
حُجَا وسُوء تنظيم احتفاليَة فاس الكُرَوية
من عادتي أن أبدأ بما هو إيجابي، وهنا أقول، أننا استمتعنا حقّا وحقيقة، بأجواء رائعة واستثنائية في مقابلة إعدادية لكرة القدم، جمعت المنتخبين المغربي والتونسي داخل الملعب الكبير بفاس، وهو يزهو في حلته الجديدة. صحيح أن المباراة لم ترق إلى ما كان ينتظره الجمهور الفاسي والمغربي عمومًا، وذلك لعدة اعتبارات موضوعية. المنتخب التونسي يمرّ بفترة فراغ، ولم يأتِ إلى فاس لكي يلعب كرة القدم، كان في كل مرة يبحث عن افتعال أيّ سبب للانسحاب أو التهديد به، وكاد يفعل، لولا أن تدخّل المسؤولون التونسيّون. كما كان من غير المنطقي، أن ننتظر من حكيمي مثلا شيئا آخر، غير ما فعل، وقد « حرَث » الملاعب الأوروبية طيلة موسم كروي، لم يتوقف فيه عن الجري وراء المستديرة مع الـ PSG.
وبالعودة إلى ما حدث من سوء تدبير وتنظيم، تقول إحدى الحكايات أن جُحَا اشترى كيلوغرامين من اللحم، وقال لزوجته: « اطبُخيه »، فلما فعلت، أكلته مع بعض أقاربها. وحدث أن جاء جُحا جائعًا، وعندما طلب اللحم، قالت له زوجته: أكله القط…!! فما كان من جُحا إلا أن أخذ القط ووَزَنه، وإذا به كيلوغرامين. قال في نفسه: ما أكذب هذه المرأة، وزن القط كيلوغرامين، وهو الآن يزنُ بالكاد كيلوغرامين. إذا كان هذا هو القط، أين اللحم؟ وإن كان هذا هو اللحم؟ أين القط…؟
!
قد يكون ما وقع لجُحَا، شبيه لما جرى في ملعب فاس الكبير. إذا كانت الجامعة الملكية لكرة القدم قد طبعت 45 ألف تذكرة، ووضعتها رهن إشارة الجمهور، وهي الطاقة الاستيعابية للملعب، وباعتها في المنصّات الرّقمية، من أين جاء الباقي؟ وهل تمّ تسريب بطائق مُزَوّرة عمدًا، وهي التي دخل بها البعضُ بتواطؤ من المنظمين؟ سؤالٌ يبقى وجيهًا، واحتمالٌ يبقى قائمًا إلى أن يثبت العكس أو تصدر الجامعة والمنظمون بيانًا توضيحيًا حول ما جرى، في ظل الالتباس الذي رافق أجواء المقابلة مع تونس، وما رافقها من احتجاج جمهور ليس بالقليل، لم يتمكن من الدخول إلى الملعب، بالرّغم توفره على بطاقات الدخول؟ أم أن بعض الجماهير تتحمل بدورها عواقب تلاعبات السوق السوداء وتبعاته، إن لم تقبل الأجهزة الإلكترونية الدقيقة بطاقاتهم.
