
رسوم ترامب رفعت أسعار السيّارات 15 بالمئة.. السوق الأميركية أول مصدر لاستيراد المركبات إلى لبنان
صحيح أن الرئيس الأميركي علّق حالياً زيادة الرسوم الجمركية التي فرضها على الدول التي تستورد منها بلاده، وبينها لبنان (10 %)، إلّا أنه لا يزال متردّداً حول تعليق رسم الـ 25 % على السيّارات التي تستوردها الولايات المتحدة من سائر الدول، رغم التسريبات عن أنه يدرس إمكانية تعليق قراره أيضاً في شأنها. قرار زيادة الرسوم على السيارات يبدو للوهلة الأولى بعيداً من لبنان باعتبار أن الزيادة تطول السيارات المستوردة إلى أميركا وليس الصادرات، ليتبيّن في ما بعد أنه يصيب بالصميم قطاع السيارات المستعملة.
بعد مرور نحو أسبوعين على قرار ترامب فرض رسوم جمركية على واردات السيّارات والـ «قطع» (يدخل الجزء الثاني حيّز التطبيق في 3 أيار)، أي قطع غيار السيّارات المستوردة، مثل المحرّكات ونواقل الحركة إلى الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 25 % لتحفيز الصناعة الأميركية الوطنية، ألمح منذ نحو 7 أيام إلى إمكانية تعليقها بشكل موَقت بعد اعتراض عدد كبير من شركات تصنيع السيّارات العالمية على هذا التدبير، الذي من شأنه أن يلحق بها خسائر كبيرة، نتيجة تراجع صادراتها في قطاع السيّارات إلى الولايات المتحدة بسبب زيادة قيمة مبيعات السيّارات في أميركا.
يعتبر الخبراء أن تلميح ترامب بتعليق هذا القرار لفترة قصيرة لا يعطي صنّاع السيّارات الفرصة لضبط وتصحيح مسار سلسلة الواردات، رغم أن إعفاء «قطع» السيّارات من الرسوم الذي لم يدخل بعد حيّز التطبيق، يدعم الصناعة وسط تداعيات الحرب التجارية التي يفرضها الرئيس الأميركي.
فالتعرفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على السيّارات ستؤدي إلى انخفاض مبيعات السيّارات السنوية بنحو مليوني وحدة في الولايات المتحدة وكندا، استناداً إلى تقرير لـ «رويترز».
لكن، ماذا عن لبنان؟
سوق الاستيراد قبل الأزمة
قبل الاسترسال في الإجابة عن السؤال، نعود إلى مرحلة ما قبل العام 2019، وقتها كان يستورد لبنان من العالم سنوياً نحو 40 ألف سيّارة مستعملة، وعند انفجار الأزمة المالية والاقتصادية وتهاوي القدرة الشرائية مع انهيار قيمة العملة الوطنية نحو 1000 مرة، تراجع استيراد السيّارات رغم أن أعدادها زادت قبل اعتماد سعر الصرف بقيمة 89500 ليرة في الرسوم الجمركية... وفي هذا السياق يقول نقيب مستوردي السيّارات المستعملة إيلي قزّي لـ «نداء الوطن» إنه «لا يوجد إحصاءات دقيقة حالياً حول عدد السيّارات المستوردة، لأنّ كميّاتها زادت فعلياً بعد انتهاء الحرب أي منذ نهاية السنة الماضية 2024. فمبيع السيّارات يحتاج إلى وضع اقتصاديّ وأمنيّ جيّد نظراً إلى المخاطر التي تتعرّض لها السيّارة التي تركن على الطريق، ولا يمكن حجب المخاطر عنها».
وفور إعلان ترامب عزمه زيادة رسوم السيّارات المستوردة إلى بلاده، زادت أسعار السيّارات فوراً، رغم أننا لا نزال في مرحلة ترقّب نظراً إلى تردّد الرئيس الأميركي في المضي قدماً في زيادة نسبة الـ 25 % أو تعليقها، على السيّارات وعلى قطع السيّارات التي تستورد من خارج أميركا لتصنيع السيّارات.
