
استدعاء الذاكرة السياسيّة المغربيّة: الحسن الثاني والتحديّات الراهنة
* الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ (*)
في دراسة وتحليل هذا الموضوع الهام والراهن، ننطلق من سؤال منهجي تمهيدي تركيبي: هل الماضي مرآة كافية لفهم الحاضر؟ إلى أيّ حد يمكن لاستدعاء تجربة الحسن الثاني، بكل ما حفلت به من توترات ومواجهات مع أطراف إقليمية، أن يوفّر لنا عدّة تفسيرية لفهم تعقيدات اللحظة الراهنة؟ أم أنّ الحاضر، بما يعتريه من تحولات سريعة في طبيعة الدولة الوطنية والفاعلين الإقليميين، يتطلب مقاربات جديدة أكثر تحررا من الذاكرة الانتقائية؟ هذا السؤال الإشكالي المركزي هو ما يوجّه هذه الورقة البحثيّة، بوصفها مفتتحا لجدليّة الذاكرة والواقع، والتاريخ والراهن، وهو أفق لتحليل نقدي لتجربة مغربيّة في قلب التناقضات العربية.
إن استحضار تجربة الأب الروحي وملهم المغاربة، جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، في مواجهته لما يُعرف بـ«محور الممانعة والرافضة» ممثلاً في أنظمة الجزائر واليمن والسودان وسوريا؛ يفتح الباب أمام تساؤل عميق حول طبيعة هذا الصراع:
هل كان حقاً تجلياً لصراع بنيوي في النظام العربي؟ أم أنه، في جوهره، تعبير عن رهانات ظرفية فرضتها اعتبارات إيديولوجية وسياسية محدودة الأفق؟
وهل يمكن لقراءة نقدية لهذه التجربة أن تعيد مساءلة المفاهيم السائدة عن «الممانعة» و«التضامن» و«السيادة»، بما يسمح بتجاوز القراءة الانفعالية إلى مقاربة تركيبية ترى في الدولة الوطنية مشروعاً متجدداً وليس مجرد آلية دفاعية؟
إن مثل هذه الأسئلة لا تُطرح بدافع إعادة إنتاج الاصطفافات أو تصفية الحسابات الرمزية، بل استجابة لحاجة أكاديمية إلى مساءلة عميقة لما أنتجه الخطاب العربي من عنتريات خطابية لا تنسجم بالضرورة مع الوقائع التاريخية ولا مع متطلبات دولة وطنية معاصرة.
* أولاً: الدولة الوطنية المغربيّة بين جدلية التأطير الداخلي وحدود الفعل الإقليمي
تاريخ الدولة الوطنيّة المغربية، كما جسّده الحسن الثاني، يكشف عن نموذج جد معقد في إدارة وتدبير قضايا المجتمع وتأطيره داخلياً مقابل محدوديّة واضحة في التأثير على المحيط الإقليمي، خصوصاً في مواجهة ما عُرف حينها بمحور «الممانعة».
هنا تبرز إشكالية مركزيّة: إلى أي مدى يمكن تحميل الدولة الوطنية أعباء الصراع الإيديولوجي العربي من دون أن تتآكل قدرتها على إدارة التماسك الداخلي؟ وهل كان من المجدي للدولة المغربية الانخراط في مواجهات ذات طابع رمزي أكثر مما هي إستراتيجية؟
إن تجربة الحسن الثاني بهذا المعنى درس مزدوج: نجاح نسبي في تحييد المجتمع الداخلي عن تداعيات المحاور المتنازعة، لكنه أيضاً واجه كلفة سياسية وأمنية واجتماعية باهظة، ظلت ماثلة لعقود لاحقة.
أليس من المفيد إعادة قراءة هذه التجربة كنموذج للتوازن الحذر بين المحافظة على مشروع الدولة الوطنية في مواجهة الاستنزاف الإقليمي؟
* ثانياً: خطاب الممانعة بين الوهم والواقع: إستراتيجية مقاومة أم عنتريات خطابية؟
هنا يثور سؤال جذري: هل كان محور الممانعة، كما صُوّر، تجسيداً لممانعة حقيقية ضد الهيمنة الغربية وإسرائيل، أم كان في جوهره توظيفاً سياسياً للانقسام العربي بهدف إعادة إنتاج شرعيات محلية مأزومة؟
في هذا السياق العام يبدو خطاب الممانعة أشبه بتكرار لموروث العنتريات، حيث استُحضر بيت عمرو بن كلثوم:
«ملأنا البر حتى ضاق عنا، ونحن البحر نملؤه سفينا…».