وما دام الشي بالشيء يذكر، أتذكر أنّ قدميّ لم تطأ ملعب فاس الكبير منذ أكثر من عشر سنوات، إن بصفتي صحفيًّا أو مُّشجعًا، ولكن هذه المرّة فعلت، لأن الأمر في جوهره مختلف تمامًا. والأصل والجوهر بالنسبة لي في هذه الحالة، كان وطنيّا وليس فرجويًّا. وكان لا بد من حضوري إلى الملعب، لأمارس مُواطنتي ووطنيّتي، أولا تشجيعًا للمنتخب المغربي، وإسهامًا منّي ثانيًا في إنجاح تظاهرة كروية بمدينة فاس التي نعشقها. وإن كانت المناسبة، وهي شرط، تعني صورة المغرب برُمته في شموليتها، وأيضا لتدعيم ما تعمل الدولة المغربية على إنجازه من بنية تحية في مدينة عانت من التّهميش لسنوات عجاف، ولم نصدّق أنها بدأت تستيقظ من سُباتها. وهو ما جعلنا نرى فاس تتغيّر، والملعب الكبير أحد أوجه هذا التّغيير. صحيح أن هندسته ومعالمه لم تتغيّر. ولكن ملامحه الكبرى تغيّرت بشكل كبير، بل أصبح جوهرة، وستزداد حُسنًا وجمالا مع التغييرات المُحتملة بعد كأس إفريقيا، استعدادا لاستحقاقات كأس العالم2030
راودني إحساس مختلف، وأنا أتجاوز بوّابة الملعب الحديدية بعد غياب طويل. وكانت أول ملاحظة، غياب الأتربة والأعشاب والأشواك في الجوانب الخلفية للملعب، وبدا بشكل يليق بتاريخ المدينة وعراقتها. ولم يعد الحديث مقبولا ولا مُمكنا عن ظلال الأسوار وقتامة الدعامات الإسمنتية العالية، بعد تسليط الأضواء الكاشفة عليها، وأصبح بإمكانها الكشف عن عورات العناكب الصغيرة وهي في جُحُورها. ورغم ذلك، أحسست بنوع من الغُبن والإهانة الصامتة أمام الأبواب الحديدة دون مبرّر، خصوصًا وأنّ ورقتي مثبتة على الهاتف بين يدي، وقد مسحتها الأجهزة الدقيقة بنجاح، كما أفرج عنها موقع الجامعة الرّسمي.
سمعت أحد الحراس وهو يقول لصاحبه أن الملعب في الداخل « عامر بزّاف »، ونحن لا زلنا واقفين نحمل أوراقنا بين أيدينا صحيحة وشرعية بشهادة التكنولوجيا الألمانية الحديثة. من ملأ الملعب إذن؟ وهل الجامعة أفرجت عن أعداد من بطاقات الدخول فوق طاقة الملعب؟ أم أن هناك أناسٌ دخلوا بالمُحاباة، وبطريقة أخرى غير التي دخلنا بها نحن، وما صاحب ذلك من عُسر وخوف من الفشل في الدخول إلى مباراة انتظرناها طويلا؟ راودنا شك في البداية، ونحن وقوف أمام بوابة حديدية، ولم نصدق أننا نجحنا إلا ونحن جلوسٌ على الكراسي، بين تموُّجات الأحاسيس واضطرابها بين فرح وخوف، وهو ما حصل لكثير من المتفرجين من أمثالي، كانوا إلى جانبي في المدرجات. هل هي قصة « حُجا واللحم » تتكرّر بشكل مختلف في ملعب فاس؟ وما جدوى وجود هذه الأجهزة الإلكترونية، إن لم تحم أصحاب الحق في الدخول من المزوّرين، المتواطئين، المتطفلين، المتهافتين، « الشنّاقة » الجُدُد، وما أكثرهم في مثل هذه المناسبات؟
مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس:
لم أجد أمامي، خلفي، ورائي وإلى جانبي في مدرجات الملعب، الجمهور الذي اعتدت رؤيته في الملعب الكبير، ولا في محيطه. لم يعد الجمهور نفسه، وقد ألفت التعامل معه قبل أكثر عشر سنوات. جمهور مغرب اليوم في مقابلة الأمس مع تونس أغلبه أوروبي الملامح، لولا أنه يحمل الأعلام المغربية، ويلبس إناثا وذكورا « تيشيرتات » لاعبين مغاربة مشهورين، ولن أجازف، إن قلت أن أغلبها كان يحمل اسم حكيمي- رقم 2، وهو الرقم الذي يلعب به في المنتخب المغربي، ولم يعد الجمهور الذكوري مهيمنا، كما كان من قبل، أكثر من ثلث الجمهور كان نسائيا، ومن مختلف الأعمار والفئات. ولكن هل المظاهر وحدها تكفي؟ أم أنه لا بد من اقترانها بفعل حضاري يظهر معدن الناس، وتغيير في العقليات. « الأيفون » في اليد والرصيد البنكي وحدهما لا يجعلان من الشخص متحضرا.