من أين يشتري لبنان السيّارات؟
استناداً إلى قزّي، «يشتري لبنان من الولايات المتّحدة الأميركية كل أنواع السيّارات وليس السيّارات الأميركية فقط (مثل «غراند شيروكي» و «كامارو»...)، بل السيّارات اليابانية والـ BMW والمرسيدس... فالولايات المتحدة تصدّر سنوياً 40 مليون سيّارة مستعملة إلى العالم وهي الأولى في التصدير العالمي».
أما سبب استيراد غالبية السيّارات المستعملة من أميركا فيعود، استناداً إلى قزّي، إلى التالي:
1- السيّارات التي تستورد من أوروبا على سبيل المثال، عددها قليل كونها لا تلبّي من حيث المواصفات متطلبات السوق اللبنانية، على غرار السيّارات التي تستورد من الولايات المتحدة الأميركية مهما كان نوعها.
2- مقود السيّارات اليابانية والبريطانية والأسترالية يكون عادة على جهة اليمين، لذلك لا يمكن الاستيراد من دول المصدر إلى لبنان. أما من كوريا، فلا يمكننا أيضاً استيراد سيّارات مستعملة لأن كلفة استيراد السيّارات المستعملة من كوريا أغلى من الجديدة، لأن الرسم الجمركي للسيّارة الكورية الجديدة أقلّ من الرسم الجمركي للسيارة الكورية المستعملة».
نسبة زيادة الأسعار
لبنان ليس البلد الوحيد الذي يعتمد على الولايات المتحدة الأميركية لاستيراد السيّارات المستعملة، بل هناك الأردن، العراق ودبي. وحول زيادة سعر السيارة حالياً يقول قزّي: «ارتفع سعر أي سيارة يتمّ استيرادها من أميركا أقلّه بقيمة 2000 دولار أميركي، أي بارتفاع نسبته 15 %، كردّة فعل أولى على قرار زيادة رسم الـ 25 % الجمركي. على سبيل المثال جيب الـ «غراند شيروكي» كان يتمّ استيراده بقيمة 6 و 7 آلاف دولار بات اليوم بسعر 10 و 11 ألف دولار»، والإقبال يطاول كلّ أنواع السيّارات الأميركية والأوروبية من الـ «مرسيدس» إلى الـ BMW و»أودي» و «شيروكي».
اليوم، ومع استحداث مكاتب السوق تطبيقاً لقانون السير وإقبال هذه المكاتب على شراء سيارات الـ «بيكانتو» التي يتمّ استخدامها لتعليم القيادة وإجراء امتحان السوق، يقول قزّي إن «تلك السيّارات يتمّ توفيرها من السوق المحلية ولا يتمّ استيرادها مستعملة من الخارج ضمن السيّارات المستوردة، كون الرسم الجمركي وحده لتلك السيارة يكلّف 5000 دولار من دون احتساب سعرها وكلفة شحنها، والتي قد تصل كلفتها إلى 13 ألف دولار إذا كانت «موديل» 2018، في حين أن استيرادها جديدة يكلّف الشركة رسماً جمركياً بقيمة 600 دولار فقط.
ونظراً إلى كلفتها المرتفعة يركّز مستوردو السيّارات المستعملة في لبنان على استيراد السيّارات المتوسطة الحجم وليس الصغيرة. لكن كيف تحتسب رسوم السيّارة المستعملة؟
المعادلة الحسابية للرسوم
يتمّ احتساب قيمة السيّارة المستعملة المستوردة حسب القيمة المحددة في الـ Blue book الأميركي (الذي يحدد سعر السيّارة حسب كل قلم أي حسب الـ «كيلومتراج»، ولكن لا يطبق في لبنان بحذافيره إذ تحتسب مقطوعة على القلم الوسطي) والرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة. في حين أن السيّارة الجديدة المستوردة يتمّ تحديد الرسم الجمركي استناداً إلى القيمة المحدّدة في الفاتورة.
