logo
تامارا ستيبانيان تكتشف أرمينيا المجهولة سينمائيا في لوكارنو

تامارا ستيبانيان تكتشف أرمينيا المجهولة سينمائيا في لوكارنو

Independent عربيةمنذ يوم واحد
تنطلق أحداث الفيلم في فترة ما بعد اندلاع حرب ناغورنو كره باغ الثانية (2020). نتعرف إلى سيلين (كاميّ كوتان)، امرأة فرنسية من جيل المخرجة، يموت زوجها الأرميني فتقرر زيارة بلده الأم، لاستكمال أوراق الجنسية لابنهما، بيد أنها تجد نفسها وقد أصبحت تبحث عن جزء خفي من سيرة هذا الرجل، الذي عاش معها لسنوات من دون أن يفصح كثيراً عن ماضيه. علماً أنه كان جندياً في بلاده قبل أن يهاجر إلى فرنسا حيث تعرف إليها وتزوجها. تدخل سيلين أرمينيا، ومن حيث لا تدري تجد نفسها في دوامة بلد لا يشبه الروايات السياحية، بلد منهك جراء ثلاثة عقود من النزاع مع أذربيجان، مثقل بالخسارات، لا يظهر وجهه إلا عند من يقرأ الألم في تضاريسه. بلد غائب تماماً عن حسابات الإعلام، وسيحاول الفيلم الإضاءة عليه وعلى معاناة شعبه.
الفيلم ليس عن الحرب (ولو أنها حاضرة)، بقدر ما هو عن صدمة ما بعد الحرب، واكتشاف أرض غير مكتشفة سينمائياً، وذلك عبر عينيّ سيدة غربية تحاول إتمام عملية الحداد على زوجها من خلال التوغل في بلاده وتنقل عبره شيئاً من إرثه إلى ولديه. تذهب إلى أرض لا تعرفها، فتعي جزءاً من مسؤوليتها كأم تجاه ابنها، الذي ينتمي أيضاً إلى هذا الوطن، وقد يُجبر على الانضمام إلى جيشه ذات يوم إذا اقتضت الحاجة. هذا كله سيفتح أمام سيلين باب الأسئلة التي ما كانت تعلم بوجودها حتى. الزوج الراحل، آرتو، تجسيد للهوية الأرمنية المعذّبة. فهو نجا من زلزال غيومري (ثاني أكبر المدن الأرمنية) عام 1988 الذي قضى على 60 في المئة منها، كما نجا أيضاً من حرب التسعينيات، لكنه لم يصمد أمام هزيمة 2020 عندما استعادت أذربيجان أراضي كان هو ورفاقه حاربوا من أجلها في شبابهم، فقرر أن ينهي حياته. هذا الموت الأخير هو المسمار الذي يثبّت سيلين في أرض أرمينيا، ويشرع أمامها بوابة حكاية يتداخل فيها العام والخاص.
