
عامان من الصمود.. «الحاجة عائشة» وقسوة حرب الخرطوم
عامان من المعاناة في ظل الحرب، عاشها كثير من السودانيين الذين اضطرتهم الظروف للبقاء في مساكنهم بالخرطوم، ولكل منهم قصته مع الصمود تحت هذه الأهوال.
مع اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى ساحة صراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من الأسر، بينما بقي آخرون في منازلهم تحت الخطر حتى استعاد الجيش السيطرة مؤخراً بعد نحو عامين من المعارك.
لم تتخيل الحاجة عائشة وهي في الخمسينيات من عمرها أن تعيش في ظل أوضاع إنسانية مأساوية كهذه، حيث توقعت أن تنتهي الحرب خلال أيام لكنها استمرت لعامين ولا تزال مستمرة مفرقة بينها وبين أحبتها وجيرانها- هكذا قالت وهي تروي لـ«التغيير» كيف قاومت قسوة الحرب طوال تلك الفترة.
إصرار على البقاء
الحاجة عائشة قالت: لم أغادر منزلي في منطقة بري بالخرطوم حتى استعاد الجيش السيطرة على المنطقة وكنت خلال تلك الفترة بعيدة عن ابني بسبب استمرار المواجهات العسكرية.
وأضافت: قبل انسحاب قوات الدعم السريع تواصلت مع ابني العشريني لأول مرة بعد انقطاع طويل، لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له شمسنا طلعت وأخيراً استطعت التواصل معك وعرفت أنك بخير.
وتابعت: رغم كل ما مررنا به كنت أردد للجيش جملة واحدة تأخرتوا علينا كثيراً لكن الحمد لله أنكم وصلتم.
كان ابن الحاجة عائشة يعيش في نفس المنطقة قبل مغادرتها لاحقاً وعند دخول الجيش إليها لم تستطع أن تتمالك نفسها عند لقائه، وتحكي عن تلك اللحظة قائلة: عندما رأيت ابني بعد هذا الفراق الطويل لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له 'يادوب روحي رجعت لي وبري رجعت لينا'.
ظروف صعبة
بقيت الحاجة عائشة صامدة في بري منذ اندلاع الحرب حتى يوليو حين اضطرت للانتقال إلى شرق النيل، لكنها كانت تعود من حين لآخر لتطمئن على منزلها وابنها رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتها في كل زيارة.
وتتحدث الحاجة عن الأيام الأخيرة قبل دخول الجيش حيث تفاقمت الأزمة الغذائية ولم تكن هناك متاجر مفتوحة ما أجبر السكان على الإفطار في رمضان على الماء فقط ليستطيعوا مواصلة الصيام في اليوم التالي، كانوا يتقاسمون القليل المتبقي لديهم وسط انقطاع الاتصالات والإنترنت مما زاد من عزلتهم ومعاناتهم.
وتضيف: مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع فقدت الاتصال بأسرتي واضطررت لمغادرة منزلي مؤقتاً إلى منطقة قريبة حيث وجدت جيراناً جدد جمعتنا بهم ظروف الحرب القاسية.
وتصف الحاجة عائشة الظروف الصعبة التي واجهها السكان قائلة: بعد خروجنا من منازلنا وانتقالنا إلى أحياء أخرى كان الوضع أسوأ مما تصورنا ولم نكن نعرف مصيرنا وانقطع التيار الكهربائي بشكل مستمر كما انعدمت مياه الشرب مما أجبرنا على استخدام مياه ملوثة تسببت في انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال.
فرحة ناقصة
ومع استمرار المواجهات العسكرية في الخرطوم فإن المدنيين الذين لم يتمكنوا من مغادرتها ظلوا يعانون من انعدام الغذاء والخدمات الأساسية ما زاد من قسوة الحياة اليومية.
وتقول الحاجة إن الحصول على الطعام كان من أكبر التحديات فالمواد التموينية كانت شبه منعدمة 'لم يكن لدينا المال الكافي لشرائها.. كنا نعيش على القليل وازداد خوفنا مع اقتراب رمضان لكننا صمدنا وأدينا صيامه رغم المعاناة'.
