logo
مغرب الزوايا. زاوية سيدي وكاك.. تكوين خطباء صلاة الجمعة (الحلقة 12)

مغرب الزوايا. زاوية سيدي وكاك.. تكوين خطباء صلاة الجمعة (الحلقة 12)

LE12١٣-٠٣-٢٠٢٥

تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية 'اثنين أغلو' في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة
..
تقديم -عبد الرزاق المراكشي
le1
'المغرب بلد الأولياء الصّالحين'.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في
..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة 'الزّاوية'. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه 'الرّباطات' القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى
.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم
'Le12.ma'
رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب
.
تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية 'اثنين أغلو' في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة تيزنيت وأكلو. وتعدّ هذه الزّاوية أم المدارس العلمية العتيقة وأول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي
..
أُسست الزّاوية في نهاية القرن الخامس هجري، على يد سيدي وكاك بن زلوان اللمطي، أحد أشهر أولياء منطقة سوس. ومن أشهر من درس في هذه الزّاوية عبد الله بن ياسين، مؤسس الدولة المرابطية
.
في العصر الحالي، يدرس في هذه الزّاوية ما بين 80 و100 طالب، ويُشكل المحسنون مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 أعوام و12 عاما في هذا المكان، قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المصلين في صلاة الجمعة
.
عند مشارف شاطئ أكلو، تطالع الزائر إلى جهة اليسار طريق ثانوية ضيقة تنساب عبر ربوة جبلية محاذية للأطلس الصغير تتخللها بعض المساكن ما تلبث أن تنكشف عن بناية ساطعة البياض تتوسطها صومعة سامقة كمن تضاهي في امتدادها عظمة المكان بهدوئه الأسطوري الذي يخفي في سكونه قصة زاوية استثنائية شكلت معقلا حافلا بالأحداث والوقائع في تاريخ الجنوب المغربي بل وفي تاريخ المغرب برمته، يكتب حسين ميموني
.
الحاج محمد، رجل سبعيني من سكان القرية، تزامن وجوده في المسجد، بحسب المصدر نفسه، مع قراءة الحزب بين العصر والمغرب، يحكي كيف شهدت رحاب هذه الزّاوية تغييرات كبرى خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل أحد المحسنين الذي تكفل بأشغال البناء والتوسعة، حتى غدا المكان يضم ثلاث طبقات ومطبخا ومساكن للطلبة ومكاتب ومجالس للفقهاء ومجلسا للضيوف ومرافق صحية وقاعات للتدريس تتسع لثمانين مقعدا
.
وصرّح محمد واسميح، مدرس مادة القرآن في مدرسة أكلو: 'هذا ضريح سيدي وكاك بن زلو اللمطي، أحد أشهر أولياء سوس، وهذه مدرسة سيدي وكاك العتيقة، أول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي، حيث تتلمذ عبد الله بن ياسين قبل أن ينتقل إلى تخوم الصحراء ليشيّد منها أركان الدولة المرابطية
'.
هنا، لاشيء يوحي بأن للمكان كل هذه الكثافة التاريخية وهذا الإشعاع الروحي لولا بعض الإشارات التاريخية المثبتة عند مدخل الضريح من قبيل 'لسيدي وكاك ثلاثة أولاد يحيى وياسين وأبو علي، أخذ عن سيدي محمد بن تيسيت بأغمات وعن أبي عمران الفاسي بالقيروان ثم رجع إلى نفيس سنة 430 هجرية وتوفي بأكلو سنة 445
'.