مرايا الذات
لدى المخرجة تامارا ستيبانيان قدرة على تحويل الآخرين مرايا لذاتها. على غرار آرتو الذي هو تجسيد للذاكرة الجريحة، فإن المخرجة نفسها تجسّد، من خلال هذه الشخصية التي لا نراها بل تحضر على لسان الزوجة، شتاتاً شخصياً وتاريخياً معاً. تقول ستيبانيان: "كل أفلامي يسكنها المنفى والحنين. تركتُ أرمينيا في عام 1994 وأنا طفلة، وما زلت أبحث عن جذور... فوجدتُها في السينما. فقط في السينما أشعر بأني في بيت حقيقي". هذه ليست مجرد عبارة جميلة، بل حقيقة تؤكدها قائمة أعمالها الوثائقية، حيث تعيد بناء أرشيف شخصي من المنافي المتنقلة التي حطت فيها (لبنان، فرنسا…)، لتصوغ منه خطاباً إنسانياً يتجاوز الانتماء العرقي. مع "بلاد آرتو" ها إنها تنتقل من الوثائقي إلى الروائي. عن هذا الانتقال تقول: "بعد تخرجي من مدرسة السينما في لبنان، تابعتُ دراستي في الدنمارك. وهناك وقعتُ في حبّ السينما الوثائقية، لكن قلبي ظلّ متعلقاً دائماً بالسينما الروائية. يمكنني القول إنني، من خلال استكشافي للشكل الوثائقي طوال هذه السنوات، كنتُ أُحضّر نفسي للروائي. كما أنني أؤمن بوجود عنصر وثائقي في هذا الفيلم. غالباً ما أجد الأفلام الروائية مصطنعة ومُفتعلة، لذلك كنت أبحث عن روح وثائقية للفيلم".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، على رغم صدق النوايا وثراء الرؤية الإنسانية، فإن "بلاد آرتو" لا يخلو من مشكلات بنيوية، تحول دون تحقّقه كعمل روائي مكتمل. التمثيل ضعيف، الخط الدرامي هشّ، ما يجعل الفيلم يتقدّم بخطوات بطيئة ومترددة. مشاهد كثيرة ليست سوى لنقل الحبكة من مكان إلى آخر، مليئة بحوارات ساكنة غير مقنعة، وشخصيات تقول أكثر مما تشعر، تُخبر من دون أن تُجسّد. والنتيجة: تجربة أقرب إلى سلسلة تأملات محبطة، تغيب فيها قوة الشهادة الوثائقية أو التماسك الروائي. الفيلم يعاني من علل عديدة تمنعه من بلوغ الاكتمال الفني، وكأنه لا يسعى أصلاً لبثّ انفعال، إنما يكتفي بالتحديق في الماضي من دون بناء فعل سينمائي عليه. إضافة إلى أنه يبدو مهذّباً أكثر مما يلزم، وهذا مأزق الأعمال التي تُنجز بصدق، لكن الإخلاص لمسألة لا يكفي وحده لصنع سينما كبيرة.
كأي فنانة تعي محدودية الفن، لا تقدم ستيبانيان أي حل، لكنها تحاول أن تطرح أسئلة وتعمّقها، والأهم أنها تفتح ملفاً عانى لعقود من إهمال وتجاهل. لا بطل في الفيلم، فجميعهم من الخاسرين المكلومين، إنما الكثير من الأشباح التي تحوم فوق الحاضر وأولها آرتو نفسه. قد لا يُغيّر الفيلم شيئاً في الوعي الغربي، لكنه يمنح تجربة أنجاز فيلم في أرمينيا صوتاً أنثوياً، دافئاً، مشتتاً، يشبه البلاد التي يُحاول تصويرها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تامارا ستيبانيان تكتشف أرمينيا المجهولة سينمائيا في لوكارنو
تامارا ستيبانيان تكتشف أرمينيا المجهولة سينمائيا في لوكارنو

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

تامارا ستيبانيان تكتشف أرمينيا المجهولة سينمائيا في لوكارنو