وعندما استعاد الجيش السيطرة على منطقتها شعرت الحاجة عائشة بفرحة غامرة لكنها لم تكن مكتملة إذ ظلت تخشى من تدهور الأوضاع الأمنية مجدداً.
تقول: 'شعرنا بأمان نسبي لكن على الأقل ارتحنا من الفترة القاسية التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المنطقة'.
وتصف ما عاشته خلال تلك الفترة: 'كانت القوات تمارس العنف ضد المدنيين وتنهب المنازل وتعتدي على الجميع بلا استثناء حتى أن بعض الجرائم وصلت إلى القتل حرقاً بعد التعذيب'.
ورغم هذه المآسي تؤكد أن الظروف الصعبة عززت الروابط الاجتماعية بين الجيران حيث أصبحوا أكثر تكاتفاً في مواجهة المحنة.
قصة الحاجة عائشة هي نموذج لمعاناة كبيرة قد يكون عايشها كثير من سكان الخرطوم الذين ظلوا صامدين في منازلهم رغم الظروف القاسية على أمل استعادة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الخوف والرعب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- التغيير
عامان من الصمود.. «الحاجة عائشة» وقسوة حرب الخرطوم
عامان من المعاناة في ظل الحرب، عاشها كثير من السودانيين الذين اضطرتهم الظروف للبقاء في مساكنهم بالخرطوم، ولكل منهم قصته مع الصمود تحت هذه الأهوال. مع اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى ساحة صراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من الأسر، بينما بقي آخرون في منازلهم تحت الخطر حتى استعاد الجيش السيطرة مؤخراً بعد نحو عامين من المعارك. لم تتخيل الحاجة عائشة وهي في الخمسينيات من عمرها أن تعيش في ظل أوضاع إنسانية مأساوية كهذه، حيث توقعت أن تنتهي الحرب خلال أيام لكنها استمرت لعامين ولا تزال مستمرة مفرقة بينها وبين أحبتها وجيرانها- هكذا قالت وهي تروي لـ«التغيير» كيف قاومت قسوة الحرب طوال تلك الفترة. إصرار على البقاء الحاجة عائشة قالت: لم أغادر منزلي في منطقة بري بالخرطوم حتى استعاد الجيش السيطرة على المنطقة وكنت خلال تلك الفترة بعيدة عن ابني بسبب استمرار المواجهات العسكرية. وأضافت: قبل انسحاب قوات الدعم السريع تواصلت مع ابني العشريني لأول مرة بعد انقطاع طويل، لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له شمسنا طلعت وأخيراً استطعت التواصل معك وعرفت أنك بخير. وتابعت: رغم كل ما مررنا به كنت أردد للجيش جملة واحدة تأخرتوا علينا كثيراً لكن الحمد لله أنكم وصلتم. كان ابن الحاجة عائشة يعيش في نفس المنطقة قبل مغادرتها لاحقاً وعند دخول الجيش إليها لم تستطع أن تتمالك نفسها عند لقائه، وتحكي عن تلك اللحظة قائلة: عندما رأيت ابني بعد هذا الفراق الطويل لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له 'يادوب روحي رجعت لي وبري رجعت لينا'. ظروف صعبة بقيت الحاجة عائشة صامدة في بري منذ اندلاع الحرب حتى يوليو حين اضطرت للانتقال إلى شرق النيل، لكنها كانت تعود من حين لآخر لتطمئن على منزلها وابنها رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتها في كل زيارة. وتتحدث الحاجة عن الأيام الأخيرة قبل دخول الجيش حيث تفاقمت الأزمة الغذائية ولم تكن هناك متاجر مفتوحة ما أجبر السكان على الإفطار في رمضان على الماء فقط ليستطيعوا مواصلة الصيام في اليوم التالي، كانوا يتقاسمون القليل المتبقي لديهم وسط انقطاع الاتصالات والإنترنت مما زاد من