
"ذكاء السرب" يقود جيوش المسيرات القادمة
ومن خلال تمكين العمليات المتزامنة جواً وبراً وبحراً، توفر أسراب الطائرات من دون طيار وعياً ظرفياً ومرونة لا مثيل لها في الوقت الفعلي، فهي قادرة على سحق الدفاعات واختراق شبكات الخصوم وتنفيذ المهام بمزيج من التخفي والقوة المدمرة مع الحفاظ على قدرة عالية على تحمل الاستنزاف.
هذه الأهمية العسكرية المتزايدة دفعت عدداً كبيراً من الدول لتكثيف البحوث في "ذكاء السرب" بهدف الاستفادة المثلى من الطائرات من دون طيار في ساحة المعركة وتكبيد الأعداء خسائر فادحة.
ما هو هجوم السرب؟
يتكون هجوم سرب الطائرات من دون طيار من أنظمة منسقة تضم ما لا يقل عن ثلاث طائرات مسيرة، وقد يصل إلى آلاف منها، بقدرة على تنفيذ مهام مستقلة مع أدنى حد من الإشراف البشري. وتستفيد هذه الأسراب من "ذكاء السرب"، وتحاكي الأنماط البيولوجية التي تلاحظ في مجموعات النمل أو النحل أو الطيور، حيث تنشئ القواعد اللامركزية سلوكاً جماعياً معقداً.
تدمج الأسراب الحديثة للطائرات من دون طيار الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتجاوز عقبات مثل تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وتداخل إشارات الراديو، والظروف البيئية المعاكسة، مع الحفاظ على تزامن العمليات. وتتنوع أساليب القيادة والتحكم من مسارات طيران مبرمجة مسبقاً وإشراف أرضي مركزي، وصولاً إلى أنظمة تحكم موزعة تسمح للطائرات من دون طيار بالتواصل بصورة ديناميكية في الوقت الفعلي.
الولايات المتحدة والصين
وكما سبق وأشرنا تتسابق الدول لامتلاك أفضل برامج "ذكاء السرب"، لذا يهدف برنامج "ريبليكاتور" التابع لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، إلى نشر آلاف الطائرات من دون طيار الذاتية التشغيل وغير المكلفة بحلول أغسطس (آب) 2025، وقد خصصت الوزارة 500 مليون دولار للسنة المالية 2024، وطلبت مبالغ إضافية للسنة المالية الجارية، وتركز الجهود على التعاون الجماعي المستقل وطوبولوجيا الشبكة الانتهازية المرنة (ORIENT) لضمان تنسيق وتواصل فعالين للطائرات من دون طيار.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخضع نظام "بيرديكس"، الذي أطلق عام 2016 بقيادة مختبر "لينكولن" في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، لاختبارات دقيقة، بما في ذلك دمجه مع طائرات "أف أي - 18 هورنت"، وقد أُنتج أكثر من 670 طائرة "بيرديكس" من دون طيار حتى اليوم، مما يظهر تطورات كبيرة في قدرات تشكيل أسراب الطائرات هذه.
أما في الصين فكشف النقاب عن طائرة "جيو تيان" من دون طيار في معرض "تشوهاي الجوي" في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. هذه الطائرة من دون طيار، التي يبلغ وزنها 10 أطنان، والمجهزة بحجرة حمولة معيارية، قادرة على نشر أسراب أصغر من الطائرات المسيرة بسرعات تصل إلى 900 كيلومتر في الساعة وبمدى 2000 كيلومتر، وهي أكبر من طائرة "أم كيو-9 ريبر" الأميركية التي يبلغ وزنها نحو ستة أطنان.
ألمانيا والمملكة المتحدة
من جهته أطلق الجيش الألماني في يوليو (تموز) 2023 برنامج "كيتو 2" بغية دمج سلوكيات أسراب الطائرات من دون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وشملت الاختبارات التي أجريت في أغسطس 2023 تنسيقاً متعدد الطائرات من دون طيار في ظل ظروف تفتقر إلى نظام تحديد المواقع العالمي، وربطها بنظام "Fortion Joint C2" للإشراف الفردي.
إضافة إلى ذلك تعاونت شركة "كوانتوم سيستمز" الألمانية المصنعة للطائرات المسيرة في 2024، مع القوات المسلحة الألمانية، باختبار أنظمة الطائرات التي يُتحكم فيها بالذكاء الاصطناعي في مركز "إيرباص درون" في بافاريا. ودمجت الاختبارات أنظمة "فيكتور" و"سكوربيون" التابعة للشركة مع طائرتين من دون طيار من شركة "إيرباص" الأوروبية، وجعلت من ثم من بيانات الاستطلاع في الوقت الفعلي جزءاً لا يتجزأ من نظام إدارة المعارك.
وفي المملكة المتحدة منح "مختبر العلوم والتكنولوجيا الدفاعية" شركتي "سي بايت" و"بلو بير" عقداً لتطوير بنية آمنة للأسراب المتعددة المجالات المختلطة للأنظمة الروبوتية المستقلة.
