مونيكا وليم تكتب: القرار الإسرائيلي نحو إعادة احتلال غزة.. الأبعاد العسكرية والإستراتيجية
يأتي هذا التحول مدفوعًا بجملة من العوامل السياسية والأيديولوجية، أبرزها سعي نتنياهو للحفاظ على بقائه السياسي وإرضاء قاعدته اليمينية المتطرفة، التي تنظر إلى القطاع بوصفه جزءًا لا يتجزأ من 'إسرائيل الكبرى'. كما يعكس القرار رغبة في حسم معادلة الجغرافيا والديموغرافيا لصالح السيطرة الإسرائيلية، بعد انسحاب عام 2005 الذي جاء بهدف تقليل الأعباء الأمنية والاقتصادية.
وعند استقراء السياقات السياسية والأمنية، فقد يتبين أن حكومة نتنياهو حافظت على درجة من الغموض الاستراتيجي بشأن خططها طويلة المدى لغزة،وبالتالي وفق المنظور الإسرائيلي، فإن الحكم العسكري يحقق هدفين رئيسيين: أولًا، منع عودة حماس وقطع ارتباطها بالسكان عبر التحكم في المساعدات الإنسانية؛ وثانيًا، إقناع سكان القطاع باستحالة عودة الحركة، وتهيئة المجال أمام قوى مدنية بديلة لإدارة الشؤون اليومية. ومع ذلك، تميل التقديرات إلى أن إسرائيل ستسعى لتقليل الاحتكاك المباشر مع السكان، والاكتفاء بالسيطرة الأمنية على مناطق محددة، وهو ما قد يخلق فراغًا أمنيًا وإنسانيًا يطيل أمد الأزمة.
وعند تفنيد الصورة أكثر بعض الشئ فمن الناحية التكتيكية، يسعى نتنياهو إلى تحقيق مكاسب سياسية مرحلية، عبر المزج بين الضغط العسكري والسياسات العقابية، مثل تجويع السكان، لدفع حماس نحو اتفاق يتيح له تسجيل إنجاز سياسي يمحو أثر إخفاقات 7 أكتوبر، وعلى النقيض من ذلك، يتبنّى سموتريتش مقاربة أكثر تشددًا، ترتكز على الحسم العسكري الكامل ورفض أي تسويات جزئية، بهدف فرض ما يسميه 'النصر الحاسم' وترسيخ سياسة الردع القصوى.
وهو ما ينقلنا إلي عدد من المعطيات التي من شأنها تقويض نجاح هذه العملية، فالمتطلبات العسكرية والاقتصادية، تعد المعطي الأول في هذا الاطار حيث تشير الخبرات الميدانية إلى أن السيطرة على مناطق مأهولة تتطلب ما بين 20 و25 جنديًا لكل ألف مدني، وبالنظر إلى الكثافة السكانية في غزة، فإن إعادة الاحتلال ستستلزم نشر ما بين 40 و50 ألف جندي، أي ما يعادل فرقتين عسكريتين على الأقل، مع احتمالية زيادة العدد في حال اندلاع انتفاضة شعبية واسعة وذلك في ضوء مواجهة الجيش الإسرائيلي تحديات عملياتية جسيمة، في ظل إرهاقه بعد جولات القتال الأخيرة، وتزايد حالات رفض الخدمة في صفوف الاحتياط، وارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود. كما أن استمرار العمليات الفدائية وتدهور الوضع الإنساني، بما في ذلك سياسة التجويع، قد يدفع نحو دورة جديدة من المقاومة المسلحة، محولًا الاحتلال إلى عبء استراتيجي طويل الأمد، أما التكلفة الاقتصادية، فتُقدّر بين 32 و48 مليار دولار سنويًا، ما قد يرفع عجز الموازنة الإسرائيلية إلى نحو 6–7% ويجبر الحكومة على تقليص الإنفاق في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة، وهو ما قد يفاقم الاحتقان الداخلي.
