
أنتَ من خذل غزّة!!
ثم مهما اختلفنا في نظرتنا لما يحدث هنالك، ومهما اختلفت مواقفنا وتوجهاتنا، ومهما اختلفت قناعاتنا وتحليلاتنا، فإننا نتفق على أنه لو اتخذت الدول العربية خاصة والدول الإسلامية عامة موقفا حاسما لما طال أمد الحرب كل هذه المدة!، ولما بلغت الهمجية هذا الحد الذي بلغته!، ولما بلغ صلف الصهاينة والأمريكان وجرأتهم وطغيانهم الوحشية البربرية التي بلغوها!.
أظن أن المقدمتين السالفتين مسلمتان بينتان، لا تحتاجان إلى استدلال وكثير كلام، وعليه فالسؤال الأهم في هذا السياق: من الذي خذل غزة بحق؟، وهو يضاهي السؤال البديهي الذي يجب أن يطرحه كل واحد منا: ما الذي يجب علي فعله؟، أو هو أكثر مطلوبية منه!، ذلك أن ما يجب فعله واضح ظاهر، والسؤال عنه تغافل أو تغابٍ، إذ يكفي أن نقول فيه: يجب على كل إنسان بذل كل ما يمكنه بحسب كل واحد وحاله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}، وكل من استطاع أن يعينهم بمثقال ذرة وتقاعس عن ذلك فهو آثم، وحسابه عند ربه. أما المخذّلون [خاصة المخذّلون باسم الإسلام وبالفتاوى المتصهينة!] والمطبّعون فويل لهم ثم ويل لهم عند رب العالمين!. والموت نهاية كل حي في الدنيا وعند الله تجتمع الخصوم، وفي أشباه هؤلاء قال الحق جل جلاله: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.
أما السؤال الأهم فيحتاج جوابه إلى توضيح، ذلك أنه من السهل أن نقول: إن المجتمع الدولي بكل مؤسساته هو من خذل غزة!، ونحن نعلم أنها دائما في خدمة مصالح الغرب ودوله خاصة الكبرى منها. أو أن نقول: إن الدول الكبرى وفي مقدمتها دول مجلس الأمن هي من خذل غزة!، وهذا غباء مزمن، فلم يحدث أن أشفقت الذئاب الجائعة على الحملان الوديعة، خاصة أن الكيان الصهيوني ما هو إلا ربيبهم وصنيعتهم، وكلهم معترفون بحقه في الوجود الموهوم ودفاعه عن النفس المزعوم!. ولم يبق إلا أن نقول: إن الأنظمة العربية والإسلامية هي من خذلت أهل غزة، فهي المطالب الأول بنصرتهم، وهي القادرة على نصرتهم، وكما سبق أن ذكرت: موقف موحّد واحد منها كان سيوقف الإبادة في أيامها الأولى!، ولهذا سابقة تاريخية تؤكد ذلك، فالكل يذكر الموقف العربي في السبعينات بوقف تصدير النفط وكيف شلّ العالم، وجعل دول الغرب تناور وتفاوض وتخضع، بغض النظر عن اختلافنا في تقويمه وتقويم نتائجه، وتحديد الخلفيات السياسية التي دفعت إليه، ومن استفاد منه أكثر؟!.
إن التعمق في فهم الوضع يتطلب منا أسئلة أعمق من مجرد تحميل المسؤولية جهة ما، فموقف الأنظمة العربية الإسلامية عموما [إلا...] يطرح أسئلة عدة: لماذا لم ترق مواقفها إلى مستوى المعركة؟، لماذا لم تتخذ موقفا مشرفا وحاسما من القضية؟، وهل هي في صف الأمريكان والصهاينة أم في صف غزة وفلسطين؟، وهل هي متواطئة مع الأمريكان الصهاينة أملا في القضاء على حماس والقسام والمقاومة؟. والسؤال الأهم في نظري: هل هي تمثل موقف شعوبها؟، أو هل تمتلك الشرعية الشعبية وتصدر عنها في قرارتها وموقفها أم أنها في واد وشعوبها في واد آخر؟... إلخ.
