
مهرجان كان يبدي "صدمته" إثر مقتل المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة
أعرب مهرجان كان السينمائي الأربعاء عن "صدمته وحزنه العميق" إثر مقتل مصورة صحفية فلسطينية شكلت محور فيلم من المقرر عرضه الشهر المقبل في المهرجان، مع عدد من أفراد عائلتها جراء قصف صاروخي في غزة.
وتشكل المصورة الصحفية فاطمة حسونة البالغة 25 عاما، موضوع الفيلم الوثائقي "ضع روحك على كفك وامشِ" للمخرجة الإيرانية سبيده فارسي. وكانت جمعية (ACID) للسينما المستقلة، إحدى الفئات الموازية ضمن مهرجان كان السينمائي، قد أعلنت الثلاثاء 15 أبريل/نيسان اختيارها الفيلم لعرضه خلال الحدث السينمائي.
وذكّر مهرجان كان السينمائي في بيان لوكالة فرانس برس أنه "في اليوم التالي (لاختيار الفيلم)، قُتلت (فاطمة حسونة) وعدد من أفراد عائلتها جراء صاروخ أصاب منزلهم".
وأشار المهرجان إلى أن حسونة "جعلت من مهمتها أن تشهد، من خلال عملها والتزامها، ورغم المخاطر المرتبطة بالحرب في القطاع الفلسطيني، على الحياة اليومية لسكان غزة في عام 2025. إنها واحدة من كثر وقعوا ضحايا للعنف المستشري في المنطقة منذ أشهر".
وأضاف البيان "يُعرب مهرجان كان السينمائي عن صدمته وحزنه العميق إزاء هذه المأساة التي هزت العالم أجمع. وإذ لا قيمة للفيلم في مواجهة مأساة كهذه، فإن (عرضه في فئة ACID في كان في 15 مايو/أيار) سيكون، بالإضافة إلى رسالة الفيلم نفسه، وسيلة لتكريم ذكرى (الشابة) التي وقعت ككثر غيرها ضحية للحرب".
ووجهت المخرجة زبيدة فارسي -الخميس الماضي- تحية إلى روح المصورة الشابة التي كانت تروي لها عبر مكالمات بالفيديو تفاصيل عن الحياة في غزة. وكتبت "أطالب بالعدالة لفاطمة وجميع الفلسطينيين الأبرياء الذين لقوا حتفهم".
كما دانت منظمة "مراسلون بلا حدود" مقتل فاطمة حسونة، معربة عن أسفها لأن اسمها "يُضاف إلى ما يناهز 200 صحفي قُتلوا خلال 18 شهرا".
وقد اندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق نفذته حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأسفر عن مقتل 1218 شخصا من الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وفقا لإحصاء وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات رسمية. ومن بين 251 شخصا اختُطفوا في ذلك اليوم، لا يزال 58 محتجزين في غزة، منهم 34 توفوا حسب الجيش الإسرائيلي.