ووفق العملية الحسابية تبلغ نسبة الرسم الجمركي في لبنان 5 % يضاف إليه رسم استهلاك بنسبة 45 % ثم الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11 % + 3 % واردة في الموازنة، أي ما يعادل نسبة 64 % من قيمة السيّارة.
هذا عدا الميكانيك والتسجيل ونسبة زيادة الـ 5 % التي أُدرجت في موازنة 2025 (سعر وقيمة السيّارة والجمرك) على السيّارات المستعملة.
فاستناداً إلى كتاب الـ Bluebook، إذا كان سعر السيّارة المحدّد فيه بـ 10 آلاف دولار واشتراها المستورد بـ 5000 دولار يتم تسعيرها بقيمة 10 آلاف دولار في لبنان.
وحول عائدات تلك الرسوم على الدولة، يقول قزّي: «إن قطاع السيّارات المستعملة المستوردة يدخّل إلى خزينة الدولة رسوماً جمركية و TVA بقيمة 600 مليون دولار، أي ما يشكّل نحو 20 % من إيرادات خزينة الدولة، وبذلك تعتبر واردات السيّارات المستعملة المنتج الثاني في مرفأ بيروت بعد قطاع النفط».
وعن إمكانية وجود منافسة بين السيّارات الجديدة والمستعملة، يقول قزي: «السيارة الجديدة لا تنافس المستعملة إلّا بالسيّارات الصغيرة. فسوق السيّارات المستعملة «أقوى» من سوق السيّارات الجديدة بالسيّارات المتوسطة والكبيرة الحجم. آلاف اللبنانيين يشترون سيارات مستعملة في حين أن 100 أو 200 فرد يشترون سيارة جديدة من الشركة».
وعن دخول السيّارات الصينية إلى السوق اللبنانية والمنافسة في السعر، يرى أن سوق السيّارات الصينية لن تكون كبيرة بسبب تعدّد الأسماء، على عكس السيّارات الكورية والتي سجّلت نجاحاً من خلال سيارتي كيا وهيونداي، عدا عن أنها لا تحافظ على قيمتها الشرائية.
الوضعان الأمني والسياسي
ومن التجربة التي عشناها في السنوات الماضية يتبيّن أن سوق استيراد السيّارات تعتمد على الوضع الأمني والسياسي في البلاد. فشراء السيّارات المستعملة لم يعاود نشاطه فور انتهاء الحرب، بل عاود نشاطه منذ نحو أسبوعين، باعتبار أن الوضع الأمني غير مستقرّ بشكل شامل على كل الأراضي اللبنانية والمرحلة اليوم لا تزال حذرة، علماً أن القطاع لن ينشط إذا لم تتمّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي وعودة القروض على السيّارات وتحسين رواتب القطاع العام، عندها سيزيد مبيع السيّارات المستعملة بنسبة 50 %. تبقى اليوم سياسة ترامب «الجمركية» هي التي ستحدّد نسبة ارتفاع سعر السيارة المتوسطة والكبيرة التي تُصدّر إلى لبنان من الولايات المتّحدة الأميركية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 39 دقائق
- سيدر نيوز
فوضى في مستحقات الأساتذة المتعاقدين: غموض بالدفع وصناديق المدارس فارغة!