والحال، بحسب المصدر ذاته، أن سيدي وكاك، الذي خصصت ثلاثة أيام دراسية في ماي 2010 لإحياء الذكرى الألفية لإحداث المدرسة التي تحمل اسمه في موضوع 'رباط وكاك بن زلو اللمطي وترسيخ الوحدة المذهبية والهوية الوطنية بالمغرب'، طبع برأي العديد من الدارسين والمؤرخين على حركة دائبة للتمكين للدين الإسلامي في المجتمع والفكر والثقافة وربط المسلمين بالعقيدة السمحة واجتثات جذور الوثنية والانحراف العقدي، في زمن طغت فيه على الغرب الإسلامي مذاهب دخيلة كالخوارج والروافض والبرغواطيين
.
وتحفل كتب التراجم بأخبار الفقهاء العاملين الذين كونوا الأجيال وخرجوا العلماء وقادوا الفكر والمجتمع في تلك المرحلة ومنهم سيدي وكاك، أي 'ابن الفقيه' بالأمازيغية، والذي ينتسب إلى قبيلة لمطة التي كانت مستقرة على وادي نول لمطة في منطقة أيت باعمران الحالية من والد عالم بالقرآن ينتمي إلى الشرفاء الأدارسة حسب ما يدل على ذلك مشجر أنساب أسرته الوارد في 'المعسول' للمختار السوسي
.
وتشير المصادر إلى أن وكاك هذا رحل إلى القيروان حيث لقي عبد الله بن أبي زيد القيراوني المتوفى سنة 386ه ودرس عليه ثم لازم تلميذه أبا عمران الفاسي حتى تخرج عليه، ليعود أدراجه بعد أن اكتفى من الأخذ عنه إلى المغرب للمشاركة في التربية والتعليم بمعية طائفة من زملائه في الدراسة، قبل أن يعلو كعبه ويذيع صيته بسبب ارتباط اسمه بتلميذه عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية
(1040/ 1147).
وعن أسباب انتقاله إلى أكلو بعدما أقام برباط 'نفيس'، يرجح عدد من الدارسين أن يكون مرد ذلك إلى عزمه مواصلة محاربة المذاهب الضالة بسوس ومتابعة أعمال عبد الله بن ياسين عن قرب بحكم قرب منطقة أكلو من الصحراء، لاسيما أن هذا الأخير ظل يراسل شيخه اللمطي ويستشيره ويرجع إليه في تدبير أموره بين اللمتونيين، حتى أثمرت جهوده بترسيخ أسس الدولة المرابطية التي مكنت من توحيد المغرب بل والغرب الإسلامي كله والقضاء على التفرقة والتشرذم والتمكين بشكل نهائي للمذهب المالكي
.
واليوم، وبعد مضي أزيد من ألف عام على بناء رباط أكلو، يؤكد السيد واسميح، الذي يدرس هنا منذ 23 عاما، أن مدرسة سيدي وكاك ما زالت تستقطب أزيد من ثمانين طالبا من مختلف جهات المملكة، لاسيما من حاحا وسكساوة وأمزميز ووارزازات وقلعة السراغنة وبرشيد وآيت باعمران وإداوتنان والأخصاص وإداو سملال وأحيانا من الحسيمة بل وحتى من الجزائر
.
وأوضح أنه يشرف إلى جانب الفقيه محمد البوجرفاوي، الذي يدرس هنا منذ أزيد من ثلاثين عاما علوم النحو والفقه والفرائض والفلك، على تلقين الطلبة أسس العلوم الشرعية وفق منهجية تراعي طرق التدريس بالمدارس العلمية العتيقة وفق برنامج زمني خاص بشهر رمضان 'شهر القرآن' يبتدئ من الفجر إلى 11 صباحا، ثم يستأنف مع الساعة الثانية بعد الزوال إلى صلاة العصر بتلاوة القرآن بشتى القراءات
.
وبالرغم من أن المدرسة خاضعة لنظام الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ 2007، فإنها لم تفرط في العمل بالنظام القديم، إذ ما زال المحسنون هم من يشكل مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 و12 عاما في هذا المكان قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المؤمنين في صلاة الجمعة بعد الحصول على شهادة من المدرسين مشفوعة بتزكية من المجلس العلمي المحلي
.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سيدي بيبي.. الباشا ورئيس الجماعة يقودان الوفد الرسمي بموسم 'سيدي وكاك'
سيدي بيبي.. الباشا ورئيس الجماعة يقودان الوفد الرسمي بموسم 'سيدي وكاك'

