
خبير عسكري: المقاومة تطبق إستراتيجية تستهدف استنزاف الاحتلال يوميا
ورأى جوني خلال تحليل عسكري أن مقتل جندي إسرائيلي اليوم في عملية وصفتها وسائل الإعلام العبرية بـ"الحدث الأمني الصعب"، يندرج ضمن هذا النهج الذي يُبقي الاحتلال تحت الضغط الميداني، ويمنعه من تثبيت أي إنجاز عسكري حقيقي، خاصة مع تكرار الخسائر في المواقع التي يفترض أنها "مؤمنة".
واعتبر أن العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة في المناطق التي يدّعي الاحتلال تطهيرها تُثبت إخفاق عقيدته العسكرية، وتكشف عن هشاشة محاور التوغل التي أقامها في مناطق مثل شرق خان يونس، في محاولة لعزل الجبهات وتقليص ساحة المواجهة.
وكانت سرايا القدس -الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي – قد أعلنت في وقت سابق تفجير عبوة ناسفة في آلية عسكرية إسرائيلية أثناء توغلها جنوب شرق دير البلح وسط قطاع غزة، مؤكدة وقوع إصابات مباشرة في صفوف الجنود، في عملية تمثل جزءا من سلسلة هجمات نوعية تشنها الفصائل ضد القوات المتوغلة.
وأشار العميد جوني إلى أن الاحتلال لجأ إلى شقّ محور يربط بين مناطق شمالية وأخرى جنوبية في محيط خان يونس، في مسعى لعزل شرق المدينة عن غربها وإحكام السيطرة عليها، لكنه فشل في وقف عمليات المقاومة المتكررة، مما اضطره إلى العودة إلى "مربعات أمنية ضيقة" لمواجهة التهديدات.
وأوضح أن هذا الفشل العملياتي أعاد الجيش الإسرائيلي إلى الاعتماد على ما يسميه "العقيدة الأمنية"، القائمة على التحكم بمربعات محصورة بدلًا من السيطرة الكاملة، وهو ما يدل على عجز تكتيكي وإستراتيجي متواصل في الميدان، رغم مرور أكثر من 9 أشهر على اندلاع الحرب.
وفي سياق متصل، علّق جوني على إعلان جيش الاحتلال عن أول توغل بري له في دير البلح منذ بداية الحرب، قائلا إن العملية تهدف للضغط على البيئة المدنية، عبر دفع النازحين باتجاه مناطق أكثر ازدحاما جنوب القطاع، وبخاصة نحو منطقة المواصي.
وأكد أن التوقيت السياسي للعملية، الذي يتزامن مع مسار تفاوضي حرج، يكشف عن محاولة إسرائيلية لاستغلال العمليات الميدانية لتعزيز موقفها التفاوضي، من خلال إحداث تغيير في الوقائع المدنية والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.
ولفت إلى أن تنفيذ العملية بواسطة كتيبة واحدة فقط من لواء غولاني يعكس أزمة بشرية متفاقمة داخل الجيش، مشيرا إلى أن معلومات سابقة تحدثت عن نقص حاد في أعداد الضباط، لا سيما في سلاح الهندسة، مما يُفسر انكفاء الاحتلال عن عمليات واسعة في مناطق أخرى.
وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد أفادت بوجود عجز في الجيش يصل إلى 300 ضابط ضمن صفوف القادة الميدانيين، إلى جانب أزمات مماثلة في وحدات التفكيك والهندسة، وهو ما يعكس الضغوط الهيكلية التي يعاني منها الجيش بعد أشهر طويلة من المعارك المستنزفة.
فرصة للمقاومة
ورأى جوني أن هذا النقص في القوى البشرية يُجبر الاحتلال على تنفيذ عمليات موضعية لا تتناسب مع طبيعة التهديدات، مشددا على أن كل توسع عملياتي بهذه الظروف يشكل فرصة إضافية أمام المقاومة لتوجيه ضربات جديدة تُفاقم خسائر الجيش الإسرائيلي.
