logo
الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة "الحشاشين"

الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة "الحشاشين"

Independent عربية٠٣-٠٥-٢٠٢٥

في مستهل كتابه "الحشاشون: صفحات من تاريخ وأساطير النزارية" (دار العين – القاهرة – 2025)، يقر الباحث المصري حسن حافظ أنه خضع لثقل الأسطورة حين استخدم مصطلح "الحشاشين" للإشارة إلى "النزارية"، الفرقة التي أسسها حسن بن الصباح، إذ إنهم لم يطلقوا على أنفسهم هذا اللقب، وإنما هو "دعاية فاطمية" انطلقت من القاهرة، لتشويه منافسيهم في المذهب الإسماعيلي، لكن هذه الدعاية هي التي حملت النزارية إلى شهرة عالمية، فالذاكرة الجماعية احتفظت فقط باسم الحشاشين على رغم الجهود العلمية التي بذلت لدراسة تاريخ تلك الفرقة بصورة علمية، بداية من مارشال هودجسون وبرنارد لويس، اللذين اضطرا إلى استخدام مصطلح الحشاشين في عناوين كتبهما اعترافاً منهما بقوة الأسطورة عند الحديث عن النزارية.
ويلفت حافظ إلى أن الأساطير التي انتشرت في الغرب حول الحشاشين، كان مصدرها فرقة الحشاشين في الشام بقيادة راشد الدين سنان (1130- 1193) أثناء الحروب الصليبية في الشام، وليس فرقة حشاشين ألموت بقيادة حسن بن الصباح (1050- 1124). دخل اسم الحشاشين إلى اللغات الأوروبية أثناء هذه الحقبة، واستقر مرادفاً لمعنى قاتل، وأصبح من العادي اتهام ملوك أوروبا بالتحالف مع الحشاشين أو تأجير خدماتهم أو حتى تبني أساليبهم في الاغتيال عند التعامل مع أعدائهم.
أسطورة أوروبية
الكتاب البحثي (دار العين)
وأسهم جهل الأوروبيين بالعقيدة الإسلامية بصورة عامة، وبعقيدة الحشاشين بصورة خاصة في نشر الأساطير حولهم، مثل زعمهم أن الحشاشين كانوا يسيطرون على أتباعهم عن طريق مخدر الحشيش لتنفيذ الاغتيالات ضد خصومهم "فالعقل الأوروبي المؤسس على الخلفية الصليبية، التي كانت تنظر إلى الإسلام من حيث هو دين نظرة جاهلة، وشديدة السطحية، لم يفهم التكوين النفسي 'للفداوي' - الاسم الذي أطلق على من يقومون بتنفيذ الاغتيالات من الحشاشين - الذي يخضع لتدريب إيماني قوي في مراتب الدعوة الإسماعيلية، ويشحنون بالأفكار الجهادية التي تعزز من التضحية بالنفس".
تولدت عن أسطورة مخدر القنب / الحشيش تلك، أسطورة أخرى لا تقل عنها شهرة، وهي "جنة الحشاشين"، ومفادها بأن "الفداوية"، كانوا ينقلون وهم تحت تأثير المخدر إلى مكان يقال لهم إنه الجنة، وبعد مدة ينتزعون منه، ولكي يعودوا له يكون عليهم تنفيذ عمليات انتحارية. هذه أسطورة روتها الكتب الأوروبية، ولا وجود لها في كتب المؤرخين المسلمين الذين كتبوا عن النزارية بصورة علمية، وكانوا على حالة خصومة معهم، وتعرفوا عليهم عن قرب.
قلعة ألموت التاريخية (مواقع التواصل الاجتماعي)
