
«قمة ألاسكا» بين استنساخ «يالطا» وانهيار «ريكيافيك»
وهناك أيضاً فشل قمة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في ريكيافيك بآيسلندا عام 1986 في التوصل إلى اتفاق شامل للحد من الأسلحة النووية لكلا الجانبين، ورغم عداء ريغان العقيدة السوفياتية، فإنه كان براغماتياً في تعامله مع غورباتشوف. وعدّ المحللون القمة نقطة تحول كبيرة في الحرب الباردة بين الجانبين. وتقول شبكة «سي إن إن» إن عدم التوصل إلى اتفاق خلال «قمة ألاسكا» ليس كارثياً إذا وضعت شروطاً لمحادثات مستقبلية، لكن التحدي هو المخاطرة بإلقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اللوم على أوكرانيا ومواصلة الاعتداءات.
وأبدى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، تفاؤلاً كبيراً بقدرته على إقناع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أن بوتين لا يستطيع التلاعب به. وقال للصحافيين في البيت الأبيض، الاثنين، إنه سيعرف خلال دقيقتين ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أم لا، واصفاً القمة المرتقبة يوم الجمعة في ألاسكا بأنها ستكون «اجتماعاً استشرافياً» لفهم مطالب روسيا لإنهاء الحرب بشكل أفضل.
ومع التفاؤل، فقد خفف ترمب من توقعاته، مشيراً إلى أن المحادثات قد تتضمن «تبادلاً للأراضي» من أجل «تحسين وضع كلا الجانبين»، وأعرب الرئيس الأميركي عن «انزعاجه» من رفض نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، التنازل عن أراضٍ لروسيا في إطار اتفاق من شأنه إنهاء النزاع. كما أشار إلى أن زيلينسكي لن يحضر القمة، موضحاً أنه سيتصل به لاحقاً وبالحلفاء الأوروبيين لمناقشة نتائج اجتماعه مع بوتين.
ويشير الخبراء إلى 3 سيناريوهات محتملة لهذه القمة عالية المخاطر، التي تعدّ أول لقاء مباشر بين الرئيسين الأميركي والروسي منذ عام 2021، في ظل تصاعد التقدم الروسي في شرق أوكرانيا وازدياد الضغوط على ترمب للوفاء بوعده الانتخابي بحل النزاع بسرعة.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
ويبدي بعض الخبراء تفاؤلاً بأن الاجتماع يمكن أن يشكل خطوة جريئة نحو السلام من خلال القوة، فيما يحذّر آخرون بأنه يُخاطر بإضفاء الشرعية على العدوان الروسي دون ضمانات صارمة. ويحمل كل سيناريو، وفقاً للخبراء، عواقب وخيمة على سيادة أوكرانيا، ومصداقية الولايات المتحدة، وتماسك «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، والمشهد الجيوسياسي الأوسع.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل اجتماع في هلسنكي يوم 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
في السيناريو الأكبر تفاؤلاً، يقول الخبراء إن ترمب قد يتفق مع بوتين على إطار عمل لوقف إطلاق النار، يشمل على الأرجح «مبادلات» أراضٍ، حيث تتنازل أوكرانيا عن أجزاء من مناطق محتلة، مثل دونيتسك ولوغانسك، مقابل تعهدات أمنية أو حوافز اقتصادية. وقد لمح ترمب إلى هذا الاحتمال، خلال المؤتمر الصحافي يوم الاثنين، مشيراً إلى أن المحادثات تهدف إلى إنهاء الحرب بسرعة، وأنه سيُقيّم نيات بوتين بوضوح قبل بدء الاجتماع. ويشير الخبراء إلى أن بوتين، الذي يواجه بالفعل ضغوطاً اقتصادية جراء العقوبات والخسائر العسكرية، قد يُخفف من حدة المطالبات لتحقيق نصر دبلوماسي.
يُوقف هذا السيناريو إراقة الدماء فوراً؛ مما يسمح لأوكرانيا بإعادة البناء وإعادة توجيه الموارد من الدفاع إلى التعافي. لكن دون معايير واضحة لتنفيذ صارم لهذا السيناريو، فقد يُقوّض هذا الاتفاق وحدة أراضي أوكرانيا، ويُشكّل سابقةً لاعتداءات مستقبلية، ويُضعف المعايير الدولية ضد الغزو.
واقتصادياً، قد تستعيد روسيا الوصول إلى الأسواق العالمية، بينما قد تعدّ الولايات المتحدة ذلك انتصاراً في سياستها الخارجية؛ مما يُعزز صورة ترمب قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي. ومع ذلك، قد يُؤدي أي اتفاق متسرع إلى تفتيت وحدة حلف «الناتو»، مع شعور الحلفاء الأوروبيين بالتهميش وتراجع الالتزام الأميركي.
وينقسم الخبراء الأميركيون بشأن هذا السيناريو المتفائل، حيث ترى ماريا سنيغوفايا، الزميلة البارزة في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)»، أن مجرد عقد القمة «مكسب دبلوماسي لبوتين» يضمن له الاعتراف الدولي دون تنازلات كبيرة؛ مما قد يزيد من عزلة أوكرانيا. وتشير إلى أن غياب زيلينسكي يُهدد بتقويض قدرة كييف على تحديد مصيرها.
ويري بنجامين جنسن، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن تبادل الأراضي وحده «غير كافٍ»، مشيراً إلى «ضرورة معالجة قضايا أخرى، مثل الأصول الروسية المجمدة، وأموال إعادة الإعمار من أجل سلام مستدام؛ وإلا، فقد ينتهك بوتين الاتفاق كما فعل في اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة».