ستركز المرحلة الأولية، التي تمتد لـ12 شهراً، على تصميم بنية تمكن من التعاون المستقل بين المركبات الجوية والبرية والبحرية. ويستند هذا الجهد إلى أعمال سابقة، مثل تجارب "أوكوس بيلار 2"، التي أجريت داخل المملكة المتحدة في مايو (أيار) 2024، والتي شملت أنظمة مستقلة مثل طائرات "بلو بير غوست" من دون طيار، ومركبات "فايكينغ" الأرضية، ودبابات "تشالنجر 2"، التي أظهرت قدرات تنسيق أسراب الطائرات من دون طيار في سيناريوهات قتالية.
أوكرانيا والسويد
على رغم عدم تقدمها في تكامل الذكاء الاصطناعي، فقد نجحت أوكرانيا في استخدام طائرات مسيرة من طراز "منظور الشخص الأول" (FPV)، وطائرات أخرى من طراز "فلاي أي" و"غرانات 2" في أسراب بنجاح.
ومطلع هذا العام كشفت القوات المسلحة السويدية عن برنامج جديد لأسراب الطائرات المسيرة، طورته شركة "ساب" العملاقة في مجال الدفاع، يمكن الجنود من التحكم في ما يصل إلى 100 نظام طائرات من دون طيار في وقت واحد، وقد اختبر البرنامج في مارس (آذار) الماضي خلال مناورة "ضربة القطب الشمالي"، وأظهر قدرات على التكيف مع مهام الاستطلاع والدفاع وتوصيل الحمولات في بيئات معقدة.
معضلة التصدي
بعد أن ذكرنا أبرز الجهود العالمية لتطوير "ذكاء السرب"، لا بد لنا من أن نشير إلى أن التصدي لهجمات أسراب الطائرات من دون طيار يشكل تحدياً كبيراً للأنظمة الدفاعية التقليدية، التي تكافح لمواكبة مرونة هذه التهديدات من الجيل التالي، وقدرتها على التكيف.
يعد تفاوت الكلفة أحد التحديات الرئيسة عند مواجهة أسراب الطائرات من دون طيار، فهناك طائرات رخيصة نسبياً لا يمكن إسقاطها إلا عبر صواريخ أرض - جو أو أنظمة دفاع جوي متطورة باهظة الثمن. وعلى سبيل المثال يمكن أن تصل كلفة صاروخ أرض - جو قصير المدى من طراز "إيريس - تي" الذي أرسلته ألمانيا لأوكرانيا، إلى ما يزيد على 450 ألف دولار، مقارنة بطائرة من دون طيار من طراز "شاهد-136"، التي تكلف نحو 20 ألف دولار فحسب.
هذا الفارق الكبير في السعر يجعل من غير العملي على المدافعين استخدام صواريخ باهظة الثمن ضد وابل من الطائرات من دون طيار منخفضة الكلفة، مما يؤدي إلى استنزاف المخزونات بسرعة واستنزاف موارد الدفاع.
حالياً تختبر بعض جيوش العالم عدداً من التقنيات والتدابير المضادة لمكافحة هذه المشكلة، بما في ذلك الحرب الإلكترونية (التشويش)، وأشعة الليزر العالية الطاقة، وأنظمة الموجات الدقيقة، مثل تلك التي اختبرها نظام "أل- ماديس" التابع لسلاح مشاة البحرية الأميركية. ويجدر القول إن هذه الأنظمة تعتبر واعدة، إلا أنها لم تدخل مرحلة التشغيل الكامل على نطاق واسع بعد.