تنطلق أحداث الفيلم في فترة ما بعد اندلاع حرب ناغورنو كره باغ الثانية (2020). نتعرف إلى سيلين (كاميّ كوتان)، امرأة فرنسية من جيل المخرجة، يموت زوجها الأرميني فتقرر زيارة بلده الأم، لاستكمال أوراق الجنسية لابنهما، بيد أنها تجد نفسها وقد أصبحت تبحث عن جزء خفي من سيرة هذا الرجل، الذي عاش معها لسنوات من دون أن يفصح كثيراً عن ماضيه. علماً أنه كان جندياً في بلاده قبل أن يهاجر إلى فرنسا حيث تعرف إليها وتزوجها. تدخل سيلين أرمينيا، ومن حيث لا تدري تجد نفسها في دوامة بلد لا يشبه الروايات السياحية، بلد منهك جراء ثلاثة عقود من النزاع مع أذربيجان، مثقل بالخسارات، لا يظهر وجهه إلا عند من يقرأ الألم في تضاريسه. بلد غائب تماماً عن حسابات الإعلام، وسيحاول الفيلم الإضاءة عليه وعلى معاناة شعبه. الفيلم ليس عن الحرب (ولو أنها حاضرة)، بقدر ما هو عن صدمة ما بعد الحرب، واكتشاف أرض غير مكتشفة سينمائياً، وذلك عبر عينيّ سيدة غربية تحاول إتمام عملية الحداد على زوجها من خلال التوغل في بلاده وتنقل عبره شيئاً من إرثه إلى ولديه. تذهب إلى أرض لا تعرفها، فتعي جزءاً من مسؤوليتها كأم تجاه ابنها، الذي ينتمي أيضاً إلى هذا الوطن، وقد يُجبر على الانضمام إلى جيشه ذات يوم إذا اقتضت الحاجة. هذا كله سيفتح أمام سيلين باب الأسئلة التي ما كانت تعلم بوجودها حتى. الزوج الراحل، آرتو، تجسيد للهوية الأرمنية المعذّبة. فهو نجا من زلزال غيومري (ثاني أكبر المدن الأرمنية) عام 1988 الذي قضى على 60 في المئة منها، كما نجا أيضاً من حرب التسعينيات، لكنه لم يصمد أمام هزيمة 2020 عندما استعادت أذربيجان أراضي كان هو ورفاقه حاربوا من أجلها في شبابهم، فقرر أن ينهي حياته. هذا الموت الأخير هو المسمار الذي يثبّت سيلين في أرض أرمينيا، ويشرع أمامها بوابة حكاية يتداخل فيها العام والخاص. مرايا الذات لدى المخرجة تامارا ستيبانيان قدرة على تحويل الآخرين مرايا لذاتها. على غرار آرتو الذي هو تجسيد للذاكرة الجريحة، فإن المخرجة نفسها تجسّد، من خلال هذه الشخصية التي لا نراها بل تحضر على لسان الزوجة، شتاتاً شخصياً وتاريخياً معاً. تقول ستيبانيان: "كل أفلامي يسكنها المنفى والحنين. تركتُ أرمينيا في عام 1994 وأنا طفلة، وما زلت أبحث عن جذور... فوجدتُها في السينما. فقط في السينما أشعر بأني في بيت حقيقي". هذه ليست مجرد عبارة جميلة، بل حقيقة تؤكدها قائمة أعمالها الوثائقية، حيث تعيد بناء أرشيف شخصي من المنافي المتنقلة التي حطت فيها (لبنان، فرنسا…)، لتصوغ منه خطاباً إنسانياً يتجاوز الانتماء العرقي. مع "بلاد آرتو" ها إنها تنتقل من الوثائقي إلى الروائي. عن هذا الانتقال تقول: "بعد تخرجي من مدرسة السينما في لبنان، تابعتُ دراستي في الدنمارك. وهناك وقعتُ في حبّ السينما الوثائقية، لكن قلبي ظلّ متعلقاً دائماً بالسينما الروائية. يمكنني القول إنني، من خلال استكشافي للشكل الوثائقي طوال هذه السنوات، كنتُ أُحضّر نفسي للروائي. كما أنني أؤمن بوجود عنصر وثائقي في هذا الفيلم. غالباً ما أجد الأفلام الروائية مصطنعة ومُفتعلة، لذلك كنت أبحث عن روح وثائقية للفيلم". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكن، على رغم صدق النوايا وثراء الرؤية الإنسانية، فإن "بلاد آرتو" لا يخلو من مشكلات بنيوية، تحول دون تحقّقه كعمل روائي مكتمل. التمثيل ضعيف، الخط الدرامي هشّ، ما يجعل الفيلم يتقدّم بخطوات بطيئة ومترددة. مشاهد كثيرة ليست سوى لنقل الحبكة من مكان إلى آخر، مليئة بحوارات ساكنة غير مقنعة، وشخصيات تقول أكثر مما تشعر، تُخبر من دون أن تُجسّد. والنتيجة: تجربة أقرب إلى سلسلة تأملات محبطة، تغيب فيها قوة الشهادة الوثائقية أو التماسك الروائي. الفيلم يعاني من علل عديدة تمنعه من بلوغ الاكتمال الفني، وكأنه لا يسعى أصلاً لبثّ انفعال، إنما يكتفي بالتحديق في الماضي من دون بناء فعل سينمائي عليه. إضافة إلى أنه يبدو مهذّباً أكثر مما يلزم، وهذا مأزق الأعمال التي تُنجز بصدق، لكن الإخلاص لمسألة لا يكفي وحده لصنع سينما كبيرة. كأي فنانة تعي محدودية الفن، لا تقدم ستيبانيان أي حل، لكنها تحاول أن تطرح أسئلة وتعمّقها، والأهم أنها تفتح ملفاً عانى لعقود من إهمال وتجاهل. لا بطل في الفيلم، فجميعهم من الخاسرين المكلومين، إنما الكثير من الأشباح التي تحوم فوق الحاضر وأولها آرتو نفسه. قد لا يُغيّر الفيلم شيئاً في الوعي الغربي، لكنه يمنح تجربة أنجاز فيلم في أرمينيا صوتاً أنثوياً، دافئاً، مشتتاً، يشبه البلاد التي يُحاول تصويرها.

"ماديون"... الحب سيبقى أحلى الأقدار
"ماديون"... الحب سيبقى أحلى الأقدار

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

"ماديون"... الحب سيبقى أحلى الأقدار

لن يكون سهلاً على مشاعرك الإنسانية أن تمر بتجربة مشاهدة فيلم "ماديون"، فهو ينقلك بصورة حادة وقاسية بين عوالم تخضع للحسابات المفزعة وحدَّة سيف الواقع واختيارات الزواج وتعنُّت الرجال وازدواجية المعايير، وبين نعومة ورقَّة غريزتك الفطرية وحقك في الحب والسعادة ومتعة التجربة، وكلها أمور لا تخضع لمقاييس السن والشكل والمستوى الاجتماعي والرشاقة والجاذبية، لكن تنتصر فقط لكونك إنساناً تستحق أن تعيش الحياة من دون سوداويات الماديات. حدة الماديات ربما تعمدت المخرجة سيلين سونغ أن تكون شديدة الحدة في طرح ما اقترفته الماديات والحسابات من جرائم مؤلمة في حق المرأة، فهي لم تتطرق إلى الأمر كأنه مشكلة عابرة، بل ضغطت بشدة حتى ينزف الجرح ربما أملاً في أن يتشافى بالصدمة، أو لإيجاد حلول قد تغير المقاييس أو تجعلها أكثر هدوءاً ولطفاً. عرض الفيلم ما فعلته الماديات والحسابات من جرائم في حق المشاعر الإنسانية والمرأة (مواقع التواصل الاجتماعي) كررت المخرجة بين المشاهد والسطور عبارات كرَّست أن المادية التي نعيشها في عصر قاسٍ يخضع لمقاييس الطول والوزن والسن والجمال لم تؤثر إلا في فرص المرأة واستحقاقها فرص الحب والعشق. بدأت الأحداث بمشهد لرجل وامرأة في حالة حب خلال العصر الحجري أو ربما قبل التاريخ، ويُلبس الرجل حبيبته خاتماً عبارة عن زهرة بيضاء نقية تسبب لها سعادة غامرة، ثم ينتقل المشهد الثاني، حيث نيويورك والمدينة الصاخبة بأضوائها وشوارعها وحداثتها وضجيجها المفرط عام 2025. تظهر لوسي ماكارو التي لعبت دورها داكوتا جونسون، وهي امرأة في منتصف الثلاثينيات تعمل وسيطة زواج في شركة ضخمة تتخصص في التوفيق بين الرجال والنساء وتنسيق المواعدة في شقة فارهة، وهي في حالة من النشاط والطاقة المنظمة لأقصى الحدود. عرض وطلب تبدو لوسي امرأة جميلة، لكنها صلبة القلب وباردة المشاعر تتعامل مع كل شيء