شتوكة بريس

time٠١-٠٥-٢٠٢٥

  • شتوكة بريس

سيدي بيبي.. الباشا ورئيس الجماعة يقودان الوفد الرسمي بموسم 'سيدي وكاك'

اشتوكة بريس - عزيز عميق تعزيزاً للروابط الروحية والاجتماعية مع ساكنة دوار تدارت بجماعة سيدي بيبي، إقليم اشتوكة آيت باها، قاد باشا باشوية سيدي بيبي، مرفوقاً برئيس المجلس الجماعي وقائد مركز الدرك وقائد الملحقة الثانية، وأعضاء ومنتخبين، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين المحليين وشخصيات مدنية، -قاد- الوفد الرسمي لزيارة ضريح 'سيدي وكاك اللمطي'، اليوم الخميس فاتح ماي الحاري، في إطار فعاليات الموسم الديني السنوي لـ 'سيدي وكاك'. الزيارة تأتي في إطار التواصل المباشر مع الساكنة والانفتاح على الموروث الديني والثقافي الذي تزخر به الجماعة، حيث يعتبر الموسم الديني مناسبة سنوية تجمع بين الروحانية والتضامن الاجتماعي. وخلال هذه الزيارة، تليت آيات من الذكر الحكيم، تلاها تعريف بجدور ونسب هذا الوالي، كما تم التشديد على أهمية هذه المواسم في تعزيز القيم الروحية والوطنية، وضرورة دعم مثل هذه التظاهرات التي تساهم في الحفاظ على الهوية المحلية وتقوية التماسك الاجتماعي. كما تم التنويه بالجهود المبذولة من قبل القائمين على الموسم لضمان نجاحه. من جعتهم، عبر أعيان المنطقة ورجال الدين عن تقديرهم لهذه الزيارة، معتبرين إياها دليلا على اهتمام السلطات بالموروث الثقافي والديني للإقليم. يُعد الموسم الديني 'سيدي وكاك اللمطي'، من المناسبات السنوية البارزة بمنطقة تدارت، حيث يجذب آلاف الزوار، ويشمل أنشطة دينية وثقافية واجتماعية. توصف مدرسة 'سيدي وكاك' بأنها 'أم المدارس'، والنواة الأولى للمدارس العلمية العتيقة في بلاد المغرب، حيث خرّج صاحبها (سيدي وكاك اللمطي' علماء وفقهاء مغاربة أعلام، أبرزهم عبد الله بن ياسين مؤسس دولة المرابطين عام 455 هجرية. وسميت مدرسة 'سيدي وكاك' بهذا الإسم، نسبة إلى سيدي وكاك بن زلو اللمطي، أشهر الأولياء الصالحين في سوس. وعَرَّفَ أحد الفقهاء سيدي وكاك، بأنها 'أم المدارس العلمية العتيقة، وأول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي، فهي تحفة دينية، ومنارة علمية تجمع بين التربية الروحية وتحفيظ كتاب الله تعالى وتدريس العلوم الشرعية'. وتقع 'سيدي وكاك' على ربوة جبلية محاذية لجبال الأطلس الصغير على حافة الوادي وقريبة من شاطئ 'أكلو'، بها ثلاث طوابق، ومطبخ، ومساكن للطلبة تستوعب نحو 100 شخص، ومكاتب ومجالس للفقهاء، وصالة للضيوف، ومرافق صحية وقاعات للتدريس وخزانة. نسب 'سيدي وكاك اللمطي' الشيخ الإمام سيدنا ومولانا وكاك بن زلوان بن أبي جمعة بن محمد بن ابي القاسم بن يعقوب بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن الفضيل بن يحيا بن ادريس بن ادريس -مكررا- بن عبد الله الكامل بن الحسن المثني ابن سيد شباب أهل الجنة وسبط خير البرية ابي محمد الحسن إبن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله تعلى وجهه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو النسب الصحيح لسيدي وكاك رضي الله عنه، وقال بعض من تصدر للكلام على أعقابه: وقد بان له من الأولاد ثلاثة : يحيا وياسين وأبوعلي. فأما السيد يحيا فمن أولاده سيدي محمد بن سليمان بن عبد السلام ابن عمران بن يعزى بن ابراهيم بن صالح بن ابراهيم بن يحيا بن وكاك وهو بمشمس وادي سملالة (أنامر واسيف ) ولم تظهر له ذرية الآن. واما السيد ياسين فله نسل ظاهر بجبال الصوابيين بموضع ( تاوودانت) وقد اشتهر فيه وجدهم الأعلى هو الشيخ داوون بن عبد الله بن بن عبد الله -مكررا- بن داود بن موسى ابن بك بن الحسن بن داود بن علي بن عبد الوهاب بن عبد الرزاق بن عبد المومن بن عبد الوارث بن محمد بن أبي جماعة بن كلكل glgl بن ياسين ابن الولي الصالح سيدي وكاك. وأما السيد بوعلي فإن له ولدا يسمى زغاغا ولهذا ولدان إثنان أحدهما علي بن زغاغ والثاني مدمان بن زغاغ ، فأما علي فله ذرية بأعلى الدفلى أعني كدية المرابطة وشفا الدراع ورغنا من بلاد سملالة. وأما مدمان فله عقب منتشر بوادي سملالة ايضا منهم الكوساليين وأبناء الطالب يعزى وأبناء ويحيا بفدان إحلون وكدية اكنسد ،وأبناء موسى بن يعزى وأبناء أبي القاسم بتمللن وأبناء عبد القادر والمعروفون بالبوسحاقيين. والذين ينتسبون لوكاك بصفة عامة كثيرون في سملالة وفي تاوودانت من آيت صواب وفي إسكار وفي تادارت وفي هشتوكة وآل سيدي مسعود أفولوس من إداكنيضيف.