ويحث جون هيربست، من «المجلس الأطلسي»، والسفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا، ترمب على «الضغط على بوتين بشأن الأمن الأوكراني المستقبلي»، مطالبَين بـ«المعاملة بالمثل، مثل قوات حفظ السلام الأوروبية، وإمدادات أسلحة (الناتو) مقدماً». ويُحذّر هيربست بأن عدم القيام بذلك قد يمنح بوتين «سيطرة سياسية فعالة» على أوكرانيا، مُشبّهاً الأمر بتقسيم «يالطا» المشؤوم لأوروبا عام 1945.
وأشار غريغوري دبليو سلايتون، الدبلوماسي الأميركي السابق، لصحيفة «نيويورك بوست»، إلى أن على ترمب أن «يكشف خدعة بوتين» ويدفع باتجاه ضمانات عضوية أوكرانيا في حلف «الناتو»، متوقعاً أن هذا قد «ينهي المذبحة» ويمنع أي غزوات مستقبلية؛ «نظراً إلى تردد بوتين في مهاجمة دول (الناتو)». ويؤيد بريت ماكغورك، هذا الرأي؛ إذ ينصح ترمب بـ«المطالبة بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً شرطاً أساسياً»، محذراً بأن «التنازلات دون ذلك قد تطيل أمد الحرب».
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وسط جنوده (أ.ف.ب)
قد لا يُسفر نهج ترمب «الاستطلاعي» عن اتفاق فوري إذا تمسك بوتين بمطالبه، مثل السيطرة الكاملة على الأراضي المحتلة دون تقديم تنازلات أمنية لأوكرانيا. ويشير الخبراء إلى تاريخ بوتين في استغلال القمم لكسب الوقت، لا سيما في ظل المكاسب الإقليمية الأخيرة لروسيا ومرونتها الاقتصادية رغم العقوبات. وسبق أن أبدى ترمب مرونةً؛ إذ سمح لروسيا بتفويت مواعيد وقف إطلاق النار السابقة، لكنه قد ينسحب إذا ثبت تعنت بوتين.
العواقب: استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بل وتسارع وتيرتها، بشن روسيا هجمات مُكثّفة محتملة لتعزيز موقفها؛ مما يؤدي إلى مزيد من الضحايا الأوكرانيين وتدفق اللاجئين. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، قد يعني هذا زيادة المساعدات العسكرية والعقوبات؛ مما يُرهق الميزانيات مع تعزيز التحالفات. وقد تُسرّع أوروبا تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن روسيا، بينما لا تزال أسعار الغذاء والطاقة العالمية متقلبة.
سياسياً، سيواجه ترمب انتقادات محلية لفشله في تحقيق السلام، على الرغم من أنه قد يُلقي باللوم على بوتين ويلجأ إلى إجراءات أشد صرامة. ويرى إليوت كوهين، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن هذا السيناريو مُرجّح، مُشيراً إلى «3 مشكلات كبيرة» هي هدف بوتين النهائي، المتمثل في السيطرة على أوكرانيا بأكملها، والعروض الروسية غير الواضحة، وقدرة أوكرانيا على رفض الشروط غير المُواتية.
ويُسلّط مارك كانسيان، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، الضوء على «ضعف الموقف العسكري لأوكرانيا»، داعياً إلى «مساعدات أميركية دراماتيكية، مثل حزمة بمليار دولار، لتغيير الديناميكيات؛ فمن دونها، يعتقد بوتين أن (الوقت في مصلحته)».
يؤكد لوك كوفي، من «معهد هدسون»، أن زيلينسكي هو «الساعي الرئيسي للسلام»، بينما يبقى بوتين «العائق الرئيسي». وينصح كوفي الرئيسَ ترمب بـ«وضع مبادئ تضمن ألا يكون عدم التوصل إلى اتفاق مكافأةً للعدوان، ويؤدي إلى شرعنة استيلاء بوتين على الأراضي» وإلى إرساء «سابقة مروعة» قد تُشجع على خطوات مماثلة في أماكن أخرى، مثل دول البلطيق.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في المكتب البيضاوي يوم 28 فبراير 2025 (إ.ب.أ)
في ظل التوقعات المتفائلة، فقد تكون هناك حالة من الإحباط إذا رفض بوتين دعوات ترمب لإنهاء الحرب، ويرد ترمب بتهديدات بتصعيد العقوبات أو تقديم المساعدات لأوكرانيا. وقد يؤدي استبعاد زيلينسكي إلى تفاقم هذا الوضع، مما يُغذي الاتهامات بتهميش أوكرانيا وتشجيع المتشددين الروس.
العواقب: قد تُسرّع روسيا هجماتها، وتختبر عزم الولايات المتحدة، وقد تُجرّ «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» إلى مزيد من التورط في الصراع. قد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وتأجيج التضخم العالمي، وزيادة المخاطر النووية في ظل الخطاب الروسي. بالنسبة إلى ترمب، قد يتطلب الأمر تحولاً في سياسته نحو دعم أكبر تشدداً لأوكرانيا. وعلى المدى الطويل، قد يُؤدي ذلك إلى تصدع العلاقات عبر الأطلسي إذا عدّت أوروبا الأحادية الأميركية متهورة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الثاني من اليسار) في كييف وإلى جانبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيره البولندي دونالد توسك... وإلى يمينه المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال لقاء في كييف يوم 10 مايو 2025 (إ.ب.أ)
يؤكد سيث جونز، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، على أهمية تسليح أوكرانيا «بشكل كامل» لردع الغزو، مع فرض «عقوبات ذات مصداقية»، مثل عقوبات الطاقة، لفرض ضغط اقتصادي على روسيا. ويحذر جون هيربست، الباحث في «المجلس الأطلسي» من «سلام غير مستقر» دون ضمانات أمنية، ويحث ترمب على تجنب المواعيد النهائية دون عواقب، كما انقضت المواعيد النهائية السابقة دون اتخاذ إجراء. وقد حذرت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن بوتين قد يسعى للتأثير على ترمب في قضايا تتجاوز أوكرانيا، مثل إيران والصين.
