
تيار المستقبل اللبناني في ملبورن يحيي الذكرى 20 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري
ملبورن – الناس نيوز ::
تحت عنوان 'بالذكرى 20 … عساحتنا راجعين'.
أحمد يونس – الصور من كريم عبوشي – أحيت منسقية ملبورن لتيار المستقبل الذكرى العشرين لاستشهاد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري ، بمشاركة حشود من الجالية اللبنانية في أستراليا يتقدمهم وجهاء وشخصيات عامة ورسمية ودينية وحزبية ومدنية وعسكرية ورجال أعمال وهيئات المجتمع المدني والأهلي ، وممثلين عن حكومة فيكتوريا وبرلمانها.
وأقيم حفل الذكرى 20 في صالة مطعم 'السنيور دوكلاند Al Saniour City View'، بحضور الوزيرة ماليسا هورن ممثلةً رئيسة حكومة فكتوريا جاسينتا ألين والقنصل العام اللبناني في ملبورن رامي الحامدي والقنصل الفخري اللبناني في تسمانيا فادي الزوقي.القنصل اللبناني العام السابق د. زياد عيتاني مستشار رئيسة وزراء فكتوريا محمد الرافعي قائد المدرسة الحربية السابق العميد المتقاعد جورج الحايك.
منسق قطاع الاغتراب في عكار عادل بركات.ممثل دار الفتوى للجمهورية اللبنانية في فكتوريا الشيخ محمد أبو عيد.الشيخ عبد الرحمن ملص.راعي الأبرشية المارونية الأب ريشارد جبور.الأب رامي الشلّمي.رئيسة مدرسة الراهبات الأنطونيات ماريات القارح.رئيس المجلس التشريعي السابق في فكتوريا نزيه الأسمر.الوزيرة السابقة مارلين كيروز.النائب السابق في لبنان فراس السلوم.رؤساء وأعضاء البلديات المحلية، ومنهم:
حنا المعلم (Bayside).ريان الحولي (Hobsons Bay).
د. فيليب زادة (Melton Shire).
كما شارك في المناسبة رؤساء وممثلو الأحزاب اللبنانية
الحزب التقدمي الاشتراكي.حزب القوات اللبنانية.حزب الكتائب اللبنانية.حركة اليسار الديمقراطي حزب الوطنيين الأحرار حركة الاستقلال.
حركة أمل.الحزب الشيوعي اللبناني. تيار المردة.جمعية المشاريع الخيرية.
إضافةً إلى ممثلي المؤسسات والجمعيات
غرفة التجارة والصناعة الأسترالية العربية.غرفة التجارة والصناعة الأسترالية اللبنانية.الجامعة الأسترالية اللبنانية الثقافية.مجلس ولاية فكتوريا للجامعة الثقافية.مجلس الجالية اللبنانية.جمعية الخدمات الاجتماعية العربية (VASS).الجمعية الدرزية الخيرية.جمعية القديسة مورا.جمعية سيدة زغرتا.
حركة شباب زغرتا.نادي شباب لبنان الأسترالي.
نادي بقرزلا الاجتماعياتحاد أبناء عكارجمعية Hundred Brother.
جمعية Bassima Foundations. اتحاد مجلس الأئمة والدعاة.جمعية الرحمن.جمعية بيت يونس.جمعية قبعيت.جمعية Multicultural.جمعية مزرعة بلدة.جمعية عين الذهب.تجمع شباب حلبا.
إلى جانب رجال أعمال وفعاليات اقتصادية وثقافية وإعلامية، إضافةً إلى ممثلي وسائل الإعلامإذاعة الشرق الأوسط.إذاعة SBS.صوت لبنان.مجلة الوسط.جريدة المستقبل.
كما حضر منسق تيار المستقبل في ملبورن حسين الحولي وعقيلته، وأعضاء مجلس المنسقية والمستشارين والدوائر والقطاعات، ومناصرو تيار المستقبل، وحشد كبير من أبناء الجالية اللبنانية في ملبورن.
بدأ الاحتفال بالنشيدين الوطنيين الأسترالي واللبناني، تلاهما دقيقة صمت عن روح الشهيد الرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء الأبرار.
ثم ألقى عريف الحفل سعد حسين كلمة استعرض فيها بالإنكليزية لمحة تاريخية عن حياة الرئيس الشهيد، ودوره في وقف الحرب الأهلية، وإنجاز اتفاق الطائف، وإعادة الإعمار، واهتمامه بتعليم الشباب اللبناني. كما أكد باللغة العربية أن رفيق الحريري، بعد عشرين عامًا على اغتياله، لا يزال حاضرًا أكثر من أي وقت مضى، في بيروت وشوارعها، في مطارها، في مساجدها وكنائسها التي أعاد ترميمها، وفي كل المؤسسات التي أنشأها في مختلف أنحاء الوطن.
وأضاف: 'يتجلى حضوره في خطاب القسم للرئيس اللبناني جوزيف عون، وفي البيان الوزاري لحكومة العهد الأولى برئاسة القاضي نواف سلام، كما في سقوط نظام الإجرام في سوريا، وانتصار الثورة السورية، وانهيار المحور الإيراني-السوري وأدواته. لقد كان رفيق الحريري المدافع الأول عن لبنان كدولة، وعن لبنان العيش المشترك، ولبنان الرسالة. قاوم المحور الإيراني-السوري شرقًا، كما قاوم المحتل الصهيوني جنوبًا حتى النفس الأخير من حياته. وبعد عشرين عامًا، بقي مشروعه هو مشروع قيامة لبنان، فيما رحل القتلة.'
الوزيرة ماليسا هورن ألقت كلمة قصيرة عن دور الرئيس رفيق الحريري في إعادة السلام إلى لبنان، وأشادت بالحضور الكثيف الذي يعكس أهمية هذه الشخصية الوطنية، كما شكرت تيار المستقبل على الدعوة.
القنصل العام اللبناني رامي الحامدي أشار في كلمته إلى أن اتفاق الطائف الذي وُلد عام 1989 ارتضاه اللبنانيون لتحقيق السلم الأهلي، وتعزيز العيش المشترك، وبناء دولة المؤسسات. كما أكد أن الرئيس رفيق الحريري سعى إلى لمّ شمل اللبنانيين، وأن استشهاده بات مناسبة وطنية جامعة. وأضاف أن الحريري آمن بالطاقات البشرية والتعليم، وسعى لجعل لبنان دولة مستقلة مزدهرة.
الآنسة ريان الحولي، نائبة رئيسة بلدية هوبسون باي، أعربت عن فخرها بوالدها كمنسق للتيار وعلاقته القوية بالجالية اللبنانية والمجتمع الأسترالي. ثم تحدثت عن سيرة الرئيس الحريري، وأشادت بالعهد الجديد في لبنان، وبعودة الرئيس سعد الحريري. كما شددت على أهمية انخراط الشباب في العمل السياسي في الأحزاب الأسترالية.
