logo
ريادة إماراتية في زمن الحروب التجارية

ريادة إماراتية في زمن الحروب التجارية

صحيفة الخليج٢٠-٠٤-٢٠٢٥

جابر محمد الشعيبي*
في خضم الحروب التجارية التي أطلقت شرارتها الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على واردات من عدة دول، لم تكن دولة الإمارات بمنأى عن تداعيات هذه السياسات، رغم عدم استهدافها المباشر، إلا أن الإمارات برزت كنموذج ريادي في كيفية التعامل مع هذه التحولات الجيو-اقتصادية. فقد استطاعت الدولة أن تتجاوز موقع المتأثر إلى موقع المؤثر، من خلال استراتيجيات استباقية جعلت منها مركزاً اقتصادياً عالمياً يعيد توجيه مسارات النمو في الشرق الأوسط وخارجه.
إن قرار الإدارة الأمريكية برفع الرسوم الجمركية على سلع قادمة من الصين، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى، قد أدى إلى اضطراب واسع في حركة التجارة العالمية وموجة من التحديات مباشرة وغير المباشرة، ترتبط بتعقيدات سلاسل التوريد، وارتفاع التكاليف، وتراجع الطلب في بعض الأسواق العالمية وخسارة غير مسبوقة في أسواق الأسهم العالمية.
تبنّت الإمارات مقاربة متعددة المسارات لمواجهة تداعيات الحروب التجارية، حيث استثمرت في بنيتها التحتية اللوجستية ووسّعت شبكة علاقاتها التجارية وزيادة تنافسيتها عبر اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA). ومن أبرز هذه الاتفاقيات، الشراكة مع الهند التي من المتوقع أن ترفع حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى أكثر من 100 مليار دولار بحلول 2030. كما عقدت الإمارات شراكات مماثلة مع إندونيسيا وتركيا وكوريا الجنوبية، ما أسهم في تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في منظومة التجارة متعددة الأطراف، وأتاح لها تنويع أسواق التصدير مما قد تستخدم الشركات الصينية الموانئ الإماراتية لإعادة تصدير منتجاتها إلى أسواق أخرى لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية. بالإضافة إلى اعتماد الإمارات مؤخراً ضمن مجلس الوزراء 44 اتفاقية دولية في مجالات اقتصادية وتنموية وحكومية والبدء في التفاوض على اتفاقيات لحماية وتشجيع الاستثمارات مع 30 دولة حول العالم.
ضمن هذا المشهد، يبرز دور مجلس التعاون الخليجي كمنصة تكاملية قادرة على توسيع نطاق تأثيرها في تعزيز التجارة البينية الخليجية وتنسيق السياسات الصناعية والجمركية بين دول المجلس، من شأنه أن يخلق تكتلاً اقتصادياً قادراً على مواجهة التحديات العالمية بفاعلية. الإمارات يمكن أن تقود هذا التوجه عبر نقل خبراتها في مجال التفاوض التجاري، وتطوير التشريعات الاقتصادية، وتحفيز التكامل اللوجستي، بما يعزز من قدرة المنطقة ككل على استقطاب الاستثمارات وتقديم نفسها كبديل جذاب في منظومة التجارة الدولية.
