
دراسة: طيور الحبارى الكبرى كانت عنصر أساسي في الطقوس الجنائزية بالمغرب قبل الميلاد
مدة القراءة: 5'
تواجه الحبارى الكبرى (Otis tarda) تهديدا عالميا بالانقراض، وهي تختلف وراثيا عن الحبارى الإيبيرية، وتعتبر نوعا متوطنا في المغرب منذ حوالي 14,700 سنة. وقد كشفت دراسة حديثة عن أدلة جديدة حول وجود هذه الطيور، متعلقة بأساليب الحياة آنذاك، وذلك من خلال حفريات تم اكتشافها في كهف تافوغالت بمنطقة بني سنوس (الجهة الشرقية). تؤكد هذه الاكتشافات ليس فقط وجود الحبارى الكبرى منذ أواخر العصر الجليدي (البليستوسين الأعلى)، بل أيضا استغلالها من قبل البشر لأغراض غذائية وطقوسية.
نشرت الدراسة في 18 مارس في المجلة الدولية لعلوم الطيور، مما يعزز أهمية الحبارى الكبرى في المغرب، وقد يساهم في دفع جهود الحفاظ عليها. وتشير التوقعات إلى إمكانية انقراضها بحلول عام 2026، إلا أن هذه الاكتشافات توفر أملا لزيادة الوعي بأهمية حمايتها. حاليًا، يوجد بين 72 و78 طائرًا من هذا النوع في المغرب، متركزين في منطقة طنجة والسهول الفيضية المجاورة، مما يجعلها آخر مجموعة متبقية في إفريقيا.
كشفت عمليات التنقيب في تافوغالت عن رؤى تاريخية وعلمية مهمة حول وجود هذا النوع. وضمن هذا الموقع، تم العثور على أكثر من 150 بقايا طيور تمثل ما لا يقل عن 14 نوعًا مختلفًا، والتي تم استردادها من إحدى المناطق المدروسة (القطاع 10) بين عامي 2005 و2022. وقد تم تحليل هذه البقايا حتى عام 2022، وهي تتألف في الغالب من اكتشافات فردية تم تسجيلها في الموقع خلال الحفريات.
تم تسليم الجزء الأول من هذه الاكتشافات من قبل المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الرباط لتحليلها في المملكة المتحدة، حيث تم إجراء مقارنات مباشرة مع مجموعات عظمية محفوظة في المتاحف، إلى جانب بيانات تكميلية تم الحصول عليها في النمسا.
معلومات غير مسبوقة عن استخدام البشر للحبارى الكبرى
تمت مقارنة بقايا الحبارى المكتشفة في كهف تافوغالت، المعروف بـ "كهف الحمام"، مباشرةً مع عينات عظمية من عدة أنواع من الحبارى:
تم تأريخ أربع عينات من هذه الاكتشافات بواسطة وحدة مسرّع التأريخ بالكربون المشع في أكسفورد، وذلك باستخدام عظام أفراد مميزين وبقايا وجدت في منطقتين جنائزيتين بشريتين منفصلتين.
تكشف دراسة تجمع العظام في موقع تافوغالت لأول مرة أن الحبارى الكبرى كانت تتكاثر في المنطقة منذ حوالي 14,700 سنة، أي على بعد حوالي 300 كيلومتر شرق نطاقها الحالي في المغرب. وتدعم الدراسة الفكرة القائلة بأن هذا النوع استوطن المغرب منذ آلاف السنين، حيث كان يفضل السهول المفتوحة والمناطق العشبية، وربما نجا في ملجأ جليدي جنوب غرب شبه الجزيرة الإيبيرية، مما يشير إلى أن نطاق توزيعه تحرك جنوبًا استجابةً للتغيرات البيئية، كما حدث للعديد من الطيور الأخرى في المنطقة البالياركتية.
يشير الباحثون إلى أن العدد الكبير من العظام ووجودها الحصري تقريبًا في المنطقة الجنائزية في الكهف يدل على أن الحبارى الكبرى كان لها أهمية ثقافية بين سكان تافوغالت، وليس فقط قيمة غذائية.