وأسفرت الحرب عن مقتل ما لا يقل عن 51 ألفا و266 فلسطينيا في غزة منذ بداية الضربات الإسرائيلية في القطاع، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
رغم انقطاع الكهرباء.. مهرجان كان الـ78 يختتم فعالياته ويعلن القائمة الكاملة للفائزين
في ظل تصاعد التوترات الدولية، اختتم مهرجان كان السينمائي دورته الـ78 بنجاح ملحوظ. على الرغم من الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي، الذي شمل مناطق واسعة من المدينة وعطّل عددا من العروض السينمائية وأخرّ بعض الفعاليات الموازية. أثار الحادث حالة من الارتباك لدى الحاضرين، وطرح تساؤلات عن جاهزية البنية التحتية لمثل هذا الحدث العالمي. وبينما سارعت إدارة المهرجان إلى تشغيل المولدات الاحتياطية في قصر المهرجانات لضمان استمرار العروض الرئيسية، أعلنت السلطات المحلية في مدينة كان فتح تحقيق رسمي لتحديد أسباب الانقطاع، وما إذا كان ناتجا عن عطل تقني، أو خلل في الشبكة الإقليمية، أو عوامل خارجية أخرى. وتمكّن المنظمون من السيطرة على الموقف بسرعة بفضل اعتمادهم على مولدات كهربائية، مما أتاح استكمال فعاليات المهرجان في موعدها، بما فيها حفل توزيع الجوائز الذي أدارته رئيسة لجنة التحكيم جولييت بينوش. في واحدة من أكثر اللحظات اللافتة في تاريخ المهرجان، فاز المخرج الإيراني جعفر بناهي بالسعفة الذهبية عن فيلمه "لم يكن سوى حادث"، وهو أول عمل له بعد رفع الحظر الحكومي عنه. الفيلم يخلط بين الغضب والسخرية السوداء، ويستعرض قصة خمسة سجناء سابقين يعتقدون أنهم تعرفوا إلى المدعي العام الذي عذّبهم في السجن. وقد استوحى بناهي الفيلم من أحاديث جرت بينه وبين سجناء آخرين خلال فترة اعتقاله. أما الجائزة الكبرى، فجاءت من نصيب المخرج النرويجي يواكيم تريير عن فيلم "قيمة عاطفية"، الذي يتناول علاقة متوترة بين مخرج وابنته الممثلة، ومحاولته إصلاحها بإشراكها في فيلمه الأكثر خصوصية. وأكد تريير أن السينما تمثل "لغة بديلة للتوحيد". جوائز الأداء التمثيلي ذهبت إلى فاغنر مورا كأفضل ممثل عن فيلم "العميل السري"، حيث يؤدي دور أب يحاول النجاة من محاولة اغتيال أيام الديكتاتورية العسكرية في البرازيل. وقد حصد الفيلم نفسه جائزة أفضل مخرج للمخرج كليبر مندونسا فيليو. الحفل شهد لحظات مرحة أيضاً، منها أداء غير متوقع للنجم جون سي. رايلي الذي غنى "La Vie En Rose" بالإنجليزية خلال تقديمه جائزة أفضل سيناريو، التي ذهبت إلى الأخوين جان بيير ولوك داردين عن فيلم "أمهات شابات". جائزة لجنة التحكيم قُسمت بالتساوي بين فيلم "صراط" للمخرج الإسباني أوليفييه لاكس وفيلم "صوت السقوط" للمخرجة الألمانية ماشكا شيلينسكي، في حين حصل المخرج الصيني بي غان على جائزة خاصة عن فيلمه "القيامة". ومنحت جائزة الكاميرا الذهبية لأفضل فيلم، للمخرج العراقي حسن هادي عن فيلم "كعكة الرئيس"، وهو أول فيلم عراقي يفوز بجائزة في تاريخ مهرجان كان. وإليكم القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: المسابقة الرسمية السعفة الذهبية:"لم يكن سوى حادث" (It Was Just an Accident) – جعفر بناهي. الجائزة