نظرية المؤامرة:
فاس لها حُسّاد كثر، يكفي أن تذكر تاريخها، حتى يظهر أمامك أكثر من مشاكس في الداخل والخارج. ولذلك، قد يخطر بالبال أن افتعال هذه « الأزمة » كان مفتعلا للإساءة إلى فاس وعراقة تاريخها. ونحاج أيّ تظاهر رياضية فيها يغيض بعض الجهات. ولكن بعيدا عن نظرية المؤامرة، والإساءة المقصودة أو المتعمّدة لمدينة فاس وتاريخها من بعض الأطراف والجهات، قد نجد بعض الأعذار للمنظمين، فيما حصل، من ارتباك في التعامل مع أجهزة إلكترونية على أعلى مستوى من الدقة والحداثة. وقد نسمّيه سوء تقدير في التنظيم: استعمال أجهزة إلكترونية دقيقة لأول مرّة، عدم التنسيق بين الجهات المنظمة في داخل الملعب وخارجه. وهذا ما يفسر إغلاق البوابات الحديدية في وجوهنا أكثر من مرة، والأسباب لا نعرفها، وقد اجتزنا بنجاح معبر البوابة الإلكترونية بنجاح، وحمدنا الله تعالى على ذلك، وقام بعض الظرفاء وخفيفي الظل بالسُّجود شكرا لله تعالى، من باب البسط والمزاح وخلق نوع من الضحك والفرجة. وهذا الإغلاق الغير مُبرّر للأبواب، جعل الجمهور يحتج بشدة في أكثر من مرة أمام بعض البوابات، ويرفع شعارات ضد الحكومة والجامعة، قبل الولوج إلى المدرجات.
المسؤولية المشتركة:
الجمهور من جهته، ساهم في شد الحبل وسوء التنظيم. جمهور متعطش، مندفع، غير واعي، يلزمه تغيير في عقليته، وتبديل ثقافة تعوّد عليها بأخرى جديدة تساير منطق العصر، ومجاراة ما نراه من سلوكيات حضارية في ملاعب أوروبا وأمريكا والعالم المتحضّر. جمهور لا يهمه رقم مقعد، بقدر ما يهمه الدخول إلى الملعب. ولذلك، ما أن يدخل إلى المدرّجات، حتى تصبح كل المقاعد ملكا له، ويعتبر أن من حقه اختيار ما يحلو له حسب المزاج. أكثر من ذلك، يبدأ في مهاتفة الأصدقاء والصديقات للالتحاق به، وهذا ما خلق نوعا من الاحتقان في كثير من الجهات، لولا التعامل اللبق من قبل المنظمين داخل الملعب.
