
قصص معاناة يمنيين عمّقت الأوبئة والحمى أوجاعهم
يقول أيمن للجزيرة نت، مستعيدا ذكريات الألم "لم أتوقع أن ارتفاعا في درجة الحرارة سيقودني إلى مشارف الموت. تناولت المسكنات في البداية، لكن حالتي ساءت سريعا، ولم يتمكن الأطباء من تشخيص حمى الضنك إلا متأخرا، بعد أن أصبح جسدي كخرقة ممزقة".
ورغم نجاته بأعجوبة من المرض الذي حصد أرواح العشرات حتى الآن، لا يُخفي أيمن (24 عاما) قلقه من تكرار الإصابة، في ظل تفشي الأوبئة القاتلة بمدينة عدن وسط بيئة محفوفة بالمخاطر من مياه ملوثة، وانتشار البعوض، وغياب حملات الرش الوقائي.
تصاعد خطير
مأساة أيمن، المقيم في حي كريتر (أعتق حي في عدن)، ليست استثناء، ففي حيه وحده أُصيب العشرات بالكوليرا وحمى الضنك والملاريا. ويقول بأسى "شاب من جيراننا توفي قبل أن يصل إلى المستشفى، وعرفنا لاحقا أنه كان مصابا بالكوليرا".
ويشهد اليمن تفشيا واسعا للأوبئة، أبرزها حمى الضنك والملاريا والكوليرا، وسط نظام صحي منهك وأزمات خدمية متفاقمة. وتشير إحصائيات حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى تسجيل أكثر من 3900 إصابة و14 وفاة بسبب حمى الضنك في محافظتي عدن ولحج منذ مطلع العام الجاري.
أما الكوليرا فقد سجلت المنظمة أكثر من 18 ألف إصابة و10 وفيات في عموم البلاد حتى مايو/أيار 2025، بزيادة تقارب 300% عن شهر أبريل/نيسان الماضي، مؤكدة أن اليمن خامس أكثر دول العالم تأثرا بالكوليرا في تلك الفترة.
وفي محافظة تعز، ذات الكثافة السكانية العالية، يصف تيسير السامعي، مدير الإعلام الصحي بالمحافظة، الوضع الوبائي بـ"الكارثي"، مؤكدا انتشار الكوليرا وحمى الضنك والملاريا في ظل أزمة مياه خانقة تدفع السكان للاعتماد على مصادر غير آمنة للمياه، مما يفاقم انتشار الأمراض.
وقال السامعي للجزيرة نت إن حالات الإسهالات المائية الحادة والكوليرا بلغت منذ بداية العام 1600 حالة، بينها 142 حالة مؤكدة و5 وفيات، في حين سجلت المحافظة 1246 حالة اشتباه بفيروس الحصبة مع 6 وفيات، إضافة إلى 1950 إصابة بالحمّيات المختلفة بينها وفاة واحدة.
مرارة المرض
وليس أيمن وجيرانه وحدهم من ذاقوا مرارة المرض. محمد الفقيه (35 عاما)، عامل بناء من محافظة تعز، وجد نفسه عاجزا عن إعالة أسرته بعد إصابته بالملاريا.
يقول للجزيرة نت "بدأت أشعر برعشة وصداع شديد، ظننتها مجرد إرهاق من العمل، لكن حالتي تدهورت بسرعة ولم أعد أقوى على الوقوف".
اضطر الفقيه إلى اقتراض المال لتغطية تكاليف العلاج، وبعد أسبوع من المعاناة خرج من أحد المستشفيات الخاصة بعدن مثقلا بالديون. ويضيف بحسرة "المرض لم يأخذ صحتي فقط بل سلب مني أيضا لقمة العيش".
وفي إحدى قرى محافظة لحج، خاضت أسرة الشاب أحمد هاني (22 عاما) سباقا مع الزمن بعدما أُصيب بإسهال حاد وجفاف شديد بسبب الكوليرا.
يروي شقيقه للجزيرة نت "لم نجد سيارة لإسعافه، فاضطررنا لنقله على دراجة نارية لمسافة طويلة، ووصل المستشفى وهو في حالة إغماء".
ويضيف "بفضل التدخل العاجل، نجا أحمد، لكنه لا يزال يعاني من إرهاق شديد ومضاعفات المرض".
ارتفاع حاد
والاثنين الماضي، كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن ارتفاع حاد في حالات الحصبة شمالي اليمن خلال الأشهر الأربعة الماضية، حيث سجلت محافظة ذمار زيادة بنسبة 219% مقارنة بالعام الماضي، وأرجعت المنظمة ذلك إلى ضعف التغطية بالتطعيم وانهيار البنية التحتية الصحية.
ومع غياب الإحصاءات الدقيقة نتيجة الانقسام القائم بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثيين، يُرجّح أن الأرقام الفعلية للمصابين بالأوبئة تفوق بكثير الإحصائيات الرسمية، خاصة مع صعوبة وصول المرضى إلى المستشفيات في العديد من المناطق.