وتابع أن إصرار المقاومة على تنفيذ كمائن دقيقة وعمليات تفجير واستهداف مباشر للجنود في مناطق متفرقة يبرهن على قدرتها الاستخباراتية واللوجستية، ويؤكد أن بنيتها العسكرية لم تتفكك رغم القصف الكثيف ومحاولات الإطباق المتكررة.
وكانت الفصائل الفلسطينية قد كثّفت مؤخرا من بث مشاهد مصورة توثق عمليات استهداف الجنود والآليات، في مؤشر على سعيها لتعزيز التأثير النفسي والإعلامي لهذه الهجمات، ورسالة واضحة بأن المعركة لم تُحسم ميدانيا لمصلحة الاحتلال.
وتُظهر المشاهد المنشورة عمليات تفجير وكمائن محكمة ألحقت دمارا واسعا بآليات عسكرية إسرائيلية، وأسفرت عن مقتل وجرح جنود، وسط تأكيدات متكررة من الفصائل أن الاحتلال يتكبد خسائر متواصلة في الأرواح والعتاد.
وتشير إحصاءات جيش الاحتلال إلى مقتل 893 عسكريا وإصابة أكثر من 6100 منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين تقول فصائل المقاومة إن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير، بالنظر إلى ما توثقه من عمليات ناجحة يومية ضد القوات المهاجمة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
الأطفال الجائعون وتفشي البلادة الأخلاقية
على مدى ما يقارب عامين، وغزة تُدمر على رؤوس ساكنيها أطفالا ونساء وكهولا في مشهد إجرامي تراجيدي همجي جبان، يفوق خيال أخصب المتخيلين بشاعة، وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع. مشهد غزة الدامي وحده مَن رفع الستار وأزال الأقنعة عن كثيرين ممن ظلوا طويلا يلوكون مصطلحات التمدن والحضارة والإنسانية والحداثة السياسية وحقوق الإنسان وهلم جرا، وحتى ستار أولي القربى من إخوة الدين والعقيدة والدم والنسب. إن مأساة غزة اليوم كبيرة جدا، وتتعدى حدود مأساويتها جغرافيا غزة الصغيرة، وتتخطى ذلك إلى كامل الجغرافيا الكونية، هذه المأساة هي بمثابة شهادة وفاة لكل شيء إنساني ذي قيمة في هذه اللحظة البشرية الأكثر قتامة وسقوطا وانهيارا لكل القيم والمسميات، وفي القلب منها سقوط الحضارة ودفنها وعودة الهمجية والبدائية والوحشية بأبشع صورها ومسمياتها. لا شيء يفسّر ما يجري في غزة اليوم، سوى أن التدهور الأخلاقي قد بلغ ذروته، وأن خللًا عميقًا أصاب الضمير الإنساني، فلا تفسير لهذا الصمت المطبق إزاء إبادة جماعية تُرتكب بسبق الإصرار والترصد، سوى وجود تواطؤ مقصود، ورضا ضمني عمّا تقترفه آلة نتنياهو وعصابته الصهيونية. هذا التواطؤ لن يمرّ دون ثمن، وسيُعيد البشرية قرونًا إلى الوراء، متجاوزًا كل ما راكمته من قيم في مسيرتها نحو التحضر والإنسانية. لسنا هنا بصدد التباري بحشد كل مصطلحات البلاغة اللغوية لتوصيف ما يجري فقد فاق ما يجري كل قدرة العقل البشري اللغوي على وصف الجريمة، فما يجري لا يفسره سوى السقوط والانحلال لكل مكتسبات إنسان اليوم في سُلم الرقي والتطور الأخلاقي، والارتداد إلى ما قبل كل ذلك. وهو ما قد يُعجز البعض عن تفسير هذا الانحدار، لكن من يتأمل قليلا في مسرح الأحداث سيدرك جيدا أن كل ما يجري في غزة اليوم ليس سوى الحقيقة العارية التي ظل الغرب وأدواته طويلا يحاولون سترها وحجبها عنا. لهذا بدأت أصوات غربية تعلو رافضة لما يجري، ويفوق تصوراتهم عن بشاعة الجريمة، فهذا المفكر الفرنسي ديدييه