وفي الختام أكد المنسق حسين الحولي أن الذكرى العشرين لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري تتزامن مع لحظة تاريخية تشهد نهاية عهد الظلم والاستبداد مع سقوط نظام بشار الأسد وانهيار محور الشر.
وأشار إلى أن تيار المستقبل بقي، رغم كل الظروف، صوت الاعتدال والوسطية، وكان السند لكل من يؤمن بلبنان السيد الحر المستقل. كما أكد أن التيار سيظل داعمًا للدولة ومؤسساتها، ومتمسكًا بحصرية السلاح بيد الشرعية فقط.
وأعرب عن ثقته بـ فخامة الرئيس جوزيف عون، وحكومة نواف سلام، وحكمتهما في قيادة لبنان نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
كما دعا قيادة التيار إلى تعزيز دور منسقية الاغتراب، مؤكدًا أنها ركيزة أساسية في العمل السياسي والحزبي، وأن المغتربين كانوا ولا يزالون ثروة لبنان وسببًا في صموده وازدهاره.
وختم بالتأكيد على أن منسقية ملبورن ستبقى وفية لمسيرة الرئيس الشهيد، ثابتة على المبادئ ونهجه، ومسلحة بالأمل والإيمان لبناء لبنان الذي يستحقه
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الناس نيوز
فاروق الشرع: بشار الاسد تفوَّق على هولاكو… وكانت لديه 'ميول سيكوباتية'
دمشق ميديا – الناس نيوز :: نائب الرئيس السوري السابق في الجزء الثاني من 'الرواية المفقودة' المجلة – سامي مبيّض – 'إن ما جرى في سوريا فاق فعليا ما خلفته جحافل هولاكو من قتل ودمار في بلاد الشام… وكان هولاكو أكثر رحمة من هذا العصر الحديث'. بهذه العبارة، يصف نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع عهد بشار الأسد، في الجزء الثاني من مذكراته التي صدرت مؤخرا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. لم يكن مقررا لهذه المذكرات أن ترى النور لكونه مقيما في دمشق، ولم يغادرها، إلا أن تسارع الأحداث في سوريا وسقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول جعل صاحبها يوافق على نشرها، وقد انتهى من كتابتها في عام 2019. تأتي هذه المذكرات بعد عشر سنوات على صدور جزئها الأول بعنوان 'الرواية المفقودة'، والتي انتهى الشرع من كتابتها في عام 2010، قبل أشهر من اندلاع الثورة السورية. وبينما كان الجزء الأول من مذكراته مخصصا لمرحلة الطفولة والشباب وسنوات عمله الطويلة مع حافظ الأسد، يُكمل الجزء الثاني ما تبقى من 'الرواية المفقودة'، عن عهد بشار الأسد الذي خدم فيه فاروق الشرع وزيرا للخارجية من 2000 ولغاية عام 2005، ثم نائبا لرئيس الجمهورية حتى عام 2014. وهي أول مذكرات لمسؤول سوري تصدر منذ سقوط النظام، وستليها قريبا مذكرات نائب الرئيس عبد الحليم خدام الذي انشق عن الأسد في الساعات الأخيرة من عام 2005، وتوفي في منفاه الباريسي سنة 2020. يبدأ الشرع مذكراته بالحديث عن بشار منذ عودته من بريطانيا بعد وفاة أخيه باسل في 21 يناير/كانون الثاني 1994، حيث بدأت عملية التحضير لوراثة أبيه وتكليفه بمهمات سياسية محددة، وتحديدا في لبنان، مع تدرجه في الجيش حتى وصل رتبة 'عقيد'. يقول إن تعطش بشار للسلطة ظهر عليه باكرا: 'كان يقيس درجة الولاء له بمدى قبول الضباط الأعلى رتبة عسكرية منه السير إلى جانبه أو خلفه، وليس أمامه بأي حال من الأحوال حتى لو كان جنرالا. اشتكى إليّ مرة اللواء إبراهيم صافي، قائد إحدى أبرز الفرق العسكرية، بأن بشار كان يتخطاه ويمشي أمامه حين يزور لبنان'. وعندما توفي حافظ الأسد في 10 يونيو/حزيران 2000، جرت ترقيته من 'عقيد' إلى رتبة 'فريق'، متجاوزا رتب العميد واللواء والعماد. 'ربيع دمشق' كان الشرع قد تعرف على بشار، بطلب من الأخير، قبل وفاة أبيه، وفي أعقاب المؤتمر القطري التاسع لحزب 'البعث' الحاكم سنة 2000، طلب إليه الأمين القطري المساعد عبد الله الأحمر أن يلقي كلمة تكون بمنزلة البيعة لبشار. ولكن الشرع رفض ذلك، وعلق في مذكراته: 'ارتجلت كلمة تحدثت فيها عن مناقب الرئيس الراحل لأنني لم أجد ما يسوغ الإشادة ببشار، فلا سجل له يعد مثل سجل والده في الحزب، أو في الدولة أو الجيش'. ويبدو أن الرئيس الجديد انتبه لهذا التفصيل ولم يغفره، فقد سيطرت عليه نقمة عارمة على الشرع استمرت حتى آخر يوم له في الحكم، وكانت تظهر في كل مفصل وكل حدث، صغيرا كان أم كبيرا. يقول الشرع إن السبب الرئيس وراء كل ذلك أنه كان يعارضه الرأي في كثير من الأمور، ولعل أولها قرار الأسد إيقاف المنتديات الفكرية والثقافية التي ازدهرت في بداية عهده، وعرفت بـ 'ربيع دمشق'. تناولت هذه المنتديات أمورا جريئة وحساسة، فقرر الأسد إغلاقها واعتقال القائمين عليها، ومنهم طبعا نائب دمشق الصناعي المعروف رياض سيف. يضيف: 'أبديت استغرابي للرئيس مباشرة بسبب صدور أمر باعتقال هذا الرجل، الذي لم يفعل شيئا يستحق المحاسبة عليه سوى استضافته من كان يتردد على بيته بمعرفة السلطة وأجهزة الأمن. فأجابني الرئيس: ليس المهم ما قاله الحاضرون في الغرف المكشوفة للجميع، بل ما كانوا يقولونه في الغرف المغلقة أو على موبايلاتهم. يجب أن يعلموا أن كل كلمة مسجلة. وتعمد الأسد، نتيجة إصراري معرفة سبب الاعتقال الحقيقي، أن يبلغني بأنهم كانوا يتحدثون بلغة طائفية'. التمديد للرئيس إميل لحود يكمل الشرع في حديثه عن 'ربيع دمشق'، ولو بشكل عابر، يخص بالذكر إيقاف صحيفة 'الدومري' التي كان يصدرها الرسام العالمي علي فرزات، قبل أن ينتقل إلى أمور إقليمية مثل مبادرة السلام العربية أثناء القمة العربية في بيروت سنة 2002، وسقوط النظام