وصفوا وجود أجزاء كبيرة من هذه الطيور، التي تم تقطيعها بشكل ملحوظ وتركها في القبور والمناطق المحيطة بها، مما يشير إلى أنها كانت جزءًا من وليمة جنائزية. كما وجدوا عظمة القص الرئيسية المقطوعة موضوعة بالقرب من قدمي ورجلي رجل بالغ، مما يشير إلى مشاركة الأحياء للأطعمة القيمة مع الموتى.
لم تتأثر هذه الوضعية بأي دفن لاحق، مما يوضح أنها كانت تقديمًا متعمدًا لعرض غذائي غني بالبروتين داخل القبر، في حين أن عضد الطائر المكسور يظهر أنه تم استهلاكه أيضًا خلال الطقوس. وبهذا، يشير الباحثون إلى أنشطة صيد وتنظيم مرتبطة باستهلاك الحبارى الكبرى في هذه المناسبات في سياق طقوسي.
إعادة إحياء الجدل حول الحفاظ على الحبارى الكبرى
تؤكد الدراسة أن التدهور الحالي لأنواع الحبارى يرتبط بشكل وثيق بالأنشطة البشرية، مثل الصيد الجائر، مما يعرض 58% من 26 نوعًا من الحبارى لخطر الانقراض. وتذكر الدراسة أن الحبارى الكبرى مدرجة ضمن الأنواع المهددة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وهي على وشك الانقراض في المغرب.
منذ 150 عامًا، كانت حبارى كنبترية (Tetrax tetrax) أكثر انتشارًا في المغرب، لكنها الآن على وشك الاختفاء أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلالة المتوطنة من الحبارى العربية في شمال غرب إفريقيا انقرضت خلال القرن الماضي، بسبب الصيد المفرط، والاضطرابات البيئية، وتدمير الموائل الطبيعية، والذي تفاقم مؤخرًا بسبب تمدد البنية التحتية الكهربائية.
تشير الدراسة إلى أن الاكتشافات في تافوغالت تشكل دليلًا واضحًا على استغلال البشر للحبارى الكبرى منذ آلاف السنين، مما يوفر أقدم دليل على هذا النوع من الاستغلال.
أما فيما يتعلق بجهود الحفظ، فقد شدد الباحثون على أن إحدى استراتيجيات خطة العمل الوطنية دعت إلى تعزيز الوعي المجتمعي وتعميق الالتزام بالحفاظ على الأنواع، من خلال إبراز أهميتها الثقافية.
ويرى الباحثون أن التوعية والمشاركة على المستويين المحلي والوطني لعبتا دورًا حاسمًا في الحفاظ على مستعمرات تكاثر أنواع أخرى مهددة، مثل أبو منجل الأصلع الشمالي (Geronticus eremita) في المغرب. كما يأملون في أن تحظى الاكتشافات في كهف تافوغالت باهتمام واسع، مما يساعد في نشر المعرفة حول الحبارى الكبرى وتحفيز المواطنين لدعم جهود الحفاظ عليها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يا بلادي
منذ 5 أيام
- يا بلادي
مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ
كشف علماء الآثار عن مقابر قديمة وفنون صخرية وأحجار قائمة في شبه جزيرة طنجة، أقصى شمال غرب المغرب، تعود إلى الفترة الممتدة بين 3000 و500 قبل الميلاد. وتتضمن هذه الاكتشافات ثلاثة مقابر لم تكن موثقة من قبل، وحجرين قائمين، بالإضافة إلى ما وصفه الباحثون بأنه أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كيست" في شمال غرب إفريقيا. نُشرت هذه النتائج في 13 مايو ضمن مقالة صدرت عن Springer Nature ، من إعداد حمزة بن عطية (جامعة برشلونة)، وخورخي أونروبيا-بينتادو (جامعة كاستيا لا مانتشا)، ويوسف بوكبوت (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث). وقد جاءت هذه الاكتشافات ثمرة لمسوح ميدانية وحفريات واسعة، مسلطة الضوء على تقاليد جنائزية ومناظر