
سرطان المثانة: ما يجب أن تعرفيه عن الأعراض والأسباب.. لحماية نفسكِ
كي يتم تخصيص شهرٍ بأكمله للتوعية من مرضٍ معين، فهذا يعني أمرين أساسيين لا ثالث لهما: الأول، خطورة هذا المرض على الحياة؛ والثاني، أهمية التوعية والكشف المبكر للعلاج السريع والمناسب.
شهر مايو من كل عام، هو شهر التوعية بمرض سرطان المثانة، الذي يُعدَ ورمًا خبيثًا واسع الانتشار يصيب الجهاز البولي التناسلي. ومع أن هذا النوع من السرطانات يظهر بشكلٍ أكبر بين الذكور من حيث معدلات الإصابة؛ إلا أنه ومع تقدم الأبحاث في هذا المجال، يبدو أن مفهوم سرطان المثانة باعتباره "مرضًا يصيب الرجال"، آخذٌ في التلاشي. وتكشف الأدلة الناشئة عن تمييزاتٍ سريرية وبيولوجية حاسمة بين كيفية تأثير هذا السرطان المُعقد على كلَ من الرجال والنساء؛ ومن خلال الاعتراف بهذه الاختلافات، بالإمكان تمهيد الطريق لبروتوكولات الفحص واستراتيجيات الوقاية وخطط العلاج المُصممة خصيصًا، لتلبية الاحتياجات الفريدة لكل مريض على أساس عوامل الخطر والاستجابات الخاصة بالجنس.
سرطان المثانة – الأعراض والأسباب
وفقًا لموقع "مستشفيات أبولو"، فإن الأنماط الوبائية تؤشر - وعلى مدى عقودٍ من الزمن - إلى ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان المثانة بين الرجال مقارنةً بالنساء. ووفقاً لتقديراتٍ عالمية حديثة، تبلغ معدلات الإصابة المعيارية حسب العمر 9.6 لكل 100,000 ألف رجل مقابل 2.4 لكل 100,000 ألف امرأة ــ وهو ما يعادل نسبة 4:1 تقريباً. ومع ذلك، فإن التركيز فقط على البيانات المُجمعة، يحجب الفهم الأعمق للمتغيرات التي تؤثر على المخاطر الفردية لدى الجنسين. وبالتوازي مع ارتفاع معدل الإصابة بسرطان المثانة بشكلٍ عام، يميل الرجال إلى تلقَي تشخيص الإصابة بسرطان المثانة في سنٍ مبكرة قليلاً مقارنة بالنساء؛ فيما يبلغ متوسط عمر الكشف الأولي عن سرطان المثانة حوالي 73 عامًا لدى الرجال مقارنةً بمتوسط 74 عامًا لدى النساء.
قد يكون السبب في ذلك، كون النساء أكثر عرضةً لأنواعٍ أخرى من السرطانات؛ مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم. وبالتالي، فإن تركيزهنَ على الفحوصات الخاصة بهذه الأجزاء من الجسم، قد يحول دون الخضوع لفحوصاتٍ مماثلة في منطقة المثانة. ولا ننسى بالطبع، أن النسبة الأكبر من المدخنين هم من الرجال، ويُعدَ التدخين واحدًا من أبرز أسباب الإصابة بسرطان المثانة، بجانب عوامل أخرى يستعرضها لنا الدكتور داني عبود؛ أخصائي المسالك البولية في المستشفى الدولي الحديث في دبي. والبداية بالطبع، عن ماهية هذا المرض..
الدكتور داني عبود أخصائي المسالك البولية في المستشفى الدولي الحديث
ما هو سرطان المثانة؟
بحسب الدكتور عبود؛ فسرطان المثانة هو أحد أنواع السرطان التي تبدأ عادةً في الخلايا المُبطنة للمثانة، العضو المسؤول عن تخزين البول. وعلى الرغم من كونه أكثر شيوعًا لدى كبار السن، إلا أن الوعي بعوامل الخطر وطرق الوقاية، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في الكشف المبكر والنجاة من هذا المرض.
ويضيف: "تبدأ أغلب حالات سرطان المثانة في الخلايا الانتقالية، وهي الخلايا التي تُبطَن المثانة من الداخل. وفي بعض الحالات، يمكن أن تنتشر هذه الخلايا السرطانية إلى أجزاء أعمق من جدار المثانة أو إلى أعضاء أخرى، إذا لم يُكتشف المرض مبكرًا."