إلا أن الواقع التاريخي أظهر أن هذه النزعة التصعيدية لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة، بل ربما ساهمت في تكريس الانقسامات واستدامة النزاعات.
هنا يحق التساؤل: أي وظيفة أدتها هذه النزعة في العلاقات العربية–العربية؟ وهل كان المغرب ضحية خطاب عاطفي شعاراتي لم يأخذ بعين الاعتبار مصالحه الوطنية وحدود قدراته الفعلية؟
* ثالثاً: قراءة سوسيو-فانونية: الدولة الوطنية أمام استعمار باطني جديد؟
في ضوء أطروحات فرانز فانون، يمكن تأويل التجربة المغربية كصراع مزدوج: ضد ضغوط استعمار رمزي خارجي وضد أنماط استعمار داخلي بيروقراطي محافظ.
هل نجحت الدولة الوطنية المغربية فعلاً في تجاوز طابعها الدفاعي لتصبح مشروعاً تحررياً يضمن حق مواطنيها في تقرير مصيرهم بحرية؟ أم أنها انزلقت، تحت وطأة التهديدات الإقليمية، إلى أولويات دفاعية عطّلت إمكانياتها الإبداعية؟
إن التوازن بين الداخل والخارج ظل هشاً دائماً. وهو ما يجعل من الضروري التفكير في مقاربة جديدة تحرر الدولة من الاستنزاف الرمزي والمادي على الجبهات الخارجية لصالح إعادة بناء مشروع اجتماعي داخلي أكثر عدلاً وحيوية.
* رابعاً: من الدفاع إلى الابتكار: هل آن أوان القطيعة مع النموذج التقليدي؟
هل يكفي المغرب أن يواصل استلهام مقاربة الحسن الثاني، القائمة على الصمود والدفاع والمناورة؟ أم أن تعقيدات اللحظة الراهنة، بصعود الفاعلين ما دون الدولة وتحول طبيعة النزاعات إلى حروب هجينة، تتطلب تجاوز منطق «رد الفعل» إلى منطق «ابتكار الفعل»؟
يمكن في هذا الصدد اقتراح ثلاثية جديدة:
1. إعادة تعريف الأمن القومي ليشمل الأبعاد الاجتماعية والثقافية والرقمية إلى جانب العسكرية.
2. إنتاج سردية وطنية جديدة قادرة على حشد المجتمع حول مشروع داخلي تحرري يضع الإنسان في صلب السياسات العامة.
3. الانخراط الإيجابي مع الفضاءين الإقليمي والدولي من موقع فاعل مبادر، لا تابع أو متلقٍّ.
لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل تسمح البنية الراهنة للدولة المغربية بمثل هذا التحول الجذري؟ أم أن منطق النظام الإقليمي والعالمي يعيد إنتاج نفس الشروط التي كبلت الدولة الوطنية منذ عقود؟
* خامساً: نحو مشروع تضامني أكثر نضجاً؟
يبقى سؤال الدولة الوطنية المغربية معلقاً بين خيارين: أن تبقى أسيرة لماضيها كحالة دفاعية محكومة بهاجس البقاء، أو أن تتجاوز نفسها لتصبح مشروعاً تحررياً فعلياً يعيد تعريف ذاته في مواجهة عالم لا يعترف إلا بالمبادرين.
هنا بالتحديد تظهر الحاجة إلى مقاربة نقدية مركبة، ترى في استحضار تجربة الحسن الثاني ليس فقط رمزاً لصمود الدولة، بل أيضاً مناسبة لمساءلة نقدية عن جدوى بعض الاختيارات، وكلفة الرهان على منطق الدفاع وحده، والفرص الضائعة لبناء تحالفات أكثر فاعلية.
* هوامش للتأمل:
• إلى أي مدى ما زالت الدولة الوطنية قادرة على ضبط المجال الاجتماعي والثقافي في مواجهة الضغوط العابرة للحدود؟
• هل الممانعة خطاب سياسي أم إستراتيجية تنموية متكاملة؟ وهل يمكن الجمع بينهما؟
• ما الذي يحتاجه المغرب ليتحول من «حالة دفاعية» إلى «حالة مبادرة» على المستويين الداخلي والخارجي؟
• كيف يمكن إعادة تعريف مفهوم «التحرر الوطني» في زمن أصبحت فيه الهيمنة ذات طابع رقمي ورمزي أكثر منه عسكري مباشر؟
• ألا تستدعي التجربة التاريخية إعادة التفكير في جدوى «القدرية السياسية» التي حكمت العلاقات العربية–العربية؟
* خلاصة تأملية:
إن استدعاء تجربة الحسن الثاني ومواجهة المغرب لمحور الممانعة ينبغي أن يتحول من مجرد استذكار عاطفي إلى لحظة تحليلية نقدية تتجاوز الانفعال الأخلاقي والاصطفافات المسبقة.