طقوسية ما قبل التاريخ، ومبيّنة كيف شكّلت المنطقة خلال الفترة بين 3000 و500 قبل الميلاد «فسيفساء غنية من التقاليد الجنائزية والممارسات الطقوسية والمواقع الرمزية والفنون الصخرية والمعالم المغليثية الفريدة». تكشف المواقع الجنائزية الثلاثة — داروة زيدان، أولاد زين وواد كسيار — عن خصائص متمايزة لكل منها. يتكوّن موقع داروة زيدان من قبر واحد من نوع "كست"، بينما يضم موقع أولاد زين تلة جنائزية (تلة دفن) وثلاثة قبور على الأقل موزعة على هضبتين متجاورتين. أما موقع واد كسيار، فهو الأكبر، إذ يحتوي على تلّتين جنائزيّتين وثلاث (وربما أربع) مجموعات من القبور موزعة على خمس تلال تطل على نهر واد كسيار. ورغم الدلائل على تعرض بعض المواقع للنهب — كتحريك الألواح وإلحاق الضرر بالقبور — فإن العديد من القبور احتفظ بهيكلها الأصلي. وتشير السمات المعمارية، مثل الأشكال شبه المنحرفة وتراكم الحجارة الخارجية، إلى طابع ما قبل التاريخ المتأخر. وللحد من خطر النهب، ركز الباحثون أعمال الحفر في الموقع الأكثر خفاءً، وهو داروة زيدان. أول تأريخ بالكربون المشع لقبر "كست" في شمال غرب إفريقيا في داروة زيدان، عثر علماء الآثار على قبر شبه منحرف من نوع "كست"، مشيَّد من أربع ألواح حجرية رملية موضوعة عموديًا ولوح تغطية كبير. إلى الشرق من هذا البناء، عُثر على حفرة هلالية الشكل مليئة بالحجارة، يُحتمل أنها كانت تُستخدم كممر دخول. ورغم أن القبر نفسه كان خاليًا، إلا أن بقايا عظام بشرية متناثرة في محيطه دلّت على تعرضه للنهب. وقد تم تأريخ عظمة فخذ مستردة بالكربون المشع بين عامي 2119 و1890 قبل الميلاد، مما يرجح أن عملية الدفن تعود إلى العصر البرونزي المبكر. ويمثل هذا أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كست" في شمال غرب إفريقيا. كما أظهرت التحليلات النظيرية للعظمة أن النظام الغذائي لصاحبها كان يعتمد أساسًا على موارد أرضية، تشمل البروتينات الحيوانية ونباتات C3، مع اعتماد ضئيل على الأغذية البحرية. أحجار قائمة وأنشطة طقسية تضاف إلى هذه الأدلة اكتشاف حجرين قائمين حديثًا. الأول، يتجاوز طوله 2.5 متر، وُجد في ممر يربط بين سهل تهدرت وجبل موسى. أما الثاني، الأصغر والمكسور، فعُثر عليه على طريق داخلي بين تهدرت وتطوان، متفاديًا المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات. ويُرجّح أن هذه الأحجار كانت تُستخدم كنقاط مرجعية أو علامات طقسية، ضمن شبكة أوسع من المعالم المغليثية. وثّق الفريق أيضًا اثني عشر ملجأً صخريًا مزينًا برسوم محفورة. تضمنت هذه الرسوم أشكالًا هندسية مثل المربعات والنقاط والخطوط المتموجة، إلى جانب أشكال بشرية قد تمثل آلهة أو رموزًا إنسانية. واحتوى بعض هذه الملاجئ على «كؤوس» — وهي نقوش دائرية صغيرة غالبًا ما تأتي مرتبة في دوائر أو خطوط متوازية. ومن أبرز هذه الرسوم نقش يتألف من ثمانية مثلثات متقابلة ومكدسة عموديًا، يُعرف محليًا باسم «ثنائي المثلثات»، وقد سُجّل سابقًا في سياقات إيبيرية حيث يُفسَّر غالبًا كرمز أنثوي. كما تضمّن الفن الصخري نقوشًا أخرى من مربعات مملوءة بالنقاط والخطوط، وهي أنماط تذكر بالفن الصخري الموجود في الصحراء الكبرى، ما يعزز الصورة الشاملة لمنطقة غنية بالتعبير الرمزي والتقاليد الجنائزية.