صدر عن 'رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي'، البيان الآتي: 'أيامًا تفصلنا عن نهاية العام الدراسي، وحتى اليوم فإن الاساتذة المتعاقدين على صناديق المدارس الذين يقارب عددهم الألفي أستاذ، حصل بعضهم على مستحقات أول شهرين من العام الدراسي على أجر ١٥٠ ألف ليرة للساعة فقط. منذ بداية العام الدراسي حتى يومنا هذا، وهم يطالبون ببدل ساعاتهم، ومنذ تسلم الوزيرة كرامي الوزارة وهم يناشدون دفع مستحقاتهم، حتى بات المدراء يناشدون الوزيرة إرسال تعميم يشرح كيفية وآلية دفع مستحقات وبدل المثابرة لهؤلاء الاساتذة، إذ كانوا يحصلون على أجر ساعتهم من صناديق المدارس ، في حين كانت تدفع الانتاجية عبر omt'. أضاف البيان: 'بعد وصول الوزيرة ريما كرامي، وتغيير نظام الدفع، ورفع أجر الساعة من ١٥٠ ألف ليرة إلى ٣٦٦ ألف، إضافة لمبلغ ٣٦٣ ألف بدل مثابرة مقابل إلغاء بدل الإنتاجية ٣٧٥دولارًا، والأساتذة يتساءلون: ماذا سيقبضون؟ وكيف؟ ومتى؟. وبعد متابعة رابطة المتعاقدين تأكد أن الأساتذة على الصناديق حصل بعضهم (الذين هم على صناديق البلديات) على أجر ساعة ١٥٠ الف ليرة فقط عن أشهر تشرين الثاني وكانون الاول، في حين باقي أساتذة الصناديق حصلوا على أجر ساعة ١٥٠ ألف ليرة من الصناديق ، وحُوّل لهم ٢١٦ ألف الفارق عن كل ساعة منذ يومين عبر omt. ومن المفترض أن تُدفع مستحقات كانون الثاني 366000 بدل الساعة ، وبدءًا من شهر شباط سيحصلون على 366000 بدل اجر الساعة من صناديق المدارس، وعلى 363000 بدل مثابرة على اجر الساعة، و لكن لا تدفع من الصناديق، وحتى اليوم لم تصرف'. وتابع: 'المدراء يقولون: حتى الآن لم يصلنا اي تعميم من وزيرة التربية يوضح الية الدفع، لذلك لا نعلم ان كنا سندفع الفارق للاساتذة على صناديق البلديات، كما لم نبلغ الاساتذة بفتح حساب في البنك لتحويل بدل المثابرة لانه لم يطلب منا ذلك حتى الآن، كما ولم نبلغ ان كان سيحول عبر مراكز تحويل المال، عدا عن ان الصناديق فارغة ولم يحول المال اللازم. بعض المدراء يضيفون إن تحول اي مال للصناديق بالكاد سيغطي الكلفة التشغيلية للمدرسة لان وزارة التربية لا تحول مستحقات الصناديق'. وطالبت الرابطة بتحويل الاموال المستحقة الى صناديق المدارس، وبإصدار التعميم اللازم الذي يوضح: ماذا يدفع المدراء من قيمة أجر الساعة الذي بمجمله يساوي 8.2$. وهل يجب على اساتذة الصناديق فتح حساب في البنك. وهل سيحوّل قسم من قيمة أجر ساعتهم عبر البنك، أم سيحول عبر مراكز تحويل المال ، أم سيدفع كاملًا من صناديق المدارس؟. كما وطالبت بالإيعاز للمدرا بالتزام تطبيق مرسوم بدل النقل الذي يشمل الأساتذة بكافة مسمياتهم والالتزام بدفعه.

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
بالأرقام.. هذه حقيقة رواتب العمال وهكذا تتراكم أرباح المؤسسات
فقط في لبنان، يتحول مفهوم الحد الأدنى للأجور من ضمانة لحياة كريمة للعمال إلى أداة لتعميق الفقر، ومبرّرٍ لكبار التجار ومعظم أصحاب المهن الحرّة والملّاكين العقاريين، لرفع الأسعار تلقائيًا. فبينما عادت أسعار معظم السلع والخدمات إلى مستويات ما قبل الانهيار الاقتصادي في 2019، أو تجاوزتها في بعض القطاعات، يتمسك أصحاب العمل برفضهم تصحيح الأجور وربطها بمعدلات التضخم، مراكمين أرباحًا إضافية على حساب الأجراء. في الوقت نفسه، يستغل التجار أي زيادة رمزية على الأجور لرفع أسعار جميع المنتجات، مما يُبقي العمال في حلقة مفرغة من التدهور المعيشي. وفي سياق الزيادات الرمزية على الأجور، والتي لا تطال الشطور أيضًا، يأتي اقتراح وزير العمل محمد حيدر لزيادة الحد الأدنى إلى 28 مليون ليرة لبنانية، أي نحو 312 دولارًا أميركيًا فقط. وهذا الاقتراح جاء "بالباراشوت" من خارج جدول أعمال ومهام لجنة المؤشر. لكن يبدو أن حيدر يتردد في إرسال مشروع المرسوم إلى مجلس شورى الدولة، خصوصاً مع تصاعد الاحتجاجات العمالية بدءًا من الشمال، حيث نظمت النقابات العمالية تحركًا واسعًا بدأ بمسيرة انطلقت من أمام القصر البلدي وانتهى باعتصاممام الى أمام سراي طرابلس الحكومي، بالإضافة إلى تلويح الاتحاد العمالي العام بالتصعيد عبر الإضراب والتظاهر. قبل الأزمة، كان الحد الأدنى للأجور في لبنان 675.000 ليرة، أي نحو 450 دولارًا. مع انهيار الليرة وفقدانها نحو 98.31 في المئة من قيمتها، وصل التضخم إلى ذروته في نيسان 2023، مسجلاً 268.78 في المئة. في حين بلغ 45.52 في المئة عام 2024، حسب دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. رغم التراجع النسبي لارتفاع معدلات التضخم في السنتين الأخيرتين، حيث سجل مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر آذار 2025 زيادة قدرها 14.19 في المئة فقط مقارنة بشهر آذار 2024، إلا أن الأجور تعرضت لانخفاض كبير طال كلًا من قيمتها الإسمية وقدرتها الشرائية، التي استمرت بالتآكل، ببطء حينًا وبشكل متسارع أحيانًا. منذ اعتماد المصرف المركزي سياسة توحيد سعر صرف الليرة، ثم تثبيته على 98.500 ليرة عبر التعميم الأساسي رقم 167 في 2 شباط 2024، حققت الليرة استقرارًا نسبيًا وشهدت معدلات التضخم انخفاضًا، غير أن التضخم استمر بوتيرة مختلفة. فتواصل تراجع النمو الاقتصادي، ليس فقط بسبب الحرب الإسرائيلية والأضرار الكارثية الناتجة عنها، بل أيضًا بسبب الارتفاع التدريجي للأسعار، رغم أنه لم يكن بمستويات مفرطة كما كان عام 2023. حصل ذلك في الوقت الذي شهد فيه معدل التضخم العالمي تباطؤًا وانحسارًا بعد بلوغ أسعار الغذاء والطاقة مستويات غير مسبوقة عام 2022 بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي لبنان كان سعر السلعة ذاتها، في الفترة نفسها، يرتفع أضعاف المرات، رغم الاستقرار النسبي لسعر صرف الليرة منذ عام 2023. في المقابل، لم تشهد الأجور أي تصحيح فعلي طوال فترة الأزمة، بينما راكمت المؤسسات المحتكرة أرباحًا ضخمة. وهاجم ممثلو الهيئات الاقتصادية كل مسعى لفرض ضرائب ورسوم إضافية على أرباح تلك المؤسسات، فيما استمر معظمها في ممارسة التهرب الضريبي، حيث تتراوح فاتورة هذا التهرب الإجمالية ما بين 4 و5 مليار دولار أميركي سنويًا وفق صندوق النقد الدولي. استطلاع ميداني وشهادات لعاملين بأجر في استطلاع ميداني أجرته "المدن"، تم جمع بيانات تعكس واقع العاملين بأجر في بعض القطاعات. س. غ.