
كيف يعالج الأردن عجز الميزان التجاري ويجعل الصادرات تتفوّق
لكن السؤال ليس فقط: "لماذا نعاني من العجز؟" بل: "كيف يمكن قلب المعادلة؟ كيف نجعل من التصدير قصة نجاح، لا مجرد بند محاسبي؟" هنا يصبح الإصلاح ليس ترفًا بل ضرورة وجودية. لأن كل دينار لا نصدره، سنضطر إلى استدانته لاحقًا، أو تعويضه بتحويلات أو معونات لا يمكن التعويل عليها في المستقبل.
الجواب ليس في خطاب نظري ولا في خفض الاستيراد بعنف، بل في رفع جودة التصدير بكفاءة. وللأردن فرصة ذهبية الآن، لأن التحوّلات الجيوسياسية وإعادة تشكيل سلاسل الإمداد جعلت العالم يبحث عن شركاء جدد، و"مواقع تصديرية بديلة". دول مثل الأردن، التي تمتلك استقرارًا نسبيًا وموقعًا لوجستيًا مثاليًا، يمكن أن تدخل على الخريطة إذا أحسنت التوقيت والإعداد.
من أين نبدأ؟ أولًا، نحتاج إلى قلب العقلية: الميزان التجاري لا يُعالج بقيود على المستوردات بل بدعم منهجي للصادرات. وهذا يشمل أربع ركائز: الجودة، السوق، التمويل، واللوجستيات.
على صعيد الجودة، كثير من المنتجات الأردنية لا ينقصها الإبداع بل الاعتمادية الصناعية. يعني ذلك الالتزام بالمواصفات الدولية بشكل دائم، وليس فقط عند زيارة المفتش. وهنا دور المؤسسة العامة للمواصفات والمقاييس في أن تكون شريكًا للصادر لا مجرد حارس بوابة.
أما السوق، فإن فتح الأسواق لا يكون عبر المعارض وحدها، بل باتفاقيات تجارة عادلة وتكاملية. اتفاقية "أغادير"، مثلاً، لا تزال دون استثمار كافٍ، في حين أن الأسواق الإفريقية مثقلة بالطلب على الأدوية والأسمدة والملابس، وهي قطاعات أردنية واعدة لم تطرق الباب بعد.
يبقى التمويل، وهو معضلة المصدر الأردني. البنوك ترى التصدير مخاطرة، والمصدر الصغير لا يمتلك ضمانات. هنا يمكن التفكير في "صندوق تأمين ائتمان تصديري" شبيه بتجارب كوريا وتركيا، يمنح ثقة للبنك وجرأة للمصدر.
ثم اللوجستيات، وهذه قد تكون نقطة التحوّل. يجب ربط المناطق الصناعية الكبرى (كمدينة الموقر أو سحاب) بخطوط نقل مباشرة مع ميناء العقبة، وتوسيع الربط مع الموانئ الحرة الرقمية، حيث تُصدَّر البضائع دون عناء الورق.
لكن كل ذلك لن ينجح بدون "نافذة تصدير واحدة"، رقمية وموحّدة، تُعالج الترخيص والفواتير والرقابة في خطوة واحدة. ما يحدث اليوم أن المصدر الأردني يضيع بين مؤسسات متداخلة، كل منها تُفرغ من الآخر الطاقة والوقت.
كيف يتسق هذا مع خطة التحديث الاقتصادي؟ الخطة وضعت ضمن أولوياتها تمكين القطاعات القابلة للتصدير: الصناعات الغذائية، الأدوية، الألبسة، الخدمات الرقمية، والطاقة المتجددة. لكنها تحتاج إلى ذراع تنفيذية تحمل هذه القطاعات من الفكرة إلى السوق، لا أن تتركها في فوضى المؤسسات المتعددة.
وبلغة الأرقام، يجب أن يكون الهدف القريب (2027 مثلًا) خفض العجز إلى أقل من 6 مليارات دينار، وزيادة الصادرات من 7 إلى 10 مليارات سنويًا، عبر التوسع في القيمة المضافة، وتكامل التصنيع المحلي، وتفعيل مناطق حرة للتجميع والتصدير.