يا بلادي
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- يا بلادي
المعرض الدولي للنشر والكتاب 2025: حسن بوسيتا يقدم قراءة جديدة للتاريخ والسياسة بين المغرب وبلجيكا
DR مدة القراءة: 8' يبدأ كتابك بتتبع التاريخ العريق لبلجيكا والمغرب، وصولا إلى الزمن المعاصر. كيف تعاملت مع توثيق هذه الفترات؟ انطلقت فكرة هذا العمل من تأثيرات متعددة، بدءا من عملي الأكاديمي حول الهجرة المغربية الذي بدأ قبل ثلاثة عقود، في عام 1994، والذي أثمر عن أطروحة دكتوراه تناولت الهجرات المغربية في سياقها المعاصر. بعدها انخرطت في الحياة الاجتماعية والسياسية، وساهمت في العديد من المبادرات المتعلقة بذاكرة الهجرة، أبرزها في عام 2004، عندما ترأست مبادرة "فضاء ذاكرة الهجرة" التي أحيت ذكرى توقيع اتفاقيات العمالة. في عام 2024، شاركت في إحياء الذكرى الستين لهذه الاتفاقيات، التي حملت أبعادا جديدة. بينما سمحت لنا ذكرى عام 2004 بإعادة قراءة التاريخ الاجتماعي لبلجيكا بعد الحرب، قادتنا ذكرى عام 2024 إلى استكشاف الجذور التاريخية للمجتمع المغربي، والتساؤل عن التفاعلات بين بلجيكا والمغرب عبر الزمن. من هنا نشأت فكرة هذا العمل. عند استعراض التاريخ، ندرك أن العلاقات بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل كانت الهجرة العمالية هي الجسر الذي فتح باب التواصل بين مجتمعين قد نعتقد خطأً أنهما لم يلتقيا قط. هذه الفكرة غير صحيحة تماما. فالمجتمعات تنتمي إلى فضاء جغرافي يعتبر ممرا أطلسيا، حيث تنقل الناس منذ العصور القديمة. في الواقع، أبدأ بتذكير بالاكتشافات الحديثة للبروفيسور بن نصر من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (INSAP) والبروفيسور هوبلين من معهد ماكس بلانك في لايبزيغ، اللذين وثقا وجود أقدم إنسان عاقل في المغرب منذ 300,000 عام. هذا الإنسان انتشر في جميع أنحاء العالم وأصبح الإنسان الذي نعرفه اليوم. هذا يوضح أن التواصل كان موجودا منذ الأزل. عملي لا يتبنى دور المؤرخ، بل يسعى إلى تقديم رؤية شاملة للتاريخ، مبرزا كيف كانت الذاكرة انتقائية، حيث احتفظنا ببعض الأحداث ونسينا أخرى. في أوروبا، نتذكر أن أسلافنا هم الغال، لكن لا أحد يذكر أن أسلافنا أفارقة وأن لدينا هوية أساسية كرجل أفريقي متنقل. إعادة وضع هذه العناصر التاريخية في منظورها الصحيح، التي تتبناها الذاكرة أحيانا وترفضها أحيانً أخرى، كان أمرا جوهريا بالنسبة لي. لدينا آثار للنوميديين والممالك الأمازيغية التي كانت جزءا من الجيوش الرومانية لحماية حدود الإمبراطورية الرومانية في مناطق بلجيكا وألمانيا الحالية. كانت التنقلات والاتصالات داخل هذه المساحات قديمة، لكنها لم تكن موضوع بناء ذاكرات. يتعلق الأمر بتوضيح، في 260 صفحة من هذا العمل، أن بلجيكا لديها تاريخ خارج حدودها وكذلك المغرب. يمكننا القيام بنفس التمرين بالنسبة للمغرب وفرنسا، لفرنسا وإسبانيا، لفرنسا والبرتغال، ولعلاقات أخرى. لدينا عدد لا يحصى من التفاعلات التي تم إنشاؤها ويمكننا رسم خريطة لهذه العلاقات. إنها في البداية لقاءات فردية، من علماء وفنانين، ثم لدينا التجار. العلاقات التجارية بين