logo
صواريخ طهران تكتب التاريخ: انكشاف الهيمنة وبداية العالم المتوازن

صواريخ طهران تكتب التاريخ: انكشاف الهيمنة وبداية العالم المتوازن

لا تُكتب الفصول الحاسمة في البيت الأبيض، ولا تُحسم في الكنيست، ولا تُخطط في دهاليز مراكز التفكير الغربية، بل تُصاغ على الأرض، حيث تقاوم الشعوب بالكلمة والصاروخ.
كان المشهد كاشفًا أكثر من أي بيان أو تصريح: دونالد ترامب، الذي ما انفك يتوعد إيران ويهدد بـ'تغيير النظام'، يظهر فجأة بهيئة رجل يبحث عن مخرج مشرّف من ورطة لا يملك السيطرة على تداعياتها. يقولها صراحة: 'نتمنى لإيران السلامة!'، فيما لا تزال الصواريخ الإيرانية تُمطر قلب الكيان الصهيوني حتى اللحظة الأخيرة قبل دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. أما تل أبيب، التي لطالما تغنت بتفوقها العسكري، فقد وجدت نفسها تلتزم بالهدنة من طرف واحد، صامتة أمام مشهد الرد الإيراني الهادئ والواثق.
ما جرى لم يكن مجرّد تبادل نار أو تسوية مرحلية. لقد شهدنا لحظة نادرة تتقاطع فيها الجغرافيا مع التاريخ: انكشاف مزدوج لأركان الهيمنة الأميركية والصهيونية، وتثبيتٌ لصعود معسكر جديد يفرض شروطه على الميدان لا على الورق؛ فبينما كانت واشنطن تراهن على كسر الإرادة، فوجئت بإيران تمتص الضربة وترد بفعالية محسوبة، وبمحور مقاومة لا يرتجف، بل ينسّق، ويضرب، ثم يفاوض من موقع الندّ.
من هذه اللحظة بالذات، لا يمكن قراءة العالم بالنظارات القديمة نفسها. من هذه اللحظة، يمكن أن نقول: ولّى زمن الإمبراطورية المنفردة، وبدأ زمن التعددية السيادية. انكشاف الغطرسة
منذ أسابيع، كان الخطاب الأميركي والصهيوني يفيض بالغطرسة. واشنطن تتحدث عن خيارات مطروحة على الطاولة، وتلوّح بتغيير النظام في طهران، فيما تل أبيب توزع تهديداتها في كل اتجاه، كأنها صاحبة الكلمة الفصل في معادلات الإقليم، لكن الأيام القليلة الماضية أظهرت أن تلك التصريحات كانت أضعف من الواقع، وأن صوت الصواريخ أبلغ من تغريدات القادة.
جاءت الضربة الأميركية محدودة في أثرها، مثيرة للجدل حتى داخل المؤسسات الأميركية ذاتها، وعاجزة عن فرض واقع جديد. أما الرد الإيراني، فكان محكومًا بعقل الدولة، لكنه في الوقت ذاته حمل رسالة واضحة: لا يستطيع أحد تجاوز طهران من دون أن يدفع الثمن. وحين أعلنت إسرائيل التزامها بوقف إطلاق النار، لم يكن ذلك ناتجًا من رغبة في التهدئة، بل من إدراك مؤلم لحجم الخسارة المحتملة إذا استمر التصعيد.
في تلك اللحظة، انكشفت الغطرسة، وتراجع الخصم خطوة إلى الوراء. كانت تلك الخطوة، رغم كل محاولات التجميل الإعلامي، اعترافًا صامتًا بفشل خيار الحسم، وبدء مرحلة جديدة قوامها التوازن لا التفرد، والردع المتبادل لا اليد العليا. الفعل المحسوب في لحظة الاشتعال
لم يكن الرد الإيراني مجرد فعل ثأري، بل كان درسًا مكتوبًا بدقة في دفتر الحرب الباردة الساخنة، فالصواريخ التي انطلقت نحو مواقع عسكرية إسرائيلية مختارة لم تكن عشوائية ولا عاطفية، بل محكومة بعقل الدولة العميقة، ورسالة مدروسة تقول: إيران لا تُستفز بسهولة، لكنها لا تُضرب دون رد.
ما ميّز الرد الإيراني أنه جاء في توقيت محسوب، وضمن سقف لا يدفع المنطقة إلى الانفجار، لكنه في الوقت ذاته كسر صورة الدولة التي يمكن ضربها بلا عقاب. وقد أدرك الأميركيون قبل الإسرائيليين أن طهران لا ترد تحت الضغط، بل تختار لحظتها وتضرب في المكان الذي توجعه دون أن تفتح أبواب التصعيد غير المضبوط.
هذا الرد لم يُربك غرف العمليات فقط، بل بعثر أوراق الخطاب الغربي، فقد أرادت واشنطن اختبار جدية إيران، فإذا بها تتلقى اختبارًا مضادًا لحدود هيبتها. أما ترامب، الذي هدّد ثم تمنّى السلامة، فقد بدا كمن تراجع مضطرًا بعد أن شعر بأن اللعبة على وشك أن تنفلت من يده. بين التراجع البنيوي والاستعداد الكامن
لم يكن محور المقاومة بمنأى عن التحولات الجارية في السنوات الأخيرة، فقد تلقى ضربات موجعة على أكثر من جبهة، كان أبرزها فقدان حزب الله لعدد من أبرز قادته، وفي مقدمتهم قائده الفذ، ما ألقى بظلاله على فاعليته العسكرية والسياسية. ومع سقوط نظام بشار الأسد وخروج سوريا فعليًا من معادلات التأثير، بدا المشهد وكأن المحور يتآكل، ولم يتبقَّ فيه سوى حركة أنصار الله التي تقاتل على جبهة اليمن، والمقاومة العراقية التي تحاول استعادة تموضعها.