كما أن انضمام الإمارات إلى مجموعة بريكس يُعد تطوراً استراتيجياً في سياق التغيرات الجيو-اقتصادية العالمية. فالمجموعة، التي تضم قوى مثل الصين، الهند، وروسيا، توفر منصة للتنسيق الاقتصادي وتُمكن عضوية الإمارات من الوصول إلى أسواق ضخمة، وتبادل الخبرات، والمشاركة في صياغة توجهات تجارية ومالية جديدة. من خلال هذا الدور، تستطيع الإمارات أن توسع نفوذها الاقتصادي وتنسق السياسات التجارية مع تنوع الشركاء، مما يعزز من قدرتها على التكيف مع الحروب التجارية ويوفر لها دعماً دبلوماسياً واقتصادياً في المحافل الدولية.
في الوقت ذاته، عززت الإمارات موقعها كبوابة بديلة للتجارة العالمية، حيث قدر تقرير ل «موردور إنتليجنس» العالمية للأبحاث، حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية في الإمارات بنحو 20.11 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع توقعات بتحقيق نمو سنوي مركب يتجاوز 7% ليصل إلى 30.19 مليار دولار بحلول عام 2030. هذا الدور لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة استثمارات استراتيجية طويلة المدى في الموانئ، المناطق الحرة مثل «جافزا» و«كيزاد»، والتقنيات الذكية في إدارة التجارة، واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين لتسريع الإجراءات الجمركية وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد.
ومع سعي بعض الشركات العالمية في قطاع الصناعة إلى تفادي حروب الرسوم الجمركية قد تبحث عن إقامة منشآت تصنيع أو تجميع في الإمارات كبديل استراتيجي لتلبية الطلب الإقليمي والدولي وبالتوازي قد تدفع تلك القيود التجارية الدولية إلى تسريع الإمارات بشكل أكبر في بناء قدراتها المحلية في مجال التصنيع التقني والتقنيات المتقدمة، وهو ما يعزز من استقلالها الاقتصادي ويزيد قدرتها على الابتكار، حيث من خلال مبادرة مشروع 300«مليار» انطلاقاً من هدفها النهائي المتمثل في رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 مليار درهم بحلول 2031.
ومن المتوقع أن تتحول الإمارات إلى مركز إقليمي لحلول سلاسل التوريد الذكية، مستفيدة من بنية تحتية رقمية متقدمة وشبكات لوجستية عالمية المستوى. ومع توجّه عدد من الدول نحو سياسات حماية تجارية، ستجد الشركات العالمية في الإمارات بوابة مرنة وآمنة للوصول إلى أسواق متعددة.
ومن أهم توصياتنا في هذا الصدد، هو دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال إطلاق حزم تحفيزية في تسهيلات جمركية ورفع كفاءة الاستجابة التجارية.
اليوم، تتجاوز الإمارات دور المستجيب للأزمات إلى دور المبادر في صياغة نموذج أكثر عدالة وتوازن في التجارة العالمية. فبفضل حيادها السياسي واستقرارها الداخلي، أصبحت شريكاً موثوقاً للدول الباحثة عن بيئة استثمارية خالية من النزاعات في ظل نظام اقتصادي عالمي متقلب. كما أن دبلوماسية الدولة تعزز من التكامل بين القطاعات الاقتصادية، وضمان توازن بين التوسع الاقتصادي الخارجي، التي تشمل معظم اتفاقياتها بنوداً تتعلق بالاقتصاد الأخضر، والحوكمة البيئية، والابتكار، مع السياسات الوقائية الداخلية ما يجعل الإمارات دولة تصدر الفرص لا التحديات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صديق ترامب ينقذ كريستال بالاس من مقصلة الدوري الأوروبي
صديق ترامب ينقذ كريستال بالاس من مقصلة الدوري الأوروبي