إسلام مغربي.. تربية النشء (الحلقة 24)
إسلام مغربي.. تربية النشء (الحلقة 24)

LE12

time٢٥-٠٣-٢٠٢٥

  • LE12

إسلام مغربي.. تربية النشء (الحلقة 24)

إن مغربنا اليوم لفي أحوج الظروف إلى إعداد جيل الغد وتحويله رصيدا جيدا لبناء تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12 عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم '… اختارت لكم ' وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية الدولية أنّ هذا الإسلام 'على الطريقة المغربية' لم يكن بالضّرورة قائما على 'الصّدفة (النيّة) بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام دين عسر 'يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ' وبأن 'الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر' وأنْ 'ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه '.. ونشير إلى أن هذه المقالات منشورة في الموقع الإلكتروني لمجلة 'دعوة الحق '. جاء في حديث صحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه . رأينا بمناسبة افتتاح السنة الدراسية أنه من الخير نشر حديث يتعلق بتربية النشء، ذلكم النشء الذي سيكون منه الآباء وأمهات الغد، ذلك النشء الذي تعلق عليه الأمة الآمال الطويلة العريضة في الأخذ بيدها وإصلاح دينها ودنياها وانتشالها من كبوتها والسير بها قدما نحو استرجاعها على أريكة المجد والسّؤدد . لقد قرر الرسول الكريم في هذا الحديث الشريف أن تربية الصغار هي من السهولة بمكان اذ طل مولود قد خلقه الله على الفطرة النقية التي لا يشوبها أي كدر يحتاج في تنقيته وتطهيره إلى بذل مجهود ما. ومعنى هذا أن المواليد خلقوا على استعداد تام لقبول كل خير وقد رشحتهم الإرادة الربانية للسير على الصراط السوي، ما لم يصدهم عنها دعاة الزيغ والانحراف وأبالسة الوساوس والإرجاف، فما على الأبوين سوى شدة التيقظ في الحراسة والمحافظة على تلك الفطرة الطاهرة الزكية والإبقاء عليها حتى لا يتسرب إليها من طفيليات المساوي وما يكدر رونقها أو يعكر صفاءها أو يحول زلالها رنقا، وإعطائهم فرصة تمكنهم من الإيمان بدينهم وبقوميتهم وبسالف أمجادهم . إن مغربنا اليوم لفي أحوج الظروف إلى إعداد جيل الغد وتحويله رصيدا جيدا لبناء صرح المجتمع المغربي العظيم السالم من عوامل الانحلال، وطيد الأركان شامل البنيان، لقد كان من السهل على الأبوين -وقد ألقيت عليهما المسؤولية الأولى من الله ومن الأمة- أن يأخذا -لو شاءا- بيد هذه الأمة وينعشاها من أمراض الانحلال وأدواء التفسخ، وذلك بصرف طوق بها أعناق جميع الآباء وهم سيسألون عنها غدا أمام الملك الديان . في أمكان الآباء والأمهات -لو شاءوا- أن يكونوا