هل نتناسى كل هذه الظروف، ونلصق التهمة بالأجهزة الإلكترونية؟ ونقول بأن الاستعمال الأول للأجهزة الالكترونية كان سببا في بعض التعطيل الذي حصل عند مداخل الملعب، وهل عدم وجود مقاعد البعض، ومنعهم من الدخول بدعوى الملعب « عامر بزّاف »، كان فرصة لدخول « البعض » من دون بطائق أو ببطائق مزوّرة. وإن حصل ذلك، من سمح لهؤلاء « البعض » بالدخول إلى أماكنهم؟ ومن أين دخلوا؟ ومن إذن لهم بذلك؟ ثم ماذا كنا سنقول لهؤلاء لو تعلق الأمر بكأس العالم؟ وأن ما حصل من غشّ وتدليس وتلاعب كان مع أوروبيين قدموا من شمال أوروبا، كندا، اليابان وأمريكا، وليس مع مغاربة قدموا من وجدة، طنجة، تاونات والرباط؟ وبماذا كنا سنبرّر لهم ما حصل كدولة تواجه مختلف التحديات، لو تقدموا باحتجاجاتهم الرسمية وشكاواهم إلى أعلى المستويات؟ ماذا كان سيقول المسؤولون والمنظمون المغاربة للإعلام العالمي وأجهزة الفيفا؟
هل يستفيد المسؤولون عن التنظيم ممّا حصل من هذا الارتباك في المستقبل، إن لم نقل سوء تدبير وتنظيم، ونحن مقبلون على تنظيم كأس العالم؟ بالرغم من وجود جيش من الموظفين والأمنيين موزعين في كل مكان. ماذا أستفيد أنا كمواطن مغربي أخذ تذكرة بمائة درهم أو أكثر من موقع الجامعة الرسمي، وأجد نفسي في الأخير أمام بوابة حديدية خرساء صمّاء؟ هل كان لا بد من احتجاج الجمهور، ورفع الشعارات ضد الدولة والجامعة الملكية لكرة القدم، حتى تفتح الأبواب للبعض ولا تفتح للآخرين؟ ماذا يعني وصول بعض الجماهير إلى ما بعد الشنآن الشفوي والإقدام على استعمال العنف اليدوي؟ هل نستفيد مما حصل؟ الجواب في القريب من الأيام، وإن غدًا لناظره قريب…!!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وجدة سيتي
منذ 4 ساعات
- وجدة سيتي
حُجَا وسُوء تنظيم احتفاليَة فاس الكُرَوية
من عادتي أن أبدأ بما هو إيجابي، وهنا أقول، أننا استمتعنا حقّا وحقيقة، بأجواء رائعة واستثنائية في مقابلة إعدادية لكرة القدم، جمعت المنتخبين المغربي والتونسي داخل الملعب الكبير بفاس، وهو يزهو في حلته الجديدة. صحيح أن المباراة لم ترق إلى ما كان ينتظره الجمهور الفاسي والمغربي عمومًا، وذلك لعدة اعتبارات موضوعية. المنتخب التونسي يمرّ بفترة فراغ، ولم يأتِ إلى فاس لكي يلعب كرة القدم، كان في كل مرة يبحث عن افتعال أيّ سبب للانسحاب أو التهديد به، وكاد يفعل، لولا أن تدخّل المسؤولون التونسيّون. كما كان من غير المنطقي، أن ننتظر من حكيمي مثلا شيئا آخر، غير ما فعل، وقد « حرَث » الملاعب الأوروبية طيلة موسم كروي، لم يتوقف فيه عن الجري وراء المستديرة مع الـ PSG. وبالعودة إلى ما حدث من سوء تدبير وتنظيم، تقول إحدى الحكايات أن جُحَا اشترى كيلوغرامين من اللحم، وقال لزوجته: « اطبُخيه »، فلما فعلت، أكلته مع بعض أقاربها. وحدث أن جاء جُحا جائعًا، وعندما طلب اللحم، قالت له زوجته: أكله القط…!! فما كان من جُحا إلا أن أخذ القط ووَزَنه، وإذا به كيلوغرامين. قال في نفسه: ما أكذب هذه المرأة، وزن القط كيلوغرامين، وهو الآن يزنُ بالكاد كيلوغرامين. إذا كان هذا هو القط، أين اللحم؟ وإن كان هذا هو اللحم؟ أين القط…؟ ! قد يكون ما وقع لجُحَا، شبيه لما جرى في ملعب فاس الكبير. إذا كانت الجامعة الملكية لكرة القدم قد طبعت 45 ألف تذكرة، ووضعتها رهن إشارة الجمهور، وهي الطاقة الاستيعابية للملعب، وباعتها في المنصّات الرّقمية، من أين جاء الباقي؟ وهل تمّ تسريب بطائق مُزَوّرة عمدًا، وهي التي دخل بها البعضُ بتواطؤ من المنظمين؟ سؤالٌ يبقى وجيهًا، واحتمالٌ يبقى قائمًا إلى أن يثبت العكس أو تصدر الجامعة والمنظمون بيانًا توضيحيًا حول ما جرى، في ظل الالتباس الذي رافق أجواء المقابلة مع تونس، وما رافقها من احتجاج جمهور ليس بالقليل، لم يتمكن من الدخول إلى الملعب، بالرّغم توفره على بطاقات الدخول؟ أم أن بعض الجماهير تتحمل بدورها عواقب تلاعبات السوق السوداء وتبعاته، إن لم تقبل الأجهزة الإلكترونية الدقيقة بطاقاتهم. وما دام الشي بالشيء يذكر، أتذكر أنّ قدميّ لم تطأ ملعب فاس الكبير منذ أكثر من عشر سنوات، إن بصفتي صحفيًّا أو مُّشجعًا، ولكن هذه المرّة فعلت، لأن الأمر في جوهره مختلف تمامًا. والأصل والجوهر بالنسبة لي في هذه الحالة، كان وطنيّا وليس فرجويًّا. وكان لا بد من حضوري إلى الملعب، لأمارس مُواطنتي ووطنيّتي، أولا تشجيعًا للمنتخب المغربي، وإسهامًا منّي ثانيًا في إنجاح تظاهرة كروية بمدينة فاس التي نعشقها. وإن كانت المناسبة، وهي شرط، تعني صورة المغرب برُمته في شموليتها، وأيضا لتدعيم ما تعمل الدولة المغربية على إنجازه من بنية تحية في مدينة عانت من التّهميش لسنوات عجاف، ولم نصدّق أنها بدأت تستيقظ من سُباتها. وهو ما جعلنا نرى فاس تتغيّر، والملعب الكبير أحد أوجه هذا التّغيير. صحيح أن هندسته ومعالمه لم تتغيّر. ولكن ملامحه الكبرى تغيّرت بشكل كبير، بل أصبح جوهرة، وستزداد حُسنًا وجمالا مع التغييرات المُحتملة بعد كأس إفريقيا، استعدادا لاستحقاقات كأس العالم2030 راودني إحساس مختلف، وأنا أتجاوز بوّابة الملعب الحديدية بعد غياب طويل. وكانت أول ملاحظة، غياب الأتربة والأعشاب والأشواك في الجوانب الخلفية للملعب، وبدا بشكل يليق بتاريخ المدينة وعراقتها. ولم يعد الحديث مقبولا ولا مُمكنا عن ظلال الأسوار وقتامة الدعامات الإسمنتية العالية، بعد تسليط الأضواء الكاشفة عليها، وأصبح بإمكانها الكشف عن عورات العناكب الصغيرة وهي في جُحُورها. ورغم ذلك، أحسست بنوع من الغُبن والإهانة الصامتة أمام الأبواب الحديدة دون مبرّر، خصوصًا وأنّ ورقتي مثبتة على الهاتف بين يدي، وقد مسحتها الأجهزة الدقيقة بنجاح، كما أفرج عنها موقع الجامعة الرّسمي. سمعت أحد الحراس وهو يقول لصاحبه أن الملعب في الداخل « عامر بزّاف »، ونحن لا زلنا واقفين نحمل أوراقنا بين أيدينا صحيحة وشرعية بشهادة التكنولوجيا الألمانية الحديثة. من ملأ الملعب إذن؟ وهل الجامعة أفرجت عن أعداد من بطاقات الدخول فوق طاقة الملعب؟ أم أن هناك أناسٌ دخلوا بالمُحاباة، وبطريقة أخرى غير التي دخلنا بها نحن، وما صاحب ذلك من عُسر وخوف من الفشل في الدخول إلى مباراة انتظرناها طويلا؟ راودنا شك في البداية، ونحن وقوف أمام بوابة حديدية، ولم نصدق أننا نجحنا إلا ونحن جلوسٌ على الكراسي، بين تموُّجات الأحاسيس واضطرابها بين فرح وخوف، وهو ما حصل لكثير من المتفرجين من أمثالي، كانوا إلى جانبي في المدرجات. هل هي قصة « حُجا واللحم » تتكرّر بشكل مختلف في ملعب فاس؟ وما جدوى وجود هذه الأجهزة الإلكترونية، إن لم تحم أصحاب الحق في الدخول من المزوّرين، المتواطئين، المتطفلين، المتهافتين، « الشنّاقة » الجُدُد، وما أكثرهم في مثل هذه المناسبات؟ مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس: لم أجد أمامي، خلفي، ورائي وإلى جانبي في مدرجات الملعب، الجمهور الذي اعتدت رؤيته في الملعب الكبير، ولا في محيطه. لم يعد الجمهور نفسه، وقد ألفت التعامل معه قبل أكثر عشر سنوات. جمهور مغرب اليوم في مقابلة الأمس مع تونس أغلبه أوروبي الملامح، لولا أنه يحمل الأعلام المغربية، ويلبس إناثا وذكورا « تيشيرتات » لاعبين مغاربة مشهورين، ولن أجازف، إن قلت أن أغلبها كان يحمل اسم حكيمي- رقم 2، وهو الرقم الذي يلعب به في المنتخب المغربي، ولم يعد الجمهور الذكوري مهيمنا، كما كان من قبل، أكثر من ثلث الجمهور كان نسائيا، ومن مختلف الأعمار والفئات. ولكن هل المظاهر وحدها تكفي؟ أم أنه لا بد من اقترانها بفعل حضاري يظهر معدن الناس، وتغيير في العقليات. « الأيفون » في اليد والرصيد البنكي وحدهما لا يجعلان من الشخص متحضرا. نظرية المؤامرة: فاس لها حُسّاد كثر، يكفي أن تذكر تاريخها، حتى يظهر أمامك أكثر من مشاكس في الداخل والخارج. ولذلك، قد يخطر بالبال أن افتعال هذه « الأزمة » كان مفتعلا للإساءة إلى فاس وعراقة تاريخها. ونحاج أيّ تظاهر رياضية فيها يغيض بعض الجهات. ولكن بعيدا عن نظرية المؤامرة، والإساءة المقصودة أو المتعمّدة لمدينة فاس وتاريخها من بعض الأطراف والجهات، قد نجد بعض الأعذار للمنظمين، فيما حصل، من ارتباك في التعامل مع أجهزة إلكترونية على أعلى مستوى من الدقة والحداثة. وقد نسمّيه سوء تقدير في التنظيم: استعمال أجهزة إلكترونية دقيقة لأول مرّة، عدم التنسيق بين الجهات المنظمة في داخل الملعب وخارجه. وهذا ما يفسر إغلاق البوابات الحديدية في وجوهنا أكثر من مرة، والأسباب لا نعرفها، وقد اجتزنا بنجاح معبر البوابة الإلكترونية بنجاح، وحمدنا الله تعالى على ذلك، وقام بعض الظرفاء وخفيفي الظل بالسُّجود شكرا لله تعالى، من باب البسط والمزاح وخلق نوع من الضحك والفرجة. وهذا الإغلاق الغير مُبرّر للأبواب، جعل الجمهور يحتج بشدة في أكثر من مرة أمام بعض البوابات، ويرفع شعارات ضد الحكومة والجامعة، قبل الولوج إلى المدرجات. المسؤولية المشتركة: الجمهور من جهته، ساهم في شد الحبل وسوء التنظيم. جمهور متعطش، مندفع، غير واعي، يلزمه تغيير في عقليته، وتبديل ثقافة تعوّد عليها بأخرى جديدة تساير منطق العصر، ومجاراة ما نراه من سلوكيات حضارية في ملاعب