logo
القرآن وصناعة الترند

القرآن وصناعة الترند

بوابة الأهراممنذ 3 أيام
لم أكن أنوي التعليق، ولم أبحث يومًا عن الاصطفاف في معارك الكلام، لكنني وجدت نفسي وبكل صدق في موقف لا يُحسد عليه، بعدما انهالت علي المكالمات والرسائل من عدد كبير من الأصدقاء، إعلاميين وكتابًا ومثقفين كبار، يسألون ويستوضحون ويطلبون رأيًا فيما قيل على لسان السيد رئيس حزب الوفد، في أحد البرامج الحوارية، بشأن ورود اسم "الوفد" في القرآن الكريم، لم يكن السؤال عابرًا، ولا الاستفسار سطحيًا، فقد كان وراء كل اتصال قلق حقيقي من تداخل المقدس بالسياسي، ومن استدعاء النص الديني في لحظة إعلامية أثارت الجدل، وربما تركت أثرًا غير مقصود في وعي الناس.
وجدت نفسي في حرج حقيقي، ليس تجاه ما قيل، بل تجاه حجم الانشغال والاهتمام، وتجاه ما حملته تلك الاتصالات من تساؤلات تحمل في طياتها محبة وغيرة ومسؤولية، وهو ما جعلني أُراجع نفسي وأقرر أن أكتب، وها أنا أكتب، لا انتقادًا لأحد، ولا دفاعًا عن أحد، بل من موقع المفكر الذي ينتمي لهذا الحزب العريق بكل فخر، ويعتز بتاريخه، ويحترم كل من فيه، وعلى رأسهم السيد رئيس الحزب. أكتب فقط من منطلق أخلاقي وفكري، دفاعًا عن المعنى، وحرصًا على المسافة الواجبة بين ما هو ديني وما هو سياسي، بين ما هو مقدّس وما هو قابل للتأويل، هذا المقال إذن، ليس خصومة، ولا اصطفافًا، بل محاولة للفهم، ومساهمة متواضعة في تأمل ما جرى، عسى أن نعيد معًا الاعتبار للمعنى، وللصدق، وللخطاب المسؤول.
ما حدث في ظهور الدكتور عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، في برنامج "حقائق وأسرار" مع الإعلامي مصطفى بكري، ليس مجرد تصريح عابر، بل هو مشهد دقيق يجسد واحدة من أعمق أزمات الخطاب العام في العالم العربي: "ابتذال المقدسات في المساحات الإعلامية، واختزال القيم الدينية في جمل تريندية قابلة للتداول السريع"، قال رئيس الحزب – في ثقة بالغة – إن "اسم حزب الوفد ورد في القرآن الكريم"، مستشهدًا بالآية الكريمة: "يَوْمَ نَحْشر الْمتَقينَ إلَى الرَحْمَٰن وَفْدًا" (مريم: 85).
ظاهريًا، بدا التصريح وكأنه محاولة لتجميل صورة الحزب عبر استدعاء دلالة قرآنية إيجابية. لكن في عمقه، لم يكن ذلك سوى محاولة محسوبة لاختراق المجال العام بجملة تستفز الحس الديني، وتضمن إثارة الجدل، وتدفع بالضيف والحزب إلى صدارة المشهد الرقمي والإعلامي، التصريح لم يأت مصادفة. بل أطلق في مساحة إعلامية تملك جمهورًا واسعًا، في توقيت سياسي خاص، وبعبارة تضمن الاستفزاز، لقد صيغت الجملة كأداة "صناعة تريند" بامتياز:
التصريح = ديني يوقظ الجدل.
المنصة = إعلام تلفزيوني مباشر، سريع التأثير.
الجمهور = منقسم سلفًا، مهيأ للجدال والانفعال.
والنتيجة = انتشار، انفعال، تداول، ثم توضيح لاحق بارد لا يلغي الأثر.
هكذا يدار الخطاب في زمن التسويق الرمزي:
1. إطلاق عبارة مستفزة.
2. صناعة الجدل والانقسام.
3. تداول مكثف للمقطع.
4. ثم تراجع تكتيكي عبر توضيح ملطف.
5. وفي النهاية: "بقينا في الصورة"!
لقد أصبحت الآية الكريمة أداة لخلق محتوى، تفصل من سياقها، وتسحب من أفقها الأخلاقي والروحي العميق، لتختزل في مشهد إعلامي لا يختلف كثيرًا عما يفعله مؤثرو السوشيال ميديا. فالجميع بات محكومًا بمنطق "التريند"، سواء كان إنفلونسر يرقص، أو سياسي يقتبس من القرآن.
ما زاد مرارة المشهد، أن هذا التصريح مر بلا أي مساءلة أو استيضاح من مقدم البرنامج، وهو إعلامي مخضرم يفترض به أن يدرك حساسية استدعاء النص القرآني في سياق سياسي حزبي، لكنه ترك الضيف يتحدث دون أدنى تدقيق، وكأن ما قيل فرصة ذهبية لرفع نسب المشاهدة، لا لحظة تستحق التأمل أو التحفظ.
فهل كان الإعلام هنا ناقلًا للحدث أم شريكًا في صناعته؟ وهل سكت بدافع الحياد، أم أنه بات جزءًا من الآلة التي تنتج التريند وتعيد تدويره؟، ما يؤلم حقًا في هذا المشهد ليس فقط استدعاء لفظ قرآني في غير محله، بل ما يكشفه ذلك من خلل في علاقة السياسة بالدين، والإعلام بالحقيقة، والجمهور بالمعنى.
وحين تتحول البرامج إلى ساحة جدل بلا ضابط، نخسر المعنى لصالح الترند.
وحين يصبح الغرض من التصريح هو الوصول إلى الـ"تريند"، نصبح أمام مشهد تسويقي لا فكري، سطحي لا عميق، وظرفي لا ملزم.
وما اكتبه الآن ليس حزنًا على حزب، ولا على شخص، بل على الطريقة التي يستخدم بها القرآن في سوق الكلمات السياسية، فكتاب الله ليس وسيلة لتلميع، ولا أداة للتمرير، ولا جملة يستشهد بها ثم تشرح لاحقًا بنصف اعتذار، الدين ليس زينة تعلق على أكتاف الشعارات، بل مشروع قيمي عميق يحتكم إليه، لا يتاجر به، والسياسة التي لا تملك ما يكفي من المشروعية لتقف على قدميها دون استدعاء المقدسات، هي سياسة مهزوزة، فقيرة في مضمونها، أما الإعلام الذي لا يميز بين كلمة صادقة وكلمة "مدروسة للتفاعل"، فقد تخلى عن مهمته الأساسية.
كلمة أخيرة
لا تبيعوا لنا الدين في علب حزبية.
ولا تفرغوا النصوص من قدسيتها لتملؤوها بشعاراتكم.
فقد عرفنا القرآن قبل الأحزاب، وسنرجع إليه بعدها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