من الأكثر عرضة للإصابة بسرطان المثانة؟
تحدثنا في مقدمة المقالة، عن زيادة خطر الإصابة بمرض سرطان المثانة عند المدخنين من الرجال؛ وعليه يكون التدخين السبب الأول وراء تعرضكِ لهذا المرض. إذ تزيد المواد الكيميائية الموجودة في التبغ من خطر تكوّن الخلايا السرطانية في الجهاز البولي.
ومن الأسباب الأخرى لخطر الإصابة بسرطان المثانة:
• التعرض المهني للمواد الكيميائية: قد يكون العمال في الصناعات التي تستخدم الأصباغ أو بعض أنواع المعادن والمواد البلاستيكية، أكثر عرضةً لهذا الخطر.
• العلاج بالإشعاع أو بعض أدوية السرطان: بعض العلاجات الكيميائية قد تزيد من خطر الإصابة بمرض سرطان المثانة.
• الالتهابات المزمنة في المثانة: الأشخاص الذين يعانون من التهاباتٍ بولية متكررة أو من استخدامٍ طويل للقسطرة، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من السرطان.
• العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان المثانة يمكن أن يزيد من احتمال الإصابة.
التدخين أبرز أسباب سرطان المثانة لذا أقلعي عنه اليوم
ما هي الأعراض المبكرة لسرطان المثانة؟
لا تتجاهلوا الإنذارات، يُحذر الدكتور عبود؛ مشيرًا إلى أن معظم المصابين بهذا المرض، قد يلاحظون وجود دم في البول، كما قد يكون لون البول ورديًا أو أحمر داكنًا.
وتشمل الأعراض الأخرى:
1. كثرة التبول.
2. الشعور بألم أو حرقة عند التبول.
3. صعوبة في التبول أو ضعف تدفق البول.
4. آلام في أسفل الظهر أو في الحوض في مراحل متقدمة.
مع الإشارة إلى أن هذه الأعراض قد تتشابه مع أعراض التهابات المسالك البولية؛ لذا من الضروري عدم إهمالها واستشارة الطبيب فورًا.
كيف يتم تشخيص سرطان المثانة؟
من جديد، يؤكد الدكتور عبود (كما غيره من الأطباء المختصين) على أن الكشف المبكر هو المفتاح؛ إذ يتيح لكِ استشارة الطبيب بسرعة والحصول على العلاج المناسب قبل ضياع الفرصة. ويبدأ التشخيص عادةً بتحليل البول للكشف عن وجود دم أو خلايا غير طبيعية، ثم باستخدام فحوصاتٍ مثل:
• تنظير المثانة: لرؤية جدار المثانة من الداخل.
• التصوير المقطعي أو الرنين المغناطيسي: لتحديد حجم الورم وانتشاره.
• الخزعة: لأخذ عينةٍ من النسيج وتحديد نوع السرطان ودرجته.
ما هي طرق علاج سرطان المثانة؟
وفقًا لأخصائي المسالك البولية من المستشفى الدولي الحديث، فإن علاج سرطان المثانة يعتمد بشكلٍ أساسي على مرحلة السرطان ونوعه وصحة المريض العامة. وتشمل الخيارات:
1. الاستئصال الجراحي للورم أو للمثانة بالكامل: في بعض الحالات المتقدمة.
2. العلاج الكيميائي أو الإشعاعي: للحد من انتشار المرض أو لمنع عودته بعد الجراحة.
3. العلاج المناعي داخل المثانة: وهو نوعٌ من العلاج يُستخدم لتحفيز جهاز المناعة لمحاربة الخلايا السرطانية.
هل يمكن الوقاية من سرطان المثانة؟
الوقاية ليست مستحيلة، يؤكد الدكتور عبود. خاصةً مع اتباع بعض الخطوات العملية، التي يمكن أن تُقلَل بصورةٍ كبيرة من خطر الإصابة.
الفحوصات الطبية المنتظمة تضمن لكِ الوقاية من سرطان المثانة
وتلك الخطوات كما أطلعنا عليها الدكتور عبود تتمثل في النقاط الآتية:
• الإقلاع عن التدخين: وهو أهم إجراءٍ وقائي لتجنب الإصابة بسرطان المثانة وغيره من الأمراض الأخرى الخطيرة.
• شرب كمياتٍ كافية من الماء: والذي يساعد على التخلص من السموم.
• تجنَب التعرض المُطول للمواد الكيميائية الضارة: خاصةً في بيئات العمل الصناعية ما أمكن.
• الاهتمام بالصحة البولية: ومعالجة أي التهاباتٍ تظهر، بسرعة وفعالية.