لن أقف لأجيب عن كل هذه الأسئلة وما تستبعه من أسئلة، ولكني على يقين أن مواقف الأنظمة العربية والإسلامية في الغالب لا تمثل مواقف شعوبها، بل هي متناغمة مع الموقف الصهيوني، أي داعمة له من طرف خفي، لا يخفى على العقلاء!، ولو كانت شرعية هذه الأنظمة قائمة على إرادة شعبية حرة وحقيقية لما وسعها إلا أن تقف مع شعوبها على عتبة واحدة، وتتخذ المواقف البديهية التي تطالب بها كل الشعوب العربية والإسلامية [والغريب حتى الشعوب الغربية]، ولأعلنت الحرب على الكيان الصهيوني، ودافعت عن غزة وفلسطين بالصواريخ والطائرات كما فعلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا حين دافعوا عن الكيان بجيوشهم، معلنين ذلك مفاخرين.. لكن: لا سمح الله!!.
أمام هذا الحال أعود فأقول: أنتَ من خذل غزّة!، (أنت) خطاب لكل عربي ومسلم، نعم أنت من خذل غزة، ليس اليوم، وليس عند انطلاق طوفان الأقصى المبارك بأيامه المئتين!، بل منذ عقود من الزمن، حين تدثّرت بالتشاؤم، ورددت: هذه البلاد لا خير فيها ولن تنصلح!، وحين رفعت شعار: (تخطي راسي!)، وصرت لا تهمك إلا مصالحك وأمورك الشخصية!، وحين تبنيت الحكم على كل من يريد التغيير والإصلاح بأنهم (قاع كيف كيف!)، وحين اتهمت كل العاملين في ميادين الإصلاح بأنهم طلاب كراسي ولا تهمهم إلا مصالحهم، واتخذت ذلك مسوغا لتقاعسك وللتسليم بالواقع المرّ!، وحين اعتقدت بالخلاص الفردي حتى في تدينك، فالمهم عندك أن تدخل الجنة بالعبادات العينية، ولتذهب الأمة إلى الذل والهوان!، وحين صار يقال للواحد منا: تعالى نتعاون على البر والإصلاح، فيقول: (خاطيني)، وبدعة، ويجوز ولا يجوز، وو و... بتعبير أوضح: أليس أنظمة الدول العربية والإسلامية هي المسؤول الأول عن وقف ما يحدث، بل عن تحرير فلسطين كل فلسطين؟.. إذًا لو عملنا جميعا على أن تكون الأنظمة التي تحكم بلاد العرب والمسلمين تمثل شعوبها حق تمثيل بشرعية كاملة؛ لكفتنا اليوم مواقف هذه الدول العربية والإسلامية عن الخوض في هذا الموضوع أصلا!، ولكانت مواقفها هي العامل الحاسم في المعركة، بل لما تجرأ الأمريكان والصهاينة على اقتراف ما اقترفوه!، ولما وصل الوضع إلى هذا الحال الكارثي المخزي، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول: إنك ظالم، فقد تُودِّع منهم» رواه أحمد والطبراني.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ ساعة واحدة
- إيطاليا تلغراف
ثوابت المملكة المغربية بين الحقيقة والوهم - إيطاليا تلغراف
إيطاليا تلغراف الدكتور محمد عوام باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة. منذ سنوات ونحن نسمع بثوابت المملكة المغربية، والتي حددت في العقيدة الأشعرية، والمذهب الفقهي المالكي، والمذهب الصوفي على طريقة الجنيد، وهي ما عبر عنها العلامة ابن عاشر رحمه الله في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين) بقوله: فِي عَقْدِ الأشعري وفِقْهِ مَالِكِ وَفِي طَرِيقِةِ الْجُنَيْدِ السَّالِكِ هذه الثوابت الدينية، أو على حد تعبير أستاذنا العلامة أحمد الريسوني حفظه الله 'الاختيارات الدينية'، هي ما جرى عليه علماء المغرب، وسلاطينه لمدة