربها في أوكرانيا، وتُسيطر الصين فعلياً على موسكو للحصول على الـيوان، ومع ذلك، لا تستطيع روسيا تحويله إلى دولارات أميركية بالسرعة الكافية في هونغ كونغ.
العملة المهيمنة
الحقيقة هي أن معظم فواتير التصدير وإصدارات الديون واحتياطات النقد الأجنبي في العالم لاتزال بالدولار الأميركي، وإلى أن تُخفف الصين ضوابط رأس المال بشكل كبير، فإنه لا أحد يرغب في التعرض بشكل كبير لليوان، خوفاً من عدم قابليته للتحويل، علاوة على ذلك، غالباً ما انجذبت الأسواق العالمية عبر التاريخ نحو «عملة مهيمنة» لتسهيل ممارسة الأعمال، سواءً أحبت العملة المهيمنة أم لا.
لذا، في الوقت الحالي، قد يكون السؤال الأهم هو: كم من الدولارات الأميركية ستُخصّصها الصين لتجارة أميركا اللاتينية قبل المؤتمر المقبل مع قادة أميركا اللاتينية بعد ثلاث سنوات؟ ربما أكثر بكثير من 9.2 مليارات دولار باليوان، سواءً على شكل ائتمانات للمشترين لحكومات المنطقة، أو ائتمانات للبائعين تُصدر مباشرةً للمصدرين الصينيين لتغطية التكاليف قبل استلامهم مدفوعاتهم بالدولار.
والخلاصة هي أن الصين ستواصل على الأرجح كي تجعل اليوان عملة قيادية في كل مجال ممكن، وقد يكون المقترضون، مثل قادة أميركا اللاتينية في بكين الأسبوع الماضي، أفضل فرصة لها على المدى القصير، لكن هذا النهج له حدوده، ولا يمكن اللحاق باليورو، ناهيك عن الدولار الأميركي، إلا بتحول في الطلب. ومن دون ذلك، قد تجد الصين نفسها بسرعة في مأزق.
عن «فورين بوليسي»
تجربة الفرنسيين لإزاحة الدولار
لا تعد الصين الدولة الوحيدة التي حاولت إزاحة هيمنة الدولار الأميركي، فقد دأب الفرنسيون على انتقاد «الامتياز الباهظ» للولايات المتحدة بامتلاكها عملة الاحتياطي العالمي، منذ أن كان فاليري جيسكار ديستان وزيراً للمالية، في أواخر الستينات والسبعينات، على الأقل قبل أن يصبح رئيساً، ومنذ أن بدأوا جهودهم لإضفاء الطابع الديمقراطي على حيازات البنوك المركزية من العملات الاحتياطية قبل أكثر من 50 عاماً، لم يُحرزوا سوى تقدم ضئيل للغاية.
وفي الواقع، كان أحد الآمال المعقودة على اليورو هو أن يُحفّز المكاسب المتواضعة التي حققتها فرنسا سابقاً، ومع ذلك فقد خاب أمل الفرنسيين، من بين آخرين رغبوا في رؤية تراجع هيمنة الدولار الأميركي، إلى حد كبير.