العراقي عام 2003، وصولا إلى التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود عام 2004. كان الأسد مصمما على هذا التمديد، مع أن الشرع وكثيرين غيره نصحوه بالعدول عن هذا القرار، لأنه مستفز للفرنسيين والأميركيين والسعوديين، ناهيك عن معارضة طيف واسع من اللبنانيين له، ومنهم حلفاء سوريا مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة رفيق الحريري. قدم الشرع للرئيس قائمة أسماء بديلة عن العماد لحود، منها النواب نسيب لحود، أو جان عبيد، أو حتى سليمان فرنجية، زعيم تيار المردة الذي عاد مرشحا للرئاسة اللبنانية قبل أشهر بتزكية من 'حزب الله'، ولكنه انسحب من السباق الرئاسي لصالح الرئيس الحالي جوزيف عون. طرحت على الرئيس الأسد اسم سليمان فرنجية رئيسا بديلا للجمهورية، قائلا له إنه صديق شخصي لكم ومحبته لسوريا مشهود لها. فأجاب: ذلك صحيح، ولكن ما زال عمره صغيرا. لاحظ استغرابي لأنه أدرك التقارب بينهما في العمر، فقال: قصدت من الناحية السياسية. لم يكن بشار الأسد يقبل النصيحة من أحد، شأنه شأن أبيه، ويتذكر الشرع ما حدث معه عام 1998، يوم رشح بشار العماد إميل لحود للرئاسة في المرة الأولى، وأقنع أباه بتبني هذا الترشيح، خلفا للرئيس إلياس هراوي. سافر إلى باريس يومها مع عبد الحليم خدام واجتمعا بالرئيس جاك شيراك في قصر الإليزيه، الذي سلمهما ورقة صغيرة عليها أسماء أشخاص كان يراهم مناسبين لرئاسة لبنان، وكان اسم إميل لحود في المقدمة. عادا معا إلى دمشق واجتمعا مع الرئيس رفيق الحريري في دار عبد الحليم خدام، المعارض لإميل لحود من اللحظة الأولى. سألهم الحريري: 'ألم تجدوا غير لحود رئيسا؟'. أجابه الشرع: 'الرئيس شيراك صديقك وضع اسمه في رأس القائمة، فعلق الحريري بالقول: 'أنا الذي طلبت إلى الرئيس شيراك أن يضع اسمه في رأس القائمة، لأني كنت متيقنا أن الرئيس حافظ الأسد لن يختاره لهذا السبب'. العلاقة مع الحريري حتى مقتله عام 2005 وعن رفيق الحريري، يحكي الشرع كيف قابله للمرة الأولى في شقة متواضعة مستأجرة من الدولة السورية عام 1986، بعد عامين على تعيينه وزيرا للخارجية. كان أول تعليق له بعد أن تفقد الصالون والأثاث البسيط: 'هذا لا يليق بوزير خارجية سوريا'. كتب الشرع معلقا: 'وكأنه يلمح إلى أنه سيساهم في تغيير السكن أو في إعادة تأثيث المنزل، ولقد سمعت لاحقا أنه كان يقدم ذلك لعدد من المسؤولين السوريين الكبار. لم يقتنع كثيرا بمدى ارتياحي لهذا المكان، وبالطبع تجاهلت تلميحاته بتقديم المساعدة'. يثني الشرع كثيرا على الحريري، وعلى حنكته وإنسانيته، وكيف استثمر كثيرا في تعليم اللبنانيين، وعن كرمه أيضا بعدما دخل الشرع مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت لإجراء عمل جراحي عام 1999. عرض عليه الحريري أن تكون مدة النقاهة في باريس على حسابه، ولكن الشرع اعتذر وفضل أن تكون في دمشق، وقد بقي على علاقة ودية معه، يزوره كلما حل في بيروت أو جاء الحريري إلى دمشق، حتى اغتياله في 14 فبراير/شباط 2005. كان الشرع يومها يقيم مأدبة غداء في مطعم النبلاء في أرض معرض دمشق الدولي، بمناسبة انتهاء عمل ميغيل موراتينوس المبعوث الخاص لعملية السلام. أدخل مساعده قصاصة ورقية كتب عليها أن انفجارا ضخما قد وقع في بيروت، وأنه ربما استهدف موكب رفيق الحريري. 'اتصلت بالرئيس بشار من الهاتف المحمول، ونحن نهم بمغادرة المطعم، لأستفسر منه إن كان سيرسل أحدا إلى بيروت أو يرسل تعزية. تساءل بشار: هل تكون البرقية بروتوكولية أم سياسية؟ أكدت له أن تكون سياسية لأن المستهدف من هذا الاغتيال هو سوريا ولبنان'. لم يمضِ إلا وقت قصير، وبدأت الاتهامات توجه إلى النظام الأمني السوري في لبنان، وإلى بشار الأسد شخصيا، فقررت سوريا الرسمية تجاهل الحدث بشكل كامل، وفي أثناء التشييع، تفاجأ الشرع برؤية نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بين المشيعين، لكونه صديقا مقربا من الحريري. اتصل بالأسد مستفسرا إن كان قد أوفده إلى بيروت فنفى الأخير علمه بسفره، ورفض تكليفه بتقديم واجب العزاء باسم سوريا ورئيسها. تتالت الأحداث مع تدويل قضية رفيق الحريري، واتهام الأسد بقتله، وطرد الجيش السوري من لبنان تطبيقا للقرار 1559، ثم جاء المحقق الألماني ديتليف ميليس، وطلب التحقيق مع عدد من الشخصيات الأمنية السورية، منها رئيس فرع الأمن الداخلي اللواء بهجت سليمان، والعميد رستم غزالة، واللواء غازي كنعان، رجل سوريا الاستخباراتي الأول في لبنان لعقود طويلة، الذي كان في حينها قد أصبح وزيرا للداخلية، وانتحر بعد استجوابه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2005. كان كنعان قد اتهم بمقتل الحريري، رغم الصداقة العميقة بينهما، وقد جاءه الشرع للحديث في هذه المسألة قبل وفاته، بتكليف من بشار الأسد. أصر كنعان أن يقابل الشرع في مكان خارج وزارة الداخلية– تحسبا أن يكون مكتبه مراقبا وأحاديثه مسجلة- وعاد الشرع بعدها ليبلغ الأسد عما دار بينهما، وسأله لاحقا إن كان موت غازي كنعان فعلا انتحارا، أم إنه قتل. وهنا يكشف الشرع تفصيلا صغيرا ويقول: 'رفع الرئيس سماعة الهاتف فورا، وتحدث إلى مدير مكتبه أبو سليم دعبول قائلا: يجلس بجانبي أبو مضر. طلب الرئيس منه قراءة رسالة غازي كنعان التي أرسلها إليه قبل وفاته. قرأ أبو سليم نص الرسالة، بعد أن ضغط الرئيس على زر الهاتف لأستمع إلى الصوت مباشرة. كانت رسالة يرجو كنعان الرئيس فيها بأن يرعى