النشء تكوينا صالحا وأن يربوهم تربية يستضيئون بنورها في سلوكهم الفردي والجماعي ويعيشون بفضلها سعداء في هذه الدنيا وفي دار البقاء، ويسدون بذلك إلى أمتهم ومجتمعهم اليد البقاء، ويسدون بذلك إلى أمتهم ومجتمعهم اليد البيضاء، وذلك -لعمري- أفضل تركة يورثها الآباء لأولادهم، وأحسن مدخر يأوي إليه الأبناء بعد آبائهم وتسعد به البنات في بيوت أزواجهن، ويبنون مجتمعا سعيدا رافلا في حلل العز والسّؤدد . أيها الآباء والأمهات الشفقاء إن من طبيعتكم أن تستخفوا حمل كل المشاق وتستسهلوا كل التضحيات في سبيل أولادكم ماديا ليس في مدة من حياتكم فحسب بل تبذلون نفس التضحية في سبيل جمع المال ليستديم رغد العيش لأولادكم ولو بعد موتكم، فلا تسنح لكم فرصة إلا اغتنمتموها ولا تواتيكم ولو بعد موتكم، فلا تسنح لكم فرصة ألا اغتنمتموها ولا تواتيكم بادرة إلا اهتبلتموها، وربما استهان البعض حتى بدينه في سبيل حشد الحطام وادخاره ولو شاء أحد التأكد من هذه الرغبة فسال أحدكم قائلا: علام هذا التعب الزائد، ولماذا تبذلون هذا الجهد الجاهد، فأن ما تذبلون من جرائه زهرة حياتكم وما تنفقون في سبيله نفائس أعماركم من تكديس المال واقتناء العقار فلربما كان ما تبقى من عمركم غير متسع للاستماع بما اكتسبتم فلن تترددوا في الجواب قائلين في صراحة: إن رغبتنا في اسعاد أولادنا بالمال ولو بعد مماتنا، لا تقل -أن لم ترب- عن الرغبة في اسعاد مماتنا، لا تقل -أن لم ترب- عن الرغبة في إسعاد أنفسنا نحن بما أستفدنا من الثروة . أيها الآباء والأمهات الشفقاء أرأيتم لو فرضنا أن فريقا من الآباء خلفوا لأولادهم القناطير المقنطرة من الأموال والكراع، وورثوهم كل شيء يعتقدون أنه من مرافق العيش وعوامل الترف ومهدوا لهم جميع السبل التي تنهال منها عليهم كل إضراب الماديات ووضعوا في أيديهم مفاتيح مراتع الشهوات وكانوا مع ذلك لا يقيمون وزنا لصالح أو فساد فطرهم، ولا يهمهم إن نشأوا نشأة صالحة أو طالحة ولا يبالون بما إذا تربوا على حب الأنانية والإثارة والتخلق بأخلاق الكبرياء ورذيلة العجب والرياء والنظر إلى الغير نظرة احتقار وازدراء. وهم مع ذلك دائبون في تلبية رغباتهم الحيوانية وإرضاء شهواتهم الشيطانية بفضل ما اكتسبه لهم آباؤهم من مال ويسروا لهم من السبل، ثم فرضنا أن بجانب هذا الفريق من الآباء فريقا آخر رأى أن السعادة على هذا الشكل إنما هي سعادة مزيفة، فهي ظل زائل ومتاع قليل بل هي طريق الشقاوة الدائمة، والنكد المؤبد. فليس من شفقة الآباء أن يغروا بها أولادهم ويسدرجوا عليها أكبادهم، فاقتضى سديد نظرهم أن ينتجعوا لأولادهم السعادة الحقيقة المثلي، سعادة لا تعقبها شقاوة ولا يكدر صفوها ندامة، فسلكوا في تربية أبنائهم