الكبرى:"قيمة عاطفية" (Sentimental Value) – يواكيم تريير. أفضل مخرج: كليبر مندونسا فيليو "العميل السري" (The Secret Agent). أفضل ممثل: فاغنر مورا- "العميل السري" (The Secret Agent). أفضل ممثلة: نادية ميليتي- "الأخت الصغيرة (Little Sister). جائزة لجنة التحكيم (مناصفة): "صراط" (Sirat) – "أوليفييه لاكس" (Olivier Laxe). "صوت السقوط" (Sound of Falling) – "ماشا شيلينسك" (Mascha Schilinski). جائزة خاصة:"القيامة" (Resurrection) – بي غان. إعلان أفضل سيناريو:"أمهات شابات" (Young Mothers) – جان بيير ولوك داردين. جوائز أخرى الكاميرا الذهبية:"كعكة الرئيس" (The President's Cake) – حسن هادي. تنويه خاص بالكاميرا الذهبية: "ظل والدي" (My Father's Shadow) – أكينولا ديفيز جونيور. السعفة الذهبية للفيلم القصير:"سعيد أنك متّ الآن" (I'm Glad You're Dead Now) – توفيق برهوم. تنويه خاص للفيلم القصير"علي" (Ali) – عدنان الراجيف. جائزة العين الذهبية للفيلم الوثائقي:"إيماجو" (Imago) – ديني عمر بيتساييف. جائزة لجنة تحكيم العين الذهبية:"رجل الستة مليارات دولار | The Six Billion Dollar Man" – يوجين جاريكي. جائزة "Palme Dog" لأفضل كلب في فيلم: "باندا" (Panda) – "الحب الذي يبقى" (The Love That Remains). جوائز النقاد الدوليين جائزة النقاد (المسابقة الرسمية):"العميل السري | The Secret Agent" – كليبر مندونسا فيليو. جائزة النقاد (نظرة ما): "قنفذ البحر" (Urchin) – هاريس ديكنسون. جائزة النقاد (الأقسام الموازية):"رحلة بذور الهندباء | Dandelion's Odyssey" – موموكو سيتو | Momoko Seto نظرة ما جائزة نظرة ما:"نظرة الفلامينغو الغامضة" (The Mysterious Gaze of the Flamingo) – دييغو سيبيديس. جائزة لجنة التحكيم:"شاعر" (A Poet) – سيمون ميسا سوتو. أفضل إخراج طرزان وعراب نصار- "كان يا ما كان في غزة | Once Upon a Time in Gaza" جوائز الأداء التمثيلي كليو ديارا –"لا أرتاح إلا في العاصفة" (I Only Rest in the Storm). فرانك ديلان – "قنفذ البحر" (Urchin). أفضل سيناريو"راكب الدراجة الخلفي" (Pillion) – هاري لايتون. تنويه خاص"نورة" (Norah) – توفيق الزيدي. أسبوع المخرجين جائزة "يوروبا سينما":"ثعالب برية" (Wild Foxes) – فاليري كارنوي. جائزة المؤلفين والملحنين المسرحيين"ثعالب برية" (Wild Foxes) – فاليري كارنوي. جائزة اختيار الجمهور: "كعكة الرئيس" (The President's Cake) – حسن هادي | Hasan Hadi أسبوع النقاد الجائزة الكبرى"شبح مفيد" (A Useful Ghost) – راتشابوم بونبونتشاكوك. إعلان جائزة "اللمسة الفرنسية":"إيماجو" (Imago) – ديني عمر بيتساييف. ج ائزة مؤسسة GAN للتوزيع:"الفتاة العسراء" (Left-Handed Girl). جائزة النجم الصاعد من مؤسسة لويس روديرير: تيودور بيليرين- "نينو". جائزة لايتس سين لاكتشاف الأفلام القصيرة: "لمينا | L'mina" – رندا مروفي. جائزة المؤلفين المسرحيين للفيلم القصير: غييرمو غالو وفيكتور ألونزو بيربل– "مدينة بلا نوم | Sleepless City". جائزة "كانال بلس" للفيلم القصير: "الإيروجينيسيس | Erogenesis" – زاندرا بوبيسكو.