فاسين والأستاذ في كلية فرنسا كوليج دو فرانس والذي لم يتحمل ما يجري فأصدر كتابا بعنوان: "هزيمة غربية"، وصف فيه الأحداث في غزة بأنها "أعمق هاوية أخلاقية سقط فيها العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية". مشيرا إلى أن دعم الغرب لإسرائيل وسط تدمير غزة واستهداف المدنيين، يعكس ازدواجية معايير وتواطؤا أخلاقيا، منتقدا الصمت الغربي إزاء قتل الأطفال، وتدمير المستشفيات والمدارس. وهذا مواطنه الفرنسي باسكال بونيفاس الخبير في الشؤون الجيوسياسية، تحدث في كتابه: "رخصة للقتل: غزة بين الإبادة الجماعية والإنكار والهاسبارا"، عن تورط الغرب في التغطية على الأحداث، مؤكدا أن من ينكرون الإبادة "لا يريدون أن يعلموا". صحيح أن ثمة أصواتا كثيرة أدانت هذه الحرب واصفة إياه بالإبادة من سلافوي جيجك إلى نعوم تشومسكي ، مرورا بعدد غير قليل من الفلاسفة والنشطاء الغربيين، لكن هذه الأصوات لم تغير من حقيقة التوجه الغربي الرسمي شيئا تجاه ما يجري لأكثر من مليوني إنسان محاصرين بالقتل والجوع في غزة، فثمة صمت قاتل لا يقل جريمة عن سلاح القتل الذي تعربد به دولة الكيان الصهيوني، إن لم يكن هو سلاح الجريمة الأشد فتكا بالغزيين. لكن دعونا من الغرب ونخبه ودوله وقياداته، فهم قد وصلوا إلى مرحلة من الانكشاف الذي لا يمكن ستره، وهو مفهوم في إطار المعادلة الكولونيالية الحاكمة للعالم، والتي يعيد الغرب تذكيرنا بها حتى لا ننساها أو نغفلها أحيانا، وهو أن هذه الرقعة الجغرافية بكل مشاكلها وإشكالياتها هي صنيعة غربية بامتياز. السؤال الذي يبحث عن إجابة هو: أن صمت الغرب في هذا السياق ربما يعد مفهوما اليوم، لكن ماذا عن العرب والمسلمين اليوم حول العالم، كيف تواطؤوا هكذا ضد كل قيمهم وأعرافهم وأخلاقهم ومعتقداتهم التي تحض على مناصرة المظلومين ومقاومة الظالمين في كل وقت وحين حتى يكفوا ظلمهم عن الناس؟، ما الذي أصاب القوم ليلوذوا بكل هذا الصمت؟! لا شيء يفسر هذا الحال المزري الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية، سوى أن الأمة قد أصيبت بالتبلد، وأن مشاهد القتل اليومي والدمار وقتلى الجوع، قد أصابت القوم بنوع من التطبيع مع هذه المشاهد، وهو ما يجعلهم يشاهدونها يوميا وكأنها مشاهد سينمائية وخدع بصرية ليس إلا. إن هذا النقل المباشر للجريمة، بقدر ما يفترض أنه يحمي الضحية، بقدر ما يعطل حاسة الاشمئزاز والرفض والإنكار للجريمة التي من كثرة مشاهدها تطبّعت النفوس على التعايش معها، رغم كل ما فيها من وحشية وقسوة وإجرام يفوق التصور. الجانب الآخر والأخطر في هذا الصمت العربي والإسلامي، هو حالة التطبيع مع توجهات الأنظمة الحاكمة تجاه ما يجري في غزة، والتعلل بأن كل حكومة لها ظروفها الخاصة وتقديراتها للأمر، مع أن هذه الحكومات لا تملك قرارا خاصا بها بقدر ما تنفذ كل ما يملى عليها غربيا، وأن الشعوب المطبعة مع هذه الحكومات، لا يمكن أن تجد مبررا أخلاقيا أو سياسيا أو قل ما شئت من المبررات، يمكنه أن يعفيها من الغضب والمسؤولية الملقاة عليها، أخلاقية أو إنسانية كانت. ليس مبالغة اليوم القول إن ما يجري لغزة شيء من خارج التاريخ الإنساني كله، فالتاريخ البشري مليء بالأحداث التي تحكمها سياقاتها الزمنية والمكانية