مسلكا حكيما وربوهم تربية صالحة ووجهوهم توجيها مستقيما وأبقوا على فطرهم النقية، وحافظوا على مقوماتهم الإنسانية وقد أحكموا الحراسة من أن تتسرب إليهم جراثيم الإفساد، ومكروبات تدنيس الطباع، ووقوه من تأثير قرناء السوء ورشحوه للمحافظة على أداء واجباته الدينية وأنشاوه على حسن السلوك مع أقاربه وجيرانه والناس أجمعين وزرعوا في قلبه بذور حب الخير وفعله لدينه ووطنه والتضحية لإنقاذهما والذود عنهما وزينوا في نفسه النفع لإخوانه وبني جلدته واحترام حقوق الغير وكرهوا إليه رذيلة الحسد والأنانية والإثارة والكبرياء والعجب وغمط حقوق الناس وسائر المساوئ . اُنظروا بعين البصيرة أيها الآباء أي الفريقين أحسن لأولادهم نفعا وأقرب رحما. أيها الآباء والأمهات لكم أن تعتقدوا أنه بحسب أولادكم أن يستفتحوا أبواب العيش المادي إذا حملوا شهادات علمية وكرعوا من مناهل الثقافة والعرفان وقد فتح في وجوههم أبواب الوظائف، وصاروا من ذوي المقدرة على تنمية المال واكتسابه بالأساليب التجارية والصناعية أو الفلاحية وأمسكوا بناصية المادة. ولكم أيها الآباء أن تعتقدوا أنهم سيكونون في بحبوحة من العيش المادي وأضرُبٍ من الترفه ولمعلميهم وأساتذتهم في المدارس أن يشاطروكم في أعتقادكم ذلك، غير أنه ليس لهم وليس لكم أن تعتقدوا أنه كان ذلك أيضا سد بينهم وبين التعاسة وأضرب الشقاء والعيش النكد، وأنهم ولجوا بابي حظيرة الهناء والسعادة إلى الأبد . ولا نخال معلمي أولئك الأولاد وأساتذتهم في ما لقنوهم من المعلومات الجافة التي لا صلة بينها وبين ترقية النفس وتهذيبها وفي ما ساعدوهم على حمل الشهادات الرسمية. ولا نخالهم إلا كمن ساعدوا اللصوص على أساليب الاحتيال ومكنوهم من الأسلحة للسطو والاستيلاء على أموال الناس، إلا إذا زودوهم برصيد من التربية المثلى، ودربوهم على مكارم الأخلاق وساعدوهم في تنمية كيانهم المعنوي وعلموهم بسلوكهم أولا بأقوالهم ثانيا كيف يحافظون على واجباتهم الدينية وحموا فطرهم الطاهرة من التدنيس والتنجس بالأفكار الإلحادية ومن التوجيهات الاستعمارية تلكم التوجيهات التي لا تلو جهدا في صرف أولادنا عن قوميتهم ولغتهم وعن دينهم الذي هو منبت عزمهم وأكاليل مجدهم وطريق سؤددهم، تلكم التوجيهات الاستعمارية التي لا يريد لنا من ورائها الاستعمار إلا المخ حتى لا نفتر عن التسبيح بحمده ولا نعترف بمجد غير مجده ويسره أن نقذع كل صلة بشرف ماضينا ونجعل من أنفسنا -أن رضي- أذنابا له أو نشكل قطعا من حيوانات الغاب التي لا صلة بينها تربطها ولا علاقة تجمعها حتى يسهل عليه اصطيادنا بسهولة واطمئنان متى شاء وكيف أراد لا نقوى على رد عواديه ولا درء كيده. اللهم تدارك الأمة المحمدية بعنايتك ولطفك.