د.أحمد عمر هاشم: مصر سُطرت في القرآن.. وستظل سدًا منيعًا أمام أعداء الدين
د.أحمد عمر هاشم: مصر سُطرت في القرآن.. وستظل سدًا منيعًا أمام أعداء الدين

بوابة ماسبيرو

timeمنذ 11 ساعات

  • بوابة ماسبيرو

د.أحمد عمر هاشم: مصر سُطرت في القرآن.. وستظل سدًا منيعًا أمام أعداء الدين

قال الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن لمصر مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة، فقد ذُكرت في القرآن الكريم مرات عديدة، واقترن اسمها بالأمن والسلام، وهو ما يعكس فضلها عند الله تعالى، قال سبحانه: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". أضاف هاشم لبرنامج (حديث الروح) أن ارتباط الأمن بمصر في كتاب الله الخالد الذي لا يزول بمرور الزمان، يمثل بشارة وطمأنينة للمصريين بأن بلادهم ستظل بإذن الله واحة أمان وسلام، مهما حاول المعتدون أو المتآمرون النيل منها، موضحًا أن مصر استقبلت الإسلام منذ بزوغ فجره دون مقاومة أو معاناة، بل دخل أهلها في دين الله أفواجًا، لما وجدوه من سماحة هذا الدين، ودعوته إلى الحكمة والموعظة الحسنة. وذكر أن الله يهيئ لمصر دائما من يصون دينها وحضارتها، وفي مقدمتهم الأزهر الشريف الذي ظل عبر القرون منارةً لحماية العقيدة واللغة العربية، ومصدر إشعاع ديني وعلمي للعالم بأسره، مؤكدًا أن حضارة مصر الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، كانت وستظل سدا منيعا في وجه أعداء الدين، تدافع عن قيمه وتنشر رسالته في العالم أجمع. برنامج (حديث الروح ) يذاع على شاشه الفضائية المصرية. إخراج عبادة أبو سنة.