وبحسب الدكتور عارف الحوشبي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة في الحكومة الشرعية، تم تسجيل 10 آلاف و150 حالة اشتباه بالكوليرا منذ يناير/كانون الثاني الماضي وحتى مطلع يوليو/تموز الجاري في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، منها 2234 حالة مؤكدة بالفحص السريع ونحو 350 إيجابية بالفحص الزراعي، إلى جانب 5 وفيات مؤكدة.
وفيما يخص الحمى، أوضح الحوشبي أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 8800 حالة إصابة بحمى الضنك وأشباهها، منها 2226 حالة مؤكدة و53 وفاة، وفقا لبيانات نظام الترصد الوبائي "الإيديوز" الذي يغطي المحافظات المحررة فقط، لافتا إلى أن العدد الفعلي أكبر بكثير بسبب صعوبة الوصول والتبليغ.
وأكد أن "غياب الشفافية في مناطق سيطرة الحوثيين يعيق جهود المواجهة ويمنع اتخاذ قرارات فعالة مبنية على معلومات دقيقة"، مشيرا إلى أن الوزارة رصدت وجود بكتيريا الكوليرا في بعض الخضروات والمياه القادمة من تلك المناطق، مما يثير مخاوف من انتشار أوسع.
أزمة إنسانية
ويعاني اليمن أزمة إنسانية تُعد الأسوأ عالميا، إذ يعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، ومع استمرار الصراع والانهيار الاقتصادي، تتزايد المخاوف من موجات وبائية جديدة تهدد حياة السكان في ظل تدهور مستمر للخدمات الصحية والمعيشية.
وفي مؤتمر صحفي سابق، قال الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط "اليمن يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في العالم. الأمراض التي يمكن الوقاية منها تفتك بالسكان لأن النظام الصحي غير قادر على الاستجابة".
ويرى مسؤولون صحيون أن استمرار الصراع وتدهور البنية الصحية يمثلان العائق الأكبر أمام مواجهة تفشي الأوبئة، مؤكدين أن النظام الصحي يعمل بأقل من 50% من طاقته ويعتمد بشكل أساسي على دعم المنظمات الدولية في ظل ضعف التمويل الحكومي.
ويقرّ الدكتور الحوشبي بصعوبة الوضع، قائلا إن "النظام الصحي في اليمن تأثر بشكل كبير جراء الحرب الممتدة منذ 2014، مما أضعف قدرتنا على مواجهة الجوائح والأوبئة التي تنتشر بوتيرة متسارعة، ونعمل بموارد محدودة جدا ونحتاج إلى دعم دولي عاجل".
وأضاف أن وزارة الصحة تواجه تحديات كبيرة أبرزها ضعف التمويل والموازنة التشغيلية التي لا تزال معتمدة على أسعار ما قبل الحرب، مشيرا إلى الحاجة الماسة إلى دعم حكومي وشراكات لضمان استمرار عمل المرافق الصحية وتوفير الوقود والمستلزمات الطبية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يمن مونيتور
منذ 13 ساعات
- يمن مونيتور
تسجيل 6 حالات إصابة بالكوليرا في حضرموت خلال أسبوع
يمن مونيتور/قسم الأخبار أعلنت دائرة الرصد الوبائي بمكتب الصحة في محافظة حضرموت الساحل عن رصد 6 حالات إصابة مؤكدة بمرض الكوليرا خلال الأسبوع الوبائي الـ29. وتركزت هذه الحالات في مديريات حجر، المكلا، وغيل باوزير، حسب النشرة الوبائية الصادرة عن الدائرة. وذكرت النشرة عدم تسجيل أي حالات وفاة خلال الفترة المذكورة، مما يعكس استقرار الوضع الصحي نسبياً في المحافظة. وأوضحت أن إجمالي الحالات التراكمية منذ بداية الموجة الحالية بلغ 121 حالة اشتباه، مع 6 حالات وفاة و120 حالة تعافٍ. ويُتابع مكتب الصحة في حضرموت الوضع الوبائي عن كثب، مع اتخاذ إجراءات مراقبة ورصد دقيقة للحد من انتشار المرض وتعزيز جهود الوقاية في المناطق المتأثرة. مقالات ذات صلة


اليمن الآن
منذ 15 ساعات
- اليمن الآن
محافظ الحديدة يدشن حملة التحصين ضد الكوليرا في الخوخة وحيس