ومع ذلك، فإن ما كشفت عنه الساعات الحرجة بعد الضربة الأميركية، هو أن المحور، رغم تراجعه النسبي، ما زال يملك ما يكفي من الجاهزية والخبرة ليُبقي حضوره مُربكًا، فقد توقّع كثيرون أن تتدخّل بغداد أو بيروت عسكريًا لحظة شعورها بخطر داهم على طهران، لأنهم يدركون أن تحييد إيران — إن حدث — يعني نهاية المشروع بأكمله.
صحيح أن القرار لم يُتخذ بالتورط المباشر، لكن مجرّد بقاء المحور في وضع الاستعداد وإبقاء جبهاته مفتوحة، ولو بالنار الرمزية، أعطى الانطباع بأن الرد لن يكون إيرانيًا فقط، بل سيكون إقليميًا إذا لزم الأمر. لقد استعاد المحور بعض توازنه من بوابة الضرورة، لا الوفرة، ومن منطق الحفاظ على ما تبقى، لا توسيع النفوذ. حين تقدمت العواصم الإقليمية وتراجعت الكواليس الغربية
في لحظة بدا فيها أن العالم على شفا اشتعال واسع، لم تكن باريس ولا لندن ولا حتى واشنطن هي من تصدّر مشهد الوساطة. من قاد خط التهدئة كانت الدوحة، بعلاقاتها المعقدة مع الجميع، وبقدرتها على التحرك بين خطوط النار دون أن تُحترق. لم تكن هذه المرة الأولى التي تؤدي فيها دورًا دبلوماسيًا، لكنها بدت هذه المرة كأنها تملأ فراغًا تركته العواصم الغربية، لا تشاركه فقط.
التحوّل لم يكن في الأدوار فقط، بل في المعاني. أن تكون دولة إقليمية، غير مصنّفة ضمن «اللاعبين الكبار»، هي من يقنع ترامب بالصمت، ومن يقرّب وجهات النظر بين طهران وتل أبيب، فهذا إعلان ضمني أن مركز الثقل الدولي يتحرك، وأنه لم يعد حكرًا على من يملك مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن.
لقد كشف وقف إطلاق النار، بكل هشاشته، عن لحظة انتقالية؛ لحظة تدرك فيها واشنطن أنها لا تملي الشروط وحدها، وتفهم فيها العواصم الأخرى — من أنقرة إلى الدوحة، ومن القاهرة إلى مسقط — أن زمن الوسيط الأميركي الأوحد قد انتهى، أو على الأقل لم يعد كافيًا. ملامح النظام الذي يُولد من النار
حين تتراجع الإمبراطورية، لا يعني ذلك أن بديلاً جاهزًا يقف عند الباب، بل أن العالم يدخل طور التحوّل، وهذا تمامًا ما نعيشه الآن: لا نظام جديد رُسم في المؤتمرات، ولا شرق ينهض ليملأ فراغ الغرب، بل عالم يتشكل عبر التوازنات، لا الغلبة؛ عبر الردع المتبادل، لا التفوق المطلق.
لقد أظهرت إيران — ومعها القوى الإقليمية الصاعدة — أن الضربة لا تقتل ما لم تُسند باستراتيجية شاملة، وأن الرد لا يحتاج إلى قنابل نووية كي يُحدث فرقًا. في مقابل ذلك، بدت واشنطن عاجزة عن فرض إرادتها، وتل أبيب مرتبكة أمام محدودية القوة، وأوروبا غائبة في لحظة كانت تحتاجها لتثبت أنها ليست مجرد تابع.
هذا العالم الجديد لا تحكمه شعارات الديمقراطية الغربية، ولا ينظّمه اقتصاد السوق وحده، بل تصوغه معادلات أكثر واقعية: مَن يملك الإرادة، والقدرة على الصمود، والشرعية في عيون شعوبه. إنه عالم لا يُدار بالعسكرة، بل يُولد من النار، من التصدعات، من فشل النماذج القديمة، وبحث الشعوب عن معنى جديد للكرامة والسيادة. التاريخ يُكتب من حيث لا ينتظره أحد
ليس سهلاً أن تعترف إمبراطورية بقرب أفولها، ولا أن تتراجع دولة احتلال عن غطرستها دون أن تجرؤ على التصريح بذلك، لكن الأفعال دومًا أصدق من الأقوال، فما جرى لم يكن مجرّد مناوشة، بل لحظة مفصلية في مسار التحولات الكبرى: إيران صمدت، وردّت، وفرضت حضورها كرقم لا يمكن تجاوزه في المعادلة. أما محور المقاومة، فرغم ما أصابه من إنهاك وفقدان، لم يُقصَ من المشهد، بل أكد أنه حين تشتد الأخطار، يعود إلى الواجهة كعامل ردع حاضر، وإن بصوت خافت.
في المقابل، ارتبك الخصم وتراجع، لا لأن موازين القوة انقلبت فجأة، بل لأن مَن راهنوا على الحسم أدركوا — ولو متأخرين — أن في هذه الأرض من لا يُقهر، لا بضربة استباقية ولا بعقوبة اقتصادية.
هكذا، لا تُكتب الفصول الحاسمة في البيت الأبيض، ولا تُحسم في الكنيست، ولا تُخطط في دهاليز مراكز التفكير الغربية، بل تُصاغ على الأرض، حيث تقاوم الشعوب بالكلمة والصاروخ، بالعقل والانتماء.
التاريخ الآن يعيد ترتيب نفسه، وهذه المرة، لا تُكتب الرواية من واشنطن… بل من الشرق، من حيث ظنّوا أن لا أحد يكتب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إلهامي المليجي