أوروبا وأمريكا والعالم المتحضّر. جمهور لا يهمه رقم مقعد، بقدر ما يهمه الدخول إلى الملعب. ولذلك، ما أن يدخل إلى المدرّجات، حتى تصبح كل المقاعد ملكا له، ويعتبر أن من حقه اختيار ما يحلو له حسب المزاج. أكثر من ذلك، يبدأ في مهاتفة الأصدقاء والصديقات للالتحاق به، وهذا ما خلق نوعا من الاحتقان في كثير من الجهات، لولا التعامل اللبق من قبل المنظمين داخل الملعب. هل نتناسى كل هذه الظروف، ونلصق التهمة بالأجهزة الإلكترونية؟ ونقول بأن الاستعمال الأول للأجهزة الالكترونية كان سببا في بعض التعطيل الذي حصل عند مداخل الملعب، وهل عدم وجود مقاعد البعض، ومنعهم من الدخول بدعوى الملعب « عامر بزّاف »، كان فرصة لدخول « البعض » من دون بطائق أو ببطائق مزوّرة. وإن حصل ذلك، من سمح لهؤلاء « البعض » بالدخول إلى أماكنهم؟ ومن أين دخلوا؟ ومن إذن لهم بذلك؟ ثم ماذا كنا سنقول لهؤلاء لو تعلق الأمر بكأس العالم؟ وأن ما حصل من غشّ وتدليس وتلاعب كان مع أوروبيين قدموا من شمال أوروبا، كندا، اليابان وأمريكا، وليس مع مغاربة قدموا من وجدة، طنجة، تاونات والرباط؟ وبماذا كنا سنبرّر لهم ما حصل كدولة تواجه مختلف التحديات، لو تقدموا باحتجاجاتهم الرسمية وشكاواهم إلى أعلى المستويات؟ ماذا كان سيقول المسؤولون والمنظمون المغاربة للإعلام العالمي وأجهزة الفيفا؟ هل يستفيد المسؤولون عن التنظيم ممّا حصل من هذا الارتباك في المستقبل، إن لم نقل سوء تدبير وتنظيم، ونحن مقبلون على تنظيم كأس العالم؟ بالرغم من وجود جيش من الموظفين والأمنيين موزعين في كل مكان. ماذا أستفيد أنا كمواطن مغربي أخذ تذكرة بمائة درهم أو أكثر من موقع الجامعة الرسمي، وأجد نفسي في الأخير أمام بوابة حديدية خرساء صمّاء؟ هل كان لا بد من احتجاج الجمهور، ورفع الشعارات ضد الدولة والجامعة الملكية لكرة القدم، حتى تفتح الأبواب للبعض ولا تفتح للآخرين؟ ماذا يعني وصول بعض الجماهير إلى ما بعد الشنآن الشفوي والإقدام على استعمال العنف اليدوي؟ هل نستفيد مما حصل؟ الجواب في القريب من الأيام، وإن غدًا لناظره قريب…!!


المنتخب
منذ 5 ساعات
- المنتخب
من هو أكثر لاعب خيب ظن الجمهور المغربي أمام تونس؟
أجمعت معظم الجماهير المغربية التي تابعت فوز "أسود الأطلس" على حساب منتخب تونس وديا بملعب فاس الكبير بثنائية أشرف حكيمي وأيوب الكعبي، بأن المهاجم يوسف النصيري هو الذي خيب ظنها بأدائه. ولم ينجح النصيري في لفت الأنظار وهو يلعب بمدينته فاس،في الوقت الذي تراجع مستوى لاعب فنرباتشي التركي، رغم الدعم الكامل الطي يجده من طرف الناخب الوطني وليد الركراكي الذي يحرص الإعتماد بشكل أساسي على اللاعب، كي يحفزه أكثر على مواصلة الإجتهاد. وأظهر أيوب الكعبي ومروان سنادي ثم إكمان قدرتهم على منافسة النصيري بشكل قوي في الآونة الأخيرة، لذلك سيكون اللاعب مطالبا بالنهوض من سباته من أجل العودة لسابق عهده إن أراد الإستمرار كقطعة رسمية في تشكيلة الفريق الوطني بعد أشهر من إستضافة المغرب لنهائيات كأس أمم أفريقيا.