الضفتين هي على الأرجح الأكثر هيكلة تاريخيا، تليها لحظات المواجهة العسكرية. يجب القول إن بلجيكا والمغرب لم يواجهوا بعضهم البعض علنا أبدا، لأن بلجيكا دولة حديثة، ولكنهم كانوا أحيانا حلفاء في مواقف مثل الحملات الصليبية الإسبانية. ثم كانت هناك الهجرات الإنسانية في القرن العشرين. تتناول أيضا مسألة الاستقلالات والفترة ما قبل الاستعمار. هل كانت تلك فترة تحول في العلاقات بين الضفتين، كما تسميها في كتابك، في ضوء احتلال الجزائر من قبل فرنسا؟ أظن أن هذا الكتاب يراهن على المزج بين التاريخ الممتد واللحظات الزمنية القصيرة. يتوقف عند الزمن الطويل، حيث أخصص فصلا أولا مطولا عن عصور ما قبل التاريخ حتى عام 1830، الذي يمثل لحظة مفصلية مع تأسيس بلجيكا. قبل ذلك، كانت هذه المنطقة موجودة بأشكال وهويات متعددة. كنا تحت حكم النمسا، وتحت حكم إسبانيا، وتحت الهيمنة الفرنسية أو البورغندية. نلاحظ أن القرن التاسع عشر سيكون فترة تسارع شديد الأهمية. الدولة المغربية الأقدم، الإمبراطورية الشريفة، كانت مطمعا لأوروبا والتحدي لها هو الحفاظ على سيادتها وحمايتها. احتلال الجزائر من قبل فرنسا يضع المغرب، وكذلك تونس، أمام تحد كبير. فصل مهم في هذا الكتاب يوضح أنه منذ عام 1838، بدأت بلجيكا علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. سرعان ما ستنشأ مصالح بلجيكية في المغرب، خاصة من قبل ليوبولد الثاني، المعروف على المستوى الدولي بأنه من استعمر الكونغو، أولا بصفته الشخصية، ثم باسم الدولة البلجيكية. أصبح الكونغو البلجيكي ملكه في عام 1885، بعد مؤتمر برلين الذي نظم تقسيم الأراضي الأفريقية. لكن ليوبولد الثاني لم يكن ملكا لبلجيكا بعد، كان دوق برابانت وولي العهد، ولكنه كان بالفعل في المغرب. في عام 1862، قام بزيارته الأولى، قبل 25 عاما من مؤتمر برلين. كان يأتي بشكل منتظم جدا محاولا تطوير مشروع. كانت فكرته هي إنشاء مركز تجاري وتطوير وجود بلجيكي، كما حاول في مصر وفي مناطق أخرى من العالم، لكنه لم ينجح. ومع ذلك، اكتشف البلجيكيون أن ليوبولد الثاني معروف كمستعمر للكونغو، دون أن يضع قدمه هناك. في المقابل، قضى جزءًا كبيرًا من حياته محاولًا الحصول على شيء في المغرب، دون جدوى. من المفيد تذكير الناس بذلك في النقاش العام، لأن الذاكرة محته تماما. هذا التمرين لاستكشاف تاريخ المغرب وبلجيكا يظهر لنا بشكل خاص أن الدبلوماسية البلجيكية كانت منتشرة في المغرب في القرن التاسع عشر، حتى اللحظة التي تحول فيها مصير المملكة الشريفة تدريجيا نحو الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني، مع مؤتمر الجزيرة الخضراء، وأيضا ما يسمى بالاتفاق الودي بين المملكة المتحدة وفرنسا، الذي أعطى الأسبقية للمملكة المتحدة على مصر وللفرنسة على المغرب. لقد مررنا الآن بفترة 1830-1912، معاهدة فاس التي أنشأت الحماية. بلجيكا ستغير موقفها في المغرب، بعد أن اعتمدت، وفقا للظروف، على مساعدة ألمانيا أو المملكة المتحدة أو فرنسا. ما كان دائما قوتها الدبلوماسية الكبيرة، هو أنها لم تكن دولة مهددة للقوى الأوروبية الكبرى، مما مكنها من التعاون مع شركائها المختلفين. استثمر