المختلفة، لكن هذا التاريخ ربما لم يسجل سابقة كسابقة غزة اليوم، حيث يتم إبادة الأطفال والشيوخ والحوامل بالسلاح والجوع والوحشية، وأمام أعين الكاميرات والهواتف. لهذا كله، فإن الصمت اليوم لم يعد مقبولا ولا معقولا، وأن هذا الصمت هو سلاح الجريمة الأشد فتكا من كل أسلحة الكيان الصهيوني، لما يمثله من مشاركة ورضا ضمني بما يجري من إبادة، فالجميع اليوم على امتداد الجغرافيا الإنسانية مسؤولون عما يجري لغزة وأهلها، ولا شيء يبرر هذا الصمت تجاه كل هذا الإجرام مطلقا، فإن صمتت الحكومات، وهذا عهدنا بها، فكيف بالشعوب أن تصمت، فالصمت لم يعد مجرد خيانة، وإنما جريمة مركبة في عالم اليوم المفتوح؟! ندرك جيدا أن الغرب أطلق لدولة الكيان العنان، وندرك أيضا أن حكوماتنا العربية تقوم بواجبها المنوط بها غربيا، لكن لا يمكن سريان ذلك على الشعوب، التي لا تعرف الحسابات السياسية الدقيقة، وإنما تستجيب لمشاعرها وتحدياتها المحيطة بها، ولا يمكن تدجينها إلى هذا الحد من الذل والخضوع. فما يجري شيء يدعو للحيرة والعجب معا، وخاصة أن غزة ليست سوى حائط الصد الأخير لطوفان الإجرام الصهيوني والغربي، وأن إبادة غزة ليست سوى البروفة التحضيرية لما بعدها من إبادات لن تستثني أحدا في حدود هذه الجغرافيا العربية المستلبة.


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
أسير إسرائيلي جائع يحفر قبره.. المقاومة تزلزل العالم
لا مجال بعد اليوم أمام حكومة بنيامين نتنياهو لإنكار وجود مجاعة في غزة بعد الفيديو الذي بثته المقاومة الفلسطينية ليُظهر آثار جوع شديد على أسير إسرائيلي في القطاع، وهو يقول لهذه الحكومة بصوت خفيض: "أموت جوعا، أدخلوا الطعام". قبل أيام خرج نتيناهو ليقول: "لا أحد في غزة يتضور جوعا"، وينفي أن يكون التجويع سياسة لحكومته، ويزعم أن الجيش الإسرائيلي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية طوال فترة الحرب، ثم يبني حجة، تبدو واهية بالطبع؛ مفادها أن وجود غزيين أحياء، حتى الآن، هو دليل على عدم وجود مجاعة. بنت إسرائيل، منذ شهور، سرديتها الراهنة في الرد على اتهامها بإحداث مجاعة- هي حقيقة دامغة ظاهرة عيانا بيانا- على خمس ذرائع، هي: 1 ـ استدعاء التصور الذي أشاعته إسرائيل، على مدار عقود من الزمن، بأن جيشها هو "الأكثر أخلاقية في العالم"، ولم يكن هذا أمرا حقيقيا بالطبع، لكنّ كثيرين في العالم لم يعنِهم التدقيق فيه، ولا تكذيبه، بل إن هناك من روج له في الإعلام الغربي، وبعض الأدبيات العسكرية والسياسية هناك. لكن هذا الاستدعاء لا يبدو نافعا هذه المرة، بعد ارتكاب هذا الجيش "إبادة جماعية"، وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، وتدمير بيوت المدنيين في قطاع غزة. 2 ـ الادعاء أن حركة "حماس" تسرق المساعدات التي تدخل القطاع، وتعيد بيعها بأضعاف ثمنها، وهو أمر كذبته الأمم المتحدة في نفيها أن يكون نهب المساعدات ممنهجا، وقولها إنه يتضاءل، بل يتوقف تماما، حال السماح بدخول مساعدات كافية، كما كذبته تصريحات بعض المسؤولين في الغرب، وشهود عيان، ثم ثبت أن هناك مجموعات عميلة لإسرائيل هي التي تستولي على المساعدات الشحيحة التي تدخل القطاع بشق الأنفس، حتى لا تصل إلى مستحقيها. 