عزلتهم ومعاناتهم. وتضيف: مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع فقدت الاتصال بأسرتي واضطررت لمغادرة منزلي مؤقتاً إلى منطقة قريبة حيث وجدت جيراناً جدد جمعتنا بهم ظروف الحرب القاسية. وتصف الحاجة عائشة الظروف الصعبة التي واجهها السكان قائلة: بعد خروجنا من منازلنا وانتقالنا إلى أحياء أخرى كان الوضع أسوأ مما تصورنا ولم نكن نعرف مصيرنا وانقطع التيار الكهربائي بشكل مستمر كما انعدمت مياه الشرب مما أجبرنا على استخدام مياه ملوثة تسببت في انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال. فرحة ناقصة ومع استمرار المواجهات العسكرية في الخرطوم فإن المدنيين الذين لم يتمكنوا من مغادرتها ظلوا يعانون من انعدام الغذاء والخدمات الأساسية ما زاد من قسوة الحياة اليومية. وتقول الحاجة إن الحصول على الطعام كان من أكبر التحديات فالمواد التموينية كانت شبه منعدمة 'لم يكن لدينا المال الكافي لشرائها.. كنا نعيش على القليل وازداد خوفنا مع اقتراب رمضان لكننا صمدنا وأدينا صيامه رغم المعاناة'. وعندما استعاد الجيش السيطرة على منطقتها شعرت الحاجة عائشة بفرحة غامرة لكنها لم تكن مكتملة إذ ظلت تخشى من تدهور الأوضاع الأمنية مجدداً. تقول: 'شعرنا بأمان نسبي لكن على الأقل ارتحنا من الفترة القاسية التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المنطقة'. وتصف ما عاشته خلال تلك الفترة: 'كانت القوات تمارس العنف ضد المدنيين وتنهب المنازل وتعتدي على الجميع بلا استثناء حتى أن بعض الجرائم وصلت إلى القتل حرقاً بعد التعذيب'. ورغم هذه المآسي تؤكد أن الظروف الصعبة عززت الروابط الاجتماعية بين الجيران حيث أصبحوا أكثر تكاتفاً في مواجهة المحنة. قصة الحاجة عائشة هي نموذج لمعاناة كبيرة قد يكون عايشها كثير من سكان الخرطوم الذين ظلوا صامدين في منازلهم رغم الظروف القاسية على أمل استعادة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الخوف والرعب.


التغيير
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- التغيير
ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم.. ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
ياسر عرمان (١) يحزنني غاية الحزن ما يجري في أعالي النيل وفي منطقة الناصر بجنوب السودان، هو لا يتناسب مع النضالات الطويلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها شعب جنوب السودان من اجل تقرير مصيره ومستقبله، وادرك ان طريق الجنوبيين لم يكن سهلاً وان هنالك مرارات خلفتها الحرب الأهلية ومصاعب مصاحبة لمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يطرح تحديات ضخمة على طريق البناء الوطني، والاخطاء التي ترتكبها النخب في هذا الطريق الشائك والمعقد، لكن ما يهمني هنا انني اثق وادعو لتقليب مخزون الحكمة العميق الذي يمتلكه شعب دولة جنوب السودان وقبائله في السمو فوق الجراحات، وكل تنازل يقدم لتفويت الفرصة والوقوف ضد إرجاع شعب جنوب السودان للحرب فهو تنازل لا شك أفضل من الحرب الف مرة. (٢) كنت اود ان اكتب هذه الرسالة في وقت مبكر ولكن انتباهي توزع في الايام القليلة الماضية بسبب ما حدث لي في مطار جومو كينياتا بنيروبي كينيا، ومع ذلك فان الجنوب لم يغب عن ذهني وخاطري ففي حديثي مع ضباط الإنتربول الكيني مررت على جنوب