في المحصلة ليس صعود تقنية أسراب الطائرات من دون طيار مجرد توجه عابر، بل يمثل تحولاً جذرياً في الاستراتيجية العسكرية العالمية. وسواء كانت لأغراض الاستطلاع أو الهجوم أو المهام الهجينة، فإن أسراب الطائرات من دون طيار ترسخ مكانتها في طليعة مستقبل الحروب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 2 أيام
- سعورس
السعودية في صدارة الاقتصادات الناشئة عالميا في جاهزية الذكاء الاصطناعي
ويُعد التقرير الصادر عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب تحت عنوان «نبض الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي: خريطة الجاهزية لمستقبل قائم على الذكاء الاصطناعي»، مرجعًا تحليليًا لقياس نضج الدول في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد صنّف الدول إلى أربع فئات: الاقتصادات الناشئة، والممارسة، والواعدة، والرائدة، حيث تضم الفئة الأخيرة دولًا مثل الولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة ، والصين. مسيرة السعودية يشير التقرير إلى أن السعودية أحرزت تقدمًا ملموسًا منذ تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) في عام 2019، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2020، التي تستهدف وضع المملكة ضمن قائمة أفضل 15 دولة عالميًا بحلول عام 2030. كما عززت المملكة مكانتها عبر مبادرات كبرى مثل مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (2023)، ومبادرة HUMAIN التي أُطلقت في مايو 2025، والتي تركز على تطوير النماذج اللغوية العربية الضخمة، والبنية التحتية السحابية، ومراكز البيانات، إلى جانب شراكات دولية استراتيجية في قطاعات الطاقة، والرعاية الصحية، والخدمات المالية. وبحسب التقرير، تضم المملكة نحو 5 آلاف متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد استثمرت أكثر من 100 مليار دولار في بناء القدرات المحلية وتعزيز البحث والابتكار، فيما تسعى إلى جذب استثمارات إضافية تتجاوز 20 مليار دولار بحلول 2030. كما ارتفع عدد براءات الاختراع في المجال إلى نحو 200 براءة اختراع في 2023، مقارنة بعام 2019، بما يعكس نموًا ملحوظًا في القدرات البحثية الوطنية. جاهزية الشركات السعودية كشف التقرير أن 72% من الشركات في المملكة تبنّت تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مدعومة ببنية تحتية رقمية قوية واستثمارات واسعة في الخدمات السحابية. وأشار إلى أن أبرز نقاط القوة تكمن في الطموح الوطني العالي، والحوكمة الفعالة، والتوجه الاستراتيجي، بينما تظل الحاجة قائمة لتوسيع قاعدة المواهب المحلية، وزيادة الاستثمارات طويلة الأجل، وتعزيز البحث والابتكار. دول الخليج الأخرى بحسب التصنيف ذاته، جاءت قطر والكويت وعُمان والبحرين ضمن فئة «الاقتصادات الممارسة للذكاء الاصطناعي» (Practitioners)، فيما أكد التقرير أن دول مجلس التعاون أمامها فرص كبيرة لتعزيز موقعها العالمي، مستندة إلى الزخم الذي تقوده السعودية في المنطقة. توصيات التقرير أوصى التقرير بضرورة الاستثمار في برامج تدريب وتأهيل متخصصة، واستقطاب الكفاءات الدولية لدعم النمو المحلي، إضافة إلى تطوير أطر الحوكمة والأخلاقيات بما يتماشى مع المعايير العالمية. كما شدد على أهمية تعزيز الشراكات بين الجامعات وقطاع الأعمال لزيادة الابتكار، ودفع مسار التنمية المستدامة في الذكاء الاصطناعي.


الوطن
منذ 3 أيام
- الوطن
روبوت بديل للحمل
تستعد شركة «كايوا تكنولوجي» الصينية لإطلاق أول روبوت بشري مزود برحم اصطناعي قادر على الحمل والولادة بحلول عام 2026، بسعر مفاجئ لا يتجاوز 100 ألف يوان (نحو 13.900 دولار). وكُشف عن المشروع خلال مؤتمر الروبوتات العالمي في بكين، حيث أوضح مؤسس الشركة، تشانغ تشيفنغ، أن الروبوت ليس مجرد حاضنة، بل كيان بالحجم الطبيعي يحاكي الحمل البشري من بدايته حتى الولادة. الابتكار يعتمد على رحم اصطناعي يحتوي سائلًا أمنيوسيًا صناعيًا، مع أنبوب لنقل العناصر الغذائية، ما يتيح للجنين النمو بشكل مشابه للحمل الطبيعي. وأكد تشيفنغ أن التقنية وصلت إلى مرحلة متقدمة في المختبرات، مع بدء نقاشات قانونية وأخلاقية حول إمكانية تطبيقها على البشر. الفكرة تثير جدلاً واسعاً، خصوصاً أن الأرحام الاصطناعية حتى الآن نجحت فقط في دعم حالات الحمل الجزئي، ما يجعل مستقبل هذا الابتكار مثار تساؤلات كبرى.


صدى الالكترونية
منذ 4 أيام
- صدى الالكترونية
أول روبوت يحمل ويلد نيابة عن النساء
أعلنت شركة 'كايووا تكنولوجي' الصينية عن تطوير أول روبوت في العالم مزود برحم صناعية، قادر على إتمام عملية الحمل والولادة نيابة عن النساء. وروجت الفكرة خلال مؤتمر الروبوتات العالمي 2025 في بكين، حيث أوضح مؤسس الشركة تشانغ تشي فنغ، أن الروبوت يحاكي العملية الكاملة من التخصيب وحتى الولادة، مع إمكانية حمل الجنين لمدة تصل إلى 10 أشهر في بيئة سائل أمينوسي صناعي، وتغذيته عبر أنبوب يحاكي الحبل السري. وشهد المؤتمر أيضا عرض أول روبوت للتزاوج مدعوم بالذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس توجه الصين لدمج الذكاء الاصطناعي بالتكنولوجيا الحيوية في مجالات متعددة. ويتوقع أن يطرح النموذج الأولي في الأسواق بحلول عام 2026، بسعر يقل عن 100 ألف يوان (نحو 13,900 دولار)، ويستهدف فئات الراغبين في تجنب الأعباء الجسدية للحمل أو من يواجهون مشكلات العقم.