ظهرت هذه الأسطورة في أوروبا في بداية القرن الـ14 الميلادي على يد الرحالة الإيطالي ماركو بولو، في حين أنه حتى الصليبيين الذي تعاملوا مع نزارية الشام، لم يسجلوا هذه الأساطير المتعلقة بـ"جنة شيخ الجبل".
دور ماركو بولو
ويلفت حافظ إلى أن الصليبيين نقلوا إلى أوروبا كل ما عرفوه عن هذه الجماعة بصورة تمزج بين الواقع والخيال، وربطوا بين نزارية الشام ونزارية ألموت، على رغم أن الأخيرة لم تربطها علاقات مباشرة بالصليبيين ولا الأوروبيين عموماً، وخلط الصليبيون في كثير من الأحيان بين ابن سنان والحسن بن الصباح. وأسهمت كتابات الرحالة ماركو بولو في تغذية العقلية الأوروبية بالقصص الأسطورية حول الحشاشين، وجعلتها تغزو أوروبا كلها عبر الترجمة، ودخلت في نسيج الثقافة الشعبية لكل الأوروبيين. حدث ذلك على رغم أن ماركو بولو لم يزر قلعة ألموت كما هو ثابت من مسار رحلته. فضلاً عن أنه زار بلاد فارس بعدما دمر المغول القلعة النزارية لدولة ألموت بسنوات، ولم يعد متبقياً منها إلا الأطلال. كما أنه أطلق لقب "شيخ الجبل" على سيد قلعة ألموت، وهو اللقب الذي استخدم في الأدبيات الصليبية والأوروبية في الإشارة إلى مقدم النزارية في الشام، وخصوصاً زعيمها راشد الدين سنان. مما يعني أن ماركو بولو نقل الأساطير الصليبية التي أحاطت بقصة راشد الدين وألصقها بنزارية ألموت، وجعلها تناسب الذائقة الأوروبية وقتذاك، التي عاشت على أجواء من الأساطير والحكايات المشوقة عن عالم مجهول يسمى الشرق.
ولم يكن بولو وحده الذي روج للأساطير حول الحشاشين في المخيلة الغربية، بل أسهم فيها البحث العلمي الأوروبي في العصر الحديث، إذ يلفت المؤرخ مارشال هودجسون (1922- 1968) إلى أن أول من درس النزارية من العلماء الغربيين المحدثين بجدية هما سلفستر دي ساسي (1758- 1838) وهامر برغشتال (1774- 1856) وكلاهما عارض الثورة الفرنسية في القرن الـ19 وما لحقها من ثورات. من ثم فإنهما قاما بصورة متعمدة بالتصديق على كل الاتهامات التي وجهت ضد قادة النزارية، ليجعلوا من الحشاشين مثالاً بغيضاً ومنفراً للحركات الثورية. فصورا الحركة كلها على أنها نوع من التلاعب بمجموعة من الحمقى من مجموعة من الأذكياء والحاقدين. بما يعني أن هذين المستشرقين استخدما النزارية كأداة لتشويه الحركات الثورية في أوروبا، وأسهم ذلك في تبني كل الأساطير حول الحشاشين واعتمادها وتكريسها في العقلية الشعبية.
التشهير بالنزارية
وعن سبب ارتباط الجماعة النزارية بالحشيش، يكشف حافظ عن أن مصطلح الحشاشين استخدم بالفعل في القرن السادس الهجري، الـ12 الميلادي، من جانب الفاطميين في مصر للتشهير بالنزارية، إذ استخدموا لفظ "الحششية" عند الحديث عنهم، وانتقل المصطلح من الفاطميين إلى مؤرخي العصرين الأيوبي والمملوكي. والمصطلح استخدمه الفاطميون بغرض التحقير، ويقصدون بالحشيشية العشب اليابس الذي يقدم علفاً للبهائم، لأن مخدر الحشيش لم يكن عرف بعد في مجتمع المسلمين. فالدولة الفاطمية من خلال جهازها الدعائي الرسمي عملت على الحط من النزارية ونسبها إلى الانحراف العقائدي على يد حسن الصباح، وشبهتهم بالعلف الذي يقدم إلى البهائم التي بلا عقل.