فنون / هانى تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج
فنون / هانى تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج

خبر مصر

timeمنذ 11 ساعات

  • خبر مصر

فنون / هانى تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج

قال الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن الفكر المتطرف الذي نشهده اليوم لم يظهر فجأة، بل هو فكر ممتد عبر التاريخ، تعود جذوره إلى زمن الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكفّروه، واستباحوا دمه، وقتلوه رغم مكانته العظيمة كابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، وخليفة المسلمين، والذي قال فيه النبي: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". وأضاف الدكتور تمام، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين، أن هؤلاء المتطرفين في ذلك الزمن، كما هو الحال اليوم، كانوا يتكلمون باسم الدين، يرددون "قال الله وقال الرسول"، لكنهم في الحقيقة لا يملكون الأدوات العلمية لفهم النصوص الشرعية، فهم "حافظون لا فاهمون"، يقرؤون القرآن ويفسرونه حسب أهوائهم، ويطبقونه كما يشاءون دون علم أو تدبر. وأكد أن أول خطوة إجرامية ارتكبها هؤلاء الخوارج كانت تكفير الإمام علي رضي الله عنه، ثم استباحة دمه، مشيرًا إلى أن ذلك يوضح خطورة استخدام الدين في غير موضعه. وشدد على ضرورة الانتباه وعدم الانخداع بمن يتحدث بالدين دون علم، قائلًا: "ربنا بيقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾". وأشار الدكتور تمام إلى أن التعامل مع القرآن الكريم يجب أن يمر بأربع مراحل هي: القراءة، ثم الفهم، يليه التدبر، وأخيرًا التطبيق، محذرًا من القفز مباشرة من القراءة إلى التطبيق كما تفعل الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، مما يؤدي إلى استحلال الدماء والأعراض وزعزعة استقرار الأوطان باسم الدين والشرع. وتابع: "الفكر المتطرف الذي نراه الآن ليس جديدًا، بل هو نفس الفكر الذي بدأ مع الخوارج واستمر إلى يومنا هذا في أشكال مختلفة". بتاريخ: 2025-07-21

هاني تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج
هاني تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج

بوابة الأهرام

timeمنذ 12 ساعات

  • بوابة الأهرام

هاني تمام: الفكر المتطرف ليس وليد اللحظة وإنما امتداد لفكر الخوارج

مصطفى الميري قال الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن الفكر المتطرف الذي نشهده اليوم لم يظهر فجأة، بل هو فكر ممتد عبر التاريخ، تعود جذوره إلى زمن الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكفّروه، واستباحوا دمه، وقتلوه رغم مكانته العظيمة كابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، وخليفة المسلمين، والذي قال فيه النبي: "أنا مدينة العلم وعلى بابها". موضوعات مقترحة وأضاف الدكتور تمام، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين، أن هؤلاء المتطرفين في ذلك الزمن، كما هو الحال اليوم، كانوا يتكلمون باسم الدين، يرددون "قال الله وقال الرسول"، لكنهم في الحقيقة لا يملكون الأدوات العلمية لفهم النصوص الشرعية، فهم "حافظون لا فاهمون"، يقرؤون القرآن ويفسرونه حسب أهوائهم، ويطبقونه كما يشاءون دون علم أو تدبر. وأكد أن أول خطوة إجرامية ارتكبها هؤلاء الخوارج كانت تكفير الإمام علي رضي الله عنه، ثم استباحة دمه، مشيرًا إلى أن ذلك يوضح خطورة استخدام الدين في غير موضعه. وشدد على ضرورة الانتباه وعدم الانخداع بمن يتحدث بالدين دون علم، قائلًا: "ربنا بيقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾". وأشار الدكتور تمام إلى أن التعامل مع القرآن الكريم يجب أن يمر بأربع مراحل هي: القراءة، ثم الفهم، يليه التدبر، وأخيرًا التطبيق، محذرًا من القفز مباشرة من القراءة إلى التطبيق كما تفعل الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، مما يؤدي إلى استحلال الدماء والأعراض وزعزعة استقرار الأوطان باسم الدين والشرع. وتابع: "الفكر المتطرف الذي نراه الآن ليس جديدًا، بل هو نفس الفكر الذي بدأ مع الخوارج واستمر إلى يومنا هذا في أشكال مختلفة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store