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كشف صادم من ترامب: لماذا ظهرت سيارات غامضة في المنشآت النووية الإيرانية قبل الضربات؟
كشف صادم من ترامب: لماذا ظهرت سيارات غامضة في المنشآت النووية الإيرانية قبل الضربات؟

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

كشف صادم من ترامب: لماذا ظهرت سيارات غامضة في المنشآت النووية الإيرانية قبل الضربات؟

في تصريح مثير، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيل جديدة حول الضربات الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، مؤكدًا أن طهران لم تتمكن من نقل أي من معداتها النووية قبل الضربات. وقال ترامب: "لم يتم إخراج أي شيء من منشآت فوردو وأصفهان ونطنز النووية قبل ضرباتنا". وأوضح ترامب أن السيارات والشاحنات الصغيرة التي ظهرت في صور الأقمار الصناعية للمواقع النووية كانت لعمال الخرسانة الذين حاولوا يائسين تغطية قمم الأعمدة النووية، وليس لنقل المعدات. وأضاف: "نقل هذه المعدات يستغرق وقتًا طويلاً وهو خطير جدًا، لأنها ثقيلة جدًا ويصعب تحريكها". جاءت تصريحات ترامب بعد يوم من تأكيد البيت الأبيض أن إيران لم تنقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب قبل الضربات الأمريكية، مما يثير تساؤلات حول مدى الأضرار الحقيقية التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني. هذه التصريحات تكشف أيضًا عن دقة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية في تتبع كل حركة إيرانية. المصدر مساحة نت ـ رزق أحمد