3 ـ اتهام حركة حماس بأنها تمارس دعاية ضد إسرائيل من خلال المبالغة في الحديث عن نقص الطعام والدواء في غزة، بغية جلب تعاطف إنساني معها، وأملا في ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل كي توقف الحرب. لكن هذا الاتهام تكذبه أوضاع على الأرض، ترصدها وسائل الإعلام، وتقرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي وصفت المجاعة في غزة بأنها "من صنع الإنسان بالكامل."، قاصدة بهذا قوات الاحتلال الإسرائيلي. 4 ـ محاولة التنصل من الالتزامات التي تقرها القوانين الدولية على أي قوة محتلة حيال الشعب الواقع تحت الاحتلال. فغزة، وإن كانت إسرائيل قد انسحبت منها قبل نحو عشرين عاما مضطرة، فإنها لم تتحول إلى دولة أو كيان سياسي أو شخصية اعتبارية مستقلة، وحتى لو صارت وفق اتفاقية أوسلو 1993 ضمن منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني مع الضفة الغربية، فإن هذا بقي أمرا نظريا، أما في الواقع فلم توقف إسرائيل تصرفها، طوال الوقت، كقوة احتلال للفلسطينيين. وفيما يخص حالة المجاعة حاولت إسرائيل أن تلقي بالمسؤولية على عاتق من يدير القطاع، قاصدة بهذا حركة حماس تحديدا، تارة، أو أطرافا إقليمية- لا سيما مصر- تارة أخرى، مع أن إسرائيل احتلت الجانب الآخر من معبر رفح بين مصر وغزة، ولن تسمح بدخول مساعدات منه، في انتهاك واضح لاتفاقية المعابر التي وقعت 2005. وهنا لم يعد الحديث عن "التزام المحتل" محض افتراض، لا سيما بعد أن بدأت تل أبيب عملية عسكرية أطلقت عليها "عربات جدعون"، تتضمن خططا لاحتلال القطاع بالكامل. 5 ـ الاختباء خلف "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، والادعاء بأنها معنية بتوفير الغذاء لأهل القطاع مع أنها، وبشهادة مايكل فخري مسؤول الغذاء بالأمم المتحدة، لا تعدو كونها محض خطة عسكرية وسياسية وليست إنسانية على الإطلاق، حيث يستخدم الغذاء سلاحا؛ بغية التضييق على المقاومة أولا، ثم جعل العيش مستحيلا على سكان غزة المدنيين، حيث تهاجم القوات الإسرائيلية باستمرار مناطق توزيع الغذاء، وتطلق النار الحي على الجائعين الذين يأتون إليها، وكأنهم مجرد "حيوانات"، حسب وصف فخري، في ممارسة لـ "تطهير عرقي" فاضح، يمثل خرقا وانتهاكا كاملين للقانون الدولي. وقد أيدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذه الرواية حين اتهمت القوات الإسرائيلية "بأنها قد أقامت نظاما عسكريا معيبا لتوزيع المساعدات في غزة، وحولت هذه العملية إلى "حمام دم، ومصيدة للموت". وهناك اختباء آخر لإسرائيل خلف دعايات تصاحب السماح بدخول بعض المساعدات عبر البر أو الإنزال الجوي، كما جرى في الأيام الأخيرة، مع أن هذا يوصف في تقارير الأمم المتحدة نفسها بأنه "قطرة في محيط"، حيث ترفض إسرائيل السماح بدخول معونات مكدسة في مدينة العريش المصرية تكفي سكان القطاع لثلاثة أشهر، حسب تقدير الأونروا، التي قدرت أن غزة تحتاج، لتجاوز المجاعة، دخول ألف شاحنة يوميا على الأقل. لم تنصت إسرائيل إلى بيان أصدرته ثلاث وعشرون دولة إلى جانب مسؤولين رفيعي المستوى في الاتحاد الأوروبي، يطالبها بالسماح الفوري باستئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وصمّت أذنيها، وأغلقت عينيها، عن بيان آخر