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
ثلاثية راندا معروفي.. حكايات السينما والسلطة والعمران في المغرب
بمناسبة عرض فيلم 'المينة' (2025) للمخرجة المغربية راندا معروفي في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، ضمن أسبوع النقد بمهرجان 'كان' السينمائي الدولي هذا العام 2025، تنشر 'الجزيرة الوثائقية' هذا المقال الذي يستعرض بالتحليل والنقد ثلاثة من أعمالها الفيلمية. تتطرق الأفلام الثلاثة إلى قضايا المجتمع المغربي من زوايا عميقة ومختلفة، لم تكن معتادة في الأعمال المماثلة، وتعتمد على المجاز السينمائي والرصد للواقع من الميدان، وتلك لغة اختارتها راندا معروفي لنفسها في سرد حكايات المجتمع، وصراعه مع الأنظمة البيروقراطية والحدود وألوان التهميش. لا يسعى فيلم 'المينة' إلى تمجيد المعاناة ولا تجميلها، بل إلى ملامستها من الداخل، بمقاربة جماعية في الكتابة والإنتاج. راندا معروفي.. لغة بصرية تعيد صياغة التفكير تستكشف الفنانة المغربية راندا معروفي (الدار البيضاء، 1987) منذ أعمالها الأولى العلاقات المتوترة بين الأجساد والفضاءات الاجتماعية، مسلطة الضوء على بنيات الهيمنة، التي تحدد أشكال الحضور والحركة في المجال العام. بين التصوير الفوتوغرافي والفيديو والمنشأة والسينما، تطور راندا منهجية بصرية، تعيد التفكير في الممارسات اليومية، وتكشف الديناميات الخفية التي تحكم علاقات الناس بالسلطة وتمثيلاتها، في الوطن العربي كما في الغرب. يتجلى ذلك بوضوح في ثلاثيتها: 'الحديقة' (2015). 'باب سبتة' (2019). 'المينة' (2025). وهي أعمال سينمائية تمزج بين الطابع الوثائقي والتجريبي، فتصبح مشاهد الانتظار نوعا من الأداء الجسدي الجماعي، يُبرز التوتر القائم بين النظام والمقاومة، وبين السلطة الجماعية والإيماءات الفردية. 'الحديقة'.. فضاء مهجور يتجاوز الحدود الفيزيائية في فيلم 'الحديقة'، تنتقل راندا معروفي إلى فضاء مهمل في قلب مدينة الدار البيضاء؛ حديقة ملاهٍ مهجورة أصبحت موقع أطلال وحداد بصري، تسكنه أجساد شبابية تائهة بين الرغبة في الظهور وعبثية المشهد. لا يقدم الفيلم سردا وثائقيا تقليديا، بقدر ما يشكل تجربة بصرية متأرجحة بين التوثيق والتجريد، فتستعير المخرجة عناصر من الواقع، لتفككها وتعيد ترتيبها، ضمن تركيبة جمالية تبرز هشاشة الفضاء الحضري وحدوده الرمزية. تتجول الكاميرا في حركة بطيئة، تلتقط تفاصيل الصمت والركود، فتبدو الشخصيات معلقة في وضعيات ثابتة، أشبه بتماثيل أو صور جامدة. ومع ذلك، تكسر بعض الإيماءات هذا الجمود؛ يد تتحرك، وهاتف يستعمل، ونظرة تتلاشى في الضباب البصري. تنبع الحياة هنا من تفاصيل هامشية، من لحظات توحي بأن الزمن لم يتوقف تماما، بل دخل في حالة من التعليق المريب، ولا يعكس هذا التعليق الزمني العطالة الاجتماعية فحسب، بل يفتح تساؤلات حول التمثيل والأداء والظهور، بصفته فعلا سياسيا في فضاء مهمش. تكشف راندا في الفيلم التوتر الكامن في صور الحياة اليومية كما تُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، فالشخصيات ليست في وضعيات أداء فقط، بل تتقمص دورها بوعي كامل، برغبة أن ترى. في هذا السياق، يصبح الفضاء المهجور مسرحا لشكل جديد من