العين الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العين الإخبارية

صديق ترامب ينقذ كريستال بالاس من مقصلة الدوري الأوروبي

قدم رجل أعمال أمريكي، صديق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عرضاً يمكن من خلاله إنقاذ المشاركة الأوروبية لفريق كريستال بالاس الإنجليزي. وحقق كريستال بالاس لقب كأس الاتحاد الإنجليزي في 17 مايو/ أيار بالفوز 1-0 على مانشستر سيتي في النهائي، ليحقق أول لقب في تاريخ النادي. وحجز كريستال بالاس عبر هذا الانتصار مقعداً في الدوري الأوروبي لموسم 2025-2026، إلى جانب مباراة الدرع الخيرية المعادلة لكأس السوبر في البلدان الأوروبية الأخرى. لكن قوانين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" تمنع مشاركة ناديين ينتسبان للمالك ذاته في بطولة قارية واحدة، وهو ما ينطبق على بالاس وأولمبيك ليون الفرنسي المملوكين لرجل الأعمال الأمريكي جون تيكستور. ويعتبر جون تيكستور أحد أكبر الداعمين لدونالد ترامب في حملته الرئاسية لتولي منصب رئيس أمريكا لفترة ثانية، والتي ظفر بها في نهاية 2024، قبل أن يتقلد الحكم رسمياً في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. وقد تلقى تيكستور عرضاً من وودي جونسون، وهو رجل أعمال أمريكي آخر ومالك فريق نيويورك جيتس، وعمل كسفير لأمريكا في المملكة المتحدة خلال فترة ترامب الأولى من 2016 إلى 2020. وأوضحت صحيفة "الصن" البريطانية في تقرير لها أن تيكستور الذي يملك نسبة 43% من أسهم بالاس، وكذلك يملك الحصة الأكبر في ليون، يواجه خطر حرمان أحد الفريقين من المشاركة القارية. وتنص لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" على أنه لا يجوز لفريقين يلعبان تحت المظلة نفسها ومملوكين للشخص ذاته المشاركة في إحدى بطولاته. ولم يهتم تيكستور بالأمر في البداية، لكن تتويج بالاس المفاجئ في مايو الماضي بكأس إنجلترا تسبب في أزمة لرجل الأعمال الأمريكي. وفي الوقت الذي يتوجب فيه على تيكستور بيع حصته في النادي بحلول 27 يونيو/ حزيران الحالي، جاءه عرض من جونسون المستثمر صاحب التاريخ الرائع في الاستثمار الرياضي والذي تبلغ ثروته الشخصية 3.4 مليار دولار. واشترى جونسون فريق نيويورك جيتس عام 2000، وتُقدر قيمة النادي في دوري كرة القدم الأمريكية الآن بحوالي 6.9 مليار دولار. ولطالما اهتم رجل الأعمال الأمريكي بشراء نادٍ في الدوري الإنجليزي الممتاز، بعد أن ارتبط اسمه بتشيلسي في عام 2022. aXA6IDgyLjIzLjIxMi45MiA= جزيرة ام اند امز AL