، الذي يعمل كمسؤول ومراقب في صالة ألعاب ويمتلك خبرة تمتد لعشر سنوات، يتلقى راتبًا قدره 600 دولار، ويشير إلى أنه بحاجة إلى 1100 دولار شهريًا لتلبية تكاليف المعيشة الأساسية، بما في ذلك الإيجار والنقل ومصاريف المدرسة. أما ر.ب.، أستاذة جامعية براتب يتراوح بين 600 و1200 دولار (حسب ساعات التعليم)، فهي بحاجة إلى 1350 دولار شهريًا. ع.ح.، الذي يمتلك 15 سنة من الخبرة في عمليات الشحن الجوي، يتقاضى حاليًا 500 دولار، بينما كان راتبه قبل الأزمة يتجاوز 1000 دولار، ويحتاج إلى حد أدنى يتراوح بين 1000 و1500 دولار لتلبية الاحتياجات الأساسية لعائلته. ع.م.، والذي يعمل نادلًا في مطعم مع خبرة ثلاث سنوات، يتقاضى حوالي 650 دولارًا، ويقول أن الأجر يكفيه لسد احتياجاته الفردية كونه غير متأهل، لكنه لا يستطيع الادخار. ع.ع.، ممرض مسجل بخبرة 25 عامًا، كان يحصل على راتب 1400 دولار، ولكن انخفض إلى 500 دولار بعد الأزمة، وهو يعمل لأكثر من 360 ساعة في الشهر ليتمكن من مضاعفة هذا المبلغ الذي لا يكفيه رغم عمله لدوامين يوميًا. بينما ع.ج.، ممرض آخر مجاز يعمل في مؤسسة صحية أخرى، وله سنوات خبرة أقل من ع. ع، لكنه يتقاضى حوالي 800 دولار، ويحتاج إلى 1000 دولار شهريًا ليتمكن من تلبية جميع احتياجاته. أما ر.ب. الذي يعمل طاهيًا في مطعم بدوام كامل، فيتقاضى 400 دولارًا فقط، ويقول إن عائلته تحتاج إلى نحو 1200 دولار شهريًا، وأن زوجته تعمل مقابل أجرٍ مماثل في متجرٍ لبيع المنتجات الإلكترونية، وأنهما يعتمدان على التحويلات المالية التي تصلهما من أقربائهما في الخارج ليستطيعا سد تكاليف المعيشة بشكل كامل. تشير هذه الشهادات إلى تفاوت ملحوظ في الأجور بين قطاعات ومهن مختلفة، بل أحيانًا في المهنة نفسها. فيما تجعل زيادة تكاليف المعيشة التي لا تقابلها زيادة مماثلة في الأجور هذا التفاوت أكثر إجحافًا. المفارقة هنا أن بعض القطاعات، مثل المواد الغذائية والعقارات، شهدت عودة أسعارها إلى مستويات ما قبل الأزمة (أو أعلى)، بينما ظلت الأجور متجمدة، بل وحتى تراجعت. والنتيجة كانت انخفاضًا حادًا في القوة الشرائية، حيث أصبح الأجير الذي كان دخله يكفي لسد الجزء الأكبر من احتياجات أسرته بالكاد يستطيع تغطية نفقات أسبوع واحد. لذا، يلجأ معظم الأجراء إلى التقشف الشديد. بالإضافة إلى ذلك، يضطر كثير منهم إلى الاستدانة، ما يراكم الأعباء عليهم على المدى الطويل، رغم أن التحويلات المالية من اللبنانيين العاملين في الخارج تسهم قليلًا في تخفيف حدة معاناة الكثيرين منهم. واللافت في هذه الشهادات أن شخصًا واحدًا فقط صرّح بأنه يتقاضى الإجازات المرضية والسنوية المدفوعة، ويحصل على