التمثيل، فيصبح الركام العمراني أثاثا معاصرا لصور تمثل جيلا يعيش على أطراف المدينة وهامش المجتمع، جيل يتشبث بالصورة والاستعراض والفرجة، حتى في أكثر أشكالها فجاجة، ويتخذها وسيلة وجود ومقاومة صامتة. بهذا المعنى، يتجاوز فيلم 'الحديقة' مفهوم الحدود الفيزيائية، نحو أسئلة أعمق بخصوص الظهور والاختفاء، حول من يحق له أن يكون مرئيا، ومن يُدفع نحو العتمة. على غرار فيلمها الثاني 'باب سبتة'، لا تروي راندا قصة محددة، بل توفر فضاء بصريا للتأمل في بُنى الهيمنة، وحضور الأجساد في فضاءات محكوم عليها بالإقصاء. من هذا المنطلق، يمكن وضع عملها في حوار مع تحليلات الفيلسوف 'جاك رانسيير' حول العلاقة بين الفن والسياسة، فلا يكون الفن انعكاسا للواقع فحسب، بل أداة لإعادة توزيع الحواس، وإعادة تشكيل الإدراك العام، لما هو مرئي وما هو مستبعد من المجال البصري. 'باب سبتة'.. مجاز الهيمنة والمقاومة وعقوبة السلطة تشكل الحدود بطبيعتها فضاء للانتظار، وهو انتظار محكوم بقوانين خفية، تتحكم في مسارات الأجساد، وتفرض عليها إيقاعا معينا. وفي فيلم 'باب سبتة'، لا تقدم العبور الحدودي على أنها مجرد لحظة انتقال من نقطة إلى أخرى، بل هي حدث مسرحي مكثف، فيصبح الجسد في تكراره للأفعال اليومية عنصرا في تكوين بصري متشابك. تستغل المخرجة الحركات البسيطة كحمل البضائع، والجلوس القسري الطويل، والانتظار في صفوف متعرجة، فتضفي عليها بعدا نحتيا، تتبلور فيه هذه الحركات، وتصبح إيماءات مشحونة بالدلالات السياسية والاجتماعية. على عكس الأفلام الوثائقية التقليدية التي تركز على تقديم سرديات خطية للأحداث، يعتمد فيلم 'باب سبتة' أسلوبا مختلفا، فهو لا يسعى إلى تفسير الظاهرة ولا تحليلها، بل إعادة صياغتها بصريا، وذلك بتفكيكها وتركيبها من جديد في فضاء مجرد، بتركيز وحرص شديدين على الحركات والإيقاع والتكرار. تجعل هذه المقاربة 'باب سبتة' تجربة حسية مكثفة، تُفرغ المكان من تفاصيله المعتادة، حتى يصبح أشبه بمسرح خاوٍ، تستوطنه الأجساد فقط، وتعيد بحركاتها تشكيل المعنى. بتوثيق مظاهر الانتظار القسري في حياة هؤلاء الناس، حاولت تصوير الزمن، لا على أنه حركة، بل حالة من الجمود، تفرضها البنى السلطوية. هذا الاشتغال على الجسد بوصفه محورا للتمثيل الفني يجعل 'باب سبتة' عملا قريبا من بعض تجارب السينما، التي تهتم بجانب الواقع الحركي والزمني. قد يذكرنا ذلك -على نحو مفارق- بفيلم هارون فاروكي 'خروج العمال من المصنع' (1995)، فهو يحلل مغادرة العمال لمواقع عملهم على أنه حدث متكرر، مليء بالدلالات السياسية حول العمل والسلطة، ويعتمد على مزيج من وثائق الأرشيف وتعليق صوتي عليها. لا يقتصر الاشتغال إذن على مفهوم الحدود في 'باب سبتة' على المعنى الجغرافي، بل يتجاوزه إلى البعد الاجتماعي والسياسي. ففي أحد المشاهد، نرى النساء وهن يجلسن على أكياس ضخمة من السلع المهربة، منتظرات ساعات قبل السماح لهن بالعبور، وليس انتظار مجرد تفصيل يومي، بل هو رمز لنظام كامل من العنف البيروقراطي، الذي يتحكم في حركة الأفراد، متخذا الحدود أداة للسيطرة. يذكرنا هذا بمفهوم 'الزمن الميت' لدى الفيلسوف 'بول فيريليو'، ففيه تصبح أوقات الانتظار أشكالا من العقوبات غير المعلنة، التي