السودان، فقد زرت كينيا للمرة الأولى في عام ١٩٨٨ وكنت عندها في ريعان الشباب ووهج البدايات عند خريف ماطر لا يتوقف في ذلك العام، كنا في شرق الاستوائية مع قائدنا وأخانا الكبير دكتور جون قرنق دي مابيور بالقرب من مدينة كبويتا وفي رئاسته المتحركة وقد طلب منا ان نذهب في مأمورية للحدود الكينية وكان المطر لا يتوقف صباحاً ومساءً وأخذنا حوالي يومين للوصول للحدود ولمدينة لوكي شوقيو، كنا مع الغائبين الحاضرين عزيزنا بيور أسود ولوقشو لوكني ومع الاعزاء القائد كوال مينانق وويياي دينق اجاك وقير شونق وآخرين وذهبنا فيما عدا الرفيق كوال بطائرة كينية خاصة أرسلها الرئيس ارب موي لقرنق وهبطت بنا في مطار ناكورو وأمضينا ليلتين في القصر الرئاسي بالمدينة وعدنا لشرق الاستوائية مرة أخرى بصحبة أخانا الكبير قرنق مبيور، وقلت لضابط الإنتربول ان جذور علاقتي مع كينيا ترجع لذاك العام ١٩٨٨. (٣) سعدت ايما سعادة بخطاب الرئيس سلفا كير الذي دعا بحزم للسلام ورفض الحرب، وبرد الدكتور رياك مشار نائب الرئيس، وان اكبر خدمة تقدم لشعبي دولة جنوب السودان ودولة السودان هو تفادي الحرب وعدم السماح لمن يعملون في داخل جنوب السودان او خارجه لاشعال الحرب، واحزنني سقوط الضحايا وادعو لهم بالرحمة وان يكونوا زاداً لبناء وتطور الجنوب وأخص بالتعزية اسرة اللواء مجور داك والذي عرفته معرفة شخصية منذ سنوات حرب التحرير، والرحمة لكل من سقط في الاحداث الأخيرة وليكن السلام هو الهدية لتلك الأرواح التي ذهبت إلى بارئها والمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام. (٤) حرب السودان الكارثية والمؤلمة والتي ازهقت الأرواح وشتت المجتمع وادّت لانهيار الدولة وشربت من دم الشباب وشهدت انتهاكات واسعة ضد النساء والاطفال والشيوخ، ولأن الجنوبيين هم أهلنا وأقرب شعوب الارض قاطبة لنا لا نريد لهم نفس المصير ونحن جميعاً في خاتمة المطاف سودانيين، وحرب السودان هي درس لكي لا يدخل الجنوب في هذا النفق المظلم ونحن نحتاج الجنوب في ظل مأساة السودان ، فدخول البلدين في حروب أهلية سيجلب المصائب في كل الاقليم، ولا أحد بامكانه ان يعطي الجنوبيين دروساً في مأسي الحروب. أيها الجنوبيون بالله تفادوا الحرب واتركوها خلفكم ولكم محبة من سويداء الفؤاد لا تغيب ولا تنطفي وانتم دوماً في القلب والخاطر. عاشت السودانوية مكاناً يسع الجميع والمجد لاواصر المحبة بين السودانيين في دولتي السودان


التغيير
٢٣-٠٢-٢٠٢٥
- التغيير
علمانية الدولة بعيداً عن الميثاق التأسيسي!
' علمانية الدولة' من وجهة نظري من اهم الافكار التأسيسية للسودان المسالم المستقر ، فهي ضرورة وحدوية ونهضوية، هذا ما فصلته في مقالات طويلة قبل انفصال جنوب السودان. ومن اكبر الاخطاء الاستراتيجية للاحزاب الكبيرة خصوصا حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي( احزاب الاغلبيات البرلمانية في العهود الديمقراطية) هو عدم وضوح الرؤية تجاه هذه القضية منذ الستينات وحتى الان. في بلد متعدد الاديان والثقافات اي حكم على اساس ديني يعني تقسيم الوطن ولا شيء غير ذلك. الدولة الوطنية الحديثة هي كيان علماني بحكم طبيعتها البنيوية ويستحيل ان تكون غير ذلك! وعلمانية الدولة لاتحرم المواطن من ان يكون متدينا ولا تسلبه حقه في ان يجعل الدين مرجعيته الاخلاقية والاساس الفلسفي الذي على ضوئه يشكل نظرته لنفسه وللعالم من حوله ، ولكن يظل كل ذلك في حدود الفرد وضميره وعقله، اما عندما نأتي الى تنظيم الفضاء العام الذي نتشاركه جميعا فان مرجعية السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والتنمية والخدمة العامة مدنية وعسكرية هي ' العقل العمومي' ولا يمكن ان تكون شيئا غير ذلك. ماهو مقابل الدولة العلمانية؟ هل هو الدولة الاسلامية؟ حسنا ما هي الدولة الاسلامية؟ ماهو برنامجها التفصيلي لادارة دولة سودانية بشروط اللحظة التاريخية وما هو قول الاسلام الفصل في تفاصيل هذه الدولة؟ وما الذي يعنيه تحديدا من يطالبون بتطبيق الشريعة الاسلامية؟ في اطار مساعدة بحثية للبروف عبد الله النعيم حملت هذه الاسئلة بنصها اعلاه وطفت به على اهم الرموز الفكرية الاسلامية التي تعارض علمانية الدولة في السودان ، من ضمن الذين ناقشتهم في هذه الاسئلة في مقابلات استغرقت ساعات ، كل من الامام الصادق المهدي ، الدكتور حسن عبد الله الترابي،البروف الطيب زين العابدين ، (رحمة الله عليهم اجمعين) ، والدكتور حسن مكي ، الشيخ ابو زيد محمد حمزة ارسلت له الاسئلة مكتوبة واجاب عليها كتابة، وقابلت كذلك الاستاذ محمد ابو زيد ( من جماعة انصار السنة المحمدية) ، وذهبت الى الشيخ عبد الحي يوسف في مكتبه بجامعة الخرطوم لمناقشته في ذات الاسئلة ولكنه اعتذر وقال انه لا يمكن ان يتعاون مع رجل كافر مثل عبد الله النعيم ونصحني انا بان لا اتعاون معه لانه لا شغل له سوى الاساءة للاسلام. الذين كانت لديهم اجابات مفصلة لشكل الدولة التي يريدونها ولكنها حرفيا دولة خارج التاريخ تماما هم انصار السنة التقليديين( شيخ ابو زيد محمد حمزة ). الشيخ الترابي على مدى ساعتين وخمسة واربعين دقيقة ظل يتحدث لي عن كيفية خروج السياسة والاقتصاد والفن وكل مساقات الحياة من الدين في الحضارة الغربية ، وان المسلم المطالب بالعلمانية كافر لانه مبعض بمعنى يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، اما المسلم فهو من يوحد كل مساقات الحياة عبادة لله! سألته كيف يفعل المسلم ذلك؟ ماهي مواصفات الدولة التي نستطيع ان نقول انها اسلامية ووحدت كل مساقات الحياة عبادة لله ؟ ما هو برنامجها السياسي والاقتصادي؟ ما هو شكلها! اجابته اننا نستطيع الوصول اليها الا لو نجحنا في تجديد اصول الفقه! الامام الصادق المهدي رحمه الله كان اكثر انفتاحا ومرونة في نقاش العلمانية اذ لم يكفرها ، بل اثبت لها ايجابيات مثل كفالة حقوق الناس بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية وقال ان المحتوى الايجابي للعلمانية مكفول في مقاصد الاسلام بشرط التأصيل المستنير والاجتهاد المؤسسي الذي يتجاوز ما اجمع عليه جمهور الفقهاء في قضايا معينة منها قضايا المرأة ووضعية غير المسلمين. البروف الطيب زين العابدين والبروف حسن مكي ذهبا في ذات اتجاه الحاجة للتجديد ومراجعة الموروث الفقهي واتفقا حول عدم وجود شكل ومضمون متفق عليه لما يسمى ' الدولة الاسلامية' خلاصة البحث الذي شمل مقابلات شخصية وتلخيص كتب ومقالات ومحاضرات لاهم رموز ' الاسلمة والتأصيل' كانت كالاتي:التيار السلفي المحافظ مطمئن لامكانية اعادة عقارب الساعة الى الوراء وتطبيق الشريعة برؤية فقهاء اهل السنة والجماعة واحياء الخلافة الاسلامية ومخاصمة الديمقراطية وحقوق