التأمينات والتعويضات وفقًا لما ينص عليه قانون العمل. أما القسم الأكبر من الأجراء، فقد صرّحوا بعدم حصولهم على إجازاتهم المرضية والسنوية، ونحو نصفهم أشاروا إلى أنهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي. أصحاب العمل: استغلالٌ فاضح... ولا روادع كيفية تعامل أصحاب العمل مع الأزمة هي إشكالية قائمة بذاتها. فبدلًا من امتصاص الصدمة عبر تقليص هوامش الأرباح مؤقتًا أو تحسين الإنتاجية، لجأ العديد منهم إلى خفض الأجور ورفع أسعار السلع والخدمات التي خضعت للدولرة الشاملة. على الرغم من ارتفاع تكاليف الإنتاج في لبنان لأسباب داخلية وخارجية، إلا أن أصحاب العمل قاموا بتعويض الخسائر الناتجة عن هذا الارتفاع من حصة الأجور محافظين على هامش الربحية. ورغم خفض متوسط الأجور الإسمية وعدم تصحيحها لسنوات، إلا أن السوق شهدت ارتفاعات مسبقة لأسعار السلع والخدمات بمجرد الحديث عن أي تصحيح جزئي للأجور، علمًا أن هذه الارتفاعات طالت أيضًا جميع الخدمات العامة، بالإضافة إلى الرسوم والضرائب. أي أن مفاعيل التصحيح مُلغاة مسبقًا بسبب انفلات السوق اللبناني من الضوابط، وغياب محاسبة القضاء ومنع الاحتكار، وفشل – أو إفشال – الهيئات المعنية دراسة الأسعار والأجور في مهامها. الحقيقة أننا لم نعد أمام التفاف أصحاب العمل على زيادات الأجور فحسب، فقد تجاوزت المسألة رفض تحسين مستوى المعيشة، ووصلنا إلى مرحلة صار فيها أي تصحيح جزئي للأجور لاستعادة جزءٍ من قيمة الأجر الحقيقي للذين تدهورت أوضاعهم المعيشية، خطًا أحمر يتطلب مواجهات أيديولوجية وتحالفات متضادة. رغم التزام العاملين بأجر بالمساهمة في الاقتصاد وأداء واجباتهم المهنية، متسلحين بالأمل في تحسين أوضاعهم. إلا أن هذا الالتزام، النابع من الحاجة للعمل للبقاء على قيد الحياة، يُفهم من قِبَل أصحاب العمل قبولًا للواقع الجديد، ولا يقابله أي درجة من الالتزام من قِبَل أصحاب العمل والدولة بتحقيق أي قدرٍ من العدالة الاجتماعية. وبحسب بيانات متنوعة جمعتها "المدن" من منصات التوظيف ومواقع الإعلانات الوظيفية، يتبين أن معظم الوظائف المتاحة للعمل عن بعد، مثل تصميم الغرافيك ومندوبي المبيعات (مع عمولات) وإدخال البيانات، تتراوح الأجور الأساسية فيها بين 200 إلى 400 دولار فقط. بينما تتراوح أجور وظائف أخرى مثل عمال المطاعم، وموظفي استقبال الفنادق، وعمال النظافة، وسائقي الشاحنات بين 200 إلى 600 دولار فقط. ويشير تقرير منظمة العمل الدولية واليونيسف عام 2022 حول "تأثير الأزمة على سوق العمل اللبناني وفرص العمل والتدريب المحتملة" إلى أن عمال المبيعات والتجارة والعاملين في الزراعة هم الأكثر عرضة لخطر التسريح أو تخفيض الأجور وساعات العمل. لجنة المؤشر تعادي العمال لم تعد لجنة المؤشر آلية فعالة للحوار بين أصحاب العمل والعمال والدولة لتحديد أجور عادلة، فمن الواضح أن هيمنة النخب الاقتصادية على القرار السياسي، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالأسعار والأجور، تنعكس انحيازًا دائمًا من قبل الطرف الممثل بوزارة العمل في اجتماعات اللجنة. يضاف إلى ذلك ضعف التمثيل الفعلي للاتحاد