إيران وقطر وغزة: أسئلةٌ عالقةٌ بعد انتهاء حرب الاثني عشر يوماً
إيران وقطر وغزة: أسئلةٌ عالقةٌ بعد انتهاء حرب الاثني عشر يوماً

المشهد اليمني الأول

timeمنذ 5 ساعات

  • المشهد اليمني الأول

إيران وقطر وغزة: أسئلةٌ عالقةٌ بعد انتهاء حرب الاثني عشر يوماً

الترابط بين جبهات محور المقاومة والتداخل العضوي بين الأطراف المعتدية في المقابل يجعلان نتائج المعارك مترابطةً ببعضها البعض. وبالتالي، لا يمكن عزل تداعيات فشل العدوان على إيران عن غزة. مع انتهاء الحرب الأولى من نوعها بين إيران والكيان، برزت إلى الواجهة ثلاثة تساؤلاتٍ رئيسةٍ شغلت الأوساط السياسية والإعلامية: · هل خرجت الجمهورية الإسلامية منتصرة؟ · هل كان قصف قاعدة العديد خطأً سياسيًا؟ · أين موقع غزة من مجمل مشهد المواجهة؟ يسعى هذا المقال إلى تناول هذه الأسئلة بالتحليل والتمحيص عبر تخصيص فقرةٍ مستقلةٍ لكلٍّ منها، بما يُسهّل على القارئ متابعة خيوط النقاش. من انتصر؟ أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بطريقته الاستعراضية المعهودة، دعوته إلى وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهيوني، وذلك عقب وقتٍ قصير من توجيه الجمهورية الإسلامية ضربةً صاروخيةً استهدفت المقرّ الأمامي للقيادة المركزية الأميركية في قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تُعد أكبر قاعدة عسكرية أميركية في منطقة غرب آسيا، وحجر الزاوية في استراتيجية واشنطن الجوية في الإقليم. وقد جاءت تلك الدعوة لوقف إطلاق النار مفاجِئةً للجميع، بمن فيهم فريق ترامب ومستشاروه، لتفتح بعدها الباب على مصراعيه للجدل حول من خرج منتصرًا في حرب الاثني عشر يومًا؟ لم تكن أهداف العدوان الثنائي الصهيو-أميركي على الجمهورية الإسلامية فجر الجمعة 13 حزيران 2025 خفيةً؛ إذ سبق لترامب أن عرض على إيران ما سماه «الاستسلام غير المشروط» مع انطلاق العدوان، والذي تضمّن وقفًا تامًا لبرنامجيها الصاروخي والنووي، إضافةً إلى التخلي الكامل عن دعمها لقوى التحرر العربي والإسلامي، وهي الشروط ذاتها التي كرّرها وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا أمام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال محادثات جنيف في 20 حزيران 2025، بوصفها شروطًا مسبقةً لإيقاف العدوان، إلّا أن الجمهورية الإسلامية رفضت حتى مجرّد مناقشة هذه الشروط رفضًا قاطعًا. لم تمضِ سوى ثلاثة أيام على تلك المحادثات حتى تلاشى حديث ترامب عن «الاستسلام غير المشروط»، وذهبت الشروط الثلاثة أدراج الرياح، وتمّ الإعلان عن وقف العمليات الحربية بين الأطراف المتحاربة دون توقيع أي اتفاقٍ مكتوب أو تقديم أي التزاماتٍ محدّدة، ليتم ترك تحديد المنتصر والمهزوم لنتائج الميدان وحده. لقد أثبتت الضربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة على الكيان، التي جاءت أشدّ وقعًا من سابقاتها، والتي استخدم فيها حرس الثورة الإسلامية أنواعًا جديدة من الصواريخ الاستراتيجية، أن برنامج إيران الصاروخي لم يُصَب بأضرار جوهرية. أمّا على صعيد البرنامج النووي، فلم تغيّر إيران موقفها قيد أنملة بشأن حقها السيادي في تخصيب اليورانيوم على أراضيها وفق ما تراه ضروريًا، كما احتفظت بمخزونها الذي يقدّر بنحو 9379 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصّب على درجات نقاء متفاوتة، من بينها نحو 409 كيلوغرامات من اليورانيوم عالي التخصيب (بنقاء 60%). فضلًا عن ذلك، فإن أيّ أضرار لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية تبقى، وفق اعتراف العدوّ نفسه، قابلةً للترميم، ولا سيما أن برنامج إيران النووي برنامجٌ وطني بامتياز، إذ إنّ تلك المنشآت وأجهزة الطرد المركزي وغيرها من مكونات البرنامج هي صناعةٌ محليةٌ خالصة. من نافلة القول إن الجمهورية الإسلامية ليست في وارد التراجع عن دعمها الاستراتيجي لقوى المقاومة في المنطقة، وهي حقيقةٌ يُدركها جيدًا الطرف المعتدي. بهذا العدوان، يكون المحور الصهيو-أميركي قد استنفد ورقة الخيار العسكري التي لطالما هدد بها، والتي كانت الورقة التفاوضية الأقوى بيده خلال الجولات السابقة على مدى العقود الماضية، دون أن يحقّق أي نتائج حاسمة. هذه النتيجة تحديدًا هي ما حذّر منه العديد من صنّاع القرار في الولايات المتحدة، بمن فيهم الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ إذ مَن عساه يمتلك الآن موقعًا تفاوضيًا أفضل، بعد استنزاف أوراق الخيار العسكري، هذا إن قرّرت إيران العودة إلى طاولة المفاوضات أصلًا؟ تدلّل جميع المعطيات على أن الجمهورية الإسلامية خرجت منتصرةً من هذه الحرب، وأنها باتت على طريق تحقيق نقلةٍ استراتيجية نوعية على الصعيدين الإقليمي والدولي، نقلة تشبه في دلالاتها التاريخية والسياسية انتصار مصر عبد الناصر على العدوان الثلاثي عام 1956. ولتقييم عمق هذا الانتصار ودلالاته، يكفي استذكار دعوات نتنياهو التحريضية للشعب الإيراني إلى التمرد على دولته عشية العدوان، فضلًا عن بعض التحليلات الإقليمية والغربية التي راهنت على قرب سقوط الحكم الإيراني وانهيار الدولة؛ فأين تقف تلك التحليلات اليوم من حقائق الميدان؟ قصف قاعدة العديد في قطر أبدى بعضُ حسني النيات تحفظًا بشأن استهداف إيران لقاعدة العديد الأميركية في قطر، معتبرين أن ذلك يمثّل انتهاكًا لسيادة دولة شقيقة، ويتعارض مع قواعد القانون الدولي، الأمر الذي قد يُفقِد إيران جانبًا من التأييد الدولي الذي حازته في مواجهتها للعدوان، كما قد يؤثر سلبًا في العلاقات الأخوية بين إيران وقطر، وتُطرح هنا عدة إشكالاتٍ حول هذه التحفظات. أثبتت أحداث العامين الماضيين، بما لا يدع مجالًا للشك، أنّ القانون الدولي، أقلّه في هذه المرحلة التاريخية، لم يعد سوى مجرّد حبرٍ على ورق، ولا سيما في ظل حالة السيولة الدولية، وذلك في ظل إرهاصات تَشكُّل نظامٍ عالميٍ متعدّد الأقطاب بعد عقود من العالَم أحادي القطب. إن فشل العالم في وقف الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ زهاء عشرين شهرًا، وعجز محكمتي العدل والجنايات الدوليتين عن محاسبة قيادات الكيان الصهيوني، وفي مقدّمتهم المتهم بجرائم الحرب بنيامين نتنياهو، إلى جانب إخفاق المجتمع الدولي في إدانة الاعتداء الصارخ على منشآت نووية سلمية لدولةٍ عضوٍ في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من قبل دولتين نوويتين، كل ذلك دفع العديد من خبراء القانون الدولي إلى الإعلان عن وفاة هذا القانون عمليًا. لذلك، فإن مناقشة قانونية الرد الإيراني على قواعد عسكرية، كان قد تم بالأصل استخدامها للاعتداء على سيادة الجمهورية الإسلامية وسلامة أراضيها، يغدو في أفضل أحواله ترفًا فكريًا لا يتلاءم مع خطورة المرحلة الراهنة. أما عن التداعيات السياسية لاستهداف قاعدة العديد، من قبيل فقدان إيران للتعاطف الدولي أو تراجع مشروعية تصديها للعدوان، فقد جاءت النتائج معاكسةً لهذه التوقعات، إذ لم يتأثر التضامن الدولي مع إيران، ولم تُمس مشروعية دفاعها