تزيد عن اثنتي عشرة قرنا، ولقيت قبولا حسنا، حتى ألفينا العلماء ينافحون عنها، ويرسخونها في الناس. فاستقرت بذلك في الوسط العلمائي والمجتمعي. على أن هذه الثوابت لم يكن تداولها محصورا في المساجد، يلوك بها الوعاظ والخطباء ألسنتهم، ويتفنون في تطريز وتدبيج الحديث عنها، بتنميق الكلمات، واختيار الألفاظ الطنانة والعبارات، وإنما كانت هذه الثوابت محل نظر القضاة في قضائهم، والمفتين في فتاويهم، وحديث العلماء في مجالسهم ومناظراتهم. كما عليها تنشأ الأجيال في المدارس، والمساجد، وعلى رأس ذلك جامعة القرويين. وباختصار كانت هذه الثوابت عمدة الدولة المغربية في كل شؤونها، وما يتعلق بها، ولم تكن في يوم من الأيام محنطة، يتبرك بها، وتردد مثل ترانيم الكنائس. والذي ساعد على تجميد هذه الثوابت، أو على الأقل محاصرتها هو دخول الاستدمار (الاستعمار) الفرنسي، الذي أخذ على عاتقه، محاربة الإسلام، والسعي في طمس هوية المغرب الدينية، ومحاصرة التعليم العتيق والأصيل، واعتباره القرويين الصندوق الأسود، على حد رؤية الجنيرال الفرنسي ليوطي. ثم استمر الحال على هذا المنوال، لا سيما عندما أزيحت الشريعة عن الحكم، واستبدلت القوانين الوضعية بها، التي دبجها في بداية الأمر فنيون فرنسيون على حد تعبير العلامة علال الفاسي رحمه الله في مقدمة كتابه (دفاع عن الشريعة)، وهو شاهد على هذه الحقبة من تاريخ المغرب. قال رحمه الله: 'وفي المغرب لم يكن يخطر ببال أحد المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية، سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب… ولم يكن يخطر ببال جلالته (محمد الخامس)، ولا ببالنا نحن أعضاء لجنة التدوين (تدوين الفقه الإسلامي حتى يكون القانون الرسمي للدولة)، الذين شرفهم جلالته بتعيينهم لأداء هذه المهمة، أن عملنا سيقتصر على مجرد الأحوال الشخصية. والدليل على ذلك أننا اشتغلنا في قسم الأموال، بعد إنجازنا للأحوال. ولكن قسم التشريع بالكتابة العامة، الذي يشرف عليه لحد الآن فنيون فرنسيون، أوقف أمر البت فيه، وترتب على ذلك أن توقف سير التدوين في بقية أبواب الفقه الأخرى.' (دفاع عن الشريعة 12). أمام هذا التطور الذي حصل للدولة المغربية، يحق لنا أن نتساءل عما بقي من هذه الثوابت؟ ومدى جدية الدولة في تفعيلها وحمايتها؟ أم أنها أصبحت مجرد ثوابت موهومة بتعبير الإمام الغزالي رحمه الله؟ وغير ذلك من الأسئلة. قد تبدو محرجة لبعض الناس ولكنها تسائل الواقع، وتكشف الحقيقة لذي عينين. والحقيقة المرة التي تنكشف أمامنا ونحن ننظر في السياسة الدينية للمغرب، أن هذه الثوابت مجرد شعار ترفعه الدولة، شعار فارغ أجوف، لا أثر له في الواقع، وبيان ذلك فيما يلي: أولا: الإعلام المغربي الرسمي، الممول من مال الشعب، عبر الضرائب، لا يراعي هذه الثوابت، ولا يلتفت إليها في صياغة سياسة إعلامية هادفة، فكم سمعنا من مسلسلات ساقطة، تهدم الأخلاق، وتروج للخيانة الزوجية، وتطبع مع الرذيلة، مثل المسلسلات المكسيكية، ثم التركية، وغيرها. بالإضافة إلى التبرج المخزي المكشوف المفضوح، الذي لا يراعي خصوصية الأسر المغربية المسلمة، بل الفضيحة الكبرى حين تتم القبلات والعناق بين الممثلين في هذه المسلسلات، وأفراد الأسرة كلهم، كبارا وصغارا ينظرون إلى هذا البؤس والتسفل. فأين المراقبة على هذه الانحرافات الساقطة؟ أما الأغاني الساقطة والفاحشة والمتفحشة في القول والسلوك، مثل ما يسمى بالغناء الشعبي (الشيخات) وغير ذلك، مما يندى له الجبين، ويخالف الثوابت، فحدث ولا حرج، وفي مثله قال إمام مذهب المملكة مالك رحمه الله: 'إنما يفعله الفساق عندنا'. فهل هذا الإعلام بهذه الخصوصية الانحلالية والتفسخ الأخلاقي، وبهذا المنحى المتعمد لنشر الفسوق والفجور، سعيا منه لتغيير هوية المغرب يحافظ على ثوابت المملكة التي تدندن عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟. ثانيا: التعليم، وهو من غير شك يعتبر عمدة الدول، وروح فكرها وحضارتها، وحامل قيمها وثوابتها، والباني لمستقبلها، والمنشئ لأجيالها القيادية والفكرية. فهل تعليمنا فعلا يعبر عن ثوابتنا؟ وهل تصاغ وتشكل برامجه ومقرراته وفق هذه الثوابت أم أنه عمليا يتنكب هذا المهيع، ويستنكف عن هذا المنهج؟. فمقرر اللغة الفرنسية، المشحون إلى حد ما بنصوص فرنسية، تعبر عن مجتمع وقيم غربية، مناقضة لثقافتنا المغربية، ومخالفة لعقيدتنا الإسلامية، ويظهر هذا وبخاصة في بعض الروايات الفرنسية. أما التعليم الخصوصي فجسده في المغرب ورأسه في فرنسا، يروج لمقرراتها ومناهجها، وأسوأ منه تعليم البعثات الأجنبية وعلى رأسهم فرنسا، مما يجعل التلاميذ مفصولين عن قيمهم الإسلامية، وحضارتهم وهويتهم المغربية. كما أن المقرر الدراسي لشعب الأدب العربي قد أزيحت منه مادة الفكر الإسلامي، التي كان التلاميذ يدرسون فيها المذهب الأشعري والمعتزلي، وغير خاف أن المذهب الأشعري أحد ثوابت المملكة العقدية، فكيف تقصى مادة إسلامية أصيلة، معبر عن أصالة المغرب المذهبية، وتستبقى فقط مادة الفلسفة الغربية، فأين مراعاة الثوابت هنا؟ ذهبت أدراج الرياح. ثالثا: الاقتصاد. الواقع الاقتصادي يتعامل بالربا، وهي من الكبائر، فالأبناك أبوابها مشروعة على الربا، الذي اقتحم عقبته وزير الأوقاف أحمد توفيق نفسه، فطفق يروج لحلية الفوائد الربوية، مخالفا بذلك الإجماع القطعي المتيقن. ثم الغريب أن تنتشر دور القمار، وحانات الخمور، ويرخص لبيعها جهارا وعلانية، كأن هذا الترخيص -بحجة للأجنبي- لا شيء فيه، وأنه جائز، وهذا كله نقض لثوابت الدين، وهدم لما أجمع عليه علماء المسلمين. فالربا، والقمار، والخمر، والتبرج والعري،…إلخ من المنهيات فحرام، ومن اعتقد غير ذلك، فقد استحل ما حرم الله وافترى عليه، فيكون بذلك قد خلع ربقة الإسلام من عنقه. فأين المحافظة على ثوابت المملكة المغربية في مثل هذه المسائل؟ أليس الكلام عن الثوابت بحكم الواقع مجرد وهم وأن ما يرى في الواقع بخلاف ذلك؟ دولة المهرجانات فهل هي خطة لإعادة تشكيل ثوابت جديدة وترسيخها في المجتمع المغربي؟ في هذه الأيام تطلع علينا القناة الأولى الرسمية بسلسلة من الأخبار عن كثير من المهرجانات الغنائية على طول المملكة وعرضها، حتى يخيل إليك أن المغرب كله يرقص ويغني، مهرجان الشاطئ بتطوان، ومهرجان سوس ماسة، ومهرجان وجدة، ومهرجان الصويرة، ومهرجان مكناس…إلخ. يقع هذا الإسراف والانحراف في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لإبادة جماعية، ومجاعة شديدة، تقتل العشرات من الأطفال والشيوخ والنساء. علما أن المغرب يمثل رئاسة لجنة القدس، ثم هل من الإسلام والمروءة والإنسانية أن يتحول المغرب كله إلى ملاهي ورقص وغناء، وإخواننا بأرض فلسطين يموتون ويجوعون؟ أليست هذه انتكاسة في القيم والمبادئ؟ ثم أليس هذا إسرافا وتبديدا للأموال العامة فيما لا نفع فيه، ولا خير؟ ومن جهة أخرى أليست هذه المهرجانات بما تحمله من خراب على المستوى القيمي، وانتهاكات صارخة للإسلام، لما تتضمنه من غناء فاحش متفحش، ورقص النساء (الشيخات)، واختلاط الرجال بالنساء، والشباب بالشابات، وما يتبع ذلك من مخدرات وسكر علني، مناقضة لثوابت الأمة المغربية وعلى رأسها الإسلام، والبيعة المشروطة بحماية الدين لدى الناس، والدفاع عن العرض والشرف أم أن تلك الثوابت الحديث عنها والمحافظة عنها فقط داخل المساجد وأروقة المجالس العلمية؟ كل هذا يجعلنا نتساءل عن مدى مصداقية الدولة المغربية وجديتها في حماية هذه الثوابت؟، وإلا فالواقع يؤكد -بلا ريب- أن هناك سياسة ممنهجة للقضاء على هذه الثوابت في الواقع، ولو تغنى بها بعض الناس، ولو لهجت بذكرها وزارة الأوقاف، وأقامت بها الأوراد والعمارة الصوفية. فتصبح بذلك الثوابت من باب الوهم والخيال، لأن كل السياسة المتبعة سواء في التعليم، أو الاقتصاد، أو الإعلام، أو السياسة، أو الاجتماع، مناقضة لها، وقاضية عليها. إذن نحن أمام سياسة جديدة ممنهجة لترسيخ ثوابت جديدة، وليست تلك التي يروج لها، هذه الثوابت الجديدة تعود على الأخرى (الإسلامية) بالإبطال والتعطيل، إلى أن يشاء الله عودتها على حقيقتها. وقد قال بشار بن برد: متى يبلغُ البنيان تمامه … إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟! والله عز وجل يقول: 'وَٱتَّقُواْ يَوۡما تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡس مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ' [البقرة: 281] إيطاليا تلغراف الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق النخبة السياسية التونسية تتخلّى عن مسؤولياتها التالي تحذيرات صارمة من تركيا لإسرائيل


خبر للأنباء
منذ 12 ساعات
- خبر للأنباء
التجويع للتهجير
بات الهدف من وراء سياسة التجويع الإسرائيلية ضد أبناء غزة، بات واضحاً. التضييق عليهم بالجوع كي يخرجوا من ديارهم، ليُكتب بعد ذلك أن غزة كانت أرضاً بلا شعب، كما قالوا عن فلسطين. هم ليسوا متأكدين من نجاح الخطة، ولكنهم يحاولون. مهما كانت المعاناة فإن صمود أبناء غزة على أرضهم سيسقط تلك السياسة الخبيثة للتهجير القسري، والتطهير العرقي. الثمن باهظ جداً، والضغوط تزداد يوماً بعد آخر، لكن التهجير - لو تم - سيؤسس لنكبة جديدة، على طريق التغريبة الفلسطينية، لا سمح الله. جرب نتنياهو كل الوسائل القذرة من القتل والتهجير الداخلي والحصار والترهيب والترغيب وزراعة العملاء، وتسليح المرتزقة، وكما فشل في كل ذلك، سيفشل في سياسة التجويع. لم تعد غزة مجرد مدينة، ولكنها أصبحت رمزاً ملهماً لكل شعوب العالم.