ايضا الانقسامات داخل القيادة الإسرائيلية، أذ كشف تقارير للقناة 12 الإسرائيلية عن معارضة مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي لخطة السيطرة الكاملة على غزة، مبررًا رفضه بالحفاظ على حياة الرهائن، الذين يُقدر أن نحو 20 منهم فقط ما زالوا على قيد الحياة، وقد أيّد موقفه رئيس الأركان إيال زامير ورئيس الموساد ديفيد برنياع، بينما دعمها وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي أبدى استعدادًا لتعليق العملية إذا توفرت صفقة جديدة.
وبالتالي معارضة الجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال غزة ترجع لأسباب أمنية ، إذ تنطوي العملية المشار إليها على تحديات عملياتية كبيرة، خاصة في ظل الإرهاق الذي يعانيه الجيش الإسرائيلي بعد جولات القتال الأخيرة فهو لا يزال منهكاً، إلي جانب تزايد حالات رفض الخدمة في صفوف الاحتياط، وارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود. كما أن استمرار العمليات الفدائية وتدهور الوضع الإنساني واستخدام ورقة التجويع الحالية، قد يذكيان دورة جديدة من المقاومة المسلحة، بما يحوّل الاحتلال إلى عبء استراتيجي طويل الأمد وذلك بالتزامن مع أن إسرائيل لا تزال تحافظ على حالة تأهب قصوى بسبب الحرب الأخيرة مع إيران، كما ان إسرائيل لا تزال تحتل أراض في جنوب لبنان وجنوب سوريا.
هذا إلي جانب غياب الاجماع الاجتماعي، فقد يعد هذا القرار مثيرًا للانقسام، فبينما تدعمه القوى اليمينية المتشددة، تشير الملابسات الميدانية إلى عدم شعبيته بين قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي منها اقتحام المتظاهرين استديوهات القناة 13، الأمر الذي قد يدفع الحكومات المقبلة، خصوصًا بعد انتخابات 2026، إلى إعادة النظر فيه أو الانسحاب مجددًا.
ختاماً، إن إعادة احتلال غزة وفرض حكم عسكري ليست خطوة ميدانية فحسب، بل مقامرة استراتيجية تحمل كلفة اقتصادية باهظة، وانعكاسات دبلوماسية سلبية، ومخاطر أمنية متجددة. ورغم تسويقها كحل نهائي لإنهاء حكم حماس، إلا أن المؤشرات ترجّح أنها قد تفتح فصلًا جديدًا من عدم الاستقرار، وتكرّس واقعًا أكثر تعقيدًا على جميع المستويات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النشرة
منذ 35 دقائق
- النشرة
ترتيبات فلسطينية تسابق سلاح المخيمات... و"تسونامي مالي" يضرب وكالة الأونروا
في خضم الخلافات السياسية الداخلية والأوضاع المأزومة في لبنان ، وفي ظل خطة الدولة الهادفة إلى حصر السلاح بيدها ووضع جداول زمنية لذلك، جاءت زيارتا المسؤولين الفلسطينيين: قائد الأمن الوطني اللواء العبد إبراهيم خليل لاستكمال ترتيب البيت الأمني الفتحاوي، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، لمأسسة اللجان الشعبية ومتابعة أوضاع وكالة الأونروا التي تواجه أزمة مالية غير مسبوقة تهدد وجودها وخدماتها ومصيرها. وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أنه لا يمكن فصل الزيارتين عن الأوضاع العامة في لبنان، وعن إعادة التموضع الفلسطيني بما يحاكي المرحلة المقبلة، خصوصًا في ما يتعلق باستحقاق السلاح الفلسطيني المدرج ضمن خطة الدولة اللبنانية، وتفعيل دور اللجان الشعبية لتكون قادرة على إدارة شؤون المخيمات، وصولًا إلى فتح قنوات للتواصل والتنسيق مع الجهات الرسمية