ورغم تباين السيناريوهات، فإن الخبراء يتفقون؛ سواءٌ أثمرت القمة عن اتفاق سلام أم أدت إلى زيادة شراسة الحرب والتوترات، على أن المخاطر تتجاوز أوكرانيا بكثير، حيث ستكون القمة اختباراً لدور أميركا في عالمٍ متعدد الأقطاب. ومع غموض نيات بوتين ومستقبل أوكرانيا المُعلّق، فقد تُعيد نتيجة القمة تعريف الأمن العالمي لسنواتٍ مقبلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 10 دقائق
- الشرق الأوسط
أمين عام «حزب الله» يستقبل لاريجاني في لبنان
أفاد تلفزيون «المنار» التابع لجماعة «حزب الله» اللبنانية، اليوم (الخميس)، بأن الأمين العام للجماعة نعيم قاسم استقبل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، وتوجه بالشكر إلى إيران «لوقوفها إلى جانب وحدة لبنان وسيادته». وأضاف التلفزيون أن قاسم شدد خلال الاجتماع على العلاقات «الأخوية» التي تربط الشعبين اللبناني والإيراني، مجدداً الشكر لإيران على «دعمها المتواصل للبنان ومقاومته» ضد إسرائيل. الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم يلقي خطاباً متلفزاً يوم 30 يوليو 2025 (رويترز) كان الرئيس اللبناني جوزيف عون قد أكد، خلال استقباله لاريجاني أمس، رفض لبنان أي تدخل في شؤونه الداخلية من أي جهة، قائلاً: «نريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين دون تمييز». الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً لاريجاني (الرئاسة اللبنانية) جاءت زيارة لاريجاني للبنان بعدما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الإيراني قوله إن بلاده تعارض مساعي نزع سلاح جماعة «حزب الله»، وإن طهران ما زالت تدعم «المقاومة» في لبنان.


الشرق الأوسط
منذ 10 دقائق
- الشرق الأوسط
«بسبب ادعاء كاذب ومهين»... ميلانيا ترمب تهدد بمقاضاة هانتر بايدن
هدّدت السيدة الأميركية الأولى ميلانيا ترمب بمقاضاة هانتر بايدن، نجل الرئيس السابق جو بايدن، بعد أن ادعى أن رجل الأعمال الأميركي الراحل جيفري إبستين المتهم بارتكاب اعتداءات جنسية، هو من عرّفها على زوجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ووصف محامو السيدة الأولى، التي تزوجت ترمب عام 2005، هذا الادعاء بأنه «كاذب، ومُهين، وتشهيري، ومُثير للجدل»، بحسب ما نقلته شبكة «بي بي سي». وطلب المحامون في رسالة موجهة إلى محامي هانتر بايدن بسحب الادعاء والاعتذار، وإلا سيواجه دعوى قضائية لدفع تعويض «يتجاوز مليار دولار». وتقول الرسالة إن السيدة الأولى عانت من «ضرر مالي جسيم وضرر يتعلق بسمعتها» بسبب الادعاء الذي كرره هانتر. كما تتهم الرسالة أصغر أبناء بايدن بـ«تاريخ طويل من المتاجرة بأسماء الآخرين»، قائلة إنه كرر هذا الادعاء «لجذب الانتباه إليه». هانتر بايدن (أ.ب) وأدلى هانتر بهذه التعليقات خلال مقابلة أُجريت معه في وقت سابق من هذا الشهر، انتقد فيها بشدة علاقات الرئيس بإبستين. وكان دونالد ترمب صديقاً لإبستين، لكنه قال إن الخلاف بينهما بدأ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لأن رجل الأعمال الأميركي الراحل «سرق» شابات عملن في المنتجع الصحي التابع لنادي ترمب للغولف في فلوريدا. وأقر بأن إحدى النساء كانت فيرجينيا جيوفري، التي كانت من بين أشهر متهمات إبستين بالاتجار الجنسي. وواجه الرئيس الجمهوري انتقادات شديدة بسبب رفض إدارته الكشف عن المزيد من السجلات المتعلقة بإبستين بعد وعود بالشفافية. وحاول ترمب تهدئة التساؤلات حول القضية، معرباً عن انزعاجه من استمرار الحديث عنها بعد 6 سنوات من انتحار إبستين. وعُثر على جيفري إبستين مشنوقاً في زنزانته في نيويورك في 10 أغسطس (آب) 2019، قبل محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم جنسية.