• الفحوصات المنتظمة: خصوصًا لمن لديهم عوامل خطر أو تاريخ عائلي للمرض.
في الختام، يُوجَه الدكتور عبود بعض الرسائل المهمة لقارئات "هي": لا تهملي وجود دم في البول، حتى لو كان لمرةٍ واحدة؛ الأعراض المبكرة قد تكون خفية، فلا تؤجلي زيارة الطبيب؛ الكشف المبكر يزيد من فرص الشفاء بنسبةٍ عالية؛ والتغيير في نمط الحياة، خاصةً الإقلاع عن التدخين، يمكن أن يحميكِ.
فلا تتواني عزيزتي عن منح نفسكِ، ومن تحبين، فرصة التمتع بالحياة والصحة؛ حياةٍ لا وجود فيها لأمراضٍ مثل سرطان المثانة، الذي يفيد إجراء تعديلاتٍ بسيطة في نظامكِ الحياتي والصحي، واعتناؤكِ بالفحص الطبي المنتظم، في تجنيبكِ مخاطره ومضاعفاته السلبية التي قد تصل حد تهديد الحياة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
«طبية الملك عبدالله» تدشّن «منصة المتدرب» الذكية
دشّنت مدينة الملك عبدالله الطبية عضو تجمع مكة المكرمة الصحي "منصة المتدرب" أول منصة تدريبية ذكية من نوعها على مستوى مستشفيات وزارة الصحة، إيذانًا بانطلاق مرحلة جديدة من التميز في تقديم الخدمات التدريبية المؤسسية في إنجاز نوعي يعزز مسيرة التحول الرقمي في القطاع الصحي. وجاءت المنصة نتاجاً لرؤية إستراتيجية تهدف إلى بناء بيئة تدريبية رقمية متكاملة ومحوكمة ترتقي بجاهزية الكوادر البشرية وتواكب معايير الاعتماد الأكاديمي المحلي والدولي، وتسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والمراجعين. وأوضح تجمع مكة المكرمة الصحي أن فكرة المبادرة انطلقت واستجابت لحاجة ملحة لتطوير منظومة التدريب المؤسسي عبر أدوات ذكية تسرّع الإجراءات وترفع مستوى الكفاءة والأداء بالبيئة التعليمية والتدريبية بقيادة الإدارة التنفيذية للشؤون الأكاديمية والتدريب بالتعاون مع الإدارة التنفيذية للاتصالات وتقنية المعلومات. وأشار إلى أنه من المتوقع أن تحقق المنصة مؤشرات أداء مميزة، وأنها ستتمكن في المرحلة الحالية من التعاطي مع أكثر من (45) برنامجًا تدريبيًا يغطي مجالات طبية وإدارية وفنية، وتدير المنصة بفاعلية أكثر من (300) مقعد تدريبي يتم تدويرها بكفاءة عالية طوال العام، وتقدم أكثر من (30) خدمة وإجراء تدريبيًا وإدارياً تشمل إدارة عمليات البرامج وتقييم الأداء وإصدار الخطابات وجدولة الدورات التدريبية بذكاء، وأسهمت في تقليص الزمن التشغيلي للإجراءات التدريبية بأكثر من (70 %)، إضافة إلى رفع جاهزية الكوادر التدريبية بنسبة تفوق (40 %) خلال أقل من عام. وأبان التجمع الصحي أن "منصة المتدرب" تشمل عددًا من الميزات التنافسية البارزة، وقامت بتقليص زمن إصدار الخطابات التدريبية من يومين إلى أقل من 30 ثانية بفضل أتمتة العمليات، وتوفر نظام متابعة ذكياً يتيح مراقبة الطلبات لحظيًا مع إشعارات فورية للمستجدات، فضلًا عن تحقيق تكامل شامل مع مختلف الإدارات لدعم انسيابية العمليات التدريبية دون عوائق، وانتشار جغرافي يغطي مراكز ومقرات التدريب داخل وخارج المنشأة، مما يعزز من الاستفادة القصوى من الموارد البشرية الوطنية. وتُعد "منصة المتدرب" رؤية إستراتيجية شاملة تهدف إلى تسريع جاهزية الكوادر الوظيفية الجديدة وتقليص فترة التأهيل، ورفع مهنية وكفاءة الكادر الصحي والإداري عبر فرص تدريبية نوعية ذات جودة عالية، وتسهم المنصة في تعزيز تنافسية المنشأة على المستويين الوطني والدولي في مجالات التدريب والاعتماد وجودة الأداء المؤسسي، وترسيخ سمعتها مؤسسة ذكية رائدة في تبني أفضل ممارسات التحول الرقمي وبناء مستقبل مستدام للموارد البشرية.