اللبنانية. اللواء خليل، الذي تفقد عددًا من مراكز الأمن الوطني في المخيمات وعقد سلسلة اجتماعات مع الضباط والعناصر، شدّد على أن "الوقت لا يترك لنا ترف الانتظار"، موضحًا أنه حضر إلى لبنان بتكليف مباشر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لإعادة النظر في هيكلية العمل الفلسطيني على الساحة اللبنانية، وتحديدًا الأمن الوطني الفلسطيني، في إشارة واضحة إلى حجم الاستحقاق الوطني الذي ينتظر الجميع، على وقع حسابات إقليمية ودولية متداخلة ومعقدة. أما أبو هولي، الذي التقى مديرة عام وكالة الأونروا دوروثي كلاوس، فقد خرج بانطباع أن الحصار السياسي والمالي على الوكالة بلغ مرحلة خطيرة يمكن وصفها بـ"تسونامي مالي"، بعدما أصبحت خزائنها فارغة، ما يهدد استمرار خدماتها لا تقليصها فحسب، وينذر بانهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية والحماية. أبو هولي الذي تحدث بلغة الأرقام الجارحة: 85% نسبة الفقر والبطالة ، خدمات صحية وإغاثية تتآكل يومًا بعد يوم، وإن أوضاع اللاجئين "صعبة وخطيرة" لكنه أكد على ضرورة استمرار عمل الأونروا في تقديم خدماتها، باعتبارها جزءًا من التزام المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين وفق التفويض الممنوح لها. ووفقًا للمصادر الفلسطينية، فإن النقاش لم يعد يقتصر على تراجع التعليم عبر إقفال أو دمج بعض المدارس، بل امتد ليشمل القطاع الصحي، حيث تدرس الوكالة خيارات صعبة ومؤلمة من قبيل دمج أو إغلاق بعض العيادات، الأمر الذي يضع الرعاية الطبية للاجئين على المحك. كما تتفاقم الأزمة مع المصير المجهول للمساعدات النقدية، التي تُعد شريان حياة لآلاف الأسر، إذ باتت مهددة بالإلغاء، وقد يقتصر صرفها على دفعة واحدة فقط للاجئين القادمين من سوريا قبل توقفها نهائيًا. ويجري في الوقت ذاته بحث مقترح لتعديل الفئة العمرية للمستحقين للمساعدات النقدية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مما سيحرم آلاف الأطفال من هذا الدعم الحيوي. ومنذ عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول 2023، تتعرض الأونروا لهجوم سياسي إسرائيلي-أميركي غير مسبوق يهدف إلى محاصرتها ماليًا وصولًا إلى وقف عملها وخدماتها في مختلف الأقطار، تمهيدًا لتصفيتها كخطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، إذ ما زالت الوكالة تمثل شاهدًا حيًا على نكبة فلسطين حتى اليوم. وخلال هذا العام، لم يتردد المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، في دق ناقوس الخطر مرارًا، محذرًا من "أزمة وجودية" تهدد الأونروا بالزوال. قال بوضوح إن موازنة عام 2025 تعاني من عجز يقارب 200 مليون دولار، بعد أن انسحب مانحون كبار على رأسهم الولايات المتحدة. الأخطر أن لا إيرادات متوقعة لتغطية العجز في الربع الأول من عام 2026، ما يعني أن المستقبل مرهون بالفراغ. وفي المقابل، لم تُخفِ دوروثي كلاوس خشيتها من الانهيار، مؤكدة أن إدارتها تسابق الزمن لإيجاد حلول مؤقتة تبقي على شعلة الخدمات الأساسية مضاءة، ولو بخيط رفيع. لكنها اعترفت بمرارة: "إذا لم يُسدّ العجز الحالي، فإن استمرارية التعليم والصحة والإغاثة ستكون جميعها على المحك، وأي انقطاع ستكون له عواقب وخيمة، خصوصًا في لبنان حيث اللاجئون بلا بديل، والأونروا هي المنفذ الوحيد لهم".