تمارسها السلطة على الأفراد. تقول المخرجة راندا معروفي في حوار هاتفي مع الجزيرة الوثائقية: بتوثيق مظاهر الانتظار القسري في حياة هؤلاء الناس، حاولت تصوير الزمن، لا على أنه حركة، بل حالة من الجمود، تفرضها البنى السلطوية. ومع أن 'باب سبتة' يتناول وضعا محددا مرتبطا بالحدود المغربية الإسبانية، فإن أسئلته تتجاوز السياق المحلي، وتشمل قضايا عالمية تتعلق بالحركة والهجرة والحدود بوصفها أدوات للسيطرة. لكن ما يميز مقاربة راندا هو تركيزها على الجسد أرشيفا للصراع الاجتماعي، بعيدا عن الخطابات المباشرة حول المعاناة أو اللجوء، وقد نجد ههنا تقاربا مع أعمال الفنانة الأمريكية 'سوزان ميزلز' (1948)، التي وثقت بصورها تفاصيل حياة المهمشين اليومية، من دون أن تقع في فخ استدرار العواطف. لا تحاول راندا تقديم صورة عن واقع معين في الفيلم، بل تقترح مساحة لإعادة التفكير فيما نراه وما لا نراه، فالحدود لا ترسم فقط على الخرائط، بل تمتد إلى المخيلة الجماعية، فتكرس صورا نمطية حول من يحق له العبور، ومن يحكم عليه بالبقاء في الهامش. لا توثق راندا واقعا مألوفا، بل تعيد بناءه ضمن مقاربة جمالية، تجعل الحدود حيزا للأداء والمقاومة، لا نقطة فصل فقط، فالجسد ههنا لا يكتفي بتلقي الأوامر البيروقراطية؛ بل هو كيان فعال، يعيد تعريف ذاته بحركات متكررة، تكتسب معاني جديدة مع كل تكرار. يجعل هذا الاشتغال على الجسد والحدود والزمن عملها جزءا من تيار أوسع في السينما والفن المعاصر، تيار يسائل العلاقة بين الفرد والمنظومة، وبين السلطة والمقاومة، وبين المرئي والمخفي. في نهاية المطاف، لا يقدم الفيلم إجابات جاهزة، بل يفتح المجال لتساؤلات جديدة، حول أشكال الهيمنة، وأشكال التملص منها أو التمرد عليها، وإن بأبسط الإيماءات اليومية. تفكيك المرئي والمخفي والذاكرة بين فيلمين يتمحور الربط بين فيلمي 'باب سبتة' و'المينة' حول التقاط التوترات والظلال، التي تحيط بالمساحات الجغرافية، المتأثرة بالحدود والاقتصاد غير الرسمي، بالإضافة إلى التصوير التجريدي للمدن ذات الطابع الصناعي والمهمش. في فيلم 'باب سبتة'، تركزت الكاميرا على الثغر الإسباني عند الحدود المغربية الإسبانية، لتسجل حياة الناس في ظل اقتصاد غير رسمي، يتمحور حول التهريب والنقل غير المشروع للبضائع عبر الحدود. أما فيلم 'المينة'، فتبرز فيه مدينة جرادة (شرق المغرب) بموقعها الصناعي والجغرافي، وهي مدينة تعيش على هامش الذاكرة والراهن، فتتداخل فيه توترات المجتمع مع تحديات الاقتصاد، الناتجة عن الإقصاء السياسي والعوز المادي والتدهور البيئي. يتناول العملان فكرة الحدود بطرق غير مباشرة، قد تبدو متباينة في شكلها، لكنها تتقاطع في سيرورة المخرجة الجمالية والسياسية، فـ'باب سبتة' يلتقط الحدود الجغرافية بين دولتين كما تتجسد في حركة الأفراد والبضائع عبر المعابر الضيقة، وأما 'المينة' فيعيد تشكيل حدود المدينة بطريقة أكثر رمزية، بتقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، التي تتيح استكشاف الهياكل المعمارية والفضاءات الصناعية من منظور غير معتاد. هكذا يشير استخدام المسح الضوئي والتقنيات الحديثة في 'المينة' إلى بحث في طرق جديدة، لرؤية الأماكن التي باتت