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
مناقشة الابتكار التقني في إدارة أزمات الحج
انطلقت أعمال منتدى "الصحة والأمن في الحج" أمس في نسخته الثانية، الذي تنظمه الإدارة العامة للخدمات الطبية بوزارة الداخلية ممثلة بمستشفى قوى الأمن بمكة المكرمة. ويتضمن المنتدى ورش عمل تُقام خلال المدة من (20) إلى (22) من ذي القعدة (1446) هـ، لمناقشة الابتكار التقني في إدارة الأزمات خلال الحج، وبناء النموذج الابتكاري من الفكرة إلى التنفيذ، والابتكار الصحي ونموذج العمل "أمثلة على إدارة الحشود". وتقام يومي (28) و(29) من ذي القعدة (1446)هـ، مسابقة "الهاكاثون الصحي الأمني"، ويومي (1) و(2) من ذي الحجة (1446)هـ معرض وجلسات حوارية ومحاضرات علمية في نادي منسوبي وزارة الداخلية بمكة المكرمة، بمشاركة نخبة من المتخصصين في المجالات ذات العلاقة. ويهدف المنتدى إلى تعزيز التكامل بين الجهات الصحية والأمنية في موسم الحج من خلال تبادل الخبرات، وطرح حلول ذكية لإدارة الأزمات، وتطوير كفاءات العاملين في هذا المجال، ويمكن للمهتمين التسجيل من خلال موقع المنتدى


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
العلاج بالنسيان.. علم يعيد تعريف الشفاء
العلاج بالنسيان لا ينادي بإنكار الماضي، بل بتحرير العقل من قيوده، فالنسيان كآلية علاجية ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو جزء من عملية أوسع تهدف إلى إعادة معالجة الذكريات السلبية وتقليل تأثيرها العاطفي.. كما أن النسيان الكامل للتجارب المؤلمة قد لا يكون ممكنًا أو مرغوبًا فيه دائمًا، إذ يمكن أن تُصبح بعض الذكريات دروسًا تعزز المرونة النفسية.. في عالم يقدس الذاكرة، يبرز سؤال جريء: هل يمكن تحويل النسيان من مجرد خلل عصبي إلى أداة علاجية؟ يثير مفهوم "العلاج بالنسيان" جدلا واسعا بين العلماء والأطباء، لكن الأبحاث الحديثة تقدم أدلة على أنه ليس خيالا علميا، بل نهجا واعدا لمساعدة من يعانون من ذكريات مؤلمة. الذاكرة ليست أرشيفا ثابتا، بل عملية حية تعاد صياغتها باستمرار. فعندما نسترجع حدثا تصبح الذكرى هشة لفترة قصيرة قبل أن تخزن مجددا، وهي ظاهرة تسمى إعادة التوطيد (Reconsolidation). اكتشفت هذه الآلية في عام 2000، وأصبحت أساسا لعلاجات تهدف إلى تخفيف الشحنات العاطفية للذكريات السلبية. كما يوضح إريك كانديل، عالم الأعصاب الحائز على جائزة نوبل: "الذاكرة كالنقش على الرمل؛ يمكن تعديلها قبل أن تجف". يعمل العلاج بالنسيان عن طريق عدة استراتيجيات؛ منها العلاج بالتعريض (Exposure Therapy) الذي يعتمد على مواجهة المواقف المسببة للقلق تدريجيا، ما يقلل من استجابة الخوف عبر تعويد الدماغ على الربط بين الحدث والأمان بدلا من الرعب، وقد حقق مرضى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) تحسنا ملحوظا بعد جلسات مدمجة مع إعادة التوطيد. وهناك استراتيجية منع استرجاع الذاكرة (Memory Suppression)؛ فالدماغ قادر على "قمع" الذكريات عن عمد عبر آلية القمع النشط، ما يضعف الروابط العصبية المرتبطة بها، هذه التقنية تشبه "حذف ملفات" من نظام تخزين البيانات الدماغي. وهناك استراتيجية التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)؛ حيث يستخدم هذا الأسلوب نبضات مغناطيسية لتحفيز مناطق محددة في الدماغ (مثل القشرة الأمامية) لتقليل نشاط المناطق المرتبطة بالذكريات السلبية. للنسيان فوائد متعددة؛ فهو مفيد في تخفيف الأعباء النفسية؛ فالذكريات المؤلمة تغذي اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق. فتقليل شحنة الذكريات العاطفية يقلل من نوبات الذعر. ومن فوائده تعزيز المرونة العاطفية؛ فالنسيان الانتقائي يساعد الأفراد على التركيز على الحاضر بدلا من التشبث بالماضي. وهذا يعزز اتخاذ قرارات مدروسة بدلا من ردود الأفعال الاندفاعية. ومن فوائد النسيان تحسين العلاقات الاجتماعية؛ حيث إن تذكر الإهانات أو الخلافات القديمة قد يغذي الكراهية. فالأشخاص القادرون على "نسيان" الخلافات يتمتعون بعلاقات أكثر استقرارا. ومن فوائده كذلك زيادة التركيز على الأهداف؛ فالأفراد الذين يتخلصون من الذكريات السلبية يكونون أكثر إنتاجية في العمل والدراسة، لأن عقولهم غير مشغولة بـ "أشرطة" الماضي المتكررة. لا يزال محو الذكريات تماما غير ممكن، بل الهدف هو فصل المحتوى العاطفي عن الحدث، وتحذر المنظمة العالمية للصحة النفسية من استخدام هذه التقنيات لإخفاء ذكريات جماعية (كجرائم الحرب)، مع التشديد على أنها يجب أن تستخدم فقط لتخفيف المعاناة الفردية. أحدثت التكنولوجيا الحيوية ثورة في هذا المجال، ففي عام 2024 نجح باحثون في جامعة ستانفورد باستخدام تقنية التعديل الجيني (CRISPR) لاستهداف الجينات المرتبطة بترسيخ الذكريات السلبية في تجارب على الحيوانات. النتائج الأولية تظهر إمكانية "إطفاء" استجابة الخوف دون التأثير على الذاكرة نفسها، ما يفتح آفاقا لعلاجات أكثر دقة. بالإضافة إلى ذلك، طورت خوارزميات الذكاء الاصطناعي نماذج تتنبأ بالذكريات عالية الخطورة التي قد تسبب انتكاسات نفسية، ما يساعد الأطباء على تصميم خطط علاجية استباقية. على سبيل المثال، تحلل هذه الأنظمة أنماط النوم ونشاط الدماغ لتحديد الذكريات التي تحتاج إلى "إعادة صياغة". النظام العصبي لا يخزن كل شيء؛ فهو ينسى عمداً لتحسين الكفاءة الإدراكية. هذا النسيان النشط قد يكون مفتاحًا لفهم الاضطرابات النفسية. والذاكرة ليست فيديو تسجيليًا، بل كتاب يُعيد كتابته كل مرة نتذكر فيه. هذا يفتح أبوابًا للتدخل العلاجي عبر تعديل هذه الذكريات. ولا يمكننا أن ننسى ذكرياتنا السيئة، لكن يمكننا أن نختار ألا نسمح لها بحكم حياتنا. الصدمة لا تُنسى، لكن يمكننا أن نعلِّم العقل والجسم أن يتوقفان عن إعادة تمثيلها. والنسيان الموجه للذكريات السلبية باستخدام تقنيات التحفيز المغناطيسي العابر أظهر فعالية في تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق. العلاج بالنسيان لا ينادي بإنكار الماضي، بل بتحرير العقل من قيوده. يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه: "من ينظر إلى الماضي بعين الرحمة، يستطيع بناء مستقبل بلا أسر". اليوم، يقدم العلم أدوات لتحقيق هذا الهدف، لكن المفتاح الحقيقي يبقى في كيفية استخدامنا لها بمسؤولية. وهذه الابتكارات تذكرنا أن العلاج بالنسيان ليس مجرد حذف للماضي، بل تحرير للطاقة العقلية لإعادة استثمارها في البناء. يقول كارل يونغ: "الذي لا يستطيع تذكر الماضي، محكوم بتكراره". اليوم، يصبح الشفاء ممكنا ليس بالنسيان المطلق، بل بالاختيار الواعي لما نحمله معنا. النسيان كآلية علاجية ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو جزء من عملية أوسع تهدف إلى إعادة معالجة الذكريات السلبية وتقليل تأثيرها العاطفي.. كما أن النسيان الكامل للتجارب المؤلمة قد لا يكون ممكنًا أو مرغوبًا فيه دائمًا، إذ يمكن أن تُصبح بعض الذكريات دروسًا تعزز المرونة النفسية. يقول سيغموند فرويد: "التذكر هو بداية الشفاء، لكن أحيانًا يُصبح النسيان ضروريًا لحماية العقل من آلام لا يمكن تحملها".