الجريدة 24
منذ 9 ساعات
- الجريدة 24
لاعبو المنتخب: نشتغل بجد والنتائج دليل على تطورنا الجماعي
حسم المنتخب المغربي الأول لكرة القدم، المواجهة الودية التي جمعته بنظيره التونسي بنتيجة هدفين دون رد، في اللقاء الذي احتضنه الملعب الكبير بمدينة فاس أول أمس الجمعة، ضمن استعدادات المنتخبين لنهائيات كأس أمم أفريقيا المرتقبة. وحملت المباراة، ورغم طابعها الإعدادي، أبعاداً تنافسية واضحة، انعكست في التصريحات التي سبقت اللقاء وردود الفعل التي تلته، سواء من الجانب المغربي أو التونسي. وتمكن "أسود الأطلس" من فرض إيقاعهم على مجريات المباراة، لاسيما في الشوط الثاني، حيث سجل أشرف حكيمي الهدف الأول بعد عمل فردي مميز، قبل أن يضيف المهاجم أيوب الكعبي الهدف الثاني، مؤكداً أفضلية المنتخب المغربي الذي واصل سلسلة انتصاراته على تونس للمباراة الثالثة توالياً. وفي أعقاب اللقاء، علّق أشرف حكيمي على التصريحات السابقة لبعض لاعبي المنتخب التونسي، الذين عبروا عن نيتهم تحقيق الفوز على الأراضي المغربية. وقال نجم باريس سان جيرمان: "المنتخب التونسي تحدث كثيراً قبل اللقاء، وأكد أنه جاء للفوز، لكننا أظهرنا على أرضية الميدان أن لا وجود لمباريات سهلة، وأن المغرب اليوم منتخب كبير ويواصل تطوره". وأشار حكيمي إلى أن الرد جاء في الملعب وليس عبر التصريحات، مبرزاً أن المنتخب المغربي أصبح يمتلك شخصية قوية واستعداداً للتعامل مع كل الخصوم، مهما كان مستواهم أو تصريحاتهم. من جانبه، عبّر مهاجم المنتخب يوسف النصيري عن سعادته الكبيرة بخوض أول مباراة بقميص المنتخب الوطني في مدينته الأم فاس، مؤكداً أن اللعب على أرض هذا الملعب شكّل لحظة استثنائية بالنسبة له. أما المهاجم أيوب الكعبي، صاحب الهدف الثاني في المباراة، فقد أكد أهمية تحقيق الانتصارات في المباريات الودية، لما لها من أثر مباشر على معنويات اللاعبين واستعدادهم النفسي للاستحقاقات الرسمية. وقال نجم أولمبياكوس اليوناني، "عندما نواجه منتخبات عربية مثل تونس، فإن اللقاءات تأخذ طابعاً خاصاً، مضيفا أن كتيبة الأسود اشتغلت طيلة الأسبوع على نقاط قوة وضعف الخصم، ونجحت في تقديم أداء جماعي منظم ومثمر". وتابع الكعبي أن الاستعدادات مستمرة بشكل جدي، وأن الهدف هو بلوغ أقصى درجات الجاهزية قبل انطلاق كأس الأمم. ويخوض المنتخب المغربي مباراة ودية ثانية أمام منتخب بنين، مساء الإثنين، على نفس أرضية الملعب، في محطة جديدة ضمن البرنامج التحضيري الذي وضعه الطاقم التقني بقيادة الناخب الوطني وليد الركراكي. هذه المرحلة تُعد حاسمة في تحديد معالم التشكيلة النهائية والاستقرار على اختيارات فنية وتكتيكية تليق بتطلعات الجماهير المغربية، للمنافسة بقوة في منافسات كأس أمم إفريقيا التي ستقام في المملكة. ويواصل المنتخب المغربي ظهوره القوي منذ نهائيات كأس العالم الأخيرة، إذ أصبح يتعامل مع المباريات الودية بنفس الجدية والاحترافية التي يوليها للمواجهات الرسمية، في ظل إيمان متزايد داخل المجموعة بضرورة ترسيخ هوية تنافسية قادرة على مقارعة كبار القارة الأفريقية.