الشروق
منذ 14 ساعات
- الشروق
عدوّ حبيبي مايكون طبيبي
أسرة الكتاني في المغرب الأقصى أسرة علمية ما يرتاب في ذلك مرتاب، ولكنهم ليسوا سواء في المواقف الوطنية، فمنهم الوطنيون الذين وقفوا مواقف الشرف في مواجهة العدو الفرنسي، ومنهم من ركنوا إلى الفرنسيين واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين. وحتى من الناحية الدينية منهم الإصلاحيون المصلحون، ومنهم من تاجروا بدين الله. رمز الكتانيين المنحرفين دينيا ووطنيا هو الشيخ عبد الحي الكتاني، الذي آتاه الله آيات فانسلخ منها، وضلّ عن علم فهلك عن بينة، ومعارضته للسلطان محمد الخامس لا يبرر ارتماءه في حضن فرنسا إلى درجة أنه كان ثالث ثلاثة في المؤامرة على خلع محمد الخامس عن عرشه في سنة 1953 إلى جانب الدمية ابن عرفة و'القرد البشري' التهامي الجلاوي.. وكانت فرنسا قد وضعته على رأس اتحاد زوايا المغرب العربي، فكان كثير التنقل بين أجزائه حتى سماه الإمام الإبراهيمي 'الهائم'. وقد كتب عنه مقالا كان آية مبنى ومعنى، وقد نشره في الجريدة المجاهدة 'البصائر' في 26/4/1948. (آثار الإمام الإبراهيمي ج 3 صص539-547). وقد قبض الله روحه في 1962، ودفن في فرنسا، فما بكت عليه السماء والأرض، لأنه آثر العاجلة ووذر الآجالة. وأما رمز الكتانيين لإصلاحيين الوطنيين فهو محمد إبراهيم الكتاني (1907-1990)، وقد كني لوطنيته 'أبو المزايا'. كان مثله الأعلى وأسوته المثلى هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي حتى أنه سماه: 'آية الله' وذلك في مقال نشره في جريدة العلم المغربية في بداية شهر أكتوبر من سنة 1953، وكان يقول: 'أنا كتّانيّ نسبا لا طريقة'. وكان يتردد على الجزائر، وله صور مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. والد محمد إبراهيم الكتاني اسمه أحمد، وهو من علماء القرويين، ولد حوالي 1874، وتوفاه الله في 1922، وقد ترك أعمالا علمية كثيرة بين رسالة وكتب. شاهد أحمد الكتاني احتلال في فرنسا لبلده المغرب في 1912، فدعا الله -عز وجل- أن لا يلاقيه بفرنسي، وأن لا يريه وجه فرنسي، وقد أبرّه الله وكرم وجهه فأسلم روحه ولم تقع عيناه على فرنسي مباشرة. في آخره عمره مسه الضر، واشتد عليه المرض، وأعيا داؤه الرقاة فاقترح عليه أن يؤتى بطبيب فرنسي، وألحوا عليه في ذلك فانتفض غاضبا وقال: 'عدو حبيبي مايكون طبيبي' فذهب قوله مثلا سائرا. وقد ذهب في تفسير كلامه مذهبان، أحدهما يقول إنه قصد بكلمة 'حبيبي' رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وثانيهما يذهب إلى أنه يقصد بكلمة 'حبيبي' بلده المغرب. والتعبير يحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما، رحم الله كل مسلم عدو لفرنسا الصليبية، وضاعف العذاب لكل خوّان أثيم.