عائلته وأولاده من بعده، وتخللها الكثير والتقدير للرئيس'. هذا فيما يتعلق بالرواية الرسمية حول مقتل كنعان، التي روج لها الأسد وأعوانه، أما رواية آصف شوكت، صهر الرئيس، فكانت 'أكثر تفصيلية وتصويرية' بحسب تعبير الشرع، فهو يقول إنه كان على موعد مع كنعان في الساعة التاسعة من صباح يوم انتحاره 'لكن كنعان جاء إلى وزارة الداخلية حوالي الساعة الثامنة، ثم غادر إلى بيته فورا، ومن هناك اتصل يقول إنه قد يتأخر قليلا عن الموعد. ربما أحضر كنعان معه المسدس الذي انتحر به برصاصاته لأنه لم يعد يحمل مسدسا منذ أن أصبح وزيرا'. اللقاء الموعود مع إيهود أولمرت تطرق الشرح إلى مساعي رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان آنذاك في الوصول إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، والجمع بين الأسد ورئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت. وقد وجد الفرصة السانحة في أثناء انعقاد قمة الاتحاد من أجل المتوسط في باريس منتصف شهر يوليو/تموز 2008، بحضور الأسد وأولمرت وعدد كبير من الرؤساء. يقول الشرع: 'أخبرني الأسد بأن أية صيغة سلام يوافق عليها هو شخصيا سيسير الشعب السوري خلفه مؤيدا من دون تدقيق في بنود هذا الاتفاق'. وهذا طبعا ما يؤكد بأن بشار الأسد كان ينظر إلى الشعب السوري نظرة استخفاف وتعالٍ، وهو يعتقد أنه أفهم من الناس أو بأن هذا الشعب جاهل، لا يقرأ ولا يدقق في الأمور السياسية. لفت الشرع انتباه الأسد إلى أن والده لم يكن لديه التفكير بتجاهل 'حتى رأي حاجب على باب مكتبه' ولكن بشار أجابه بأنه لو فعل ذلك، فلا يستبعد أن يطلق النار أحد الجنود المكلفين بحراسته. ويختم الشرع الحديث حول هذا الموضوع بالقول: 'لكن لحسن الحظ أو لسوئه، لم يحدث ذلك اللقاء الموعود، ربما بسبب تمنع أولمرت وخشيته من المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل'. في الفصل الأخير، يتطرق الشرع إلى أحداث ما يعرف بـ 'الربيع العربي' التي بدأت في تونس نهاية عام 2010 وانتقلت سريعا إلى مصر واليمن ومن ثم ليبيا، وصولا إلى سوريا في مارس/آذار 2011. وهنا يذكر بلقاء الأسد الشهير مع صحيفة 'وول ستريت جورنال' في 31 يناير 2011، والتي يصف فيها كلام بشار ساخرا 'بالنبوءة' عندما قال: 'سوريا ليست كتونس أو مصر'. يستغرب الشرع هذا التبرؤ من الرؤساء زين العابدين بن علي وحسني مبارك، معللا كره بشار للرئيس المصري لأنه كان يقول له: 'يا ابني بشار'، لكونه أكبر من حافظ الأسد بسنتين: 'لقد احتاج الأمر مني سنين لأدرك كم كان الأسد الشاب مزهوا بنفسه… وما مئات الصور والشعارات المنتشرة على كل عمود أو جدار- التي تضعه فوق كل اعتبار– إلا مثال بسيط على ذلك، فهو لم يأمر بإزالتها، كأنما أصبحت ديمومتها هي الهدف وليس مستقبل سوريا'. عن الثورة السورية يقول الشرع إنه طلب من الأسد مرارا أن يقوم بإصلاحات داخلية تكون جدية وجذرية، منها محاربة الفساد، وإطلاق سراح المعتقلين، وحرية الأحزاب، ورفع الأحكام العرفية، لكي تصل سوريا إلى ما يصفه بالدولة التعددية الديمقراطية. ثم جاءت حادثة اعتقال أطفال درعا– مسقط رأس فاروق الشرع– الذين أودعوا في فرع فلسطين العسكري، المخصص للمشبوهين بالتخابر والعمالة، لأنهم كتبوا على جدران مدرستهم 'جايك الدور (آتيك) يا دكتور'، وهي الحادثة الشهيرة التي أطلقت الثورة السورية. كانت شهادة الشرع في هذا الحدث على الشكل الآتي: 'زعمت التعليقات أن أظافر بعض أطفال درعا اقتُلعت في أثناء التعذيب، لكن أخبرني اللواء هشام اختيار رئيس مكتب الأمن القومي، الذي قام بتسليم التلاميذ إلى أهلهم باليد، أنه لم يلحظ أن أحدا من الفتيان اقتلعت أظافره'. انفجرت المظاهرات العارمة والسلمية في طول البلاد وعرضها، مطالبة بالإصلاحات قبل أن يتحول مطلبها إلى 'إسقاط النظام'. في درعا حُطم تمثال حافظ الأسد، فدعا بشار فريقه الحزبي والسياسي إلى اجتماع، يصف الشرع أجواءه بالقول: 'كان واضحا لي أن انزعاجه كان متمحورا حول ما أصاب صورته من تشويه في درعا بالدرجة الأولى، فقال بصوت متهدج: أنا لا يهمني سوى الاعتداء على تمثال الرئيس حافظ الأسد ولا تهمني صورتي الشخصية، ملتفتا إلى يمينه كأنه يوجه غضبه المكتوم نحو محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد لحزب البعث'. فهم بخيتان الرسالة، وحاول تهدئة الأسد بقوله: 'يا سيادة الرئيس، كل شيء سيعود كما كان، التمثال والصور'. لم يتساءل الأسد عن سبب هذه الكثرة من الصور له ولأفراد الأسرة كافة، ولا عن هذا الكم الهائل من التماثيل، وإن كانت حقا مستفزة للناس ورمزا للطغيان والاستبداد والديكتاتورية. يبدو أنه كان يعدها أساسا في هيمنة النظام النفسية على المواطنين، ومع ذلك وعد الأسد بالقيام بالإصلاحات المطلوبة منه وبناء عليه قال الشرع كلمته الشهيرة أمام الإعلاميين يومها، بأن 'السيد الرئيس' سيسمع الشعب ما يسره. ولكن الأسد لم يقل كلاما من هذا النوع بالمطلق، ومضى في روايته حول العصابات الإرهابية المسلحة، والمندسين، وحفنة الدولارات التي كانت تدفع للمتظاهرين، رافضا ولو لدقيقة واحدة، الاعتراف بأنه أخطأ، وأن هؤلاء المتظاهرين هم مواطنون سوريون، لهم كرامة وحقوق يضمنها الدستور. وفي اجتماع نادر عقد في بداية الأحداث بحضور رؤساء الأجهزة الأمنية وأعضاء القيادة القطرية لحزب 'البعث'، تحدث الشرع عن التغيرات التي عصفت بأوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، تزامنا