عن النفس، ما يؤكد صواب تقديرها السياسي. علاوةً على ذلك، فقد أظهرت الحكومة القطرية تفهّمًا ضمنيًا لرد الفعل الإيراني، برغم ما صدر عن وزارة الخارجية القطرية من بيانٍ دبلوماسي تقليدي، ولا سيما أن إيران كانت قد اتخذت أقصى درجات الحيطة والحذر لتفادي إلحاق أيّ ضرر بالبنية التحتية القطرية أو سلامة الأشقاء القطريين. أما من المنظورين القومي والتحرّري، وهما الجانبان الأكثر أهميةً في هذا السياق، فإن النقاش لا يطال حقيقة أن هذه القواعد الأميركية المنتشرة في منطقتنا، وعلى رأسها قاعدة العديد في قطر، تعد من أبرز أدوات إدامة الهيمنة الغربية على مصير الأمة، فهي التي استُخدمت قواعد انطلاقٍ للعدوان على شعوب المنطقة ودولها، إذ أدار الأميركي من قاعدة العديد احتلال العراق، واحتلال أفغانستان، وعمليات تزويد الكيان الصهيوني بالذخائر التي يستخدمها في جريمة الإبادة الجماعية الموصوفة المتواصلة في غزة منذ عشرين شهرًا، فضلًا عن دعمه لحروبه العدوانية السابقة على غزة ولبنان واليمن. وتُعدّ هذه القاعدة، دون مبالغة، الأخطر والأقذر في منطقتنا، بما تشكّله من مركز لقيادة العدوان وإدارة الخراب. ماذا عن غزة؟ لا يمكن فصل التطورات الإقليمية خلال السنتين الأخيرتين، وما رافقها من تصعيدٍ في ساحاتٍ أخرى، عمّا يجري على أرض غزة، فاستمرار جريمة الإبادة الجماعية ضد الغزيين يعد الأصل في حالة التوتر الراهنة في المنطقة. لذلك، فإن أي مسعى لاستعادة الهدوء النسبي في الإقليم ينبغي أن يشمل بالضرورة وقف العدوان على غزة، وهذه مسؤوليةٌ تقع على عاتق جميع الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية والوسيط القطري، اللذان كانا جزءًا من مشهد حرب الاثني عشر يومًا الأخيرة والوساطة التي أفضت إلى وقفها. لكن، أيًا يكن الحال، فإن الترابط الوثيق بين جبهات محور المقاومة، والتداخل العضوي بين الأطراف المعتدية في المقابل، يجعلان نتائج المعارك مترابطةً ومتأثرةً ببعضها البعض. وبالتالي، لا يمكن عزل تداعيات فشل العدوان الصهيو-أميركي على الجمهورية الإسلامية عن ساحة غزة، التي تظل في القلب من مشهد المواجهة. برغم استمرار مظاهر الألم والقهر والموت والجريمة الخسيسة التي يرتكبها المحور الصهيو-أميركي ضد كلّ ما هو في غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية المسلحة تقاتل بكفاءة استثنائية وعنفوان ثابت. في المقابل، يعاني جيش الاحتلال من كمائنَ وهجماتٍ نوعية تُكبّده خسائر بشرية ومادية مستمرة، حتى باتت الحرب مفتقرةً لأي أفق عسكري، وتشكل عبئًا عسكريًا وسياسيًا ثقيلًا على كاهل الكيان ومأزقًا أخلاقيًا ودبلوماسيًا واضحًا لداعميه. أمّا الآن، وفي ضوء الضربات القاسية التي طالت المرافق العسكرية والاقتصادية في الكيان المؤقّت خلال المواجهة الفاشلة مع الجمهورية الإسلامية، فإن نتنياهو سيعود لمواجهة التداعيات المتراكمة لحربه المستمرة على غزة، مضافًا إليها تداعيات الإخفاقات العسكرية والسياسية الجديدة التي تكبّدها الكيان مؤخّرًا. وعلى الأرجح، فإن حماسة الأميركي لاستمرار الحرب في المنطقة سوف تتراجع على وقع هذه التطورات المتلاحقة. هذه العوامل، القديمة منها والمستجدة، سوف تصب في مصلحة الفلسطينيين، وستُسرّع بالضرورة مسار الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة؛ ذلك أنّ مفهوم تشابك المسارات الإقليمية أصبح اليوم أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى. ــــــــــــــــــــــــــــــــ عمرو علان

