
أنا في برلين
إنَ هذا التعاملِ الجميل يكون معَ جميعِ الوافدينَ إلى المطار، سواءً منْ الجنسِ الأفريقيِ أوْ الآسيوي، أوْ ما خلقَ الله- سبحانهُ وتعالى- منْ أجناسِ البشرية، فالكلُ سواسيةٌ في الدخولِ وحسب الدورِ المنظمِ لهم، دونُ ضربِ الدورِ( السرة) خلف المراجعين- أوْ مثلاً ، كما في مطار دولةٍ الدومينيكان، لا سامحْ الله، يأتي منْ ظهرِ ضابطِ الجوازات- يدسهُ أوْ يعسه- بخاصرته، ليعطيهُ الجوازات، ويقولَ له : أختمُ هذهِ الجوازاتِالعائدة لفلانِ الفلانيِ بنْ فلانِ الفلانيِ بنْ شيخِ الفلانيِ بنْ السيدْ الفلاني. ففي نظر ضابط الجوازات الالماني،الجميعَ سواسية منْ أحفادِ أبناءِ نبينا آدمْ (ع ) ، لذلك؛ يطبقُ قولهُ تعالى على الجميع: (يا أيها الناس ،إنا خلقناكمْ منْ ذكرِ وأنثى وجعلناكمْ شعوبا وقبائلَ لتعارفوا، إنَ أكرمكمْ عندَ اللهِ أتقاكم) صدقَ اللهُ العظيم. سورةُ الحجرات: 13.
بعدُ دخولكَ المدينة، تستقبلكَ شوارعها العريضة، وتستغربَ منْ عدمِ وجودِ ازدحامِ فيها، للسيارات الخاصة، بسبب توفر وسائلِ النقلِ العامةِ والقطاراتِ والمترو، وهيَ الأرخصُ والأفضلُ بعيدا الصرفَ والتبذيرَ أوْ البحثِ الطويلِ عنْ مكانٍ لركنِ سيارتكَ الخاصةِ.
أما حدائقها، فهيَ مجسماتٌ هندسيةٌ، تتوزعُ على أحياءِ المدينة، بحيثُ تجدُ دائما – الهواءُ النقي- إذ، لا توجدُ أيةُ (كورةٍ ) لمعملِ طابقٍ قديم، يضخَ سمومهُ على العاصمةِ منْ جنوبها أوْ شرقها.
عندما تذهبُ إلى مجمعاتِ المطاعم في أرجاء المدينة، من شارع العرب، والشارع التركي، والاكسندر ، ومجمع سوني وغيرها، وما أكثرها، بتنوعها لكلِ وجباتِ الطعامِ لكلِ شعوبِ العالمِ منْ شرقها لغربية، ومنْ جنوبها لشمالها، منْ الفولِ السوداني، إلى التشريبِ العراقي، إلى الكسكسْ المغربي، إلى البركرِ حلالهُ وحرامهُ الغربيُ والإسلامي، إلى المكبوسِ السعودي، إلى. . .!
لتجدُ مبتغاكَ بسهولة، وتتناولَ ما تشتيهُ عيناكَ قبلَ فمك. ثم، تتجولَ في منطقةِ المتاحفِ الشرقيةِ والغربيةِ لتتمتعَ بتاريخٍ البشرية، وأهمها بابُ عشتارْ العراقيَ الذي ينورُ أحد مداخلَ المتاحفِ الألمانية، بزخرفتهِ الذهبيةِ المطعمة، ويذكرك بتاريخَ وادي الرافدينْ الخالد.
في المساءِ الجميل، ترتقي أحدَ القوارب النهريةِ الجميلة في وسطِ المدينةِ لتطوفَ بكَ عبر (نهرُ شبريه) الذي يتوسطُ المدينةَ ، لترى شوارعَ وأزقةِ وحدائق وحارات برلين الجميلةِ.