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفند المؤلف كذلك "أسطورة الأصدقاء الثلاثة"، التي ربطت بين حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام، وزعمت أنهم كانوا رفقاء في مجالس العلم في صغرهم في نيسابور، وتعاهدوا على أن من يصل منهم إلى الحكم يشارك صديقيه فيه. وهي قصة مملوءة بالثغرات على رغم إيقاعها التشويقي بسبب تباين تواريخ ميلاد أبطالها فنظام الملك ولد في 408 هـ: 1018م في نواحي طوس، بينما ولد الصباح في قم عان 444 هـ، 1052م، وولد عمر الخيام بين عامي 430 و440 هـ/ 1038 و1048م في نيسابور. وهذا التباين في مكان المولد وتاريخه دفع المؤرخين إلى اعتبار القصة أسطورية، وأن نظام الملك وحسن الصباح لم يلتقيا أبداً.
ويعود مصدر هذه الأسطورة للتراث الفارسي المتأخر، ومنه للأدب الأوروبي الحديث مع استخدامها من إدوارد فيتزجيرالد (1809- 1883) حين ضمنها ترجمته لرباعيات الخيام إلى الإنجليزية، فتلقفتها باهتمام المخيلة الشعبية الأوروبية وارتكزت عليها كذلك رواية أمين معلوف "سمرقند".
ويرى المؤلف أن هذه القصة الأسطورية كان الهدف منها رفع شأن حسن الصباح، وجعله بمستوى شخصية ذات تأثير عظيم مثل نظام الملك، وجعلت هذه الأسطورة منهما وجهين مختلفين لعملة واحدة.
التحول المذهبي
ومن المعلومات المثيرة التي يكشفها الكتاب، أن الحشاشين تحولوا في مرحلة من تاريخهم إلى المذهب السني، في عهد الحسن الثالث زعيم قلعة ألموت، الذي لعن حسن الصباح، وتبرأ من المذهب، وأحرق كتب أجداده ودعا عليهم في أحد رسائله «ملأ الله قبورهم بالنار»، لكن سرعان ما عاد خلفه للمذهب الإسماعيلي.
ويخصص حافظ الفصل الأخير لقضية مهمة تثير اهتمام المصريين بين الحين والآخر، تتعلق بطائفة البهرة المهتمين بترميم آثار مصر الفاطمية، ومساجد آل البيت في القاهرة، وذلك لأن القاهرة مدينة مقدسة في معتقدهم شهدت حكم الأئمة الإسماعيلية يوماً ما. وزيارة القاهرة هي شكل من أشكال الحج بالنسبة إلى هذه الطائفة، وتعاونهم في ترميم الآثار المصرية بدأ في عهد جمال عبدالناصر، وعادة ما تغضب التجديدات التي يقومون بها كثيراً من المصريين، بسبب استخدامهم مواد حديثة لترميم الأجزاء المهدمة، مما يخل بطابعها الأثري. وذلك عكس جماعة الآغا خان الإسماعيلية التي تعود أصولها للحركة النزارية وقلعة ألموت، ولهم نشاط في ترميم الأماكن الأثرية في القاهرة بصورة احترافية تتواكب مع الأكواد العالمية وقاموا بإنشاء حديقة الأزهر، ويعتبرون أنفسهم ورثة أئمة الإسماعيلية ولهم مقابر خاصة في أسوان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإرهاب الإلكتروني
الإرهاب الإلكتروني