مع انهيار المعسكر الشرقي في الحرب الباردة. ذكر على وجه التحديد رئيس رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو، وكيف أعدم هو وزوجته في عام 1989، ثم تطرق إلى فساد الأجهزة الأمنية في سوريا وضلوعها في التهريب والإتاوات. أغضبت هذه الكلمات اللواء جميل حسن، مدير المخابرات الجوية، وبعدها بمدة عندما طلب إليه الشرح بواسطة مدير مكتبه إطلاق سراح بعض الموقوفين في درعا، أجابه جميل حسن: 'قل لأبي مضر إننا مؤسسة غير فاسدة عكس ما ادعى، فلذلك نحن لا نقبل الواسطة من أحد'. مؤتمر الحوار الوطني في شهر يوليو من عام 2011، شكل الأسد هيئة للحوار الوطني برئاسة فاروق الشرع، دعت 213 شخصا إلى جلسة مناقشة سياسية في مجمع صحارى على أطراف دمشق، حضر منهم 187 شخصا، واعتذر 26 مدعوا، بمن فيهم معارضون معروفون مثل الدكتور برهان غليون والدكتور سمير عيطة والدكتور هيثم المناع، الذي كان أخوه معتقلا في سجون النظام. كتب الشرع: 'كنت أعرف مسبقا أن المعارضة في الخارج لن تغامر بالحضور للمشاركة في هذا المؤتمر لأن أسماءهم كانت لا تزال على قوائم الممنوعين من دخول سوريا. أرسلت تعميما إلى جميع سفاراتنا في الخارج لحل موضوع الممنوعين من العودة وإصدار جوازات سفر لهم'. ولكن ذلك لم يحصل فاتصلت بالأسد مستوضحا أسباب عدم تنفيذ الجهات المعنية لهذا الأمر، فكان جوابه أن هناك أضابير بأسماء أكثر من 300 ألف مواطن لا يمكن تسويتها بالسرعة المطلوبة. ويبدو أن الأسد لم يكن متحمسا للحوار الوطني، وبأنه قبل به مرغما للتحايل على المجتمع الدولي، بعد أن عزم أمره على الخيار العسكري لمواجهة المتظاهرين والمعارضة. ومع اقتراب موعد الجلسة الأولى من الحوار الوطني، تحولت حالة عدم الحماس لدى الأسد إلى شيء أقرب إلى العداء تجاه هذا المؤتمر. أولى تلك الإشارات بالنسبة للشرع كانت في رفض الأسد البث التلفزيوني المباشر لجلسات الحوار. تساءل عن مدى ضرورة ذلك، فأجابه الشرع: 'توجد مصلحة وطنية وخاصة في هذه الظروف كي يطلع الرأي العام السوري على وجود حوار بين السوريين بموافقة الدولة نفسها'. يضيف الشرع: 'لم يكن الرئيس مرتاحا لفكرة النقل التلفزيوني المباشر، لكن بعد مناقشة طويلة معه وافق مشروطا أن يكون البث لجلسة الافتتاح فقط'. وقد انقطع البث بالفعل من بعدها، ولم يتصور الناس – بحسب ما قاله الشرع: أن 'الرئيس هو الذي أمر بقطع الإرسال التلفزيوني، لأنه وحده يملك صلاحية الأمر بذلك'. وقد أثير يومها جدل كبير جدا حول المادة الثامنة من الدستور التي وضعها حافظ الأسد عام 1973، وبقيت قائمة حتى عام 2012، وهي تقول إن حزب 'البعث' هو 'القائد للدولة والمجتمع'. السواد الأعظم من السوريين كانوا يريدون إلغاء هذه المادة، إلا أن الأسد كان متمسكا بها كل التمسك. يقول الشرع: 'اتصل الرئيس بي حول هذا الموضوع وطلب مني بإصرار أن لا أقبل طرح المادة الثامنة (على طاولة الحوار الوطني). قلت له: لا أستطيع لأن اللقاء له صفة مؤتمر، وهو سيد نفسه مثل كل المؤتمرات.' اتصل به نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية وأحد أعضاء هيئة الحوار صفوان القدسي، وقال إن الرئيس أمره بأن لا يوافق على مناقشة المادة الثامنة مطلقا. وقد جاءت زيارة السفير الأميركي روبرت فورد إلى مدينة حماة غداة افتتاح المؤتمر لتعطي الأسد الذريعة الكافية لتدمير أي مخرجات كان من الممكن أن يقرها. أمر الأسد بإرسال الدبابات إلى حماة لتخويف المتظاهرين السلميين الذين استقبلوا السفير فورد، وقد أثنى الشرع على هذه المظاهرة ولكن الأسد أجابه بانزعاج شديد: 'لقد استقبلوا السفير الأميركي بالزهور'. سأله الشرع إن كان من يحمل الزهور من مئات الآلاف هم كلهم من حماة فأجابه الأسد: 'ومن قال إنهم كانوا بمئات الآلاف؟ لم يتجاوز عددهم 80 ألفا'. وهذه كلمة يجب التوقف عندها، إذ إن الأسد كان يقلل من عدد الثمانين ألف متظاهر، ويصفهم جميعا بأنهم عملاء للأميركان. قرر الأسد التشويش على مؤتمر الحوار تمهيدا لإفشاله، وأرسل باصات محملة 'بالشبيحة' (وهي عبارة محلية يستخدمها السوريون للتعبير عن زعران النظام) للتجمهر عند السفارتين الأميركية والفرنسية في صباح 11 يوليو، واعتقل 1600 شخص من حي الميدان الدمشقي، وأخيرا أوعز إلى شخصيات حزبية عدة بمهاجمة مؤتمر الحوار، ومنهم من كان حاضرا به ولم يعترض على مخرجاته، مثل رئيس اتحاد الفلاحين ورئيس اتحاد طلبة سوريا. العزل والتقاعد على الرغم من بقاء الشرع في منصبه حتى نهاية ولاية بشار الأسد الثانية عام 2014، إلا أنه قرر الاعتكاف وعدم الذهاب إلى المكتب أو ممارسة أي نشاط رسمي. ولعل آخر ما قام به هو المشاركة في تشييع المسؤولين السوريين الذين قضوا في تفجير 'خلية الأزمة' في 18 يوليو 2012، وكان من ضمنهم وزير الدفاع العماد داود راجحة، واللواء هشام اختيار رئيس مكتب الأمن الوطني، والعماد آصف شوكت صهر آل الأسد. يقول: 'جرى بعدها إغلاق مكتبي وسرح معظم الكادر الوظيفي الذي كان يعمل معي بمن فيهم عمال النظافة، ونقل عدد قليل منهم إلى وزارات أخرى في الدولة. وبعدها وصلت رسائل لكل من كانت له علاقة بي ويعمل في الدولة بمنع زيارتي أو التواصل معي. من غير الموثق في الصحف الرسمية متى تركت منصبي ولم توضح القيادة التي كنت عضوا فيها إذا كنت قد قدمت استقالتي من الحزب أو أقلت منه. ترك الأمر لتكهنات وسائل الإعلام العربية والأجنبية، فتارة تعتبرني منشقا عن النظام، وتارة أخرى في إقامة جبرية أو خاضعا لحماية دولة كبرى'. يقول فاروق الشرع: 'كان الرئيس الغارق في حب الذات لا يستطيع سماع سوى كلمات المديح، وكانت لديه بعض الميول السيكوباتية، وهي حالة نفسية يفتقد أصحابها كليا للمشاعر، فلا خوف من العواقب، ولا شعور بالندم تجاه الخطأ، ولا تفاعل مع آلام الناس أو حتى هموم المحيطين به. قد تبدو هذه الصفات، أول وهلة، صلابة أو جسارة، لكنها جسارة تفتقد بشدة للحكمة'


العربية
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- العربية
أبو الغيط كشف لـ"نداء الوطن" عن أخطر موقف للشرع
كانت صدفة غير متوقعة أن تلتقي "نداء الوطن" الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال زيارته الأخيرة لبيروت. تحقق اللقاء عندما كان المسؤول العربي الكبير يتنزّه على الواجهة البحرية عشية مشاركته في مؤتمر "الاسكوا" الذي رعاه رئيس الجمهورية جوزاف عون بالحضور والكلام. افتتحت "نداء الوطن" الحوار في حضور مساعد الأمين العام السفير حسام زكي وعدد من مرافقي الأمين العام باستعادة المذكرات التي نشرها أبو الغيط قبل أعوام قليلة والتي بلغت طبعاتها عندما تلقى كاتب هذه السطور نسخة عنها في نيسان 2022، إحدى عشرة طبعة. حمل الكتاب الأول عنوان "شاهد على الحرب والسلم". وحمل الكتاب الثاني من هذه المذكرات عنوان "شهادتي السياسة الخارجية المصرية 2004-2011". وصدرت هذه المذكرات عن "دار نهضة مصر". وانطلق الحوار من زاوية لا بد من إظهارها ألا وهي أن المذكرات تمثل خطوة نادرة في العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن التي يمتلك فيها المسؤول شجاعة إبلاغ القارئ اسراراً عاشها. فكيف الحال أن يبوح بهذه الأسرار من وصل في مساره الدبلوماسي إلى أعلى الهرم الدبلوماسي في مصر، وزيراً للخارجية ثم لينتقل بعد ذلك الى موقع الأمين العام لجامعة الدول العربية ولا يزال إلى اليوم. بلغت حصّة لبنان في هذه المذكرات قدراً كبيراً كمّاً ونوعاً. ويمكن للمرء أن يتصوّر لو أنّه جرى العمل على هذه المذكرات مجدداً لكي يتم نشر ما ورد فيها حول لبنان من قريب أو بعيد. وسيتبيّن عندئذ أنه سيكون بين أيدينا كتاب يحمل على سبيل المثال عنوان "شهادة أبو الغيط : لبنان في أخطر مراحل تاريخه الحديث". ما باح به الأمين العام لجامعة الدول العربية لـ"نداء الوطن" من معطيات قبل أيام، يضيف معطى مهم عمّا كان يدور في لبنان وخارجه قبل 21 عاماً. ولا ضير في استعادة ما كتبه أبو الغيط حول تلك المرحلة قبل ذكر هذه المعطيات. جاء في المذكرات: "بدأت اتصالاتي مع السوريين بموافاتهم بتقرير مهم وصل إلينا من بعثتنا في نيويورك حول نوايا فرنسية وأميركية ضد سوريا بالنسبة للقرار 1559 الخاص بالوضع في لبنان. ثم التقيت وزير خارجية سوريا (وليد المعلم) بالقاهرة حيث تناولنا بالتقييم المشترك الوضع في لبنان، وأهمية أن تتحسب سوريا من احتمالات إثارة المشاكل لها في لبنان أو على حدودها مع العراق بسبب مواقفها مع إيران وتجاه العراق. وكان الهدف تنبيههم ونصحهم وليس تحذيرهم أو العمل ضدهم. والتقيت في أيلول 2004 رفيق الحريري الذي كان بطبيعة الحال، يؤيد كل متطلبات القرار 1559، سواء الانسحاب (السوري) من لبنان، أو تناول موضوع سلاح "حزب الله". وأخذ الحريري يعبّر عن إنتقادات حادة لسوريا رغم سعيه للحفاظ على علاقات عمل معها". أضاف أبو الغيط: "أصبحت الاتصالات المصرية السورية ذات إيقاع عال. وفي زيارة الى دمشق، إلتقيت الرئيس بشار الأسد في بداية شباط 2005، وكان هناك الكثير من الاحاديث عن عودة سوريا وإسرائيل للمفاوضات المتوقفة منذ عام 2000. واستفسرت من الأسد عن الموقف في هذا الشأن، فأفاد بأنه يبلغ الجميع باستعداده للعودة الى المفاوضات، ولكن من النقطة التي توقفت عندها في السابق، في إشارة الى ما سبق أن حصلت عليه سوريا من إسرائيل بخصوص خط الحدود والانسحاب من الجولان... كان الطرح السوري، طبقاً لتحليلي للموقف، هو محاولة تفادي الضغوط الغربية المتصاعدة ضدّ دمشق في مسألة الانسحاب من لبنان، واستخدام المفاوضات مع إسرائيل لتهدئة التحركات الأميركية ضدّها بسبب الوضع العراقي". وتابع أبو الغيط: "وقع اغتيال رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005 أثناء وجودي في واشنطن (14 شباط بتوقيت الشرق الأوسط). وكان تقييمي أن هذه الجريمة ستكون لها إنعكاساتها على الموقف في لبنان، وستمثل فرصة للولايات المتحدة وحلفائها في المزيد من الضغط على سوريا بشكل غير مسبوق. وأتلقى إتصالاً تلفونياً من فاروق الشرع (وزير الخارجية السوري) قبل دقائق من لقائي مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، يطلب فيه نقل رسالة سورية بضرورة ألا تكون ردود الأفعال الأميركية متعجلة، وأنهم في سوريا، ليس لهم أي صلة بهذا الاغتيال. وأنقل الرسالة الى الوزيرة الأميركية، ويجيء التعليق، برفض الموقف السوري والتقليل من مصداقيته. ويحضر فاروق الشرع للقاهرة بعد عودتي من واشنطن بعدة أيام. وأقول له أن على سوريا التحرّك بإيجابية في موضوع تنفيذ القرار في موضوع تنفيذ القرار 1559، وأن ردود الفعل في واشنطن، كانت غير إيجابية في مواجهة سوريا. وأضيف ان عدم البدء في تنفيذ متطلبات القرار، سيؤدي الى مشاكل لهم في العالم العربي، وأن إغتيال الحريري، سيستخدم كمبرّر للهجوم عليهم. ويرد الشرع، بأنهم سيتفاعلون مع القرار، لكن سوريا لا تنوي الانسحاب من كل لبنان، بل ستبقى داخل البقاع لحين التوصل الى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي أو السوري الإسرائيلي، إذ أن تخلّي دمشق عن هذه المنطقة، سيسهّل على إسرائيل القيام بعمليات عسكرية تهدّد سوريا من هذه المناطق. وأذكر لفاروق الشرع، أن الاميركيين يتحدثون عن التنفيذ الفوري للقرار، في حين أن فرنسا تظهر بعض المرونة، حيث تتحدث عن التدرج في التنفيذ. ويصمّم فاروق الشرع على رؤيته التي نقلها الى الرئيس مبارك معه. وأتحدث من جانبي مع الرئيس مبارك، قائلاً: إنّني إطلعت على نوايا سيئة تجاه سوريا بواشنطن، وأن وجود الأميركيين في العراق، هو عنصر مهم يجب ألا يغيب عن السوريين. ويعقّب الرئيس مبارك بتسخيف الموقف السوري من البقاء في البقاع، بإعتباره مطلباً دفاعياً حيوياً لسوريا، ويقول إن إسرائيل، إذا ما رغبت في مهاجمة سوريا، فهي لن تستخدم القوات البرية، ولا يتصور انها ستسعى لدخول دمشق، أو فرض معاهدة سلام على سوريا من خلال المزيد من إحتلال الأراضي السورية، بل ستقوم بعمليات جوية ضد الأهداف السورية الحيوية، وبما يضعف النظام السوري". وأردف أبو الغيط قائلا :"يلتقي الرئيسان السوري والمصري في القمة العربية بالجزائر، ويتحدث الرئيس مبارك، في حضوري وحضور وزير خارجية سوريا، مع الأسد ناصحاً وبقوة أن تنسحب سوريا من لبنان تنفيذاً للقرار 1559. ويقول الأسد انه يحتاج لشهور لكي يوجد مقار داخل سوريا للقوات المنسحبة، ويرد عليه الرئيس المصري: نواياهم سيئة تجاهك، وعليك ان تتحرّك، وسنساعدك للتوصل الى ما يؤمّن سوريا. ونغادر إلى باريس لمقابلات رئاسية مصرية-فرنسية، ونطلب من الفرنسيين عدم الضغط الحاد على سوريا التي نعتقد أنها ستنفذ القرار، وكذلك نيتها في تنفيذ كل عناصر إتفاق الطائف عام 1989. وأقوم بزيارة إضافية لدمشق من الطمأنة والتنسيق مع سوريا، وأستشعر وجود قدر من العصبية لدى السوريين مع تأكيد نيتهم في تنفيذ الانسحاب من لبنان طبقاً للقرار 1559". واستطرد أبو الغيط: "كان الصبر الأميركي في علاقته بسوريا واتهامها بالتدخل في العراق يقترب من النفاد. واخذت الاتهامات تنهال على السوريين ومسؤوليتهم في تدبير إغتيال رفيق الحريري، وأن معلومات المحققين الدوليين تشير الى مسؤولية شخصيات معينة في دائرة الحكم في سوريا لهم يد في قضية الحريري". ويختم أبو الغيط في مذكراته ما يتعلق باغتيال الحريري قائلاً: "في لقاء مع ستيفن هيدلي، مستشار الامن القومي الأميركي الذي حلّ مكان رايس، ذكر في نهاية أيلول 2005، أن الولايات المتحدة تأمل في سقوط الأسد الذي يسمح بتسرّب عناصر عربية وإسلامية عبر الحدود الى العراق، وأن هذه العناصر هي المسؤولة عن أعمال القتل الجارية". فتش عن ايران في لبنان ماذا أضاف أبو الغيط الى هذه التفاصيل المثيرة حول الجريمة التي أحدثت زلزالا في لبنان والمنطقة؟ يقول لـ"نداء الوطن" الآتي: "سمعت من وزير خارجية سوريا وليد المعلم خلال لقاء لي مع الرئيس بشار الأسد في دمشق يقول إن ايران ضالعة في كل ما حدث في لبنان" في أعقد عامين مرت بسوريا (2004 - 2005) ما يعني ان ايران متورّطة حتى في اغتيال رفيق الحريري. أحمد الشرع وأنور السادات اصبح الأسد اليوم في منفاه الروسي، وحلّ مكانه نظام جديد على رأسه أحمد الشرع. ونقلت "نداء الوطن" الى أبو الغيط وقائع حوار حصل بين الرئيس السوري الجديد وبين رئيس حكومة لبنان السابق نجيب ميقاتي عندما زار سوريا في نهاية رئاسته للحكومة السابقة. وكانت المفاجأة عندما تولّى أبو الغيط الحديث ليقول إن ميقاتي نقل له وقائع الحوار الذي دار بينه وبين الشرع. فقد بادر الأخير، أي الشرع، إلى سؤال ضيفه، أي ميقاتي: "هل تعتبر الرئيس المصري الراحل أنور السادات خائناً أم وطنياً؟". وبدا ميقاتي وكأنّه قد أخذ على حين غرة. وخلال فترة تردّد سيطرت على رئيس الحكومة اللبنانية بادر الرئيس السوري الى الجواب بنفسه على السؤال الذي طرحه، فقال: "إن الرئيس السادات كان وطنياً عندما أعاد الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل وهو ما لم نستطع القيام به من خلال كل الوسائل التي جرّبناها حتى اليوم". يعتقد كثيرون ان ما قاله الشرع في السادات هو أخطر موقف من موضوع السلام مع إسرائيل. وينطوي هذا الموقف على دلالات تتصل بمستقبل العلاقات بين سوريا وإسرائيل وهو موقف غير مسبوق في تاريخ سوريا الحديث. يبقى القول، إن وقائع ما دار بين ميقاتي والشرع فتح نافذة ليقول أبو الغيط عبرها لـ"نداء الوطن" ما لم يرد في مذكرات ناهزت الألف صفحة. فقال: "كانت لدى السادات الشجاعة ليقوم بما عجز عنه سلفه الرئيس عبد الناصر. فقد خسر الأخير الحرب عام 1967. لم يستطع ان يفعل ما قام به السادات بسبب فارق هو ان عبد الناصر كان مثقلاً بتجارب قيّدته. أما السادات فقد بلغ الرئاسة وهو متحرّر من أيّ ماض. وذهب بشجاعة الى الاتفاق الذي أعاد كل شبر من أراضي مصر المحتلّة بعد انتصار حققته مصر في حرب عام 1973". وشرح أبو الغيط ان السادات حسم تردد القيادة العسكرية المصرية التي كانت تريد ارجاء قرار عبور القوات المصرية قناة السويس بالاصرار على انجاز العبور. تعني الشجاعة الكثير عند من يكون في موقع المسؤولية. استحضر أبو الغيط الأمر على الواجهة البحرية لبيروت. فبدا ان هناك قدراً من الشجاعة ان يضيف من هو في مركز يتطلب اكبر قدر من الدبلوماسية هذه الإضافة الى مذكراته. ولعلّ لبنان قد فاز من هذه المذكرات هذا البوح بأسرار أخطر 20 عاماً عاش ويلاتها هذا البلد.


العربية
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- العربية
استئصال "أخشاب" حزب الله... أو العُزلة
منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يعيش اللبنانيون وهماً كبيراً لأكثر من عَقدين على التوالي، وهو أن سلاح "حزب الله" يُشكل مَعضِلة إقليمية ودولية، وأن الخلاص منه لن يأتي إلا بعد أن تتوافق القوى الكبرى على اقتلاعه. هذا الوهم دفع بالجميع، حتى خصوم الحزب، إلى التطبيع معه، علّ التسوية الإقليمية تأتي يوماً وتُريح لبنان من عِبئه. لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن الزلزال سيأتي من الداخل الفلسطيني. فبَعدَ عملية "طوفان الأقصى" وما تَبعها من تطورات، دُمِّرَت بنية الحزب العسكرية واغتيل كبار قادته وعلى رأسهم حسن نصر الله. أمرٌ كان يُظن أنه لن يحدث إلا من خلال حرب أهلية دَموية قد تُقََسِّم لبنان أو تُطيح به. إلا أن الواقع كان مُغايراً.. ولم تُطلَق رصاصة واحدة في الداخل اللبناني. في الأسبوع الماضي، أَطلقت جهة "مجهولة" صواريخ بدائية من جنوب لبنان عبر منصات خشبية، لتعود إسرائيل وتضرب بدورها مواقع لـ "حزب الله"، مكرّرة مشهداً يقول إن "وقف إطلاق النار لا يعني وقف الحرب". لكن الأخطر من القصف، كان ردّ فعل الدولة اللبنانية، أو بالأحرى غيابها. لا إدانة، لا موقف، لا إجراء؛ وكأنّ هذه الصواريخ لا تعني شيئاً، أو كأنّها لم تُطلق من أرض لبنانية. في الحقيقة، هذه الصواريخ لم تُطلق على إسرائيل بقدر ما كانت رسالة داخلية موجّهة إلى نواف سلام، رئيس الحكومة، وإلى الرئيس جوزاف عون. كانت ردّاً واضحاً على تصريح سلام بأن "ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة أصبحت من الماضي". الحزب لم يرد عبر خطاب أو بيان، بل عبر "منصّة خشبية". "حزب الله" لا يملك ترسانة إستراتيجية تُقلق إسرائيل، لا صواريخ دقيقة ولا مَنظومات متطورة. معظم ما تبقى من ترسانة الفصيل الايراني، كما أثبتت الغارات الأخيرة، صار خُردة. لكن الخطر الحقيقي لا يزال قائماً، وهو السلاح بوصفه أداة داخلية للضغط والابتزاز السياسي. هذه هي وظيفة السلاح في نسخته الخشبية، ليس حماية لبنان بل ترهيب الحكومة، وتعطيل التعيينات، وفرض الأسماء، وابتزاز الدولة في كل شاردة وواردة. صواريخ المنصات الخشبية هذه لم تكن محاولة للتصعيد مع العدو، بل تلويح بالسلاح "المتبقّي" لفرملة مسار الدولة الإصلاحي، وبالأخص سحب ملف "المقاومة" من يد الحزب. أن تلتزم الدولة الصمت، لا بل أن تتواطأ أحياناً مع هذا الواقع، فذلك يطرح سؤالًا وجودياً، عن أيّ دولة نتحدّث؟ أين الجيش اللبناني من انتشاره على الحدود؟ أين الحكومة من اتخاذ قرار سيادي واضح؟ وأين الرئيس من استعادة هيبة الرئاسة التي كانت أولى بشائر عهده الجديد؟ الأخطر من كل ذلك أن البعض في السلطة يتوهّم أن بإمكانه استخدام "الخشب" ذاته، أي إضاعة الوقت والتذرّع بالاستقرار كوسيلة لتأجيل المواجهة مع واقع لم يعد يَحتمل التأجيل. كل يوم تتأخر فيه الدولة في حسم أمر السلاح غير الشرعي، هو خطوة إضافية نحو عزلة عربية ودولية شاملة. لا مساعدات خليجية، ولا دعم دولي، ولا قروض، ولا إعمار. ولا حتى احترام. كل ذلك مرهون بقرار واحد، أن تحسم الدولة أمرها، وتستعيد قرارها. هل من المقبول أن تتحوّل "المنصات الخشبية" إلى عنوان السيادة في لبنان؟ هل يُعقل أن نُدير بلداً بحجم لبنان وموقعه وتاريخه من خلال حكومة تقول "لا" بدون أن تُنفّذ شيئاً؟ لبنان يقف اليوم على مفترق طرق، إمّا أن يقرّر بجرأة إنهاء المرحلة الخشبية واستعادة قراره ومؤسساته، أو أن يبقى رهينة لمنصات من خشب، وسلاح من ورق، ومواقف من غُبار.. في دولة لا تليق بشعبها. فهل يجرؤ لبنان هذه المرّة على استئصال حريته من خشب الحزب؟ أم أن العُزلة باتت مصيره الوحيد؟