فالمواقف السياسيّة ليست انعكاساً لبنية ثابتة، بل حصيلة خيارات رهنتها سياقات عامة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة وجيوسياسيّة، قابلة دائماً لإعادة التأويل.
هكذا تظل الدولة الوطنيّة مشروعاً مفتوحاً، رهن بإرادة سياسيّة جديدة تجرؤ على أن تطرح سؤال المستقبل: أي مغرب نريد؟ دولة تكتفي بالصمود أم أمة تصنع المبادرة في ظل التحديات والتناقضات الدوليّة والإقليميّة؟
______
(*) – د. شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المُفكِّرُ والباحثُ المغربيُّ، المُتخصِّصُ في العلومِ القانونيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ، والناشِطُ في الرَّصْدِ والتحليلِ السياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ والثقافيِّ والبيئيِّ.
له عِدَّةُ مساهماتٍ فكريَّةٍ ومقالاتٍ تحليليَّةٍ تَرْصُدُ التَّحوُّلاتِ المجتمعيَّةِ وتُقَدِّمُ قراءاتٍ نقديَّةً للتَّحدياتِ الراهنةِ في المغربِ والعالمِ العربيِّ والإسلاميِّ.
أَثْرَى المكتبةَ المغربيَّةَ والعربيَّةَ بعددٍ من الدراساتِ العلميَّةِ والكُتُبِ التي تناولت قضايا الإدارةِ والفاعلينَ والسياساتِ العموميَّةِ من منظورٍ سوسيو-قانونيٍّ-أنثروبولوجيٍّ وتحليليٍّ أكاديميٍّ.
من أبرزِ إسهاماتهِ الفكريَّةِ:
- الإدارةُ المغربيَّةُ ومُتطلَّباتُ التنميةِ؛ دراسةٌ سوسيو قانونيَّةٌ وتحليليَّةٌ، منشوراتُ المجلةِ المغربيَّةِ للإدارةِ المحليَّةِ والتنميةِ، الرِّباط، العدد 19، سلسلة مؤلَّفاتٍ وأعمالٍ جامعيَّةٍ، سنة 2000.
- الفاعلونَ المحلِّيُّون والسياساتُ العموميَّةُ المحليَّةُ: دراسةٌ في القرارِ المحليِّ، منشوراتُ المطبعةِ الوطنيَّةِ، مراكش، سنة 2015.
- الفاعلونَ في السياساتِ العموميَّةِ الترابيَّةِ، منشوراتُ المجلةِ المغربيَّةِ للإدارةِ المحليَّةِ والتنميةِ، الرِّباط، العدد 130، سلسلة مؤلَّفاتٍ وأعمالٍ جامعيَّةٍ، سنة 2020.
يَجْمَعُ الدكتورُ شَنْفَار في مقاربتِهِ البحثيَّةِ بين العُمْقِ الأكاديميِّ والالتزامِ النقديِّ تجاهَ قضايا التنميةِ والحَكَامةِ والمشاركةِ المجتمعيَّةِ، مما يجعلُ أعمالَهُ مرجعًا مُهِمًّا للباحثينَ والمُهتمِّينَ بالشأنِ العامِّ.
إيطاليا تلغراف
التالي
الحقيقة المروّعة لـ'مشروع القانون الكبير الجميل' في أميركا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 7 ساعات
- خبر للأنباء
التجويع للتهجير
بات الهدف من وراء سياسة التجويع الإسرائيلية ضد أبناء غزة، بات واضحاً. التضييق عليهم بالجوع كي يخرجوا من ديارهم، ليُكتب بعد ذلك أن غزة كانت أرضاً بلا شعب، كما قالوا عن فلسطين. هم ليسوا متأكدين من نجاح الخطة، ولكنهم يحاولون. مهما كانت المعاناة فإن صمود أبناء غزة على أرضهم سيسقط تلك السياسة الخبيثة للتهجير القسري، والتطهير العرقي. الثمن باهظ جداً، والضغوط تزداد يوماً بعد آخر، لكن التهجير - لو تم - سيؤسس لنكبة جديدة، على طريق التغريبة الفلسطينية، لا سمح الله. جرب نتنياهو كل الوسائل القذرة من القتل والتهجير الداخلي والحصار والترهيب والترغيب وزراعة العملاء، وتسليح المرتزقة، وكما فشل في كل ذلك، سيفشل في سياسة التجويع. لم تعد غزة مجرد مدينة، ولكنها أصبحت رمزاً ملهماً لكل شعوب العالم.