معالمها تتلاشى، أو أصبحت -في طريقها للاندثار- فضاءات يمكن وصفها أنها 'مقاوِمة'. في هذا السياق، لا سبيل لفصل البعد الجمالي في فيلم 'المينة' عن خياراته الأخلاقية والسياسية. تقول راندا معروفي: لا يسعى الفيلم إلى تمجيد المعاناة ولا تجميلها، بل إلى ملامستها من الداخل، بمقاربة جماعية في الكتابة والإنتاج. لقد اعتمدت راندا منذ المراحل الأولى للمشروع على حوارات موسعة مع سكان جرادة، لا سيما من عايشوا واقع مناجم الفحم العشوائية، المعروفة محليا باسم 'الساندريات'، ثم أصبحت تلك الحوارات نسيجا سرديا، شارك في صياغته أبناء المدينة أنفسهم، وجسدوا في الفيلم أدوارا مستلهمة من حياتهم. أعدتُ بناء فضاء رمزي في منزل بمدينة جرادة، لأن التصوير في المناجم الحقيقية كان مستحيلا، فأعاد شباب من عائلة موسعة تمثيل حياتهم. وفي 'المينة'، تستخدم راندا أدوات تصوير متعددة، منها المسح الثلاثي الأبعاد، وتقنيات السوبر 8، لخلق طبقات من القراءة البصرية؛ الأولى توثيقية ذات طابع رسمي وتقني في آن، ترتبط بأدوات المراقبة والهندسة المعمارية، والثانية حميمية وعائلية، تستحضر ذاكرة الجسد والعائلة والبيت، وتربط مباشرة بين الخاص والعام، وبين العملي والعاطفي. تقول راندا: أعدتُ بناء فضاء رمزي في منزل بمدينة جرادة، لأن التصوير في المناجم الحقيقية كان مستحيلا، فأعاد شباب من عائلة موسعة تمثيل حياتهم. يسعى فيلما 'باب سبتة' و'المينة' إذن إلى إعادة النظر في المناطق المجهولة والمعتمة في الواقع المعاصر؛ فمن جهة يقدم 'باب سبتة' الحدود واقعا اجتماعيا جغرافيا بين عالمين مختلفين، في حين يتأمل 'المينة' في نوع آخر من الحدود، تلك التي تخلقها الصناعات والذاكرة المنسية، التي تتآكل بمرور الوقت، محاولا إعادة بناء ما بقي منها بصريا وعاطفيا.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
شاهد.. دينزل واشنطن يشتبك مع مصور قبل تكريمه في مهرجان كان
اشتبك الممثل الأميركي الشهير دينزل واشنطن مع مصور على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي الدولي قبيل حصوله المفاجئ على جائزة السعفة الذهبية الفخرية. واشنطن البالغ من العمر 70 عاما حضر العرض الأول لفيلمه "أعلى 2 أدنى" (Highest 2 Lowest) مساء أمس الاثنين في كان. ويقوم واشنطن بالدور الرئيسي في فيلم الإثارة للمخرج الأميركي سبايك لي. وبحسب صور تلفزيونية، أمسك المصور بذراع واشنطن على السجادة الحمراء للحصول على انتباهه. ثم اقترب الممثل الأميركي من الرجل رافعا إصبع السبابة وقال مرارا "توقف". وبينما كان واشنطن يحاول المغادرة، أمسك المصور بذراعه مرة أخرى، في حين طلب منه النجم الهوليودي التوقف مرة أخرى. وبعد ذلك تم تكريم واشنطن في قصر المهرجان، حيث قدم له سبايك لي ومدير المهرجان تيري فريمو الجائزة الفخرية عن أعماله الفنية. وقال واشنطن خلال التكريم "لقد كانت هذه مفاجأة بالغة لي، لذا أنا متأثر قليلا، ولكنني أشكركم جميعا من أعماق قلبي". وفي فيلم "الأعلى 2 الأدنى"، يلعب النجم الأسمر دور قطب موسيقى يختطف طفله. والفيلم إعادة إنتاج لفيلم الإثارة والجريمة "أعلى وأدنى" (High and Low) عام 1963 للمخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا.