
محللون: الرد الإيراني قادم وتل أبيب تستعد للأسوأ
القدس المحتلة- قبيل الضربة الأميركية التي استهدفت 3 مواقع نووية حساسة داخل إيران، لم تترك إسرائيل الأمور للمجهول. وبادرت إلى بناء شبكة أمان سياسية وعسكرية "محكمة"، شملت تنسيقا "عميقا" مع واشنطن، وجهوزية عملياتية على الأرض، وتقديرات استخباراتية "دقيقة" لما قد يأتي من طهران.
في قلب هذه الاستعدادات، وقفت الجبهة الداخلية الإسرائيلية باعتبارها الهدف المرجح لأي رد إيراني. لذلك، رفعت إسرائيل حالة التأهب القصوى في جميع وحدات الدفاع الجوي، خاصة حول المرافق الإستراتيجية، والمراكز الحكومية، والمناطق الحيوية في تل أبيب ومحيطها. كما أُعلنت حالة طوارئ في الجبهة الشمالية، تحسبا لاحتمال دخول حزب الله على خط التصعيد.
بالموازاة، لم تخف القيادة الإسرائيلية نيتها توسيع الحملة العسكرية تحت عنوان " الأسد الصاعد"، عبر تكثيف الهجمات الجوية ضد أهداف إيرانية في العمق، وليس فقط في سوريا أو العراق.
وشملت الضربات الجوية الإسرائيلية التي أعقبت الهجوم الأميركي الأخيرة منشآت لوجيستية ومنظومات دفاع جوي ومواقع إطلاق مسيرات بعيدة المدى، في ما يشبه مرحلة تمهيد ناري لإضعاف القدرة الإيرانية على الرد.
سيناريو متطرف
تشير تقديرات المحللين الأمنيين والعسكريين في إسرائيل إلى أن الرد الإيراني قادم، ولكن حجمه ونوعيته ما زالا غير محسومين. وتراوح السيناريوهات بين هجوم محدود عبر أذرع طهران في اليمن أو العراق، وبين تصعيد مباشر قد يشمل إطلاق صواريخ دقيقة أو طائرات مسيّرة من داخل إيران نحو العمق الإسرائيلي.
وفي السيناريو الأكثر تطرفا، تتوقع إسرائيل محاولة إيرانية لتوجيه ضربة رمزية لكنها مؤلمة، تستهدف إحداث صدمة نفسية وردع سياسي، من دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
إعلان
ومع ذلك، تحذر أوساط أمنية إسرائيلية من احتمال لجوء طهران إلى "سلاح غير تقليدي" بمعناه التكتيكي، مثل تفجير "قنبلة قذرة" في منطقة مدنية أو هجوم سيبراني واسع النطاق.
ومن منظور تل أبيب وبحسب التحليلات الإسرائيلية، كانت الضربة الأميركية عنصرا أساسيا في تشكيل غطاء شرعي للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، خصوصا أن واشنطن هي التي تولت التنفيذ العلني، بينما التزمت إسرائيل الصمت.
لكن ما بعد الضربة ليس كما قبلها. فمصير التصعيد بات مرهونا بالرد الإيراني. وإذا خرجت الأمور عن السيطرة، فقد تجد إسرائيل نفسها في معركة أوسع تفرض نهايتها من خارج المنطقة، وتحديدا من البيت الأبيض، حيث يتابع الرئيس دونالد ترامب التطورات عن كثب، وقد يقرر إنهاء الحملة في أي لحظة، دون اعتراض يذكر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وتجمع قراءات المحللين على أن المرحلة المقبلة مرهونة برد الفعل الإيراني، هل سيكون مدروسا ومحدودا؟ أم تصعيديا ومكلفا؟ في كلتا الحالتين، تبدو إسرائيل كمن يستعد لحرب طويلة، لكنه يفضل نهايتها السريعة إذا جاءت بأثمان مقبولة.
وحتى ذلك الحين، يبقى الجميع في حالة ترقب، فوق الأرض وتحتها، في مراكز القرار وملاجئ الطوارئ.
تقييم أمني
في ظل مناقشة سيناريوهات الرد الإيراني، عقد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس ، أول تقييم أمني موسع عقب الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، تحضيرا لمواصلة عملية "الأسد الصاعد".
وشارك في الاجتماع كبار قادة الأمن والجيش وعلى رأسهم رئيس الأركان إيال زامير ، واطلع كاتس على تقرير مفصل عن نتائج الضربة الأميركية المنسقة مع إسرائيل، والتي استهدفت مواقع في نطنز وأصفهان و فوردو. وناقش الحضور احتمالات التصعيد، بما يشمل هجمات مباشرة أو عبر أذرع إيران الإقليمية.
وصادق كاتس في ختام الاجتماع على أهداف عسكرية جديدة، من ضمنها، ولأول مرة علنا، سيناريو العمل على تقويض النظام الإيراني إذا تجاوزت طهران الخطوط الحمراء.
الاجتماع، بحسب "هآرتس"، عكس تصعيدا في اللهجة الإسرائيلية، واستعدادا لمواجهة ممتدة، مع ترك هامش للتحرك الدبلوماسي إذا اقتضت الحاجة.
الحسابات الإسرائيلية
في قراءة تحليلية لمراسلة الشؤون الأمنية والعسكرية لصحيفة "يسرائيل هيوم"، ليلاخ شوفال، أكدت أن انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية لم يكن مفاجئا، بل ثمرة تنسيق دقيق ومسبق مع إسرائيل، التي لعبت دورا محوريا في تمهيد الأرضية الجوية للهجوم.
وترى شوفال أن التدخل الأميركي في الهجوم على إيران يحمل 3 نتائج إستراتيجية حاسمة، هي:
تعزيز الأثر العملياتي.
تقصير مدة الحملة، حيث يسرع التدخل الأميركي وتيرة العمليات، مما يتيح لإسرائيل الخروج السريع أو فتح مسار تفاوضي.
تدويل المواجهة، إذ تحوّلت الحرب من عملية إسرائيلية خالصة إلى صراع أميركي-إيراني، مما يضع طهران أمام خيار وجودي، التراجع أو التصعيد مع واشنطن.
وتختتم شوفال بالقول إن "الساعات القادمة ستكون حاسمة"، حيث تنتظر إسرائيل تقييما دقيقا للأضرار التي لحقت بالبنية النووية الإيرانية، إلى جانب ترقب شكل وحجم الرد الإيراني. فبين نجاح العمليات الجوية، والدخول الأميركي الثقيل، قد تكون المعركة بلغت ذروتها أو اقتربت من نهايتها.
بداية أم نهاية
في مقال تحليلي، وصف محلل الشؤون الأمنية والعسكرية، رون بن يشاي، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" التنسيق الأميركي-الإسرائيلي بشأن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية بأنه لحظة مفصلية في تاريخ التحالف بين الجانبين.
وبحسب بن يشاي، فإن ما جرى ليس مجرد عمل عسكري، بل بناء فعلي لـ"شبكة أمان" إستراتيجية ستمتد آثارها لعقود، وستدفع دولا في المنطقة نحو مزيد من التقارب والتطبيع مع إسرائيل.
ولا يستبعد المحلل العسكري أن يطلب ترامب من إسرائيل وقف العمليات لإتاحة المجال أمام مفاوضات، وهو طلب لن يلقى اعتراضا إسرائيليا إن طُرح، لوجود رغبة حقيقية في إنهاء العملية قبل الانزلاق إلى "اقتصاد حرب" طويل المدى.
لكن رغم كل ذلك، يضيف بن يشاي: "لم تدمر جميع منصات الإطلاق، ولا جرى تحييد المعرفة النووية الإيرانية أو 409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب المخزن في مواقع سرية".
وعليه يبقى الخوف الأكبر في تل أبيب، بحسب قراءة المحلل العسكري، من إمكانية استخدام هذا المخزون في تصنيع "قنبلة قذرة" ذات أثر نفسي وإستراتيجي مدمر.
وخلص للقول إن "إسرائيل والولايات المتحدة شنتا هجوما منسقا ومدروسا، لكن عين الجميع الآن على الرد الإيراني، الذي سيحسم إن كان هذا التحرك بداية نهاية أم شرارة لحرب أوسع".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
نزيف دماء مجوعي غزة مستمر على أعتاب مراكز توزيع الأغذية الأميركية
لا شيء تغيّر في قطاع غزة سوى عدد الشهداء المتزايد يوما بعد آخر، فمشهد الدماء المنسكبة على عتبات مراكز توزيع المساعدات لم يعد طارئا أو مفاجئا، بل بات نمطا متكررا يعكس قسوة الواقع وتجاهل العالم. فنزيف المجوعين لا يتوقف، حتى على أبواب الأغذية التي وُعد بأن تكون "منفذ نجاة"، لتتحوّل في كل مرة إلى ساحة قنص مفتوحة. ومنذ ساعات الفجر، ووفق مصادر طبية فلسطينية، ارتقى 45 شهيدا برصاص جيش الاحتلال، بينهم 18 مواطنا كانوا يصطفون على أبواب مراكز توزيع المساعدات، على أمل أن يظفروا بوجبة تسد رمق أطفالهم. ويصف مراسل الجزيرة في غزة، أشرف أبو عمرة، هذا الواقع بالقول إنه "نزيف مستمر"، لا يفرّق بين شمال القطاع وجنوبه، ولا بين خيمة نازحين ومنزل مأهول. وفي سرد حيّ لما شهدته غزة اليوم، قال أبو عمرة إن المدفعية الإسرائيلية استهدفت مساء تجمعا لآلاف المواطنين كانوا ينتظرون المساعدات قرب منطقة الواحة شمال غرب مدينة غزة. وكان الثمن ثقيلا، حسب أبو عمرة، حيث وصل 8 شهداء و25 جريحا إلى مجمع الشفاء، وسط هلع يملأ المكان وصراخات لم تجد من يسمعها سوى الجدران المتداعية. وفي وسط القطاع، كانت مخيمات النصيرات والزوايدة على موعد مع قصف آخر، حيث ضربت صواريخ الاحتلال منزلا مأهولا لعائلة حمدان، فحوّلته إلى كومة ركام. وأسفر الاستهداف عن استشهاد 5 مدنيين وسقوط عشرات الجرحى الذين نقلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى ومستشفى العودة في النصيرات، وحسب مراسل الجزيرة، في كل زاوية من هذه المستشفيات قصة دموع لم تجف وجرحى ينتظرون مساعدة قد لا تصل. أما خان يونس، التي ما زالت تحاول التقاط أنفاسها من جولات القصف السابقة، فشهدت غارات استهدفت خياما تؤوي نازحين ممن هربوا من الموت في أماكن أخرى ووجدوه ينتظرهم في مأواهم المؤقت. واستقبل مجمع ناصر الطبي المصابين، لكنه بالكاد يستطيع استقبال مزيد؛ إذ إن طاقاته باتت منهكة ومعداته عاجزة عن مواجهة سيل الدماء المتواصل. وفي رفح ، لم يكن المشهد أقل بؤسا، يضيف أبو عمرة، ففي منطقة تل السلطان، بالقرب من دوار العلم، سقط 8 شهداء جدد حين فتحت القوات الإسرائيلية النار على حشود كانت تقف عند إحدى نقاط توزيع المساعدات التي تشرف عليها شركة أميركية. وما زالت جثامينهم ممددة في المستشفيات، وبعض الجرحى يصارعون للبقاء على قيد الحياة وسط نقص فادح في الأدوية والمستلزمات، حسب أبو عمرة. ومنذ 27 مايو/أيار الماضي، وثّق مكتب الإعلام الحكومي في غزة استشهاد 450 فلسطينيا وإصابة نحو 3500 آخرين، إلى جانب فقدان 39 شخصا، جميعهم ارتقوا أو اختفوا قرب مراكز توزيع المساعدات. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية ، قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا بغزة، متجاهلة النداءات الدولية والأممية بوقفها. وخلفت تلك الحرب أكثر من 187 ألف شهيد وجريح فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
ثلاثة سيناريوهات محتملة بعد الضربة الأميركية على إيران
لم تكن الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت منشآت إيران النووية مجرد تطور عسكري عابر، بل هو تحوّل إستراتيجي في قواعد الاشتباك في المنطقة. فالهجوم، الذي طال مواقع شديدة الحساسية في نطنز وفوردو وأصفهان، لم يأتِ فقط استجابة للضربات الإيرانية ضد (إسرائيل)، بل مثّل إعلانًا أميركيًا بأن مشروع الردع الصهيوني لم يعد وحده كافيًا، وأن واشنطن باتت مستعدة لتجاوز سياسة "الاحتواء المحسوب" إذا اقتضت الضرورة. إيران، من جهتها، لم تتعامل مع الضربة كصفعة مفاجئة بقدر ما رأت فيها اختبارًا متوقعًا، وهي التي أعدّت سيناريوهات متعددة منذ بداية التصعيد. وبرغم حجم التدمير، فضّلت طهران الرد المحدود والمدروس حتى اللحظة، مركّزةً على مسارَين: الأول ميداني عبر قصف مواقع الاحتلال برشقات محسوبة تحمل بصمة تصعيد تقني ورسائل ردعية صاروخية، والثاني قانوني عبر رسائل موجهة لمجلس الأمن الدولي تهدف إلى كسب تعاطف دولي، واستثمار البعد الأخلاقي والسياسي للعدوان. لكن اللافت أن إيران امتنعت- حتى الآن- عن توسيع المواجهة إلى حدود قصوى. لم تغلق مضيق هرمز رغم أنه واحد من أوراق الضغط الإستراتيجية الكبرى، ولم توجّه ضربات مباشرة للقواعد الأميركية في الخليج، فيما يمكن قراءته كمؤشر على نضج في ضبط النفس، وتجنّب خوض حرب شاملة في توقيت قد لا يخدم مصالحها الإستراتيجية. طهران تدرك أن الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة لن يصبّ في مصلحتها، خصوصًا مع حالة الإنهاك الاقتصادي الداخلي، وتراجع مستوى الدعم الشعبي بعد سنوات من العقوبات والتقشف. بيدَ أن القيادة ما زالت تحتفظ بتناغم نسبي مع الشارع، مستفيدة من شعور قومي عام بالتهديد الخارجي. ومع ذلك، فإن استمرار الضغوط قد يفتح الباب أمام أصوات إصلاحية تطالب بإعادة النظر في السياسات الإقليمية، ما يجعل النظام في اختبار مزدوج: الحفاظ على الردع في الخارج، وتفادي التصدّع في الداخل. لكن التراجع أو الانكفاء قد يُفسَّر كإذعان، وهو ما ترفضه طهران التي تسعى لتكريس معادلة جديدة: الردع بالقدرة لا بالانفجار. في هذا السياق، تمضي إيران في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد (إسرائيل) بالدرجة الأولى، تعتمد على رشقات صاروخية متقطعة، وهجمات سيبرانية، وربما تحرك محدود في العراق وسوريا ولبنان واليمن حسب المتاح. هذا النمط من الاستنزاف لا يحقق انتصارات سريعة، لكنه يضعف الجبهة الداخلية الصهيونية، ويستنزف اقتصادها، ويعزز صورة إيران كقوة صامدة لا تُكسر بسهولة. كما أنه يمنح محور المقاومة في المنطقة هامشًا معقولًا للمناورة دون انجرار شامل. لكن المشهد الإقليمي صار أكثر ضبابية من أي وقت مضى. فالدول العربية، باستثناء بعض المواقف الإعلامية، غائبة عن التأثير الفعلي. تركيا منشغلة في أولوياتها ومتابعة حذرة لتعقد مشهد ليست بمنأى عنه، ويعيش العراق ولبنان انقسامات سياسية مستنزفة، في حين يعيد النظام السوري ترتيب أوراقه ضمن سياق إقليمي جديد. اليمن وحده يبقى صاحب التأثير القابل للتفعيل، بفضل خبرته القتالية وموقعه الجغرافي على خط الملاحة الحيوي. دوليًا، تكتفي موسكو بالتحذير من الانزلاق إلى حرب كبرى دون إبداء استعداد عملي للتدخل، فيما تعبّر بكين عن قلقها المتزايد من أثر التصعيد على مبادرة "الحزام والطريق" وأمن الطاقة العالمي، ملمّحة إلى أنها لن تبقى محايدة إذا خرجت الأمور عن السيطرة. هذه الإشارات تؤكد أن الضربة الأميركية قد تتجاوز الطابع الثنائي، وأن تداعياتها تمس النظام الدولي ككل. وفي الداخل الأميركي، عمقت الضربة انقسامات لا تقل خطورة. فترامب يحظى بدعم واسع من اللوبيات الصهيونية، لكنه يواجه تحذيرات من داخل المؤسسة الاستخباراتية، ومن الرأي العام المعارض لمغامرات عسكرية جديدة. هذا التناقض يعكس هشاشة الموقف الأميركي أمام استحقاقات المرحلة، ما بين إرضاء الحلفاء الإستراتيجيين، وتجنّب الانغماس في حرب استنزاف غير مضمونة العواقب. وفي ظل هذا التعقيد، تتراوح السيناريوهات المحتملة بين ثلاثة: استمرار الاستنزاف المحدود دون انفجار شامل، وهو السيناريو الأرجح في المدى القصير، أو انزلاق إلى مواجهة كبرى في حال خطأ في الحسابات أو ضربة نوعية مفاجئة، أو تسوية سياسية غير معلنة بوساطات متعددة تضمن خفض التصعيد مقابل ضبط النفوذ الإيراني. هذا الخيار الأخير، رغم ضآلته، لا يزال قائمًا إذا ما تبدلت حسابات واشنطن أو تعرضت (إسرائيل) لضغط داخلي غير متوقع. خلاصة المشهد أن العدوان الأميركي لم يكن حدثًا عسكريًا معزولًا، بل لحظة فارقة في طبيعة الصراع، ونقلة نوعية في اشتباك القوى الإقليمية والدولية. ومع تعقّد العُقدة، بات من الواضح أن الحسم الكامل لم يعد خيارًا ممكنًا، وأن التراجع ليس مطروحًا. المنطقة برمّتها اليوم معلّقة على حافة من نار، لن تُطوى إلا بمعادلة جديدة لا تُفرض بالقوة وحدها، بل بصياغة شراكة أمنية وسياسية تُنقذ الإقليم من انفجار قد يُنهي آخر ما تبقى من الاستقرار الهشّ.


الجزيرة
منذ 22 دقائق
- الجزيرة
مدير مكتب الجزيرة بطهران يوضح.. لماذا تأخر رد إيران وما شكله المرتقب؟
في حين تتوالى التصريحات من واشنطن وتل أبيب بشأن مستقبل المواجهة مع إيران ، تبقى طهران محور الترقب الإقليمي والدولي، وسط تساؤلات ملحة حول سبب تأخر الرد الإيراني بعد الهجوم الأميركي واسع النطاق على منشآتها النووية ، ومآلاته المنتظرة في الساعات المقبلة. وبحسب مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز، فإن إيران لم تصدر حتى الآن موقفا رسميا واضحا بشأن طبيعة ردها المحتمل، رغم مرور نحو 24 ساعة على ما وصف بأنه ضربة استهدفت العمود الفقري لبرنامجها النووي في 3 منشآت رئيسية. ونقل فايز عن مصادر إيرانية مطلعة أن مجلس الأمن القومي الإيراني طلب تقارير دقيقة ومفصلة من المؤسسات المختصة، لتقييم حجم الأضرار الناتجة عن الهجوم الأميركي، بعيدا عن الخطاب الدعائي أو التصريحات السياسية المرتجلة. ويتضمن هذا التقييم تقارير من هيئة الطاقة الذرية الإيرانية حول مستوى الضرر الذي لحق بالبنية التحتية النووية، فضلا عن تقرير عسكري مفصل عن مسار الهجوم، ونقاط انطلاقه وآلية تنفيذه، تمهيدا لصياغة رد محسوب يتناسب مع الخسائر ومع مصالح البلاد العليا. وأشار فايز إلى أن هذا التريث الإيراني يعكس توجها نحو