الدبلوماسيون البلجيكيون في طنجة، المنطقة الدولية، الدار البيضاء، الرباط، أكادير... عندما تسيطر فرنسا على المغرب، سيتعاون الصناعيون والدبلوماسيون البلجيكيون مع التنمية التي ينظمها الحماية. لم تعد بلجيكا تبحث عن مشروع مستقل، بل تندمج في الجهود الفرنسية، لا سيما عند اكتشاف مناجم الفحم في جرادة، أو رواسب المعادن في الريف، والشرق، وتويسيت. ستنشط مشاريع أخرى كبيرة في القطاع الزراعي، وصناعة السكر، بواسطة رواد الأعمال البلجيكيين. لكن يجب أن نعلم أنه في ذلك الوقت، كان البلجيكيون والفرنسيون يأملون بشكل خاص في استغلال النفط. اكتشفوا الموارد، الحديد، النحاس، الفحم، لكن أملهم الكبير لم يتحقق. نحاول تسليط الضوء على هذه الفترة بشهادات لا تزال ممكنة من فترة 1912-1956. ثم ننتقل إلى المغرب المستقل. لتناول الاستقلال، تبرز مواضيع التاريخ الأكثر حداثة، بمنظور سياسي. ثم تظهر شخصيات معاصرة من المجتمع المدني، والمؤسسات، والفاعلين الثنائيين في الحياة العامة وأصوات التعبير الثقافي المتنوعة. هل يعكس ذلك التغيير في العلاقات البلجيكية المغربية الذي يميز عن النظرة الاستعمارية لعصر مضى؟ بالتأكيد، السياق، الهجرات المغربية إلى بلجيكا ستفرض تغييرا في المنظور، لا سيما بعد توقيع اتفاقية عام 1964 التي تنظم وصول العمال. عندما نقرأ تاريخ العلاقات البلجيكية المغربية من الوثائق المنتجة في بلجيكا، نجد شيئا من نوع العلاقة المسيطرة-المسيطر عليها، رؤية استعمارية. كتاب إدموند بيكار هو خاص يعبر عن ذلك، حيث يروي مهمة بلجيكية في زيارة لدى السلطان الحسن الأول في مكناس. يعتبر العمل واحدا من الأعمال الرمزية للنظرة الغربية والبلجيكية في ذلك الوقت تجاه المغرب. إنها نظرة مهينة، متعالية. أشير أيضا إلى إدوارد سعيد، لتوضيح الطريقة التي بنى بها الغرب شرقا متخيلا، مع مسافة وشعور بالتفوق. ستعيد العلاقات في القرن العشرين التوازن للأمور ونحن دائما في إعادة توازن مستمر، والتي تظل معركة اليوم لإنتاج نظرة أكثر هدوءا بين الضفتين، وهذا العمل جزء من ذلك. نعود إلى عصرنا المعاصر. تظهر شخصيات جديدة في العلاقات البلجيكية المغربية، تتناول العلاقات الاقتصادية والقفزة الجديدة التي شهدتها بين المغرب وبلجيكا... في الفصل الأخير، نرى بوضوح ديناميكية جديدة، رهانات جديدة، احترافية، تزايد في المهارات من كلا الجانبين، نضج المشاريع، تقنية أكبر، حجم الاستثمارات. هذا التقدم لا يمكن أن يحدث إلا عندما ننظر إلى جميع المعارك التي كان يجب خوضها لفتح الأبواب، كما أوضح في الفصل الرابع. جيل سابق من النقابيين، الأشخاص الذين قاتلوا على الأرض الجمعوية لتطوير حقوق الجنسية، التشريعات المضادة للتمييز، حقوق العمال... كل هذه المجالات سمحت لأجيال جديدة بحمل المشاريع إلى أبعد من ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا إلا أن نلاحظ أنه نظرا لحجم الهجرة المغربية إلى بلجيكا، فإن العلاقات الاقتصادية البلجيكية المغربية لا تزال عند مستوى منخفض جدًا مقارنة بما ينبغي أن تكون عليه. ربما هذا ما سيحدث في الفصل السادس، إذا كان يجب أن يكون هناك واحد، بعد 20 عاما.