على أنه عرض وطلب ومقاييس تتوافق مع طلبات، فالشخص بالنسبة إليها يصنف ضمن قوائم صارمة، ويحدد موقعه منها السن والطول والوزن والمنصب الاجتماعي والدخل السنوي. تنسى لوسي أنها امرأة وتضع النساء أيضاً وفق المقاييس الصارمة نفسها، حسب تصنيفهن المادي والشكلي مع الرجل المناسب أو المنشود. جسد بيدرو باسكال دور هاري الثري الذي يمثل الجانب المادي من المجتمع (مواقع التواصل الاجتماعي) ولأن لوسي تفكر بحسابات المادة وقسوة الرجال في اختيار المرأة على رغم حداثة العصر والتحضر تنجح في عملها وتستطيع أن تتمم زواج 9 حالات سميت فرص العمر وارتباط الأحلام بحسب تصنيف وكالة المواعدة التي تعمل بها. تظل لوسي معتقدة أنها شخص لا يعتنق للحب مذهباً حتى يأتي اليوم الذي يقلب حياتها، وهو عُرس إحدى وكيلاتها على فتى الأحلام ابن العائلة الثرية الناجح والوسيم، وفي اليوم ذاته تتعرف لوسي على شقيقه هاري شقيق العريس، وهو أكثر وسامة وأهمية ومالاً وجاذبية، فتطلق عليه "الرجل المثالي" أو "وحيد القرن"، بحسب تصنيفات الشركة في وصف جودة الرجال. تتفاجأ لوسي بوقوع هاري في حبها ورغبته في الارتباط بها، وتفضل أن تجعله مجرد زبون بوكالتها، وتتردد في عرضه لأنها بحسابات مادية تجد نفسها امرأة غير مناسبة لرجل في تميزه الفريد مادياً واجتماعياً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تقسو لوسي بصورة مفرطة على نفسها وعلى مجتمع النساء بصورة درامية سوداء عندما تقول في جمل الحوار لهاري أو الرجل المثالي الذي يعرض عليها الحب، "أنت تستحق امرأة أفضل مني، فأنت متميز وفريد وثري ووسيم، لماذا تتزوج امرأة في الثلاثينيات أمامها سنوات ويغادرها جمالها؟ ولماذا تربط نفسك بامرأة فرص إنجابها ستتقلص بعد مدة قصيرة؟". ويباغتها هاري بقوله إن هذه المعايير لا تعنيه، لكنها تزداد قسوة في الحكم على نفسها بأن العلاقات والزواج صفقة يجب أن تكون متوافقة، وما دمت تملك تلك الميزات كرجل عليك الإفراط في الطلب والتعنت في اختيار ميزات أكثر صعوبة في المرأة. قهر المرأة تعكس الجمل الحوارية للوسي حالاً من القهر الذي صنعته المعايير المادية في تصور المرأة لنفسها ومدى استحقاقها فرص الحب والزواج من رجل رائع طالما بدأت في عمر الـ30، إضافة إلى ألم تقدير المرأة لقيمتها وأنوثتها بخصوبتها وما تبقَّى فيها من مدة تستطيع فيها الإنجاب ويستمر فيها الجمال، وهو تفكير على رغم محاولة إنكاره، فإنه حقيقة لا تغيرها شعارات التحضر والمدنية ووصول أقصى درجات الوعي الإنساني عند معظم الناس في كل البلد حتى نيويورك نفسها، وهذا ما أكدته المخرجة بمنتهى الوضوح. كريس إيفانز تألق في دور جوني الذي جسَّد العاطفة في مواجهة المال (مواقع التواصل الاجتماعي) تستمر لوسي في الانبهار والتردد بسبب عرض هاري الثمين، ثم تقرر اقتناصه بوصفه صفقة العمر التي لن يكررها الزمان، وتدخل معه في علاقة في اليوم نفسه الذي تتقابل فيه مع النادل الوسيم جون الذي قام بدوره كريس إيفانز. وتسترجع الأحداث علاقة لوسي وجون، فهو لم يكن شخصاً عابراً في حياتها، بل الحب الحقيقي الذي فشل بعد محاولات جدية منهما بسبب صعوبة ظروفه المادية وعدم قدرته على إسعادها بمقاييس المال. وعلى رغم موت