في كلِ صباح، تجدَ العشراتِ منْ الشبابِ منْالزوار والسياحِ المحليينَ والأجانب، متوقفينَ أمامَ بوابةِ برلين الشهيرةِ ومدخلها الجميلِ– فيها تمثال الكوادريجا- لعربة تجرها أربع خيول، بنيت في العام 1788- لالتقاطِ بعض الصور التذكارية، ليتجولوا بعدَ ذلكَ في داخل المربعُ التاريخي الجميلُ الذي يضمُ أعرقَ الأبنيةِ التراثية، مزينا، بحدائق ومقاهي وأكشاك صغيرة تفتحُ النفسُ قبلَ القلب. ثم التوجه الى مجلس النواب الالماني ( البوندستاغ الألماني ) لتشاهد هذا المعلم ، برونقته وديكوراته وهندسته الجميلة ، وهنالك العشرات من الكنائس المنتشرة في جميع أحياء المدينة ولكل واحدة تاريخها الذي يحكي إنشائها.
أما الحرية، التي يبحثُ عنها كلُ شبابِ العالم، فتجدها، تترسخَ هنا، فليسَ هنالكَ أيُ تدخلِ منْ أيِ فضوليٍ في خلقِ اللهِ الكريمِ منْ طويلٍ أمْ قصير، أسود أمْ أبيض، فأنتَ إنسانٌ فقط، نقطةُ رأسِ سطرِ هكذا التعاملَ معك! ارتدى ما يليقُ لكَ منْ ملابس، لا فيتو منْ أيِ جهةٍ كانتْ شخصيةً أوْ حكوميةٍ أوْ الأمرِ بالمعروفِ أو النهيِ عنْ المنكر، سواءَ ارتديتُ الكابوكي الممزقبجمالها الرائع: مثلٌ …. . . ! . أمُ الجبةَ الإسلاميةالجميلةِ بحجابها الأنيقِ المزخرف لرابعة العدوية: مثل. . . ! ، فهذا الأمرُ عائدٌ لشخصك الكريم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ 6 ساعات
- الزمان
نسائنا وقدوتهن زينب
منذ فجر التاريخ، شكلت المرأة العراقية رمزاً للصبر والثبات، وقدمت نماذج مضيئة في ميادين النضال والتضحية، لا سيما في الفترات العصيبة التي مر بها البلد من احتلال، حروب، ظُلم، وفقدان. مثلما كانت السيدة زينب بنت علي 'عليهما السلام' مثالًا خالداً للمرأة الصابرة المقاومة، فقد اقتدت بها نسائنا في صبرهن وثباتهن، ورباطة جأشهن أمام الشدائد.السيدة زينب.. مدرسة في الصبر والثبات، كيف لا وهي ولدت في بيت النبوة والإمامة، وترعرعت في مدرسة القرآن والإيمان، وتربّت على يد أبيها أمير المؤمنين علي وأمها الزهراء 'عليهما السلام' واستمدّت من أخيها الحسين روح الفداء والعزة، وكانت شريكته في الكفاح.كانت حاضرة في كربلاء، يوم المصيبة الكبرى، وشهدت استشهاد إخوتها وأبنائها وأهل بيتها، ومع ذلك لم تهتز، ولم تُهزم نفسياً، بل وقفت في مجلس يزيد بكل ثقة وقوة قائلة: «ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم…». ًبهذه الكلمات، قدّمت زينب نموذجاً خالدا، للمرأة المؤمنة الصابرة القوية، التي لا تُكسرها المآسي، بل تجعل منها منبرًا لرفع راية الحق.المرأة العراقية.. صبرها ومواقفها خالدة، فلقد جسدت على مرّ التاريخ، هذا النهج الزينبي في مواقفها، سواء كانت أماً، أختاً، زوجة، أو حتى شهيدة.. ففي الحروب والاحتلال، كانت تُودع أبناءها للقتال، وتنتظر عودتهم إما بالنصر أو بالشهادة، بعين دامعة لكن بقلب راضٍ وصابر.في حرب الثمان سنوات من القرن المنصرم، ثم فترة الحصار في التسعينيات، وبعدها الاحتلال الأمريكي في 2003، وحتى في مواجهة الإرهاب و'داعش'، كانت المرأة العراقية السند للمجتمع، المربية، والمجاهدة بصبرها وقوة إيمانها.نساء شهداء الحشد الشعبي مثال آخر لصبر زينبي عظيم، فالكثير من الأمهات لم يبكين فقط، بل كنّ يوزعن الحلوى عند استشهاد أبنائهن، كما كانت السيدة زينب تُقابل المصيبة بحمد الله والثقة بوعده. التربية الزينبية في مجتمعنا ارتبطت بالسيدة زينب، في الوعي الشعبي بالقوة والثبات، وتُعد مصدر إلهام في المجالس الحسينية، حيث تُروى بطولاتها وتُغرس في نفوس النساء منذ الصغر.. لذلك، نجد أن التربية في البيت عندنا غالبًا ما تقوم على الحكايات الزينبية، التي تؤسس في البنات روح التحدي والاعتزاز بالهوية والدين.المرأة العراقية اليوم، في صبرها وصمودها، هي امتداد حي لزينب بنت علي، تتعامل مع الجراح والمحن بقلب قوي، وتقاوم الفساد والجهل مثلما قاومت جبل الصبر الظُلم والكفر، فصرن و كأنهن يقتفين خطوات زينب، التي وإن غُيبت عن العناوين الإعلامية، فإنها حاضرة في واقع العراق وروحه.