الشرق السعودية
منذ 10 دقائق
- الشرق السعودية
ترمب وبوتين وجهاً لوجه.. من يفرض أجندته في قمة ألاسكا؟
تُعقد القمة "الأميركية- الروسية" المرتقبة، الجمعة، في ولاية ألاسكا الأميركية، وسط مساعٍ حثيثة من الرئيس دونالد ترمب لإظهار نفسه كـ"صانع للسلام" عبر العمل على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بينما لا يبدو نظيره الروسي فلاديمير بوتين في عجلة من أمره، رغم رغبته في حل سياسي يراعي المطالب الروسية، ويحقق أهدافه في أوكرانيا، ويعالج الوضع الجيوسياسي في أوروبا، ويفتح آفاقاً لحل الملفات العالقة بين موسكو وواشنطن. ومع انقضاء أكثر من 6 أشهر، على عودة ترمب الذي وعد بإنهاء الحرب "في يوم واحد"، إلى البيت الأبيض. لم يتمكن الرئيس الأميركي من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين موسكو وكييف، ملقياً باللوم على نظيريه بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. البيت الأبيض أشار إلى أن ترمب وافق الاجتماع، بناء على "طلب نظيره الروسي"، بهدف الوصول إلى "فهم أفضل" بشأن كيفية إنهاء هذه الحرب المستمرة منذ فبراير 2022. وفيما لم تعلن واشنطن أي أجندة مفصلة بشأن أهداف ترمب من قمة ألاسكا، فقد وصف البيت الأبيض اللقاء، بأنه "فرصة ملائمة لأن يستمع الرئيس الأميركي إلى موقف موسكو"، و"إجراء حوار مباشر وجهاً لوجه مع بوتين"، بدلاً من المكالمات الهاتفية. وبحسب محللين سياسيين، تحدثوا لـ"الشرق"، تُعد قمة ألاسكا، اختباراً لقدرة الدبلوماسية على فتح مسار سياسي يجمّد القتال في أوكرانيا، ويهيئ لمفاوضات أوسع بين واشنطن وموسكو، وسط تباين حسابات كافة الأطراف. ويرى مراقبون أنه ليس من قبيل الصدفة أن تعلن موسكو قبل القمة، تخليها عن حظر أحادي الجانب، بعدم نشر صواريخ قريبة ومتوسطة المدى، في خطوة أثارت قلق الغرب، إضافة إلى تصعيد الهجمات ضد أهداف في العمق الأوكراني. ما الذي يريده كل طرف؟ عبرت روسيا في أكثر من مناسبة، عن رغبتها في الاحتفاظ بالأقاليم التي أعلنت ضمها إلى أراضيها، فيما تشدد أوكرانيا على أنها لن تتخلى عن شبر واحد من أراضيها، بينما يقف الاتحاد الأوروبي وراء كييف، مؤكداً أنه لن يسمح لروسيا بالحصول على أي غنائم سياسية أو عسكرية، نتيجة لهذه الحرب، ومن هنا تبدو المهمة الماثلة أمام القمة الروسية الأميركية صعبة للغاية. يرى فيرى نيل ميلفن، مدير الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة RUSI، أن قمة ألاسكا، تأتي في سياق سعي الرئيس الأميركي لإنهاء حرب أوكرانيا، لتعزيز صورته كـ"صانع للسلام"، وإظهار تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من وصف ترمب للاجتماع المرتقب مع بوتين بـ"الاستكشافي"، إلا أنه أشار إلى أن الاتفاق المحتمل لوقف إطلاق النار قد يشمل "تبادلاً في الأراضي" التي تسيطر عليها كل من روسيا وأوكرانيا، ولكن شبكة NBC News الأميركية، أكدت أن ترمب، أبلغ زيلينسكي والقادة الأوروبيين خلال اجتماع افتراضي الأربعاء، أنه لن يناقش تقسيم أي أراض مع بوتين هذا الأسبوع. رهان أميركي على العرض الروسي أولجا أوليكر، مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، اعتبرت في حديثها لـ"الشرق"، أن تصريحات ترمب السابقة، تشير إلى تطلعه للاستماع إلى "العرض الروسي"، وهو "ما يراهن عليه" الرئيس الأميركي، في أن "يقربه خطوة" من تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا. وترى أن نجاح هذه القمة يختلف من عاصمة لأخرى، ففي موسكو يُمثل مجرد عقد اجتماع بين بوتين وترمب "قدراً من النجاح"، باعتباره خطوة نحو "تطبيع العلاقات"، أما في واشنطن، فترى أن نجاح القمة مرهون بإقناع الروس بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الأوكرانيين. بينما رهن مارك كاتز، أستاذ السياسات بجامعة جورج ماسون "نجاح القمة"، بموقف الأوكرانيين من مخرجاتها، مشيراً إلى أنه في حال اتفق ترمب وبوتين على وقف إطلاق النار، "فينبغي أن يحصلا على موافقة كييف". وبحسب ماثيو سافيل، مدير قسم العلوم العسكرية في معهد RUSI البريطاني، في حديثه لـ"الشرق"، فإن أوكرانيا "غير ملزمة بقبول سياسة الأمر الواقع"، لافتاً إلى أن كييف قد تواصل القتال "بدعم أوروبي"، لو لم تقبل بنتائج قمة ألاسكا. لكنه أضاف أن ذلك سيتطلب من الداعمين الأوروبيين "زيادة مساعداتهم العسكرية" لأوكرانيا، وتشديد عقوباتهم على روسيا، وهما "خياران صعبان دون مشاركة أميركية"، بحسب سافيل. هل تعيد قمة ألاسكا الثقة المفقودة؟ مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كورتونوف، وهو مركز أبحاث مرتبط بالكرملين، يضف انعقاد القمة بين ترمب وبوتين، بأنه "أمر إيجابي"، نظراً لأهمية القضايا المطروحة على طاولة الحوار، موضحاً أنه "لو لم يكن هناك فرصة لحدوث تقارب بين الجانبين لما اقتضى الأمر عقد قمة طارئة بين الزعيمين في ألاسكا". ويتفق مع الرأي السابق المحلل السياسي الروسي سيرجي ستروكان، في حديثه لـ"الشرق"، إذ أشار إلى أن انعقاد القمة بحد ذاته "أمر مهم"، واعتبره يشكل اختراقاً، مؤكداً أنها "لن تفشل". وأوضح المحلل السياسي الروسي، أن اللقاء بين ترمب وبوتين أمسى "حاجة مطلوبة لتطبيع العلاقات الروسية- الأميركية" بغض النظر عن الأزمة الأوكرانية. واعتبر ستروكان، أن موسكو وواشنطن "تتشاركان الرغبة والقرار السياسي للشروع في معالجة القضايا الثنائية"، معرباً عن اعتقاده بأن "بوتين وترمب لا يريدان أن تكون العلاقات الثنائية رهينة للنزاع الأوكراني". ملفات استراتيجية على طاولة القمة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، سارعت دول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تجميد ما يُقدّر بـ300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي، وقالت تلك الدول، إنها ستُبقي على قرار التجميد "حتى تدفع موسكو ثمن الأضرار التي ألحقتها بأوكرانيا". وأسفرت العقوبات الغربية عن انخفاض حاد في التجارة بين موسكو وبروكسل، وتراجعت مبيعات النفط الروسي بصورة ملحوظة، فيما فرض الاتحاد الأوروبي حظراً وقيوداً تجارية واسعة على الصادرات والواردات الرئيسية إلى روسيا، مثل الرقائق وأشباه الموصلات الدقيقة، والطائرات المسيرة، والشاحنات الثقيلة، ما أدّى إلى انخفاض حجم التبادل التجاري بصورة ملحوظة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب. وحسبما ترى أولجا أوليكر، مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، فإن حديث بوتين وترمب، سيتطرق إلى ملف العقوبات ضد روسيا لـ"ارتباط ذلك الملف بالحرب في أوكرانيا، وهو ما يعني أن مناقشة أحد الأمرين يستدعي بالضرورة إثارة الآخر". لكنها استبعدت أن تُقدم واشنطن على رفع أو تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، إذ أن ذلك، سيكون بمثابة "التخلي" عن ورقة ضغط دون تحقيق مكاسب واضحة. رغم ذلك، يرجح مارك كاتز، أن تشغل القضايا التجارية، حيّزاً في حديث الرئيسين خلال قمة ألاسكا، مشيراً في حديثه لـ"الشرق"، إلى تصريحات أدلى بها ترمب بشأن إمكانية "تطبيع العلاقات التجارية مع موسكو". وأشار ترمب في أعقاب إعلانه عن قمة ألاسكا، إلى أن واشنطن "قد تستأنف العلاقات التجارية" مع روسيا التي "تمتلك معادن قيمة للغاية". ويرى كاتز أن بوتين حريص على عودة العلاقات التجارية والاستثمارات الأميركية إلى بلاده، لأن ذلك سيمثل "مصلحة مباشرة" للولايات المتحدة في الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا "بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا". غير أن ذلك التصريح يأتي بعدما صعّد ترمب من تهديداته ضد موسكو في منتصف يوليو الماضي، بفرض تعريفة ثانوية على واردات الدول التي تشتري النفط الروسي "إذا لم تتوصل لاتفاق سلام في غضون 50 يوماً". ونفّذ الرئيس الأميركي تهديداً مماثلاً، بفرض تعريفة إضافية على البضائع الهندية التي تستوردها بلاده، حيث ضاعف الرسوم الجمركية ضدها، من 25% إلى 50%، وأرجع الزيادة إلى تمسك نيودلهي باستيراد الخام الروسي. ويرى نيل ميلفن، أن قمة ألاسكا، تعدُّ نتيجة لـ"احتياج" واشنطن وموسكو، إلى "مخرج" من الجدول الزمني الذي وضعه ترمب لإنهاء ذلك الصراع، بينما يسعى بوتين، الذي يثق في "تحقيق النصر"، إلى "كسب الوقت"، لمواصلة حربه دون أي ضغوط إضافية قد تُمارسها واشنطن ضده "مثل حرب الرسوم الجمركية". كما يتوقع سيرجي ستروكان، أن يطرح الجانب الروسي خلال القمة، قضية العقوبات، انطلاقاً من رؤية موسكو للتسوية في أوكرانيا، بما في ذلك العقوبات الثانوية التي تُهدد واشنطن بفرضها على الدول التي تشتري النفط من روسيا بما يشمل الهند والصين. القضايا النووية.. من إيران إلى "نيو ستارت" يرجح مارك كاتز، أن تتطرق قمة بوتين وترمب، إلى ملفات أخرى، من بينها برنامج إيران النووي، والذي قد يلجأ إليه الرئيس الروسي كورقة لحث ترمب على تقديم تنازلات بشأن أوكرانيا، مقابل "المساعدة في إقناع الإيرانيين بإبرام اتفاق نووي"، حسبما يرى كاتز. واجتمع بوتين، في يوليو الماضي، مع علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في موسكو، إذ شدد الرئيس الروسي خلال اللقاء على موقف بلاده الداعم لاستقرار منطقة الشرق الأوسط و"سعي موسكو إلى حل سياسي للقضايا المتعلقة بالأنشطة النووية الإيرانية". رغم ذلك، نفت روسيا وإيران، ما وصفته البلدان بـ"الادعاءات والمزاعم" التي نشرها موقع "أكسيوس" الأميركي، بشأن دعوة الرئيس الروسي طهران لقبول اتفاق نووي "يقضي بوقف تام لتخصيب اليورانيوم". ويستبعد كاتز، أن يكون لدى بوتين "قدرة فعلية أو رغبة حقيقية" للتأثير على الإيرانيين في ذلك الصدد، لأنه قد يؤدي لتحسن العلاقات