القصة، فإن هذا الرجل ظل بداخلها حلماً وشريكاً ورفيقاً لأجمل ما عاشته، وما تبقَّى في ذاكرتها من سنوات. تستمر علاقة لوسي مع هاري الذي ترى أن من أهم ميزاته أنه يدفع فواتير باهظة لعشائهما بسهولة، ويذهب بها إلى أماكن فاخرة لم تحلم يوماً أن ترتادها، كما يسكن في شقة لا يستوعب خيالها فخامتها. مثلث معقد يتشكل ويتعقد مثلث علاقة لوسي وهاري وجون في الوقت نفسه من دون قصد من أي منهم، فعندما يعدها هاري بتحقيق كل الأحلام والسفر لآيسلندا التي تتمنى يوماً أن تقضي بها إجازتها يشعل جون عاطفتها ببساطة المشاعر وفرط الإحساس والشغف ونشوى الاقتراب والود الإنساني الحقيقي البعيد من أرقام الحسابات البنكية والعشاء في الأماكن الفاخرة والقصور. تظن لوسي أنها نجت من الاختيار وحسمت موقفها لمصلحة هاري بحكم طبيعتها المادية وتخلصها المسبق من حكايتها مع جون التي أعدمها الفقر بلا رحمة، لكنها تكتشف حقيقة رغباتها وقيمة مشاعرها التي لم تنجح المادة في تغييرها، فـ"هاري" بكل هدوئه وثرائه وعطائه لا تشعر معه بأي رغبة أو توافق، بل تجد الصمت رفيقهما الدائم والوحيد، ولم يستطع أن يلمس أي عمق داخلها لتعيش معه أي لحظة عفوية وصادقة، بينما جون الفقير لا تتوانى في أن تلجأ إليه بأعبائها وثرثرتها مع أول مشكلة، وهو الشخص الوحيد الذي تتحدث إليه من دون توقف عندما تريد أن تنفجر في الضحك أو البكاء أو أي مشاعر صادقة. يجدد هاري عرض الزواج على لوسي، فتجد نفسها في لحظة حاسمة وفارقة لا بد أن تختار ما تريده روحها، فتخلع رداء المادية الذي ظنت أنه يغلف روحها، وترفض العرض هاري وتصارحه بأن كل أمواله لم تستطع أن تكسر حاجز الصمت أو تذلل عقبات عدم الإحساس بالتوافق الروحي، فيُفاجئها هاري بقوله إن الزواج صفقة، وما دام هناك قبول فعلينا حساب ما سنكسبه منها. فترد لوسي بحسم على ماديته التي غلبت معتقداتها الحسابية أن الصفقة شرطها الأساس الحب، ومن دونه فهي معاناة لا ربح فيها. المعادلة الأصعب على الجانب الآخر يستسلم جون لفكرة استحالة عودة لوسي له وتركها الثري الرائع المتكامل بحسب فهمه لشخصيتها المادية، لكنها تفاجئه بقرارها وقولها إن المال يمكن الاجتهاد فيه وتحسين وضعه، لكن الشريك الحقيقي والمشاعر النابعة من القلب لا تشتريها كل أنواع الماديات، لذلك فالحب هو المعادلة الأصعب في هذا العالم منذ بداية الخلق حتى نهايته، ولم تستطع المادية ومعتنقيها هدم قلعته. المخرجة الكورية سيلين سونغ كشفت الصراع بين المادة والعاطفة واختارت نهاية حالمة (مواقع التواصل الاجتماعي) استعرض الفيلم بصورة حادة وسلسة في الوقت نفسه فصولاً من الصراع الإنساني الدائم بين الحب والمال، وكشفت المشاهد عن عيوب وميزات كل حالة، ووضعت أمامك على مدار ساعتين أن تختار بين الأمرين بعدما تعرَّت حقيقة كل جانب بلا خجل. وعلى رغم قسوة المخرجة وكاتبة السيناريو في سرد بعض المشاهد المادية، فإنها في النهاية قررت أن تحكم بقلبها فاختارت الحب على المادة، واختتمت بمشهد للزوجين نفسهما من العصر الحجري وهما يعيشان في سعادة والمرأة تلبس خاتماً من الورد وتحمل في طفل، وزاد وزنها وحجم بطنها، لتؤكد أن الغريزة والفطرة مهما لوَّثتها المادية لا يمكن هزيمتها أو منافستها.

وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون
وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • Independent عربية

وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون

أعلن مسؤول العلاقات العامة للممثلة الأميركية لوني أندرسون أنها توفيت أمس الأحد عن عمر ناهز 79 سنة، وقالت عائلتها إنها لفظت أنفاسها الأخيرة في مستشفى بلوس أنجليس "بعد مرض شديد استمر فترة طويلة". ونالت أندرسون الإشادة عن دور موظفة استقبال ذكية وجذابة في محطة إذاعية تتحدى الصور النمطية الجنسية في مكان العمل في المسلسل الكوميدي الأميركي "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي". واشتهرت أندرسون أيضاً بزواجها الذي أثار ضجة من الممثل بيرت رينولدز عام 1988، وطلاقهما الذي أثار اهتمام الصحف أيضاً بعد ستة أعوام. وقالت العائلة في بيان "نشعر ببالغ الحزن لإعلان وفاة الزوجة والأم والجدة العزيزة"، مضيفة أنها كانت محاطة بأحبابها. ولدت أندرسون في سانت بول بولاية مينيسوتا، وشاركت في مسابقات جمال محلية، وبدأت مسيرتها الفنية في المسرح محلياً، وانتقلت بعد ذلك في منتصف السبعينيات إلى لوس أنجليس حيث حولت لون شعرها البني أصلاً للأشقر الذي اشتهرت به. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وشاركت بعد ذلك في أعمال تلفزيونية عدة، منها مسلسلات كانت تعرض في وقت ذروة المشاهدة مثل "ذا بوب نيوهارت شو" و"بوليس ستوري" و"ذا إنكريدبل هالك" و"ذا لوف بوت" و"ثريز كامباني". وأجرت اختبارات أداء للعب شخصية كريسي، إحدى الشخصيتين النسائيتين الرئيستين في مسلسل "ثريز كومباني"، لكن الدور ذهب في النهاية إلى سوزان سومرز. وجاءت الفرصة الكبرى لأندرسون بعد ذلك بفترة وجيزة عندما حصلت على دور البطولة بالاشتراك مع جينيفر مارلو في مسلسل "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي" بعد إقناع منتجي العرض بالسماح لها بأداء الشخصية المعاكسة للصورة النمطية للشقراء التافهة. ودارت شخصيتها في المسلسل حول موظفة استقبال ماهرة وماكرة، ترفض تلقي الإملاءات أو إحضار القهوة، وتبين أنها الشخص الأكثر ذكاءً في المكان بعد نجاحها في إنقاذ محطة الراديو الخيالية في أوهايو على رغم تقصير المديرين الذكور. وامتد عرض المسلسل أربعة مواسم من 1978 إلى 1982 على شبكة "سي بي أس"، وحصلت أندرسون على ترشيحين لجائزة إيمي عن دورها فيه. وفي المجمل، شاركت أندرسون في بطولة ستة مسلسلات تلفزيونية وسبعة أفلام روائية طويلة و19 فيلماً تلفزيونياً ومسلسلين قصيرين خلال مسيرتها الفنية التي استمرت أربعة عقود، والتي سجلتها في كتاب سيرتها الذاتية الذي وصل إلى قوائم الأكثر مبيعاً، والذي يحمل اسم "ماي لايف إن هاي هيلز" أو "حياتي بالكعب العالي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store