هنا أيضًا، لا يمكن تجاهل عنصر العملة الوطنية. فكل تحسن في الميزان التجاري يعزز قوة الدينار الأردني، ويقلل الضغط على الاحتياطيات الأجنبية. في المقابل، فإن استمرار العجز يزيد من حساسية الاقتصاد لتقلبات الدولار الأميركي. ومع التوقعات العالمية بمرحلة ضعف نسبي للدولار في السنوات المقبلة، يتوجب على صانع السياسة النقدية التفكير في سيناريوهات مرنة، من ضمنها تعزيز أدوات التحوط أو حتى النظر مستقبلاً في إمكانية الانتقال إلى نظام تعويم مدروس، إذا توفرت الأرضية المؤسسية والهيكلية لذلك. قوة الدينار ليست فقط سياسة نقدية، بل أيضًا انعكاس للثقة بالاقتصاد الإنتاجي وقدرته على التصدير.
أخيرًا، الصادرات ليست مجرد تجارة، بل هُوية اقتصادية. حين نصدّر أكثر مما نستورد، لا نحقق فائضًا فقط؛ بل نبني استقلالًا اقتصاديًا، ونخفف الضغط على الدينار، ونخلق وظائف حقيقية. لهذا، فإن إصلاح الميزان التجاري ليس خيارًا تقنيًا، بل قرار سيادي، وكما قلنا في ملف الاستثمار، وكما كرر صندوق النقد في مراجعاته الأخيرة: العالم لا ينتظر، ومن لا يُصدّر اليوم، سيستورد الفاتورة غدًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 27 دقائق
- البلاد البحرينية
السعودية والإمارات والصين أكبر شركاء البحرين التجاريين
أظهرت بيانات الاستيراد والتصدير، أن المملكة العربية السعودية هي الشريك التجاري الأول لمملكة البحرين في النصف الأول من العام الجاري؛ إذ بلغ حجم الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير من وإلى المملكة 709 ملايين دينار منذ يناير حتى نهاية يونيو 2025. وبيّنت البيانات أيضا أن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الثاني لمملكة البحرين، وبلغ حجم التجارة بين البلدين 613 مليون دينار، فيما كانت الصين الشريك التجاري الثالث للبحرين بتبادل تجاري بلغ 442 مليون دينار. وحلت في المركز الرابع دولة أستراليا التي بلغ حجم التبادل التجاري معها 395 مليون دينار، تبعتها الولايات المتحدة الأميركية التي بلغ حجم التبادل التجاري معها 379 مليون دينار، تبعتها الهند بـ 224 مليون دينار، ثم البرازيل بـ 217 مليون دينار، ثم إيطاليا بـ 154 مليون دينار. وفي المركز التاسع جاءت اليابان بتبادل تجاري بلغ 153 مليون دينار، ثم فرنسا في المركز العاشر بتبادل تجاري بلغ 125 مليون دينار. أما دولة قطر فحلت في المركز الـ 11 بتبادل تجاري بلغ 121 مليون دينار، في حين تبعتها هولندا بتبادل تجاري بلغ 109 ملايين دينار، ثم إسبانيا في المركز الـ 13 بتبادل تجاري بلغ 104.8 مليون دينار، ثم في المركز الـ 14 جاءت ألمانيا بتبادل تجاري بلغ 104.1 مليون دينار، ثم المملكة المتحدة في المركز الخامس عشر بتبادل تجاري بلغ 104 ملايين دينار. الواردات وفيما يتعلق بالواردات في النصف الأول من العام الجاري، فكانت جمهورية الصين أكبر المصدرين لمملكة البحرين بصادرات بلغت 429 مليون دينار، ثم أستراليا بصادرات بلغت 347 مليون دينار، في حين جاءت الإمارات العربية المتحدة كثالث أكبر مصدر للبحرين بصادرات بقيمة 255 مليون دينار، ثم البرازيل بـ 215 مليون دينار، ثم الولايات المتحدة الأميركية بـ 181 مليون دينار، تبعتها المملكة العربية السعودية بـ 166 مليون دينار، ثم الهند بـ 156 مليون دينار، ثم اليابان بـ 131 مليون دينار، ثم فرنسا بـ 114 مليون دينار، وفي المركز العاشر جاءت ألمانيا بـ 98 مليون دينار. الصادرات وفيما يتعلق بالصادرات وطنية المنشأ، فجاءت المملكة العربية السعودية كأكبر المستوردين من البحرين بـ 452 مليون دينار، ثم الإمارات العربية المتحدة التي استوردت من البحرين بضائع بـ 205 ملايين دينار، ثم الولايات المتحدة الأميركية التي بلغت الصادرات البحرينية إليها 193 مليون دينار، تبعتها دولة قطر في المركز الرابع بصادرات بلغت 99 مليون دينار، ثم هولندا بالمركز الخامس بصادرات بلغت 90 مليون دينار، ثم الهند بصادرات بلغت 67.8 مليون دينار، ثم إسبانيا بصادرات بلغت 67 مليون دينار، ثم إيطاليا في المركز الثامن وصادرات بحرينية إليها بقيمة 64 مليون دينار، ثم المكسيك بالمركز التاسع بصادرات بلغت 50 مليون دينار، وفي المركز العاشر جاءت أستراليا التي استوردت بضائع وطنية المنشأ من البحرين بـ 46 مليون دينار.