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
لقاء الإخوة الحجاج من قافلة الحاج سعيد خليل في الموصل… تجديد للمحبة بعد أداء المناسك
في أجواء يملؤها الفرح والسكينة، اجتمع الإخوة الحجاج من قافلة الحاج سعيد خليل بعد أدائهم لفريضة الحج المباركة، في لقاء أخوي بهيج احتضنته قاعة نقابة المهندسين في مدينة الموصل دعا اليه الدكتور الطبيب ظافر احد افراد القافلة ، ليجسدوا بذلك معاني الأخوّة الصادقة التي تعمقت بينهم خلال أيامهم المباركة في مكة المكرمة. جاء هذا اللقاء تعبيرًا عن الامتنان لله على تمام النعمة، وفرصة لاسترجاع الذكريات الروحية التي عاشوها سويًا بين الحرم المكي والمشاعر المقدسة. لقد امتزجت الأحاديث بين الذكريات، واللحظات الإيمانية، والمواقف التي جمعتهم، في مشهدٍ يعكس عمق العلاقة التي نشأت بينهم خلال رحلة الحج. وقد ساد اللقاء جو من الألفة والمودة، حيث تبادل الحاضرون التهاني والدعوات، وشكروا الله تعالى على أن وفقهم لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. كما أثنوا على التنظيم والرعاية التي قدمها الحاج سعيد خليل، مشيدين بحكمته وحرصه على راحة الجميع طوال فترة الحج، مما ساهم في خلق بيئة أخوية متميزة يسودها التعاون والمحبة، وكذلك بجهود مرشد القافلة الشيخ ذاكر الله حسين عباوي، الذي كانت أحاديثه وخطبه توجيهًا صحيحًا للحجاج لأداء المناسك بالصورة المطلوبة. وكان صدره رحبًا للإجابة على كل سؤال، إضافة إلى أنه كان يعتبر نفسه الأخ الأصغر للجميع. لم يكن اللقاء مجرد مناسبة اجتماعية، بل كان استمرارًا لروح الجماعة التي تأسست هناك في مكة، وكأن تلك الأيام المباركة لا تزال تنبض في القلوب، وتبعث برسائل الإخلاص والصفاء بين الحضور. وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور البارز للشباب من الرجال والنساء الذين كانوا ضمن القافلة، فقد بذلوا جهدًا كبيرًا في خدمة الجميع، لا سيما كبار السن والمرضى، وكانت مواقفهم الإنسانية النبيلة محل تقدير وإعجاب من الجميع. ويخص كاتب هذه المقالة بالشكر والعرفان لكل إخوانه الحجاج على مواقفهم الطيبة التي لن تُنسى، والتي عكست المعدن الأصيل والمحبة الصادقة التي جمعت القلوب في تلك الرحلة الإيمانية. وفي ختام اللقاء، تم توثيق اللحظات بصور تذكارية، ودعا الحاضرون إلى تكرار مثل هذه اللقاءات التي تُعيد للأذهان تلك اللحظات العظيمة التي عاشوها في بيت الله الحرام، آملين أن يجمعهم الله دومًا على طاعته ومحبته.


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
الجبناء..