رد إستراتيجي مدروس، لا يقوم على الانتقام اللحظي، بل على مقاربة أشمل تتيح لطهران تعدد الخيارات بدلا من الانجرار إلى مواجهة تكتيكية محدودة أو رد فعل مباشر وغير مدروس. تمييز ضروري وفي هذا السياق، تسعى إيران -بحسب المصادر ذاتها- إلى التمييز بين الهجوم الأميركي المعلن والمنفرد، وبين التصعيد الإسرائيلي الميداني الجاري، وهو تفريق تعتبره طهران ضروريا لفهم طبيعة المرحلة المقبلة، خاصة أن الضربة الأميركية الأخيرة تُعد الأولى من نوعها من حيث وضوحها وتبني واشنطن العلني لها. ويرى فايز أن إيران تتعامل مع المشهد على أنه تغيير في قواعد الاشتباك، يتجاوز حروب الظل السابقة مع الولايات المتحدة ، كما حدث في العراق أو خلال الحرب الإيرانية العراقية، لتدخل المواجهة الآن طورا جديدا قد يفضي إلى مواجهة علنية على امتداد الإقليم. رغم ذلك، تؤكد المصادر الإيرانية أن طهران لا تميل إلى خيار الانزلاق نحو حرب مفتوحة ومباشرة مع الولايات المتحدة، بل تفضل الحفاظ على مساحات للمناورة والمواجهة المركبة التي تدمج بين أدوات متعددة. وفي هذا الإطار، تُرجّح التقديرات أن يكون الرد الإيراني "تركيبيا"، أي لا يقتصر على ضربة عسكرية واحدة، بل يشمل قرارات سياسية وأمنية قد تمتد إلى البرنامج النووي ذاته، بما في ذلك احتمال إعادة النظر في علاقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن بين الخيارات المطروحة على طاولة القيادة الإيرانية، كما يقول فايز، مراجعة الانخراط في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتعامل مع المفتشين الدوليين، وإجراءات في مياه الخليج، بما في ذلك مضيق هرمز، إلى جانب تغييرات على مستوى التحالفات الإقليمية والدولية. رد إستراتيجي ويعكس هذا التوجه سعيا إيرانيا لرفع سقف الرد إلى مستوى إستراتيجي يغير التوازنات في الإقليم، بدلا من الاكتفاء بضربة مباشرة قد لا تحدث فارقا ملموسا، خصوصا أن الضربة الأميركية نفسها هدفت -بحسب الرواية الإسرائيلية- إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لـ10 سنوات على الأقل. وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب مستعدة لوقف إطلاق النار "غدا" إذا أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي رغبته بذلك، مشيرين إلى أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب استنزاف طويلة مع إيران. كما أضافت الصحيفة أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن إيران لن تتمكن من استعادة قدراتها النووية في المدى المنظور، وأن مصالح تل أبيب تقتضي إنهاء المعركة في أسرع وقت، مع استعداد لمواجهة مطوّلة إذا تطلب الأمر. ورغم أن الأجواء مشحونة بإشارات التصعيد، فإن الصورة العامة من طهران -وفق عبد القادر فايز- تشير إلى مقاربة أكثر برودا وتحسبا، تستند إلى فهم عميق لحجم الضربة الأميركية ورغبة في تجاوز حدود الرد الفوري إلى بناء معادلة ردع جديدة. وختم فايز بالإشارة إلى أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار الرد الإيراني، إن كان سيتخذ طابعا متدرجا أو سيأتي دفعة واحدة، ولكن المؤكد هو أن طهران تبحث عن رد يُحدث تأثيرا إستراتيجيا دون أن يُقيدها أو يضعها في زاوية ضيقة.