الإيرانية الأميركية "ما يعني تقليل النفوذ الروسي في إيران". وفيما تتوقع أولجا أوليكر، أن يحظى ملف نووي آخر باهتمام الزعيمين، وهو "ملف الحد من انتشار السلاح النووي"، الذي يكتسب أهميته من أنه يحدد مستقبل "الاتفاقية النووية الوحيدة" التي لا تزال قائمة بين البلدين، والمعروفة باسم "نيو ستارت"، وهي اتفاقية يوشك العمل بها على الانتهاء في فبراير المقبل. وتشير أوليكر إلى أن "ضيق الوقت"، لن يمهل الطرفين للتفاوض على اتفاق جديد أو حتى تمديد الاتفاق الحالي بشكل استثنائي، لافتة إلى أن الزعيمين قدّما "تعهدات أحادية الجانب" بالاستمرار في الالتزام بالحدود العليا للاتفاقية. ووقعت واشنطن وموسكو اتفاقية "نيو ستارت" في عام 2010، بهدف الحد من امتلاك الأسلحة النووية الاستراتيجية بعيدة المدى، ووضعت الاتفاقية سقف 1550 رأساً نووياً استراتيجياً منشوراً لكل طرف، و700 منصة إطلاق. وفي عام 2021، مدّد الجانبان العمل بـ"نيو ستارت" لخمسة أعوام جديدة، تنتهي في فبراير 2026. وتعد "نيو ستارت" الاتفاقية النووية الوحيدة القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا، بعدما انسحبت الولايات المتحدة، في عام 2019 خلال إدارة ترمب الأولى، من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى INF، وكانت تشمل حظر امتلاك أو اختبار أو نشر الصواريخ النووية التي يتراوح مداها بين 500 و5 آلاف و500 كيلومتر. وتقول أوليكر، إن إبداء الرئيسين بوتين وترمب التزامهما بإبقاء قدرات البلدين النووية ضمن حدود اتفاقية "نيو ستارت" هو أمر "جيد ومفيد للعالم كله"، لكنها لفتت إلى تعرّض الرئيسين لضغط داخلي من مجموعات "لا تخدم تلك الاتفاقية مصالحها". ويتطابق مع الرأي السابق، حديث المحلل الروسي سيرجي ستروكان، والذي يعتقد أن الجانبين الأميركي والروسي مهتمان بمناقشة القضايا المتعلقة بضمان الأمن والاستقرار الاستراتيجي، بما في ذلك إشكالية معاهدة (INF)، التي جرى توقيعها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (آنذاك) عام 1987. وأعاد ستروكان إلى الأذهان إعلان روسيا، في بداية أغسطس، وقف العمل بالحظر الذي التزمت بموجبه بعدم نشر صواريخ قريبة ومتوسطة المدى، رداً على عدم اتخاذ الغرب خطوات مماثلة. ما المقترح الروسي المحتمل؟ تشير أولجا أوليكر، إلى تكهنات بشأن طبيعة "المقترح الروسي" المحتمل، والذي اتضحت بعض ملامحه في وقت سابق، حين زار مبعوث ترمب للسلام، ستيف ويتكوف موسكو في أبريل الماضي، وألمح بعدها إلى "مقايضة أراض" بين الجانبين، دون أن يتضح ما هي المناطق التي تسعى روسيا إلى تبادلها. وصرّح ويتكوف، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، في منتصف أبريل الماضي، بأن التوصل إلى اتفاق شامل، مرهون بتسوية تتعلق "بخمس مناطق"، دون تقديم مزيد من التفاصيل. لكن روسيا سيطرت في عامي 2014 و2022، على مناطق واسعة في أقاليم القرم، ولوجانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون، كما أعلنت موسكو "ضمّ" تلك المناطق من جانب واحد. وجاءت تصريحات ويتكوف، في أعقاب اجتماع مطول عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرج. تقسيم أوكرانيا أم دعم سيادتها وبالتزامن مع هذا الاجتماع، نقلت صحيفة "التايمز" البريطانية، تصريحات أدلى بها كيث كيلوج، مبعوث الرئيس ترمب إلى كييف وموسكو، شملت اقتراحاً بتمركز قوات بريطانية وفرنسية في مناطق غربي أوكرانيا لـ"طمأنة" كييف، مقابل وجود قوات روسية شرقي البلاد، على أن تتمركز قوات أوكرانية، وتنشأ منطقة منزوعة السلاح بين القوات الفرنسية والبريطانية والجيش الروسي. ووصفت الصحيفة مقترح كيلوج، بأنه "تقسيم لأوكرانيا"، فيما رفض المبعوث الأميركي ذلك الوصف، واتهم الصحيفة بتحريف تصريحاته، مشدداً على أن اقتراحه يهدف إلى "نشر قوات لدعم سيادة أوكرانيا" فيما بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وليس تقسيم البلاد. لكن مارك كاتز، استبعد التوسع في تبادل الأراضي، مشيراً إلى معضلة أمام الوصول لاتفاق مماثل، مع تمسك روسيا بالحصول على أراضٍ "لا تسيطر عليها حالياً"، وهو ما لن يقبله الأوكرانيون، الذين يرون أن وقف إطلاق النار في ظل سيطرة روسيا على أراضٍ كانت تحت سيطرتهم "هو تنازل في حد ذاته". وتقول أولجا أوليكر، هناك فارق بين "تبادل الأراضي"، ما يعني انسحاب قوات أوكرانية من منطقة لمصلحة الروس "دون التنازل عن المطالبة القانونية بها مستقبلاً"، وبين أن تعترف أوكرانيا بـ"السيادة الشرعية الروسية على هذه المناطق". وترى أن تبادل الأراضي على ذلك النحو، قد يكون "أكثر قابلية للتطبيق"، مقارنة بأن تعترف أوكرانيا بخسارة أراضيها رسمياً "وهو أمر مرفوض تماماً"، وفق رأيها، لافتةً إلى حدوث ذلك خلال عامي 2014 و2015، في إطار مفاوضات "اتفاقية مينسك"، حين غيّر الروس والأوكرانيون مواقع قواتهم بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ما هي خطوط روسيا الحمراء؟ وبشأن "الخطوط الحمراء" التي لا يمكن لروسيا تجاوزها لإيجاد تسوية للنزاع الروسي الأوكراني، أعرب مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، أندريه كورتونوف، في حديثه لـ"الشرق"، عن قناعته بأن روسيا تتمسك بالرؤية التي طرحها بوتين قبل عام، والمستندة إلى ضرورة التزام كييف بوضع الحياد، وعدم الانضمام إلى حلف الناتو، وفرض قيود على التسلُّح هناك، والقضاء على ما وصفته بالتوجهات "النازية" لدى بعض القوى السياسية، واحترام حقوق الأقلية الناطقة بالروسية وغيرها. وذكر أن روسيا "لا تزال حتى الآن تتمسك بهذا الطرح"، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن العملية التفاوضية ستتخللها مناقشات تفصيلية وإظهار مرونة من قبل الأطراف المتفاوضة. وتوقع كورتونوف، أن تقوم أطراف ثالثة (دول أوروبية نافذة) وأوكرانيا، بممارسة ضغوط على الجانب الأميركي، مشيراً إلى أن هذه الضغوط لن تصل إلى حد أن تضع أوروبا نفسها في مواجهة مفتوحة مع واشنطن. ودلل كورتونوف على ذلك، بالاتفاق التجاري بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، الذي جرى التوصل إليه في 27 يوليو الماضي، معتبراً أن " الاتحاد الأوروبي أظهر أنه لا يملك قدرات كبيرة لاستعراض الاستقلالية عن واشنطن"، وفق تعبيره. وارتباطاً بما نشرته بعض وسائل الإعلام الغربية، بشأن استعداد روسيا لتقديم تنازلات على صعيد تبادل الأراضي، قال المحلل السياسي الروسي ستروكان، إن "هناك خطوطاً حمراء بالنسبة لروسيا تتمثل في الأراضي والأمن"، موضحاً أن موسكو لن توافق على استمرار أي وضع تُشكّل فيه أوكرانيا خطراً على أمنها القومي. وأبرز المحلل السياسي الروسي، في حديثه لـ"الشرق"، رغبة بلاده في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وأن "تحافظ على وضع الحياد، وألا تكون أراضيها منطلقاً لأي تهديد لروسيا". وأوضح أن روسيا "لن توافق كذلك على أي تنازل للأراضي"، مشيراً إلى أنها ضمّت أقاليم إلى أراضيها وكرّست هذا الواقع دستورياً، في إشارة إلى لوجانسك ودونيتسك بإقليم "دونباس"، ومنطقتي زابوروجيا وخيرسون، لافتاً إلى أن القوات الأوكرانية لا تزال تسيطر على بعض المناطق في هذه الأقاليم. وقال ستروكان، إن موسكو تريد "وضوحاً كاملاً بشأن الأراضي التي أصبحت قانونياً جزءاً منها"، ولكنها "لا تزال تقع تحت سيطرة أوكرانيا فعلياً"، وفق تعبيره. وأشار إلى أن هذه الموضوعات ستصبح محوراً للمباحثات خلال القمة المرتقبة، لافتاً إلى أن التوصل إلى حلول وسط لن يكون بالأمر السهل. وأعرب عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى بعض الصياغات، التي من شأنها أن تحفظ ماء الوجه بالنسبة للأطراف المعنية. موقف أوروبا في أعقاب إعلان ترمب عن قمة ألاسكا، أعرب قادة 26 دولة في الاتحاد الأوروبي (باستثناء المجر)، "دعمهم" لجهود الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشددين على أن أي حل دبلوماسي "يجب أن يحمي المصالح الأمنية الحيوية لأوكرانيا وأوروبا"، بما في ذلك ضمانات أمنية قوية وموثوقة تمكّن أوكرانيا من الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها. فيما أوضح الرئيس الأميركي، أنه "غير مخوّل" بعقد اتفاق مع روسيا، لافتاً إلى أنه سيتصل بنظيره الأوكراني والقادة الأوروبيين مباشرةً بعد الاجتماع مع بوتين، لإخبارهم "بنوع الصفقة" التي تنوي موسكو عقدها. إلّا أن تلك التصريحات لم تبدّد مخاوف أوروبية، يشير إليها، مدير الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، نيل ميلفن في حديثه لـ"الشرق"، قائلاً، إن ترمب قد يسمح للقادة الأوروبيين بـ"عرض أفكارهم" عليه، على أن يطلعهم على نتائج القمة، مضيفاً أن ذلك يجعل من قادة القارة الأوروبية "مراقبين أكثر منهم فاعلين" في تلك الجهود. وتعكس وجهة النظر هذه، "قلقاً" يساور الأوروبيين، حسبما يقول الباحث بالمجلس الأطلسي مارك كاتز، مشيراً إلى تخوف أوروبي من أن "يتخلى ترمب عن حمايتهم"، أو أن تُفهم تنازلاته مع روسيا على أنه "غير جادٍ بشأن حماية أوروبا" حتى وإن كان مستعداً لتوفير تلك الحماية. إلا أن كاتز أضاف أن الأوروبيين يخشون كذلك من "تهميش أوكرانيا" من المفاوضات، فيما يرجح أن يواصلوا تسليح كييف "حتى وإن توقفت أو خفّفت واشنطن من إرسال أسلحة للقوات الأوكرانية"، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي "الغني بشدة" قادر على تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا. لكن في المقابل، رجح مدير قسم العلوم العسكرية في معهد RUSI البريطاني، ماثيو سافيل، في حديثه لـ"الشرق"، أن تغيير المعادلة، التي تشمل لعب واشنطن دوراً استراتيجياً في تسليح أوكرانيا، قد يستغرق