بين اليوم والبارحة.. وقعت في حينا واقعة.. ليس لوقعتها كاذبة.. سقطت الملائكة والآلهة.. بين اليوم والبارحة.. أقلعت الطائرة نحو الوجهة الخاطئة.. اختراق واغتراب.. اشتياق واختناق.. استياء وازدراء.. روى عنه أبو العتاهية.. كم من وقت هدرنا.. كم من فرصة ضيعنا.. كم من أموال طائلة هربنا.. على أمور تافهة صرفنا.. اخترق الفقر جيوبنا.. سكن الخوف قلوبنا.. واحتل الجبن بيوتنا.. أفاعي تحمل الفوانيس في يدها.. تنير الطريق هناك من يصدقها.. في بيتنا أشباه 'كوادر'.. تتحكم في قلب المصائر.. في النهار تدعي أنها تقاوم.. في الظلام علينا تساوم.. تعلن انتصارها فوق المنابر.. يد تسكت الحناجر.. وأخرى تشحذ الخناجر.. لصوص في الليل علينا كواسر.. وفي النهار تقصد الله في المعابد.. هي مسرحية فصحت عنها السرائر.. الخيرون فيها قلائل.. والشر أصله ذو سوابق.. سوف تحكي عنها مدن الدنيا والعواصم.. وتعصف بأوراقنا كل العواصف.. شرنا.. صمتنا.. جبننا.. غبننا.. ماركة مسجلة في قلب الدفاتر.. محفوظة في متن الخواطر.. نحن نكره ماضينا.. والحاضر علينا شاهد.. نحن نخشى صناعة الأحداث.. والتاريخ ناظر.. نفضل هدوء البطش.. على ضجيج الأحرار والحرائر.. نحن من اختار حياة الدجى ونهج منحى الأرانب.. لبسنا ثوب المذلة ونحن به غير راضون.. اخترنا الخنوع ونحن عليه مجبرون.. ما جدوى التذكير بنيل المنى والمطالب.. ما دام الأفق أسود جلي واضح.. والبحر أزرق، عمقه غادر.. الحق على الطريق زائغ.. والشيطان على العهد متمسك ثابت.. وجوه متجهمة، قلب جاحد حاقد.. والحسام على الرقاب قاطع.. صحيح أن حب الأوطان علينا واجب.. إلا أن الجرح في القلب غائر.. يومنا كغدنا لونه أسود غامق.. والنجمة الخضراء في بحرها الأحمر.. تصيح تبا يا 'فاسد'.. تستنجد بكل مواطن صالح.. في عهدنا، أصبح المجد صيغته 'عاقر'.. الحرب نصر.. والنصر حرب.. كلاهما خراب وهزائم.. كلاهما غباء وغرائم.. لا تلحي لا تحاولي 'يا نجاة' رجاء.. الحماسة في ذي الحالات لا تجدي نفعا.. لن أجادل.. لن أساوم.. لن أقاوم.. للتغيير لن أبادر.. ولشرفتي العلوية لن أغادر.. علمتني الحياة أن للتفاهة منحى ومغزى.. والعزة لمن اختار المغنى والملهى.. البقاء للأدهى وأنا فيها الأذكى.. أمام المخاطر أصبح عبقريا أعمق.. أغير لون جلدي.. كي لا أعرف.. أصبح أعمى.. لا أرى.. لا أسمع.. حفاظا على ماء وجهي.. أضع أعصابي.. كرامتي.. في أعماق البراد.. أنا أسجل انسحابي من كل المواقف.. من كل المواقع.. سواء طلب مني الأمر، أم لم يطلب.. أذوب كما يذوب السمن على سطح المواقد.. أتلاشى وأضمحل بإشارة واحدة.. تفاديا لإزعاج النسور.. أو تلطيخ ردائهم بدم الجروح.. أنا الجبان الذي يفضل الانسحاب والهروب.. لا أنكر الأمر عليكم.. ولا أبالي بحالات الشرود.. موقعي محفوظ.. موقفي مرغوب.. ما دام الإقدام والإحجام وجهان لعملة واحدة.. خذ منهما ما تشاء.. المقاومة ترعبني.. وتغيير الأحوال يزعجني.. يجعلني أتراجع آلاف الأميال.. أكره صوت الرصاص.. محب أنا للحياة.. لم تعد الأحوال ولا المواقف تخيفني.. كلاهما عندي سيان.. والله لفي بعض العناد دمار.. وكل قتال حرام.. بخيرها وشرها.. خذ نصيبك من الدنيا بلا جدال.. لا تقاوم الأسياد.. فالأقمار لعلوها لا تلام.. للحياة دواليب ودواعي.. لإرادته نحن مسلمون، مسالمون.. لأولي الأمر منا، نحن مطيعون.. بتقلبات الدهر نحن مؤمنون.. ما جدوى العناد، ونحن فيها مسيرون.. قل عني جبانا.. ليست لدي قيمة ولا مقاما.. هذا لن يغير في الأمر شيئا.. البقاء للأذكياء الأقوياء.. أما المتهور فمآله التراب.. من خاف نجا من نوائب الدنيا.. والحكمة هبة من السماء. من شدة أسفي وغبني.. قصدت مضطرة الثاني.. علي أجد في جعبته ما يشرح صدري.. لم أجده حاضرا.. بل وجدت دفتره الخصوصي.. معلقا على باب المدخل.. كتب في أول صفحاته: 'غدا سوف أنهض في الصباح الباكر.. سوف أمتطي صهوة الحصان.. وأقوم بما لم أقم به قبلا.. سوف أحكي حكاياتي.. بقيت معلقة في خاطري.. غدا سوف أكون حاسما في قراراتي.. ثائرا مثل سائر الثوار.. غدا سوف أنفض الغبار عن الديار.. وألمع قلاداتي وأزراري.. سوف أرتدي خوذتي وحذائي.. كي أشن الحرب على أعدائي.. وأعلن عصياني وامتعاضي من الأهل والأقارب.. غدا سوف أنزع غطاء التسويف عني.. أتصدى بالسيف ملائكة الأشرار..' ليتني لم أقف على عتبة داره.. ولم أتصفح دفتره الخصوصي.. ليتني لم أطلق العنان لفضولي الزائد.. ولم أطلع بما كان في داخله.. بكلمات فظة غليظة راح الثالث يقذفني.. يصيح بأعلى صوته كالمجنون.. كيف لي ألا أهاب الرعاع.. والنجم الساطع فوق ديارنا من شدة البكاء منهار؟.. كيف للظلال ألا أختار.. والشمس حارقة لا عطاء ولا غطاء.. نعم، أنا المولع المجنون، لكن القلب نابض مجروح.. أمتطي صهوة الحصان المكسور.. أقدم الشهادة بالأصبع المبتور.. أصيح والصوت ضعيف مبحوح.. هنا نكد، هناك عسكر.. هناك اغتراب وعلقم.. ما جدوى أن أقدم أو أتقدم.. وإبليس قرر عنا ألا يرحل.. ما جدوى التمجيد.. وزياد نادم على أمة بقيت لم ترحل.. وصلاح الدين على رحيله لم يندم.. دعني ويأسي وشأني.. فالأموات مهما صحت، لصوتك لن تسمع.. من خاف نجا يا صاح.. والهامش أنا لا أهواه.. بين الهجر والنسيان.. حياة لا تطاق.. ما تسمينه فخرا، أسميه تهورا يا نجاة؟.. ألم يكن من الأجدر ألا تخوضي في ذي المسار؟.. وألا تطرحي مثل هذا السؤال؟.. أن تنفذي ما تؤمرين به أو ما يقال؟.. هكذا ضيعت فرصة الانضمام.. وأفسدت عليك نعمة التقدير والاحترام.. زمن لا يقر بالعلم والعلماء.. أخلاق فاسدة نالت شهادة الأوسكار.. مناصب تمنح خلسة في الخفاء.. شواهد تباع وتشترى في الأسواق.. هكذا أضاعوا عنك المنى والمراد.. هكذا جعلوا من بطشهم طوق نجاة.. آه ثم آه يا جبان.. حالك يحدث بداخلي ضجة وإعصار.. حالك يا وطني يدمي له القلب والفؤاد.. آه من جبن الجبناء الأغبياء.. من فينا ينجو من قبضة الأقدار؟.. حديث تشمئز له النفس والوجدان.. لازمة يطلقها علينا الأنذال.. تغنى في المناسبات، قصد 'الاستغباء' و'الاستحمار'.. صحيح أن موت الحرائر في العمر مرة.. وموت الجبناء في اليوم مليون مرة.. ما جدوى الرفاهية، والحياة ذميمة.. ما جدوى أن تكون غنيا والبلاد 'زريبة'.. الجبن خوف.. والخوف عار.. كلاهما يجعل منك العبد الذليل.. الجبان جبان، حتى وإن وضعت بين يديه أسلحة ونار'..