وارتفعت حصة اليورو من الاحتياطيات العالمية من نحو 18% عند إطلاقه، إلى ما يقارب 20% في عام 2025، وبالمثل فإن مكاسب الصين من الصفر في عام 2000 إلى 2% في عام 2025 متواضعة للغاية، حيث تجاوزت الدولار الكندي لفترة وجيزة في عام 2018، لتتراجع عنه مجدداً في عام 2023.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
ثقة المستهلكين الأمريكيين تنتعش في مايو
شهد تفاؤل المستهلكين في الولايات المتحدة انتعاشاً ملحوظاً خلال شهر مايو، مدفوعاً بآمال تسارع وتيرة المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، وذلك وفقاً لمسح نُشر الثلاثاء. وارتفع مؤشر «ثقة المستهلك» الصادر عن «كونفرنس بورد» إلى 98.0 نقطة، بزيادة قدرها 12.3 نقطة مقارنة بإبريل، متجاوزاً بكثير التوقعات التي حددتها «داو جونز» عند 86.0 نقطة. وأوضحت الهيئة أن معظم هذا التحسن في المزاج العام جاء نتيجة التطورات الإيجابية في الجمود التجاري بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 12 مايو بتعليق تطبيق أكثر الرسوم الجمركية صرامة. وقالت ستيفاني غيشار، كبيرة الاقتصاديين العالميين في «كونفرنس بورد»: «الانتعاش كان قد بدأ قبل اتفاق التجارة في 12 مايو، لكنه تسارع بعد ذلك بشكل واضح». ويُعد هذا الارتفاع في المؤشر الأول من نوعه بعد خمسة أشهر متتالية من التراجع، إذ كان المستهلكون والمستثمرون قد أصبحوا أكثر تشاؤماً بشأن الآفاق الاقتصادية في ظل تصاعد الحرب التجارية التي أطلقها ترامب ضد شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وخاصة الصين. لكن الطرفين توصلا إلى هدنة في أوائل مايو، وهي المرة الثانية التي يتراجع فيها ترامب عن رسومه الجمركية «المتبادلة» التي أعلنها في 2 إبريل خلال ما وصفه بـ«يوم التحرير». (وكالات)


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
«شاومي» تنافس «تيسلا» الأكثر مبيعاً في الصين
دخلت شركة شاومي الصينية، المعروفة بهواتفها الذكية، مجال السيارات الكهربائية مؤخراً وتهدف الآن لمنافسة سيارة تيسلا الأكثر مبيعاً في الصين. فبعد أقل من عام من إطلاق شركة شاومي سيارتها الكهربائية الأولى كشفت في وقت متأخر من يوم الخميس عن سيارتها الرياضية متعددة الاستخدامات YU7، وذكرت الشركة أن هذا الطراز يتميز بمدى قيادة يبلغ 760 كيلومترا (472 ميلا) على الأقل بشحن لمرة واحدة. وهو مدى أطول بكثير من 719 كيلومترا المعلن عنها لسيارة تيسلا موديل Y ذات المدى الموسع. ويظل مدى القيادة عامل جذب للمستخدمين الذين يشعرون بالقلق بشأن الشحن المتكرر للبطارية. ويتوقع محللو «سيتي بنك» أن يتراوح سعر YU7 بين 250,000 و320,000 يوان (34,700 و44,420 دولارا)، ومبيعات شهرية تبلغ حوالي 30,000 وحدة. ومع انتعاش المبيعات يتوقعون أن تتراوح المبيعات السنوية بين 300,000 و360,000 وحدة. وهذا النطاق السعري يضع سيارة YU7 في منافسة قوية مع سيارة تيسلا موديل Y، التي يبدأ سعرها من 263,500 يوان صيني في الصين. وتعتزم شاومي الإعلان عن سعر YU7 عند الإطلاق الرسمي للسيارة في يوليو المقبل.


صحيفة الخليج
منذ 3 ساعات
- صحيفة الخليج
إيرادات «شاومي» الربعية ترتفع 47% مع إطلاقها سيارة كهربائية جديدة
أعلنت شركة شاومي الصينية، الثلاثاء، ارتفاع إيراداتها 47.4% في الربع الأول من العام، مع التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية. وبلغت إيرادات الشركة للربع المنتهي في 31 مارس/ آذار 111.3 مليار يوان (15.48 مليار دولار)، لتتجاوز متوسط توقعات 17 محللاً جمعتها مجموعة بورصة لندن عند 107.6 مليار يوان. ووفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن، قفز صافي الربح المعدل 64.5 بالمئة على أساس سنوي إلى 10.7 مليار يوان، ليفوق متوسط التقديرات البالغ 8.96 مليار يوان. وكشفت ثالث أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم عن أحدث سياراتها الرياضية الكهربائية متعددة الاستخدامات، وهي سيارة واي.يو7، الأسبوع الماضي وستطرحها شاومي في الأسواق في يوليو/ تموز. وقال لي جون مؤسس شركة شاومي الأسبوع الماضي: «إن مبيعات السيارات تجاوزت 258 ألف وحدة منذ إطلاقها». وحققت أعمال شاومي في مجال السيارات الكهربائية إيرادات بلغت 18.1 مليار يوان خلال الربع الأول. (رويترز)