مغرب الزوايا. زاوية سيدي وكاك.. تكوين خطباء صلاة الجمعة (الحلقة 12)
مغرب الزوايا. زاوية سيدي وكاك.. تكوين خطباء صلاة الجمعة (الحلقة 12)

LE12

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • LE12

مغرب الزوايا. زاوية سيدي وكاك.. تكوين خطباء صلاة الجمعة (الحلقة 12)

تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية 'اثنين أغلو' في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة .. تقديم -عبد الرزاق المراكشي le1 'المغرب بلد الأولياء الصّالحين'.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في .. لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة 'الزّاوية'. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه 'الرّباطات' القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى . بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم ' رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب . تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية 'اثنين أغلو' في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة تيزنيت وأكلو. وتعدّ هذه الزّاوية أم المدارس العلمية العتيقة وأول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي .. أُسست الزّاوية في نهاية القرن الخامس هجري، على يد سيدي وكاك بن زلوان اللمطي، أحد أشهر أولياء منطقة سوس. ومن أشهر من درس في هذه الزّاوية عبد الله بن ياسين، مؤسس الدولة المرابطية . في العصر الحالي، يدرس في هذه الزّاوية ما بين 80 و100 طالب، ويُشكل المحسنون مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 أعوام و12 عاما في هذا المكان، قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المصلين في صلاة الجمعة . عند مشارف شاطئ أكلو، تطالع الزائر إلى جهة اليسار طريق ثانوية ضيقة تنساب عبر ربوة جبلية محاذية للأطلس الصغير تتخللها بعض المساكن ما تلبث أن تنكشف عن بناية ساطعة البياض تتوسطها صومعة سامقة كمن تضاهي في امتدادها عظمة المكان بهدوئه الأسطوري الذي يخفي في سكونه قصة زاوية استثنائية شكلت معقلا حافلا بالأحداث والوقائع في تاريخ الجنوب المغربي بل وفي تاريخ المغرب برمته، يكتب حسين ميموني . الحاج محمد، رجل سبعيني من سكان القرية، تزامن وجوده في المسجد، بحسب المصدر نفسه، مع قراءة الحزب بين العصر والمغرب، يحكي كيف شهدت رحاب هذه الزّاوية تغييرات كبرى خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل أحد المحسنين الذي تكفل بأشغال البناء والتوسعة، حتى غدا المكان يضم ثلاث طبقات ومطبخا ومساكن للطلبة ومكاتب ومجالس للفقهاء ومجلسا للضيوف ومرافق صحية وقاعات للتدريس تتسع لثمانين مقعدا . وصرّح محمد واسميح، مدرس مادة القرآن في مدرسة أكلو: 'هذا ضريح سيدي وكاك بن زلو اللمطي، أحد أشهر أولياء سوس، وهذه مدرسة سيدي وكاك العتيقة، أول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي، حيث تتلمذ عبد الله بن ياسين قبل أن ينتقل إلى تخوم الصحراء ليشيّد منها أركان الدولة المرابطية '. هنا، لاشيء يوحي بأن للمكان كل هذه الكثافة التاريخية وهذا الإشعاع الروحي لولا بعض الإشارات التاريخية المثبتة عند مدخل الضريح من قبيل 'لسيدي وكاك ثلاثة أولاد يحيى وياسين وأبو علي، أخذ عن سيدي محمد بن تيسيت بأغمات وعن أبي عمران الفاسي بالقيروان ثم رجع إلى نفيس سنة 430 هجرية وتوفي