العمالي العام، الذي يحتكر تمثيل الطبقة العاملة دون أن يكتسب صفة تمثيلية من القاعدة العمالية الحقيقية. كما تتجاهل اللجنة المعطيات المادية التي يجب أن تستند إليها في دراستها لمؤشر التضخم، ومستوى تطور الأسعار وكلفة المعيشة، وقدرة المؤسسات والدولة على المساهمة في تصحيح الأجور، والأدوات المناسبة لمكافحة غلاء المعيشة، إلى التجاهل التام، حيث يتم الفصل بين مؤشرات التضخم ومستوى الأجور. القضية ليست مجرد أرقام، بل تتعلق بكرامة العاملين بأجر وقدرتهم على العيش بحد أدنى من الاستقرار. إن استمرار سياسة خفض الأجور الحقيقية ورفع الأسعار لا يعدو كونه استنزافًا ممنهجًا لما تبقى من العمال والموظفين الذين لا يستطيعون الهروب من الجحيم اللبناني، الأمر الذي يهدد بانهيار اجتماعي كامل. ليس مطلوبًا من وزير العمل أن يحمل عصا سحرية، فمعالجة أزمة الأجور لا تنفصل عن المعالجة الشاملة للأزمة الاقتصادية. إلا أن ذلك لا يعني منح الوزير أعذارًا تخفيفية لانحيازه الواضح للهيئات الاقتصادية في اجتماعات لجنة المؤشر، التي أثبتت تاريخيًا أنها وُجِدت لتقييد وإخضاع العاملين بأجر. ومنذ عام 2019، صارت تُستخدم لتبرير وقوننة تحميلهم تكاليف الأزمة مثلما تفعل المصارف مع المودعين في تحميلهم تكاليف إفلاسها. بل المطلوب منه الآن هو التراجع عن إرسال مشروع مرسوم الحد الأدنى للأجور إلى مجلس شورى الدولة، والعودة إلى مناقشة الموضوع مع ضرورة الربط بين الحد الأدنى للأجور ومعدلات التضخم وغلاء المعيشة. وإلا، فإن التصعيد العمالي سيكون أمرًا لا مفر منه.


صوت بيروت
منذ 3 ساعات
- صوت بيروت
"نيبون ستيل" اليابانية لا تزال ملتزمة بالاستحواذ على يو.إس ستيل
– قال مسؤول تنفيذي كبير إن شركة نيبون ستيل اليابانية لا تزال ملتزمة بالاستحواذ الكامل على شركة يو.إس ستيل مشيرا إلى مساع لعقد اجتماع مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت لمعرفة موقف الرئيس دونالد ترامب حيال الصفقة. وأمام الشركتين موعد نهائي في 21 مايو أيار لاستكمال مراجعة جديدة للأمن القومي تجريها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة للاندماج المقترح البالغ قيمته 15 مليار دولار، والذي عرقله الرئيس السابق جو بايدن لأسباب تتعلق بالأمن القومي في يناير كانون الثاني بعد مراجعة سابقة. وفي أبريل نيسان، وجه ترامب لجنة الاستثمار الأجنبي بإعادة تقييم الصفقة مما أحيا الآمال في العدول عن القرار، لكنه قال في فبراير شباط إنها ستأخذ شكل الاستثمار بدلا من الشراء. وسيتخذ ترامب قرارا بشأن مصير الصفقة بحلول الخامس من يونيو حزيران. وقال تاكاهيرو موري نائب رئيس مجلس إدارة شركة نيبون ستيل، وهو أحد كبار المفاوضين في الصفقة، لرويترز اليوم الثلاثاء 'لم تتغير نيتنا في السعي وراء الاستحواذ الكامل'. وأضاف أن الملكية الكاملة فقط ستسمح 'لنيبون ستيل' بمشاركة التكنولوجيا الأساسية وتعزيز يو.إس ستيل وليس أي مشروع مشترك. وقال موري 'لا توجد تكنولوجيا مجانية'. وأوضح أن نيبون ستيل طلبت عقد اجتماع مع بيسنت، الذي يرأس لجنة الاستثمار الأجنبي لاستيضاح موقف ترامب قبل اتخاذ قرار نهائي.