يا بلادي
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- يا بلادي
من "تافوغالت" إلى "تكركوري".. أسرار جينية تروي تاريخ البشرية في صحراء شمال إفريقيا
كشفت جينومات قديمة من فترة "الصحراء الخضراء" في شمال إفريقيا، والتي تعود إلى 7,000 عام، عن معلومات غير مسبوقة حول المنطقة. تتضمن هذه الدراسة بيانات تم تجميعها من موقعي تافوغالت في المغرب وتاكاركوري في ليبيا، حيث يُقدم هذا الأخير معلومات إضافية حول سلالة مرتبطة بصناعة الأدوات الحجرية الإيبيروموروسية، التي تتصل بشكل وثيق بالاكتشافات المغربية. ووفقا لدراسة نُشرت في مجلة Nature في 2 أبريل، تُعد هذه النتائج "خطوة أولى مهمة" نحو "دراسات جينية مستقبلية" قد توضح بشكل أدق الهجرات البشرية وتدفقات الجينات عبر الصحراء. تم الإشراف على الدراسة من قِبل فريق من الباحثين من ليبيا والمغرب وجنوب إفريقيا وعدة دول أوروبية، استنادا إلى بيانات جينومية قديمة من الصحراء الوسطى، والتي تم الحصول عليها من فردين أنثويين من العصر الحجري الحديث الرعوي، دُفنا في ملاذ صخري في تاكاركوري. وأشار الباحثون إلى أن "غالبية الأصول الوراثية للأفراد تأتي من سلالة جينية شمال إفريقية غير معروفة حتى الآن، والتي تفرعت عن السلالات الإفريقية جنوب الصحراء في نفس الفترة تقريبا التي تفرع فيها البشر الحاليون خارج إفريقيا وبقيت معزولة طوال معظم وجودها". ويشير الباحثون إلى أن الفردين من تاكاركوري مرتبطان بشكل وثيق بالأصول التي تم توثيقها لأول مرة لدى صيادين وجامعين يعودون إلى 15,000 عام في كهف تافوغالت. وعلى عكس هؤلاء، الذين لديهم نصف مزيج النياندرتال من غير الأفارقة، فإن تاكاركوري يظهر عشر مرات أقل من الأصول النياندرتالية مقارنة بالمزارعين الشاميين، ولكن بشكل ملحوظ أكثر من الجينومات الإفريقية جنوب الصحراء المعاصرة. ترى الدراسة أن الرعي "من خلال الانتشار الثقافي في سلالة شمال إفريقية عميقة متباينة ومعزولة، يُحتمل أنه انتشر في شمال إفريقيا في نهاية العصر الجليدي". وتؤكد هذه النتائج أيضا دراسات سابقة، حيث تكشف أولى بيانات الحمض النووي القديمة على مستوى الجينوم الشمال إفريقي النيوليتي عن "أصول مشتقة من مجموعة جينية 'مغاربية'، مرتبطة بأفراد أقدم بكثير" من العصر الحجري المتأخر في موقع تافوغالت. ومن خلال تسلسل جينوم في المغرب، أُتيحت الفرصة لفهم التنقلات بين آسيا وأوروبا والمغرب العربي في ظل تطور الثقافة الإنتاجية المحلية، بمساعدة عناصر من مواقع في الجزائر وتونس.