الرياض

timeمنذ 16 ساعات

  • الرياض

الإرهاب الإلكتروني

الشاشات الصغيرة باتت بوابة العالم، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل الإنساني إلى ساحات لحروب أيديولوجية خفيّة. فبين تغريدة هنا، وتعليق محرّض هناك، تنسج خيوط التطرف والإرهاب في صمت، مستهدفة عقول الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر نشاطاً على هذه المنصات. فكيف تسللت الأفكار المتطرفة إلى عقولهم؟ ولماذا بات العالم الافتراضي حاضنة للكراهية؟ في الماضي، كان انتشار الأفكار يقتصر على الكتب أو اللقاءات المباشرة، لكن اليوم، تغيّر الخوارزميات طريقة تفكيرنا. فكل "إعجاب" أو "مشاركة" يعيد تشكيل المحتوى الذي يظهر لنا، مما يخلق فقاعات رقمية تعزز انحيازاتنا. هنا، تنشط حسابات وهمية تدار من قبل شخصيات مجهولة، تغرق الصفحات بتعليقات تكفّر المعارضين، أو تهدد القائمين على مشاريع فنية أو اجتماعية تعتبر "تابعة للغرب" أو "منافية للشريعة". حتى أصبحت التعليقات العنيفة ظاهرة يومية، تمارس الإرهاب الفكري وتصعّد من خطاب الكراهية. ولا تتوقف الاستراتيجية عند هذا الحد.. ففي تطبيقات مثل "تليجرام" أو "سيجنال"، تنشأ مجموعات سرية تدار بذكاء لتجنيد الشباب. وتبدأ بمناقشة قضايا اجتماعية بسيطة، ثم تتطور إلى تحليلات مؤامراتية، لتصل أخيرا إلى تبرير العنف كـ"حل وحيد" لإنقاذ الأمة. وتستخدم لغة عاطفية تلامس هموم الشباب، مثل التركيز على الظلم أو الفساد، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من "مهمة مقدسة". الشباب في مقتبل العمر هم الأكثر عرضة لهذا الاستغلال، ليس بسبب جهلهم، بل بسبب تناقضات مرحلتهم العمرية. فهم يبحثون عن هوية تشعرهم بالانتماء، خاصة في ظل تغيّر الأدوار الاجتماعية السريع. هنا، تقدّم الجماعات المتطرفة إجابات سهلة مثل: "الإسلام في خطر"، "الجهاد فريضة". وتدعم هذه الرسائل بصور لضحايا الحروب أو الظلم، لاستثارة الغضب وتحويله إلى وقود للتطرف. ولا تغفل هذه الجماعات الجانب العاطفي. ففي دراسة أجرتها جامعة "جورج واشنطن" تبيّن أن 70 % من المتطرفين جنّدوا عبر علاقات افتراضية بدأت بالتعاطف مع قضاياهم، ثم تحوّلت إلى ولاء أعمى. كما أن غياب الحوار الأسري أو الديني المعتدل يجعل الشباب فريسة سهلة لأصحاب الأجندات الخفية. التأثير لا يتوقف عند المستوى الفكري؛ فعلى سبيل المثال، هاجمت حملات إلكترونية حفلات موسيقية بدعوى "محاربة الفن"، وتعرّض نشطاء مجتمعيون لتهديدات. هذه الضغوط لا ترهب الضحايا فحسب، بل ترسخ فكرة أن "الاختلاف جريمة"، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويعزز الانقسامات. أما على المستوى الفردي، فيصاب المتطرف بانفصام بين هويته الحقيقية والافتراضية. ففي دراسة لـ"مركز الأهرام للدراسات السياسية"، اعترف شباب متطرفون سابقون أنهم كانوا يعيشون "حياة مزدوجة": يبدون طبيعيين أمام أسرهم، بينما يخططون لهجمات عبر هواتفهم. هذا الانفصام يضعف قدرتهم على التمييز بين الخيال والواقع، حتى يصبح العنف خياراً مقبولاً. الحل يبدأ بالاعتراف أن التطرف ليس "مشكلة أمنية" فحسب، بل ظاهرة ثقافية تحتاج إلى مقاربة شاملة. أولاً يجب تجديد الخطاب الديني عبر تدريب الأئمة على مواجهة التحريفات الفقهية، وتشجيع النقاشات العقلانية. وعلى الحكومات التعاون مع منصات التواصل لتطوير خوارزميات تقلل من انتشار المحتوى المتطرف، مع حماية خصوصية المستخدمين. ولا بد من تعزيز البرامج التربوية التي تعرّف الطلاب بمهارات التفكير النقدي، وتحميهم من التلاعب العاطفي. ويجب إحياء الحوار المجتمعي عبر فعاليات تظهر أن "الاختلاف ثراء"، مثل مهرجانات تجمع بين الفنون والتراث الديني المعتدل. تعد الأسرة الحصن الأول في حماية الشباب من الانزلاق نحو التطرف. حيث توفّر الأسرة حواراً مفتوحاً يناقش قضايا الدين والهوية بعقلانية، وتعزز قيم التسامح عبر المثال العملي، تصبح الفكرة المتطرفة أقل جاذبية. كما أن مراقبة سلوك الأبناء على منصات التواصل، دون تدخل قمعي، تساعد في اكتشاف الانحرافات المبكرة. لكن الأهم من الرقابة هو بناء الثقة، أن يشعر الابن أو البنت أن الأسرة ملجأ آمن لطرح الأسئلة المحرجة، بعيداً عن وصمة "التكفير" أو التنمر. أما الإعلام فيمكن أن يكون أداة فاعلة عبر إبراز قصص الناجين من التطرف، ودعم مبادرات الحوار، وتعزيز المحتوى الذي يربط بين القيم الإسلامية والتعايش السلمي. كما أن إنتاج برامج تعرّف الشباب بكيفية تحليل المحتوى الرقمي نقدا يقلل من تأثير الدعايات المغلوطة عبر التنشئة الواعية، وعبر الخطاب المسؤول. فكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: "التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتلاقى جهود الفرد مع جهود المجتمع"، وهذا ما يلخص ضرورة التعاون بين كل الفاعلين لبناء مناعة مجتمعية ضد التطرف. تذكرنا مقولة عالم الاجتماع الأميركي سكوت أتران أن: "التطرف ليس فكرة تقاتلها بالأسلحة، بل حالة عقل تعالج بالبديل الأفضل".. فالشباب الذين يجنّدون اليوم هم ضحايا فراغ فكري وعاطفي، يحتاجون إلى من يعيد لهم الأمل، لا إلى من يصادر أحلامهم.. إن مواجهة التطرف ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي معركة كل فرد يؤمن أن الإنسانية أقوى من كل خطاب يحاول تمزيقها.

سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية
سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية

سعورس

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سعورس

سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية

وقبل بدء موسم الحج بوقت كافٍ، أطلقت الجهات المختصة في المملكة تحذيرات متكررة لجميع المسلمين حول العالم من الوقوع في فخ السماسرة والمحتالين الذين يروجون لفرص وهمية لأداء الحج خارج الأطر الشرعية والتنظيمية. هؤلاء السماسرة، من داخل المملكة وخارجها، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وواجهات وهمية للترويج لمخيمات غير مرخصة، ووسائل نقل غير نظامية، ويدّعون زورًا وجود «تسهيلات» أو «استثناءات» للحج، رغم أن المملكة قد أكدت بشكل حازم أنه لا يُسمح بأي استثناء في أداء الفريضة دون تصريح رسمي. وليس هذا التحذير نظريًا أو سابقًا لأوانه، فقد كشفت الأحداث الماضية - وخاصة في موسم الحج الأخير - عن حالات دفع فيها عدد من الحجاج المخالفين حياتهم ثمنًا لانسياقهم وراء هذه الدعايات المضللة. استُدرج بعضهم بتأشيرات زيارة عائلية أو تجارية، وفُجعوا عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة بأنهم كانوا يطاردون سرابًا، دون مأوى، أو رعاية، أو قدرة على الوصول إلى المشاعر. ورغم الجهود التوعوية والإعلامية المكثفة التي تبذلها المملكة عامًا بعد عام، لا تزال هذه الممارسات تتكرر، مدفوعة بالجشع والاستغلال. ولذلك، جاءت الإجراءات العقابية حازمة وشاملة. فقد أعلنت وزارة الداخلية أن الغرامة على أي شخص يحاول دخول مكة المكرمة أو المشاعر المقدسة دون تصريح حج، باستخدام أي نوع من التأشيرات، تصل إلى 20 ألف ريال مع الترحيل والمنع من الدخول لفترة محددة. أما من يتورط في إصدار تأشيرات لغير المستحقين، أو نقلهم أو إيوائهم أو التستر عليهم، فتُفرض عليه غرامات تصل إلى 100 ألف ريال، فضلًا عن العقوبات الأخرى. وإلى جانب الإجراءات الرسمية، تحرك العلماء والهيئات الدينية في المملكة لتوضيح الحكم الشرعي في هذه المخالفة، مؤكدين أن «الاستطاعة» التي اشترطها الإسلام لأداء فريضة الحج تشمل الالتزام بالأنظمة المنظمة لشؤون الحجاج، وليس فقط القدرة المالية أو البدنية. وأجمعوا على عدم جواز أداء الحج دون تصريح، لما في ذلك من إضرار بالنفس والغير، ومخالفة صريحة لولي الأمر. ومما يزيد من خطورة هذا السلوك أن المخالفين - من غير المسجلين رسميًا - لم يخضعوا للفحوصات الصحية اللازمة، ما يجعلهم مصدر خطر محتمل على الصحة العامة، وقد يُسهمون في نقل أمراض معدية أو التسبب في حالات طبية طارئة يصعب التعامل معها في ظل ظروف الزحام والتكدس. كما لا يمكن إغفال الجانب الأمني والتنظيمي، حيث تضطلع رئاسة أمن الدولة عبر قوات الطوارئ الخاصة بدور محوري في تأمين الحشود وتنظيم رمي الجمرات، ومنع الازدحام، وضمان انسيابية الحركة داخل المشاعر. وقد تم تأهيل آلاف من منسوبي هذه القوات ليكونوا مسعفين ميدانيين يتعاملون بكفاءة مع الحالات الطارئة، مما يضيف بعدًا مهمًا للجاهزية الأمنية والصحية. في المقابل، لا تزال بعض حركات الإسلام السياسي - مثل جماعة الإخوان الإرهابية - تحاول استغلال الموسم لأغراض خبيثة، من خلال إطلاق فتاوى مضللة تبرر مخالفة الأنظمة، في تحدٍ صريح لإجماع العلماء، وترويج لخطاب يهدد أرواح الأبرياء ويسيء للمقاصد الشرعية. لقد أوضحت المملكة موقفها بما لا يدع مجالًا للبس، وأكدت أنها لن تتهاون مع أي جهة أو فرد يشارك في هذه الممارسات، وأن الحفاظ على سلامة الحجاج وكرامتهم مسؤولية وطنية ودينية. ومع ما تم من خطوات تنويرية وتوعوية، فإن الوقت قد حان لتغليظ العقوبات بشكل أكبر على كل من يتورط في هذه التجاوزات، ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه المتاجرة بأرواح الناس تحت غطاء الدين أو الخدمات الزائفة. ختامًا، فإن شرف خدمة الحجيج أمانة عظيمة اختص الله بها المملكة، وقد حملت هذه الأمانة بكل كفاءة واقتدار. وهي ماضية في أداء رسالتها النبيلة، مؤمنة بأن حماية حقوق ضيوف الرحمن، وتقديم أرقى الخدمات لهم، واجب لا مساومة فيه، ومهمة لا تقبل التراخي أو التفريط.

سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية
سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية

الوطن

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الوطن

سلامة ضيوف الرحمن أولوية ومسؤولية

في موسمٍ تهفو فيه قلوب المسلمين إلى بيت الله الحرام، وتتجه فيه الأرواح من مشارق الأرض ومغاربها صوب مهوى أفئدة المؤمنين، تجدد المملكة العربية السعودية رسالتها الواضحة والمبدئية: لا حج إلا بتصريح نظامي، ولا مجال للتهاون مع من يعبث بتنظيم هذه الشعيرة العظيمة، أو يخاطر بأرواح ضيوف الرحمن من خلال تجاوز التعليمات أو التحايل على الأنظمة. وقبل بدء موسم الحج بوقت كافٍ، أطلقت الجهات المختصة في المملكة تحذيرات متكررة لجميع المسلمين حول العالم من الوقوع في فخ السماسرة والمحتالين الذين يروجون لفرص وهمية لأداء الحج خارج الأطر الشرعية والتنظيمية. هؤلاء السماسرة، من داخل المملكة وخارجها، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وواجهات وهمية للترويج لمخيمات غير مرخصة، ووسائل نقل غير نظامية، ويدّعون زورًا وجود «تسهيلات» أو «استثناءات» للحج، رغم أن المملكة قد أكدت بشكل حازم أنه لا يُسمح بأي استثناء في أداء الفريضة دون تصريح رسمي. وليس هذا التحذير نظريًا أو سابقًا لأوانه، فقد كشفت الأحداث الماضية - وخاصة في موسم الحج الأخير - عن حالات دفع فيها عدد من الحجاج المخالفين حياتهم ثمنًا لانسياقهم وراء هذه الدعايات المضللة. استُدرج بعضهم بتأشيرات زيارة عائلية أو تجارية، وفُجعوا عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة بأنهم كانوا يطاردون سرابًا، دون مأوى، أو رعاية، أو قدرة على الوصول إلى المشاعر. ورغم الجهود التوعوية والإعلامية المكثفة التي تبذلها المملكة عامًا بعد عام، لا تزال هذه الممارسات تتكرر، مدفوعة بالجشع والاستغلال. ولذلك، جاءت الإجراءات العقابية حازمة وشاملة. فقد أعلنت وزارة الداخلية أن الغرامة على أي شخص يحاول دخول مكة المكرمة أو المشاعر المقدسة دون تصريح حج، باستخدام أي نوع من التأشيرات، تصل إلى 20 ألف ريال مع الترحيل والمنع من الدخول لفترة محددة. أما من يتورط في إصدار تأشيرات لغير المستحقين، أو نقلهم أو إيوائهم أو التستر عليهم، فتُفرض عليه غرامات تصل إلى 100 ألف ريال، فضلًا عن العقوبات الأخرى. وإلى جانب الإجراءات الرسمية، تحرك العلماء والهيئات الدينية في المملكة لتوضيح الحكم الشرعي في هذه المخالفة، مؤكدين أن «الاستطاعة» التي اشترطها الإسلام لأداء فريضة الحج تشمل الالتزام بالأنظمة المنظمة لشؤون الحجاج، وليس فقط القدرة المالية أو البدنية. وأجمعوا على عدم جواز أداء الحج دون تصريح، لما في ذلك من إضرار بالنفس والغير، ومخالفة صريحة لولي الأمر. ومما يزيد من خطورة هذا السلوك أن المخالفين - من غير المسجلين رسميًا - لم يخضعوا للفحوصات الصحية اللازمة، ما يجعلهم مصدر خطر محتمل على الصحة العامة، وقد يُسهمون في نقل أمراض معدية أو التسبب في حالات طبية طارئة يصعب التعامل معها في ظل ظروف الزحام والتكدس. كما لا يمكن إغفال الجانب الأمني والتنظيمي، حيث تضطلع رئاسة أمن الدولة عبر قوات الطوارئ الخاصة بدور محوري في تأمين الحشود وتنظيم رمي الجمرات، ومنع الازدحام، وضمان انسيابية الحركة داخل المشاعر. وقد تم تأهيل آلاف من منسوبي هذه القوات ليكونوا مسعفين ميدانيين يتعاملون بكفاءة مع الحالات الطارئة، مما يضيف بعدًا مهمًا للجاهزية الأمنية والصحية. في المقابل، لا تزال بعض حركات الإسلام السياسي - مثل جماعة الإخوان الإرهابية - تحاول استغلال الموسم لأغراض خبيثة، من خلال إطلاق فتاوى مضللة تبرر مخالفة الأنظمة، في تحدٍ صريح لإجماع العلماء، وترويج لخطاب يهدد أرواح الأبرياء ويسيء للمقاصد الشرعية. لقد أوضحت المملكة موقفها بما لا يدع مجالًا للبس، وأكدت أنها لن تتهاون مع أي جهة أو فرد يشارك في هذه الممارسات، وأن الحفاظ على سلامة الحجاج وكرامتهم مسؤولية وطنية ودينية. ومع ما تم من خطوات تنويرية وتوعوية، فإن الوقت قد حان لتغليظ العقوبات بشكل أكبر على كل من يتورط في هذه التجاوزات، ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه المتاجرة بأرواح الناس تحت غطاء الدين أو الخدمات الزائفة. ختامًا، فإن شرف خدمة الحجيج أمانة عظيمة اختص الله بها المملكة، وقد حملت هذه الأمانة بكل كفاءة واقتدار. وهي ماضية في أداء رسالتها النبيلة، مؤمنة بأن حماية حقوق ضيوف الرحمن، وتقديم أرقى الخدمات لهم، واجب لا مساومة فيه، ومهمة لا تقبل التراخي أو التفريط.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store