صراحة نيوز
منذ ساعة واحدة
- صراحة نيوز
اغلى من الذهب .. لوحة مركبة '1-1' قد تُحدث ضجة في السوق بسعر يصل إلى 10 ملايين دينار
أفاد مصدر حكومي أن الرقم المميز للوحة المركبة بالترميز '1-1' قد يُباع بسعر يصل إلى نحو 10 ملايين دينار، في حال طرحه ضمن المزادات العلنية المقررة للأرقام المميزة. وأوضح المصدر أن الأرقام الخاصة سيتم عرضها للبيع عبر مزادات عامة، في حين ستُتاح أرقام مميزة أخرى من خلال قنوات البيع المباشر المعتمدة. وقد أقرّ مجلس الوزراء تعديلات جديدة على نظام لوحات المركبات، تهدف إلى تعزيز الشفافية وتسهيل عملية تتبع المركبات الرسمية بدقة أعلى. ووفقاً للتعديلات، سيتم استبدال الرموز الرقمية في لوحات المركبات الحكومية، ولوحات الإدخال المؤقت، والمركبات الدبلوماسية، برموز حرفية توضح الجهة التي تتبع لها كل مركبة. كما تسمح التعديلات الجديدة ببيع وشراء الأرقام المحفوظة دون إلزام بربطها بمركبات مسجلة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في آلية تداول الأرقام، التي كانت سابقاً تتطلب إجراء البيع حصراً عند تسجيل المركبة عبر إدارة الترخيص. وتجدر الإشارة إلى أن كامل عوائد بيع الأرقام المميزة ستُخصص لدعم صندوق الطالب الجامعي التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مما يشكل مصدر دخل دائم للصندوق، يساهم في توسيع شريحة المستفيدين وتخفيف الأعباء المالية عن الطلبة.


أخبار ليبيا
منذ ساعة واحدة
- أخبار ليبيا
لجنة تنظيم المسابقات تعتمد نتائج الجولة الأولى من سداسي التتويج وتصدر عقوبات بالجملة
طرابلس 28 يوليو 2025 (وال)- أصدرت لجنة تنظيم المسابقات بالاتحاد الليبي لكرة القدم القرار رقم (316)، بشأن اعتماد نتائج مباريات الجولة الأولى من منافسات سداسي التتويج، المقام حاليًا في مدينة ميلانو الإيطالية. وتضمّن القرار اعتماد نتيجة مباراة 'الكلاسيكو' التي جمعت بين الأهلي طرابلس والأهلي بنغازي لصالح الأول، بنتيجة هدفين دون رد (2-0). وفي السياق ذاته، قررت اللجنة خصم ثلاث نقاط من رصيد فريق الأهلي بنغازي في الموسم المقبل، إلى جانب فرض غرامة مالية قدرها 20,000 دينار ليبي. كما شملت العقوبات إيقاف حارس مرمى الأهلي بنغازي لمدة ستة أشهر، إلى جانب غرامة مالية بقيمة 3,000 دينار، بسبب مخالفات تم تسجيلها خلال المباراة. من جهة أخرى، تقرر إيقاف المدير الفني للأهلي بنغازي لمباراة واحدة، مع تغريمه مبلغ 300 دينار ليبي. .. ( وال ) ..