دشّن محافظ محافظة الحديدة، الدكتور الحسن طاهر، السبت، حملة التحصين ضد مرض الكوليرا في مديرتي الخوخة وحيس، بدعم من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطفولة (اليونيسف)، وبمشاركة وكيل أول المحافظة، وليد القديمي، وعدد من المسؤولين الصحيين. وتستهدف الحملة، التي تنفذها وزارة الصحة العامة والسكان، تحصين نحو 262 ألفاً و989 نسمة من مختلف الفئات العمرية، باستثناء الأطفال دون العام، وتستمر حتى 31 يوليو الجاري. وفي فعالية التدشين، أكد المحافظ طاهر أهمية الحملة في الحد من تفشي وباء الكوليرا في المديريات الساحلية والمناطق ذات الخطورة العالية، مثمنًا دور وزارة الصحة والشركاء الدوليين، خاصة منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، في دعم القطاع الصحي بالمحافظة. وشدد المحافظ على أن التوعية المجتمعية والتفاعل الإيجابي من المواطنين مع الفرق الميدانية يمثلان مفتاح نجاح الحملة، داعيًا الأهالي إلى التعاون لضمان صحة وسلامة الجميع. من جانبه، أوضح مدير مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة، الدكتور علي الأهدل، أن الحملة تأتي ضمن خطة استجابة شاملة للحد من انتشار الكوليرا في المناطق المعرضة للخطر. وفي سياق متصل، وجّه المحافظ طاهر برفع دراسة عاجلة لإنشاء طابق ثانٍ لمركز الأمومة والطفولة في الخوخة ليصبح مركزًا متكاملاً للطوارئ الولادية، يحتوي على غرفة عمليات للولادات القيصرية ومركز متخصص لمعالجة الإسهالات والكوليرا. جاء ذلك خلال اجتماع عُقد في مكتب الصحة بالمحافظة، بحضور عدد من قيادات القطاع الصحي، حيث ناقش المجتمعون خطة لبناء هنجر جديد لنقل مركز الأكسجين، بهدف حماية الإمدادات الحيوية وتسهيل إيصالها إلى المرافق الصحية، في إطار تعزيز الجاهزية الطبية والاستجابة للطوارئ. وأكد المحافظ طاهر أن هذه المشاريع تأتي ضمن رؤية السلطة المحلية لتحسين البنية التحتية الصحية، وتقديم خدمات طبية نوعية، رغم التحديات التي تواجه القطاع في ظل الأوضاع الراهنة.


اليمن الآن
منذ يوم واحد
- اليمن الآن
محافظ الحديدة يدشن حملة التحصين ضد مرض الكوليرا ويوجه بإنشاء مركزي طوارئ توليدية ومعالجة الإسهالات المائية
دشن محافظ محافظة الحديدة الدكتور الحسن طاهر، اليوم، ومعه وكيل أول المحافظة وليد القديمي، حملة التحصين ضد مرض الكوليرا والتي تنفذها وزارة الصحة العامة والسكان بدعم وتمويل من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الطفولة اليونيسيف، وتستهدف 260 نسمة في مديريتي الخوخة وحيس. وفي التدشين الذي حضرة نائب مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة العامة والسكان الدكتور يوسف احمد، أكد المحافظ طاهر أن الحملة تمثل خطوة مهمة للوقاية من تفشي الكوليرا في المديريات الساحلية والمناطق ذات الخطورة..مشيداً بجهود وزارة الصحة العامة والسكان والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف لدعمهما المتواصل للقطاع الصحي في المحافظة. وأشار محافظ الحديدة، إلى أن التوعية المجتمعية والتفاعل الإيجابي من المواطنين مع فرق التطعيم هو الركيزة الأساسية لنجاح الحملة..داعياً المواطنين إلى الاستجابة والتعاون مع الفرق الميدانية حفاظاً على صحتهم وسلامة أسرهم. من جانبه، أوضح مدير مكتب الصحة العامة والسكان ،الدكتور علي الأهدل، أن الحملة التي تستمر حتى 31 من يوليو الجاري تستهدف تحصين ، 262 الفاً و989 نسمه لكل الفئات العمرية، عدى الأطفال دون العام ضمن خطة شاملة للحد من انتشار الكوليرا. في سياق متصل، وجه محافظ محافظة الحديدة، الدكتور الحسن طاهر، بسرعة رفع دراسة مشروعي إنشاء طابق ثان فوق مركز الأمومة والطفولة في الخوخة، ليكون مركزا متكاملا للطوارئ الولادية، يضم غرفة عمليات للحالات القيصرية، ومركز لمعالجة الإسهالات المائية والكوليرا. جاء ذلك خلال اجتماع عُقد في مكتب الصحة بالمحافظة، بحضور وكيل أول المحافظة وليد القديمي، ومدير مكتب الصحة الدكتور علي الأهدل، ومدراء الإدارات المختصة، لمناقشة عدد من المشاريع الصحية التطويرية. وتضمن الاجتماع، خطة لبناء هنجر مخصص لنقل مركز الأكسجين، بهدف حماية الإمدادات الحيوية وتسهيل إيصالها للمرافق الصحية، ضمن جهود تعزيز الجاهزية الطبية والاستجابة السريعة للطوارئ. وشدد المحافظ طاهر، على أهمية تنفيذ هذه المشاريع ضمن رؤية السلطة المحلية لتحسين البنية التحتية الصحية، وتقديم خدمات طبية نوعية للمواطنين، رغم التحديات التي تواجه القطاع الصحي.