تكلفة ثقيلة لهيكلة البنوك الأوروبية.. مليارات لإنهاء العقود
تكلفة ثقيلة لهيكلة البنوك الأوروبية.. مليارات لإنهاء العقود

العين الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العين الإخبارية

تكلفة ثقيلة لهيكلة البنوك الأوروبية.. مليارات لإنهاء العقود

تم تحديثه الخميس 2025/6/12 08:54 م بتوقيت أبوظبي أنفقت البنوك الأوروبية أكثر من 1.1 مليار يورو (1.2 مليار دولار) على تسريح كبار الموظفين منذ عام 2018، مما يُبرز مدى إعادة الهيكلة التي شهدها القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة بالقارة العجوز. ودفعت بنوك دويتشه بنك وإتش إس بي سي وسانتاندير مجتمعةً ما يقرب من 850 مليون يورو (985.7 مليون دولار) كتعويضات نهاية خدمة لكبار موظفيها، بين عامي 2018 و2024، وفقًا لتحليل أجرته صحيفة فايننشال تايمز للإيداعات التنظيمية وحسابات الشركات. ودفعت بنوك سوسيتيه جنرال وبي إن بي باريبا وباركليز ويو بي إس 275 مليون يورو (318.4 مليون دولار) فيما بينها كتعويضات نهاية خدمة لكبار الموظفين خلال الفترة نفسها. وأظهر تحليل فايننشال تايمز أن مبلغ 1.13 مليار يورو (1.31 مليار دولار) تم توزيعه على 2100 من كبار الموظفين في البنوك السبعة المُقرضة - أي ما يعادل حوالي 540 ألف يورو (626.2 ألف دولار) لكل مصرفي. وتُسلّط هذه المدفوعات الضوء على مدى تطبيق العديد من البنوك الأوروبية الكبرى، مثل دويتشه بنك وإتش إس بي سي، لبرامج إعادة هيكلة واسعة النطاق في السنوات الأخيرة، بينما سعت بنوك أخرى إلى إعادة هيكلة بنوكها الاستثمارية للتكيف مع متطلبات السوق المتغيرة. وغالبًا ما تستهدف البنوك في عمليات التسريح فئاتٍ باهظة الثمن من كبار الموظفين كجزء من عمليات إعادة الهيكلة لتحقيق أقصى قدر من خفض التكاليف. وسجّل بنك سانتاندير أعلى متوسط مدفوعات نهاية الخدمة للموظفين المرموقين الذين يتحملون ما يعرف بـ "مخاطر جوهرية" أثناء ادارتهم، على مدار فترة السنوات السبع، حيث بلغ 780 ألف يورو (904.5 ألف دولار)، يليه بنكا سوسيتيه جنرال وإتش إس بي سي، اللذان بلغ متوسط حزمهما من مدفوعات نهاية الخدمة 737 ألف يورو (854.7 ألف دولار) و678 ألف يورو (786.2 ألف دولار) على التوالي. وبلغت أكبر مكافأة نهاية خدمة مُنحت لمصرفي أوروبي 11.2 مليون يورو (12.9 مليون دولار)، منحها بنك سانتاندير عام 2021. كما قدّم دويتشه دفعتين فرديتين بقيمة 11 مليون يورو (12.7 مليون دولار) في عامي 2018 و2019. وقال أحد كبار مسؤولي التوظيف في قطاع الخدمات المالية، أن "الحصول على هذه المكافآت أصعب بكثير مما تظن، بعض كبار الموظفين الذين قضوا فترة طويلة في العمل يرغبون في الخروج، لكنهم لا يستطيعون تحقيق مكاسب مالية من وراء ذلك". وخضعت بنوك دويتشه بنك وإتش إس بي سي - اللذان استحوذا على أكثر من نصف إجمالي التعويضات الممنوحة - لإصلاحات استراتيجية منذ عام 2018، حيث أوقف البنك الألماني أعمال تداول الأسهم في عام 2019. واستهدف دويتشه تسريح الموظفين في المناصب العليا أكثر من أي بنك أوروبي آخر منذ عام 2018، حيث خفض عدد الموظفين المرموقين ذوي المسئوليات الضخمة بنسبة 70% أكثر من بنك HSBC خلال تلك الفترة، وفقًا لتحليل صحيفة فايننشيال تايمز. بما يعادل 685 موظفًا من دويتشه تم تخفيضهم، خلال تلك الفترة، مقارنة بـ400 موظف في بنك HSBC. وفي الوقت نفسه، خضع بنك HSBC لعدة عمليات إعادة هيكلة في السنوات الأخيرة. وكان نويل كوين، الذي تنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لبنك HSBC العام الماضي، يهدف إلى إلغاء 35 ألف وظيفة و4.5 مليار دولار من التكاليف سنويًا. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي الجديد، جورج الحديري، عن إعادة هيكلة البنك، مُعيدًا رسم ملامح عملياته بين الشرق والغرب. ومنذ ذلك الحين، أعلن بنك HSBC عن خطط لإغلاق أجزاء رئيسية من قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا. ونفّذت بنوك أخرى، مثل باركليز، جولات تسريح أصغر حجماً سنوياً، ويعمل البنك البريطاني حاليًا على إلغاء 200 وظيفة في بنكه الاستثماري، وفقًا لشخص مطلع على الأمر، وهو مستوى مماثل للعام الماضي. وعلى الرغم من دفع أقل مستوى من مكافآت نهاية الخدمة للمسئولين الكبار، أنفق بنك UBS العام الماضي 735 مليون دولار أمريكي (643.7 مليون يورو) على إجمالي مكافآت نهاية الخدمة الجماعية لما يقرب من 5700 موظف، وذلك في إطار دمجه لمنافسه السابق، بنك كريدي سويس، وبلغ متوسط المبلغ المدفوع في البنك السويسري 129 ألف دولار. aXA6IDgyLjI3LjIyOS41NCA= جزيرة ام اند امز FR