«جبل الفأس» في إيران.. حصن نووي أعمق من «فوردو ونطنز»
«جبل الفأس» في إيران.. حصن نووي أعمق من «فوردو ونطنز»

اليمن الآن

timeمنذ 5 ساعات

  • اليمن الآن

«جبل الفأس» في إيران.. حصن نووي أعمق من «فوردو ونطنز»

رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدمير منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، تتصاعد المخاوف الغربية من انتقال القلب النابض للبرنامج النووي إلى قلعة جبلية سرية يُشار إليها باسم "جبل الفأس". يقع "جبل "الفأس" المعروف محليًا باسم "كوه كولانغ غاز لا"، على بعد حوالي 145 كيلومترًا جنوب منشأة فوردو النووية، وقريبًا جدًا من موقع نطنز النووي في محافظة أصفهان وسط إيران، وفقا لصحيفة ذا صن البريطانية. يُعتقد أن هذا الموقع السري الجديد هو منشأة نووية عميقة تحت الأرض، حيث تم حفر أنفاق واسعة ومدخلين شرقيين واثنين غربيين، كل منها بعرض 6 أمتار وارتفاع 8 أمتار، ويُقدر عمق المنشأة بحوالي 100 متر تحت سطح الأرض، مما يجعلها أكثر تحصينًا وأمانًا مقارنة بمواقع فوردو ونطنز. خلال السنوات الأربع الماضية، تم توسيع وتعزيز هذه المنشأة بشكل سري، مع بناء شبكة أنفاق معقدة تؤدي إلى منشآت تحت الجبل، وهو ما يظهر بوضوح في صور الأقمار الصناعية الحديثة، وفق الصحيفة. ويعتقد خبراء أن هذا الموقع قد يكون ملاذًا مثاليًا لتخزين اليورانيوم المخصب الذي تم تهريبه من منشأة فوردو قبل الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، حيث تشير تقارير إلى فقدان نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وهو ما يكفي لإنتاج عدة رؤوس نووية. وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، قد أشار إلى أن إيران رفضت الإفصاح عن طبيعة الأنشطة تحت جبل الفأس، قائلين له "ليس من شأنكم"، لكنه أكد أن وجود أنشطة نووية سرية ومخزونات غير معلنة تحت الأرض لا يمكن استبعاده. ويثير هذا الموقع الجديد قلقًا دوليًا كبيرًا، إذ إن عمقه الكبير يجعل من الصعب على قنابل الاختراق الأمريكية، مثل قنبلة جي بي يو-57 الضخمة التي استخدمت في الغارات الأخيرة، الوصول إلى المنشأة وتدميرها. تُعتبر هذه المنشأة تعبيرًا عن استراتيجية إيران في حماية برنامجها النووي من الضربات الجوية، عبر نقل الأنشطة الحيوية إلى مواقع عميقة تحت الأرض يصعب الوصول إليها. ويُعتقد أن جبل الفأس مجهز بأحدث أنظمة الحماية الأمنية، مع تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني، مما يزيد من صعوبة أي محاولة اقتحام أو تدمير. وخلال الأيام التي سبقت الغارات الأمريكية، لوحظت تحركات شاحنات تنقل معدات ومواد قرب منشأة فوردو، مما يشير إلى احتمال نقل المواد النووية الحساسة إلى جبل الفأس. ويخشى الخبراء من أن هذا الموقع قد يكون مركزًا لتطوير وتخزين المواد النووية، مما يسمح لإيران بالاستمرار في برنامجها النووي رغم الضربات الجوية. تأتي أهمية جبل الفأس في كونه يمثل تحديًا جديدًا للجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، ويجعل مراقبة ومتابعة الأنشطة النووية الإيرانية أكثر تعقيدًا، خاصة مع رفض طهران التعاون الكامل مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويُتوقع أن تستمر إيران في تعزيز تحصينات هذا الموقع وتطويره، مما يفرض على المجتمع الدولي البحث عن وسائل جديدة لمراقبة وضبط برنامج إيران النووي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store