بأكلو سنة 445 '. والحال، بحسب المصدر ذاته، أن سيدي وكاك، الذي خصصت ثلاثة أيام دراسية في ماي 2010 لإحياء الذكرى الألفية لإحداث المدرسة التي تحمل اسمه في موضوع 'رباط وكاك بن زلو اللمطي وترسيخ الوحدة المذهبية والهوية الوطنية بالمغرب'، طبع برأي العديد من الدارسين والمؤرخين على حركة دائبة للتمكين للدين الإسلامي في المجتمع والفكر والثقافة وربط المسلمين بالعقيدة السمحة واجتثات جذور الوثنية والانحراف العقدي، في زمن طغت فيه على الغرب الإسلامي مذاهب دخيلة كالخوارج والروافض والبرغواطيين . وتحفل كتب التراجم بأخبار الفقهاء العاملين الذين كونوا الأجيال وخرجوا العلماء وقادوا الفكر والمجتمع في تلك المرحلة ومنهم سيدي وكاك، أي 'ابن الفقيه' بالأمازيغية، والذي ينتسب إلى قبيلة لمطة التي كانت مستقرة على وادي نول لمطة في منطقة أيت باعمران الحالية من والد عالم بالقرآن ينتمي إلى الشرفاء الأدارسة حسب ما يدل على ذلك مشجر أنساب أسرته الوارد في 'المعسول' للمختار السوسي . وتشير المصادر إلى أن وكاك هذا رحل إلى القيروان حيث لقي عبد الله بن أبي زيد القيراوني المتوفى سنة 386ه ودرس عليه ثم لازم تلميذه أبا عمران الفاسي حتى تخرج عليه، ليعود أدراجه بعد أن اكتفى من الأخذ عنه إلى المغرب للمشاركة في التربية والتعليم بمعية طائفة من زملائه في الدراسة، قبل أن يعلو كعبه ويذيع صيته بسبب ارتباط اسمه بتلميذه عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية (1040/ 1147). وعن أسباب انتقاله إلى أكلو بعدما أقام برباط 'نفيس'، يرجح عدد من الدارسين أن يكون مرد ذلك إلى عزمه مواصلة محاربة المذاهب الضالة بسوس ومتابعة أعمال عبد الله بن ياسين عن قرب بحكم قرب منطقة أكلو من الصحراء، لاسيما أن هذا الأخير ظل يراسل شيخه اللمطي ويستشيره ويرجع إليه في تدبير أموره بين اللمتونيين، حتى أثمرت جهوده بترسيخ أسس الدولة المرابطية التي مكنت من توحيد المغرب بل والغرب الإسلامي كله والقضاء على التفرقة والتشرذم والتمكين بشكل نهائي للمذهب المالكي . واليوم، وبعد مضي أزيد من ألف عام على بناء رباط أكلو، يؤكد السيد واسميح، الذي يدرس هنا منذ 23 عاما، أن مدرسة سيدي وكاك ما زالت تستقطب أزيد من ثمانين طالبا من مختلف جهات المملكة، لاسيما من حاحا وسكساوة وأمزميز ووارزازات وقلعة السراغنة وبرشيد وآيت باعمران وإداوتنان والأخصاص وإداو سملال وأحيانا من الحسيمة بل وحتى من الجزائر . وأوضح أنه يشرف إلى جانب الفقيه محمد البوجرفاوي، الذي يدرس هنا منذ أزيد من ثلاثين عاما علوم النحو والفقه والفرائض والفلك، على تلقين الطلبة أسس العلوم الشرعية وفق منهجية تراعي طرق التدريس بالمدارس العلمية العتيقة وفق برنامج زمني خاص بشهر رمضان 'شهر القرآن' يبتدئ من الفجر إلى 11 صباحا، ثم يستأنف مع الساعة الثانية بعد الزوال إلى صلاة العصر بتلاوة القرآن بشتى القراءات . وبالرغم من أن المدرسة خاضعة لنظام الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ 2007، فإنها لم تفرط في العمل بالنظام القديم، إذ ما زال المحسنون هم من يشكل مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 و12 عاما في هذا المكان قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المؤمنين في صلاة الجمعة بعد الحصول على شهادة من المدرسين مشفوعة بتزكية من المجلس العلمي المحلي .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store