الشروق
منذ 9 ساعات
- الشروق
عدوّ حبيبي مايكون طبيبي
أسرة الكتاني في المغرب الأقصى أسرة علمية ما يرتاب في ذلك مرتاب، ولكنهم ليسوا سواء في المواقف الوطنية، فمنهم الوطنيون الذين وقفوا مواقف الشرف في مواجهة العدو الفرنسي، ومنهم من ركنوا إلى الفرنسيين واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين. وحتى من الناحية الدينية منهم الإصلاحيون المصلحون، ومنهم من تاجروا بدين الله. رمز الكتانيين المنحرفين دينيا ووطنيا هو الشيخ عبد الحي الكتاني، الذي آتاه الله آيات فانسلخ منها، وضلّ عن علم فهلك عن بينة، ومعارضته للسلطان محمد الخامس لا يبرر ارتماءه في حضن فرنسا إلى درجة أنه كان ثالث ثلاثة في المؤامرة على خلع محمد الخامس عن عرشه في سنة 1953 إلى جانب الدمية ابن عرفة و'القرد البشري' التهامي الجلاوي.. وكانت فرنسا قد وضعته على رأس اتحاد زوايا المغرب العربي، فكان كثير التنقل بين أجزائه حتى سماه الإمام الإبراهيمي 'الهائم'. وقد كتب عنه مقالا كان آية مبنى ومعنى، وقد نشره في الجريدة المجاهدة 'البصائر' في 26/4/1948. (آثار الإمام الإبراهيمي ج 3 صص539-547). وقد قبض الله روحه في 1962، ودفن في فرنسا، فما بكت عليه السماء والأرض، لأنه آثر العاجلة ووذر الآجالة. وأما رمز الكتانيين لإصلاحيين الوطنيين فهو محمد إبراهيم الكتاني (1907-1990)، وقد كني لوطنيته 'أبو المزايا'. كان مثله الأعلى وأسوته المثلى هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي حتى أنه سماه: 'آية الله' وذلك في مقال نشره في جريدة العلم المغربية في بداية شهر أكتوبر من سنة 1953، وكان يقول: 'أنا كتّانيّ نسبا لا طريقة'. وكان يتردد على الجزائر، وله صور مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. والد محمد إبراهيم الكتاني اسمه أحمد، وهو من علماء القرويين، ولد حوالي 1874، وتوفاه الله في 1922، وقد ترك أعمالا علمية كثيرة بين رسالة وكتب. شاهد أحمد الكتاني احتلال في فرنسا لبلده المغرب في 1912، فدعا الله -عز وجل- أن لا يلاقيه بفرنسي، وأن لا يريه وجه فرنسي، وقد أبرّه الله وكرم وجهه فأسلم روحه ولم تقع عيناه على فرنسي مباشرة. في آخره عمره مسه الضر، واشتد عليه المرض، وأعيا داؤه الرقاة فاقترح عليه أن يؤتى بطبيب فرنسي، وألحوا عليه في ذلك فانتفض غاضبا وقال: 'عدو حبيبي مايكون طبيبي' فذهب قوله مثلا سائرا. وقد ذهب في تفسير كلامه مذهبان، أحدهما يقول إنه قصد بكلمة 'حبيبي' رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وثانيهما يذهب إلى أنه يقصد بكلمة 'حبيبي' بلده المغرب. والتعبير يحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما، رحم الله كل مسلم عدو لفرنسا الصليبية، وضاعف العذاب لكل خوّان أثيم.