سنوات، كما لن يتحقق إلّا "بزيادة أوروبا إنفاقها الدفاعي"، وضخ مزيد من رؤوس الأموال في صناعة الدفاع الأوكرانية. وأشار سافيل، إلى أن صناعة الدفاع الأوروبية "ليست في وضع يسمح لها بتعويض الدعم العسكري الأميركي، سواء من حيث الحجم، كحال قذائف المدفعية، أو تطور الأنظمة، خاصة أنظمة الدفاع الجوي الأميركية التي لا تزال نظيرتها الأوروبية في طور زيادة الإنتاج، ولم تلبّ بعد احتياجات إعادة التسلح الأوروبية". ويعد تمويل الدول الأوروبية للدعم العسكري المُقدم لأوكرانيا، ضمن أولويات ترمب، ففي مطلع أغسطس، أطلق حلفاء أوكرانيا من دول الناتو، مبادرة جديدة بقيادة الناتو والولايات المتحدة PURL تسمح لهم بشراء أسلحة أميركية بقيمة مليارات الدولارات، في إطار خطة طرحها ترمب لتسليح أوكرانيا، في إطار تعهده بإلزام الحلفاء في الناتو "بدفع ثمن الأسلحة الأميركية لكييف". وفي غضون يومين من إطلاق الصندوق، قال فولوديمير زيلينسكي، إن قواته حصلت على أكثر من مليار دولار من شركائه الأوروبيين في الناتو، لشراء أسلحة أميركية. وبحسب سافيل، فقد "يوقف ترمب تلك الآلية"، التي سمحت للأوروبيين بشراء أسلحة أميركية لحساب أوكرانيا، إذا حاولت كييف "تجاهل أي اتفاق" تبرمه الولايات المتحدة. ويقول نيل ميلفن، إن قمة ترمب وبوتين تعكس "تهميشاً للقادة الأوروبيين"، الذين أسسوا في مارس الماضي "تحالفاً للراغبين" بدعوة فرنسية بريطانية. و"تحالف الراغبين" هو ائتلاف من الدول التي تشترك طواعية في جهود عسكرية أو سياسية خارج إطار المؤسسات الدولية التقليدية. واعتبر ميلفن أن تشكيل "تحالف الراغبين" يعكس عجز مؤسسات المجتمع الأوروأطلسي عن توفير "حلول أمنية فعّالة"، ما يدفع القادة الأوروبيين إلى إنشاء تحالفات فرعية لتجاوز "بطء وتعقيد آليات الاتحاد الأوروبي والناتو"، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تعبر عن تجزئة متزايدة في بنية الأمن الأوروبي أكثر مما تعبر عن انقسام سياسي مباشر. وبحسب ميلفن، فرغم أن الهدف من وراء إنشاء "تحالف الراغبين" بشأن أوكرانيا، أن تلعب أوروبا دوراً في أي تسوية نهائية للحرب، والتأكيد على أن تكون أوكرانيا "طرفاً في أي نقاشات" مستقبلية بين واشنطن وموسكو، إلّا أن ترمب يرى أن "الأوروبيين غير معنيين" بمفاوضاته مع بوتين. ما السيناريوهات المحتملة لنتائج قمة ألاسكا؟ الأربعاء، قال ترمب إنه يود عقد اجتماع ثان مع بوتين وزيلينسكي، إذا سار اجتماعه الأول مع بوتين "على نحو جيد"، لافتاً إلى أنه سيعمل على تنظيم لقاء ثلاثي "في أقرب وقت ممكن"، مؤكداً استعداده لحضوره ذا رغب الطرفان في ذلك. وتتباين تقديرات المحللين حيال ما يمكن أن تفضي إليه القمة المرتقبة بين ترمب وبوتين في ألاسكا، في ظل تباعد المواقف بشأن الملفات الثنائية والدولية. بينما يرى البعض أن سقف التوقعات يجب أن يبقى منخفضاً، يذهب آخرون إلى أن أي انفراجة ولو جزئية، تفتح الباب أمام مسارات تفاوضية أوسع، خصوصاً إذا ارتبطت بملفات استراتيجية تمس الأمن والاستقرار الدوليين. وفي هذا الإطار، يطرح خبراء ثلاثة مسارات رئيسية قد تتشكل عليها مخرجات القمة، وهي: ترجح أولجا أوليكر، أن تقتصر نتائج قمة بوتين وترمب، على الاتفاق حول "الخطوة التالية"، والتي تتمثل في "اجتماع ثلاثي" سعت إدارة ترمب لترتيبه في أوقات سابقة، وهو ما يعكس برأيها "إدراك واشنطن أنها لا تستطيع التفاوض فعلياً نيابة عن الأوكرانيين". فيما قال ستروكان، إن النتائج التي يمكن أن تُسفر عنها القمة، ستنعكس إيجاباً على معالجة القضايا المتعلقة بالعقوبات النفطية، وكذلك الاستقرار والأمن الدولي ومعالجة مسألة الصواريخ متوسطة وقريبة المدى وتخفيف حدة التوتر في العالم. ويرى أندريه كورتونوف أن الجانبين يراهنان على تحقيق تقارب في وجهات النظر، حيال الرؤية الخاصة بتحقيق التسوية في أوكرانيا، وفقاً لما يراه ترمب، وكذلك المسائل المتعلقة بتحقيق التسوية الشاملة وفقاً للرؤية الروسية، التي طرحها بوتين مراراً. لكنه اعتبر أنه "حتى في حال التوصل إلى اتفاق روسي– أميركي"، فإنه "لا يشكل ضمانة لوقف النزاع بين روسيا وأوكرانيا"، لأنه سيتوجب على ترمب إجراء مباحثات صعبة مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، إذ أن لديهم رؤيتهم الخاصة بشأن سبل تحقيق تسوية للنزاع. تبرز قمة ألاسكا كفرصة لتبادل المواقف أكثر من كونها خطوة لتحقيق اختراق حاسم فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. وعلى الرغم من أهميتها كمسار لتطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن، إلّا أن التباين في الأهداف بين الطرفين والمخاوف الأوروبية من تهميش دور القارة العجوز وأوكرانيا يلقي بظلاله على قدرة القمة على إنهاء الصراع مع روسيا، خاصةً مع تمسك بوتين بمطالبه، و"الخطوط الحمراء" لدى كافة الأطراف.