الانسان. اما التيار المستنير فهو معترف صراحة بان لا وجود لشيء اسمه دولة اسلامية حتى على مستوى التنظير ! اذ ان التنظير لمثل هذه الدولة في واقعنا المعاش يتطلب 'تجديد اصول الفقه عند الدكتور حسن الترابي' ، ويتطلب' التأصيل المستنير ' و ' الاجتهاد المؤسسي' عند الامام الصادق المهدي . عندما وضعت خلاصة البحث امامي وكان ذلك عام ٢٠٠٤ ، تساءلت بحزن عميق، ما دامت فكرة الدولة الاسلامية والشريعة الاسلامية والدستور الاسلامي بهذه الهلامية وعدم التماسك النظري حتى في اذهان دعاتها ، وما داموا جميعهم معترفون بعدم صلاحية تطبيق الشريعة بشكلها التقليدي في واقعنا المعاصر، لماذا اهدرنا كل هذا الوقت والطاقة السياسية في مساجلات حول الدستور الاسلامي في الستينات؟ لماذا قوضنا التجربة الديمقراطية الاكتوبرية بطرد الحزب الشيوعي من البرلمان على اساس المزايدات الدينية؟ لماذا عجزنا عن الغاء قوانين سبتمبر وجعلناها مرادفا للاسلام من حيث هو؟ لماذا سمحنا للاخوان المسلمين بمختلف تشكيلاتهم بممارسة كل هذا الابتزاز والارهاب الديني وافساد ديننا ودنيانا معا بالبلطجة والصفاقة السياسية والمزايدة بدولة وهمية ونظام حكم اسلامي متخيل وحتى على مستوى الخيال غير واضح المعالم بمعنى انه نظام ' قيد التخيل' ؟ لماذا يسمي حزب الامة برنامجه الانتخابي في الثمانينات ' نهج الصحوة الاسلامية ' وما كانت البلاد من الناحية الموضوعية في حاجة لمثل هذا بل كانت متعطشة للسلام والتنمية وبحاجة لهزيمة ارهاب الجبهة الاسلامية ؟ لماذا دفعت الحركة الاسلامية اسما الاجرامية فعلا بآلاف شبابها للموت في جنوب السودان تحت رايات الجهاد وفي النهاية فقدوا ارواحهم دون ان يتحقق فتح اسلامي لجنوب السودان الذي استقل بدولة علمانية فهل جاهد شباب الكيزان في سبيل دولة علمانية في جنوب السودان؟ ام ان الامر كما قلنا وسنظل نكرر صراع سلطة وثروة لصالح مجرمين ومحتالين كبار في الداخل والخارج وعامة الشعب بما فيه ' كيزان الطبقة الدنيا من الغلابة المضللين بالعاطفة الدينية' مجرد حطب لنار حروب مدمرة للوطن يحصد ثمارها الافاكون؟! والسؤال الاهم من ذلك كله لماذا حتى الان لم نتعلم الدرس الصحيح وما زلنا رهن الابتزاز الاسلاموي!لماذا ما زلنا نرتجف من مفردة ' علمانية' في حين ان اردوغان الاخ المسلم يتباهى بعلمانية تركيا! ويشد الرحال الى مصر لينصح جماعة الاخوان المسلمين هناك بالالتزام بعلمانية الدولة! وطيلة حكم هذا الاردوغان الاخ المسلم الممتد لعشرين عاما ظلت تركيا دولة علمانية بدستور علماني ، ومطبعة مع اسرائيل بعلاقات دبلوماسية ومصالح اقتصادية ، كما ظلت عضوا في حلف النيتو ، وقرعت ابواب الدخول للاتحاد الاوروبي بكل قوتها دون جدوى، ومع ذلك تركيا ايقونة كيزان السودان والقبلة المحببة لنفوسهم بمن فيهم عبد الحي يوسف ويرفعون اردوغان فوق رؤوسهم كرمز اسلامي في ذات الوقت الذي يكفرون ويشتمون من يطالب بعلمانية الدولة في السودان؟ فهل اردوغان منافق في علمانيته؟ ام الكيزان منافقون في اسلاميتهم؟ ام ان الامر ' حقارة' بالسياسيين السودانيين لانهم وضعوا انفسهم في حالة قابلية للحقارة بسبب عدم وضوح الرؤية في القضايا الاستراتيجية وبسبب غياب الجرأة والتصدي الحاسم لابتزاز هذه العصابة الكيزانية المجرمة وتقليم مخالبها مبكرا انتصارا لوحدة البلاد وتماسكها.