الميادين
منذ 36 دقائق
- الميادين
الاقتصاد الإسرائيلي ينكمش 3.5% بالربع الثاني.. ما هي تأثيرات الحرب على إيران؟
أفادت القناة "13" الإسرائيلية أنّ الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بنسبة 3.5% خلال الربع الثاني من العام الجاري 2025، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الحرب. وبحسب بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي، أوضح التقرير أنّ الحرب مع إيران انعكست بشكل سلبي على النتائج الاقتصادية. اليوم 01:42 17 اب وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية كشفت في وقت سابق أنّ الاقتصاد الإسرائيلي خسر عشرات المليارات من الشواكل نتيجة الحرب الإسرائيلية على إيران، مؤكدةً أنّ الحرب التي استمرت 12 يوماً ألحقت أضراراً بالناتج المحلي الإسرائيلي بنحو 52 مليار شيكل (أكثر من 14 مليار دولار أميركي). وأضافت: "حتى لو افترضنا أنه يمكن تعويض نصف الضرر في النشاط الاقتصادي من خلال نشاط معزّز لاحقاً، فلا يزال الحديث عن ضرر يبلغ نحو 26 مليار شيكل، أي 1.3% من الناتج، وهو مبلغ كبير". وفي سياقٍ متّصل، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الكلفة الاقتصادية للحرب المستمرة على قطاع غزة بلغت حتى الآن نحو 300 مليار شيكل (نحو 81 مليار دولار أميركي)، مع ترجيحات بأنّ الرقم قد تمّ تجاوزه بالفعل. وقال شاؤول أمستردمسكي، معلّق الشؤون الاقتصادية في قناة "كان" الإسرائيلية، إنّ هناك نقاشاً داخلياً دائراً في وزارة المالية بشأن هذا الرقم، موضحاً أنّ جزءاً كبيراً من الكلفة يتعلّق بالعمليات العسكرية. وكان مدير وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني مكسيم ريبنيكوف، قد استبعد رفع التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" قبل انتهاء الحرب في قطاع غزة، لأنها تؤثّر في اقتصادها ووضعها المالي.


بيروت نيوز
منذ 2 ساعات
- بيروت نيوز
الأسواق النفطية تنتظر من دون وعود ملموسة
لم تحمل القمة التاريخية التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم الجمعة الماضي أي انفراجة واضحة في الحرب الأوكرانية أو في ملف إمدادات الطاقة العالمية، رغم الترقب المسبق الذي غذّى الآمال بصفقة قد تعيد رسم خريطة العقوبات على موسكو وتنعكس على أسعار النفط. كانت الأسواق تتوقع إشارة حاسمة حول رفع العقوبات أو فتح المجال أمام تدفقات أوسع من الخام الروسي، لكن النتيجة اقتصرت على تصريحات عن 'لقاء مثمر' من جانب ترامب و'نقاش بنّاء' من جانب بوتين، من دون أي تفاصيل أو التزامات ملزمة تذكر. واصلت أسعار النفط التحرك تحت سقف 70 دولاراً للبرميل، بعيدة عن ذروتها التي تجاوزت 125 دولاراً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. أغلق خام غرب تكساس الوسيط تسليم سبتمبر/أيلول الجمعة عند 62.8 دولار للبرميل، منخفضاً 1.7% خلال الأسبوع. وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن صادرات روسيا من النفط تراجعت بشكل «محدود» فقط منذ الغزو، إذ بلغت 4.3 مليون برميل يومياً في النصف الأول من 2025 مقارنة بـ4.8 مليون برميل في 2024، مع تعويض الانخفاض نحو أوروبا بزيادة المبيعات إلى آسيا، خصوصاً الهند والصين. وفي هذا السياق، تفوقت الهند على الصين لتصبح أكبر مشترٍ للخام الروسي، مستحوذة في 2024 على 34% من صادرات روسيا النفطية مقابل 26% للصين، فيما تظل تركيا من أبرز المستوردين للطاقة الروسية بمختلف أنواعها. ورغم أن ترامب كان يراهن على ورقة خفض أسعار الطاقة لدعم شعبيته الانتخابية، فإن القمة لم تغير واقع أن روسيا ما زالت لاعباً ثقيلاً داخل تحالف «أوبك+»، وأن إنتاجها لا يزال مقيّداً ليس فقط بالعقوبات، وإنما أيضاً بحصص التحالف وبتأثير سنوات من ضعف الاستثمارات في البنية التحتية. ويرى الخبراء أن الرهان لم يكن على «طفرة مفاجئة» في الإمدادات بقدر ما كان على معرفة ما إذا كانت علاوة الحرب ستتلاشى جزئياً أو إذا كانت هناك تصريحات قادرة على تحريك الأسواق، لكن النتيجة النهائية كانت أقرب إلى «لقاء استكشافي» أنتج صوراً إيجابية وبعض الكلمات الدافئة من دون أي التزامات جديدة.