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
هكذا يتم العمل على صهينة المملكة المغربية
كشف الناشط الحقوقي ورئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، عن ما وصفه بـ'الخطر المصيري' الذي يتهدد المغرب نتيجة اختراق صهيوني عميق، لم يعد يقتصر على العلاقات الرسمية، بل امتد إلى مستويات رمزية وثقافية وسياسية تهدد روح الدولة وهويتها الجامعة. ويحمان وفي منشور مطول على صفحته في فايسبوك، استند إلى واقعة أثارها مؤخرًا النائب البرلماني عبد الله بوانو داخل قبة مجلس النواب –برلمان المملكة المغربية-، حين طالب بحل لجنة الصداقة البرلمانية المغربية 'الإسرائيلية'، واصفًا إياها بـ'اللجنة الملعونة'. وقد دعم ويحمان هذا الوصف وذهب أبعد منه، معتبرًا أن اللجنة وُلدت من خارج أي شرعية سياسية أو أخلاقية، بل من 'خطيئة' تمثل، حسب قوله، خيانة واضحة لمواقف الشعب المغربي وتاريخه في دعم القضية الفلسطينية. ضابط مخابرات صهيوني يحرك المشهد الإعلامي المقال لم يقف عند حدود اللجنة، بل اعتبرها مجرد واجهة صغيرة لاختراق واسع وشامل لما سماه بـ'غابة الصهينة الناعمة'، مشيرًا إلى أن تحركات خفية تجري في خلفية المشهد، تتغلغل في الإعلام، والثقافة، والدين، والتاريخ، وتستهدف ما اسماه ' المغرب وسيادته الرمزية والمجتمعية'. ويحمان قدم مجموعة من الأمثلة التي اعتبرها دلائل واضحة على حجم الاختراق الصهيوني، وارتباط بعض الأسماء المغربية بمراكز صهيونية رسمية أو مؤسسات فكرية تتبع لمستشاري نتانياهو. ومن بين ما أورده، ما نسبه إلى الإعلامي أحمد الشرعي، الذي يشغل عضوية منظمة صهيونية يقودها ضابط استخبارات صهيوني، وكتب في أحد مقالاته 'كلنا إسرائيليون'، بينما يقود شبكة إعلامية وصفها المقال بـ'العصابة'، تتولى تقديم إسرائيل كقدوة ومهاجمة كل من يعارض التطبيع أو يدافع عن القضية الفلسطينية. هكذا يتواجد الرئيس الصهيوني في المملكة كما سلط ويحمان، الضوء على واقعة مشاركة يوسف أزهاري، رئيس فرع جمعية يرأسها الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ، في زيارة إلى تل أبيب، حيث أدلى بتصريح مثير اعتبره ويحمان 'جريمة رمزية'، حيث تم التطاول على رسول الله عليه الصلاة والسلام. الأخطر، بحسب المقال، أن أزهاري وزميله جاكي كادوش برّرا تصرفاتهما بأنها تمت بـ'علم ومباركة من الملك'، وهي عبارة وردت في أكثر من تصريح إعلامي. هذه التصريحات، وفق ويحمان، ليست مجرد زلات لسان، بل تدخل ضمن إستراتيجية أوسع قال بشأنها إنها تهدف 'لضرب المرجعية التاريخية والروحية للمؤسسة الملكية، وتشويه الأساس الشرعي للملكية. من بين الوقائع التي وصفها الكاتب بـ'الفتاوى الصهيونية'، ما صرّح به شخص يُدعى محمد أوحساين، قال علنًا إن الملك محمد السادس يهودي الأصل ولا علاقة له بآل البيت. ويقول ويحمان إن هذا النوع من الخطاب يُروّج في أوساط ضيقة في الرباط من قبل جهات مرتبطة بالمكتب الصهيوني، ويهدف إلى صهينة هوية الدولة. حذف أسماء شهداء فلسطينيين وتعويضها بأسماء جنود صهاينة كما انتقد بشدة الدعوة التي أطلقها عبد الله الفرياضي، من أجل حذف أسماء الشوارع التي تحمل أسماء قادة وطنيين وشهداء فلسطينيين، وتعويضها بأسماء شخصيات صهيونية، بينها مجندة في جيش الاحتلال. واعتبر أن هذه المحاولة تمثل استفزازًا للذاكرة الوطنية ونسفًا للوعي التاريخي المغربي، خاصة في ظل الجرائم المرتكبة في غزة. في ختام مقاله، أطلق أحمد ويحمان تحذيرًا شديد اللهجة، داعيًا إلى التحرك العاجل لحماية هوية المغرب وسيادته الرمزية، ومطالبًا بالكشف عن الجهات التي تقف خلف هذه التحركات وتحميها. وقال إن المعركة اليوم لم تعد سياسية فقط، بل وجودية، وإن استمرار الصمت قد يفضي إلى ما سماه بـ'الدولة الصهيو-مغربية'، وهو الكابوس الذي يجب كسره الآن، قبل فوات الأوان.