لقادة فرنسا، وبريطانيا، وكندا يطالبها بوقف "الإبادة الجماعية" لأهل القطاع، بعد أن وصل "مستوى المعاناة الإنسانية في غزة إلى حد لا يطاق"، كما أهملت نتائج تقرير صدر عن برنامج الأغذية العالمي، رأى أن وضع الأمن الغذائي في قطاع غزة غاية في الحرج، وأن العالم يجب أن يكون في سباق مع الزمن من أجل تفادي آثار المجاعة. أمام هذا الإنكار الإسرائيلي لم يكن أمام المقاومة من سبيل سوى تقديم رد عملي دامغ بنشر مقطع فيديو لأسير إسرائيلي لديها، كان من المقرر الإفراج عنه في صفقة تتعثر لتعنت نتنياهو، وقد نحل جسده، وبرزت عظامه من فرط الجوع، صحبته عبارة دالة تقول: "قررت حكومة الاحتلال تجويعهم". وأخرى تقول: "يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب". ومعها لقطات تبين الحالة المزرية التي عليها أطفال غزة الرضع، وتصريحات لوزير الأمن القومي الإسرائيلي المتشدد إيتمار بن غفير يقول فيها إن ما يجب إرساله إلى غزة في المرحلة المقبلة هو القنابل، بالإضافة إلى تصريحات لنتنياهو جاء فيها: "إتاحة الحد الأدنى من المساعدات". أحدث هذا الفيديو ردَ فعلٍ قويا داخل إسرائيل، فزعيم المعارضة يائير لبيد تساءل عما إذا كان بوسع أعضاء الحكومة أن يناموا مستريحي الضمائر بعد أن رأوا الحالة المزرية التي عليها الأسير. وتحدث البعض عن أن صورة الأسير، وكذلك صور جوعى غزة، تذكر بما كان عليه اليهود المتحتجزون في معسكرات النازي. ورفعت عائلات الأسرى الإسرائيليين شعارا يقول: أوقفوا هذا الجنون، ووقعوا اتفاقا شاملا لإعادة جميع المختطفين". بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه الذي كان قد اكتفى بالقول عن أطفال غزة: "يبدو أنهم جائعون جدا"، عاد ليقول: "أعمل على خطة لتوفير الطعام لأهل غزة." ثم أرسل مبعوثه ويتكوف ليصحب سفير أميركا لدى إسرائيل في زيارة لغزة يقدم فيها تقريرا لترامب عن أوضاع الغذاء هناك. ربما تفلح هذه الضغوط في وضع حد للمجاعة في غزة، أو التخفيف منها، وربما يلجأ نتنياهو إلى إجراءات تجميلية اعتاد عليها، لتفادي آثار جريمة التجويع على صورة إسرائيل، ومنها ما تسمى "هدنا إنسانية يومية" لعشر ساعات في مناطق مكتظة بالسكان، للالتفاف على المطلب الفلسطيني بالعودة الكاملة إلى نظام توزيع المساعدات الذي تقوده الأمم المتحدة، والذي كان قائما طوال الحرب. وربما ينتهي الأمر بالاكتفاء باقتراح ترامب بـ "إنشاء مراكز للطعام، بدون أسوار أو حدود لتسهيل الوصول إليها". لكن هذه الإجراءات الجزئية لا يمكنها إنهاء المجاعة المتفاقمة، حتى لو حافظت إسرائيل على معدل دخول 146 شاحنة فقط يوميا إلى القطاع، حسب تقديرات جيشها، بينما المطلوب هو دخول ما بين 500 و600 شاحنة على الأقل، وهذا لن يحدث إلا إذا توقفت الحرب، وتخلت إسرائيل عن توظيف الغذاء كسلاح من أجل جعل الحياة في القطاع مستحيلة، وبالتالي إجبار أهله على الهجرة القسرية.


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. التجويع يحصد مزيدا من الشهداء وعائلات الأسرى تهاجم نتنياهو
في اليوم الـ667 من حرب الإبادة على غزة ، استشهد 7 فلسطينيين على الأقل خلال الساعات الـ24 الماضية بسبب أزمة التجويع، كما استشهد 35 شخصا بنيران الاحتلال عند نقاط توزيع المساعدات.