أزمة نمو تهدد الاقتصاد الفرنسي.. البنك المركزي يخفض توقعاته مجدداً
أزمة نمو تهدد الاقتصاد الفرنسي.. البنك المركزي يخفض توقعاته مجدداً

العين الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العين الإخبارية

أزمة نمو تهدد الاقتصاد الفرنسي.. البنك المركزي يخفض توقعاته مجدداً

تم تحديثه الخميس 2025/6/12 09:05 م بتوقيت أبوظبي في ظل تصاعد الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن بنك فرنسا (المركزي الفرنسي) خفض توقعاته للنمو الاقتصادي للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر فقط. وحذر بنك فرنسا من عواقب وخيمة على المدى المتوسط، ودعا إلى «جهد جماعي وعادل» يبدأ من الشرائح الأكثر ثراء في المجتمع الفرنسي. التباطؤ يشتد: نمو 2025 لا يتجاوز 0.6% وأعلن البنك يوم الأربعاء أنه يتوقع نموًا اقتصاديًا لا يتجاوز 0.6% في عام 2025، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 0.9% ثم 0.7%، مبررًا هذا التراجع بزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات الأوروبية في أجواء عالمية يلفها الغموض، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية. وبعد تسجيل نمو بنسبة 1.1% في عام 2024، تتوقع المؤسسة المالية تباطؤًا أكبر خلال السنوات المقبلة، مع نمو يبلغ 1% فقط في 2026 و1.2% في 2027، أي أقل مما كان مرجحًا سابقًا. من جانبه، قال البروفيسور جان مارك دوراند، أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون والمستشار السابق لدى وزارة المالية الفرنسية، لـ"العين الإخبارية" إن ما تشهده فرنسا اليوم من تباطؤ اقتصادي "ليس مفاجئًا بل نتيجة طبيعية لاعتماد طويل الأمد على بيئة تجارية مستقرة أصبحت الآن موضع تهديد مباشر". وقال دوراند "ما يقلق ليس فقط نسبة النمو الضعيفة، بل هشاشة محركات النمو نفسها. لقد ظلت فرنسا لسنوات تراهن على الصادرات والأسواق الخارجية، واليوم ندفع ثمن ذلك مع تصاعد السياسات الحمائية في الولايات المتحدة". وأضاف: "رغم جهود خفض العجز، فإن الحكومة تواجه معادلة صعبة: كيف نعيد التوازن للمالية العامة دون تقويض الاستهلاك والاستثمار؟ أي سياسة تقشف شديدة قد تعمق التباطؤ بدلًا من أن تحله". وحذر الخبير من أن التركيز المفرط على ضبط الميزانية قد يؤخر الانتعاش، مشددًا على أن "فرنسا تحتاج إلى تحفيز داخلي من خلال دعم الابتكار، وتحسين الإنتاجية، وإعادة هيكلة الإنفاق العام بدلًا من تجميده فقط". كما أشار إلى أن تحسن القدرة الشرائية وانخفاض التضخم "فرصة يجب اغتنامها"، داعيًا إلى "مواصلة دعم الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض لتعزيز الطلب الداخلي، بدل الاعتماد المفرط على ظروف السوق الدولية". وتابع: "ما نحتاجه اليوم هو سياسة اقتصادية متوازنة تعالج العجز دون التضحية بالنمو، وتستثمر في المستقبل بدل الانكماش أمام الحاضر". ترامب "يبعث الفوضى" في الاقتصاد العالمي وقال فرانسوا فيليروي دي غالو، محافظ البنك، إن السياسات التجارية العدوانية للإدارة الأمريكية "تضر أولًا بالاقتصاد الأمريكي، لكنها تثقل كاهل النمو العالمي بأسره". وأضاف: "الاقتصاد الفرنسي الآن ينمو بمعدل أبطأ من جيرانه الأوروبيين، حتى وإن نجا من الركود". وتأتي هذه التوقعات في وقت تحاول فيه الحكومة الفرنسية سد فجوة مالية قدرها 40 مليار يورو (46.3 مليار دولار) بحلول 2026 لخفض العجز إلى 4.6%، ثم إلى أقل من 3% في عام 2029. الدين العام يتضخم والبطالة مستقرة رغم جهود التقليص، من المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وقد تتجاوز تكلفة خدمة الدين 100 مليار يورو (115.8 مليار دولار) بحلول عام 2030. وفي المقابل، يُتوقع أن يبقى معدل البطالة مستقرًا نسبيًا عند 7.6% في 2025، و7.7% في 2026، لينخفض إلى 7.4% في 2027. التجارة الخارجية تتضرر.. والطلب الداخلي يتحمل العبء بعد أن كانت الصادرات محرك النمو الرئيسي في 2024، سيتحول الطلب الداخلي (لا سيما العام) وتغيرات المخزون إلى المحرك الأساسي للنمو في 2025، في ظل ضعف أداء التجارة الخارجية نتيجة الرسوم الأمريكية وقوة اليورو. ويتوقع البنك أن يكون النمو في الربع الثاني من 2025 محدودًا عند 0.1%، وهو نفس المعدل في الربع الأول. خسارة بمقدار 0.4 نقطة من النمو حتى 2027 بسبب الرسوم الجديدة (−0.1 نقطة) وحالة عدم اليقين التي تثيرها لدى المستهلكين والشركات (−0.3 نقطة)، تُقدّر الخسارة الإجمالية للناتج المحلي بـ0.4 نقطة بين 2025 و2027. التضخم تحت السيطرة.. ونمو الاستهلاك قادم من الإيجابيات البارزة في التقرير، أن البنك يرى أن "النصر على التضخم يبدو مستدامًا"، متوقعًا تراجع التضخم من 2.3% في 2024 إلى 1% فقط في 2025، بفضل انخفاض أسعار الطاقة، على أن يعود تدريجيًا إلى 1.4% في 2026 و1.8% في 2027. كما يُتوقع أن تتحسن القدرة الشرائية للأسر، مما سيعزز استهلاكهم، في ظل زيادة الأجور أسرع من الأسعار، وتراجع أسعار الفائدة، ما سيدعم الاستثمارات في العقار والشركات على حد سواء. دعوة لضبط الإنفاق والمساءلة العادلة وشدد المحافظ فيليروي على ضرورة تثبيت الإنفاق العام (باستثناء التضخم)، وبلوغ هدف العجز البالغ 3% في 2029 "بشكل صارم"، كما دعا إلى دراسة خيار "تجميد الميزانية" لسنة واحدة، إذا استمرت أسعار المستهلكين في الانخفاض. في المحصلة، تجد فرنسا نفسها في مفترق طرق اقتصادي حساس، يتطلب توازنًا دقيقًا بين العدالة الاجتماعية، وخفض العجز، واستعادة النمو في ظل رياح عالمية معاكسة تثار من واشنطن. aXA6IDgyLjI3LjIzNC40NyA= جزيرة ام اند امز CH

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store