
آخرها اختراق "بايبت" الكارثي.. كيف تُسرق العملات المشفرة؟
ليس معنى أن الأبواب الحصينة أكثر أمانًا من الأبواب العادية؛ أنها غير قابلة للاقتحام. وليس معنى أن هناك خزائن مصفحة؛ أنها غير قابلة للسرقة، فلكل تقنية حديثة ثغرة صغيرة أو عدة ثغرات قد ترفع نسب مخاطرها الأمنية، وبالطبع تقنية البلوكتشين ليست استثناء. فبرغم أننا تناولنا في مقال سابق تقنية البلوكتشين أنها وسيط أساسي لوجود وتداول العملات المشفرة Crypto Currency، وخاصة عامل الأمان المرتفع فيها بل وكونه أحد أعمدة تقنية البلوكتشين؛ فإن عالم العملات المشفرة لم يخلو من النشاط الاحتيالي والإجرامي منذ نشأته، بل وكانت هناك سرقات مدوية سجلها تاريخ التكنولوجيا لحالات كانت الخسائر فيها فادحة.
آخرها و أكثرها شهرة اليوم، كان عندما أعلنت منصة Bybit ، إحدى أبرز منصات تداول الأصول الرقمية، عن تعرضها لاختراق إلكتروني واسع النطاق أسفر عن سرقة ما يُقدر بنحو 1.5 مليار دولار من عملة الإيثريوم تحديدًا في يوم 21 فبراير من العام الحالي. وبهذا الهجوم، تصبح هذه الواقعة أكبر عملية اختراق أمني مسجلة في تاريخ قطاع العملات المشفرة حتى الآن.
لكن إذا بدأ الأمر يختلط عليك وبدأت في التساؤل: هل العملات المشفرة وتقنية البلوكتشين آمنة تمامًا كما يشاع أم لا؟ هل هناك أمن سيبراني مطلق؟ سيجيب مقالنا على كل تساؤلاتك حول هذا الموضوع.
فبرغم أن العملات المشفرة (الكريبتو) في حقيقة أمرها تتمتع بطبقات قوية من الحماية بفضل تقنية البلوكتشين ومستويات التشفير القوية، لكنها ليست محصّنة تمامًا. كما ذكرنا أن السرقة ممكنة، بل حدثت مرارًا.
وبحسب بيانات موقع Chainalysis فقد سُرِق قرابة 2.2 مليار دولار من العملات المشفرة في عام 2024 وحدة، وبين أعوام 2015 إلى 2023 ارتفع عدد السرقات للكريبتو من 25 مليونًا فقط إلى 1.8 مليار دولار. وبحسب التقارير الأمنية التي رصدت ثغرات عالم العملات المشفرة، هذه أبرز الطرق التي يتم من خلالها سرقة العملات المشفرة.
عبر اختراق منصات التداول
تحتفظ المنصات، التي تسمح بتداول العملات المشفرة وأبرزها Binance وCoinbase، في بعض الأوقات بجزء من أموال المستخدمين في محافظ ساخنة - Hot Wallets متصلة بالإنترنت من أجل إبقاء حالات التداول Exchanges في حالة تأهب. ولكن إذا تمكن مخترقون من الوصول لبروتوكولات هذه المحافظ عبر ثغرات أمنية في بياناتها، يمكنهم آنذاك سحب العملات المشفرة من المحفظة الساخنة – أي المتصلة بالإنترنت- حتى ولو تمتعت المنصة ذاتها بحماية عالية، فالأمر هنا يشبه معرفة كلمة مرور جهازك أو هاتفك عبر تخمينها لأنها ليست حصينة بما يكفي.
وأبرز سرقة عبر تاريخ الكريبتو من خلال منصات التداول كانت اختراق منصة Mt.Gox عام 2014، حيث سُرق حوالي 850,000 بيتكوين بقيمة 460 مليون دولار آنذاك.
التصيد الاحتيالي.. الأكثر شيوعًا
في هذا النوع من الاحتيال الرقمي، المعروف في الأوساط التقنية بمصطلح Phishing، تُسرق العملات عبر خداع المستخدم نفسه للحصول على بياناته. قد يكون هذا عبر إرسال روابط مزيفة مثلًا توهِم المستخدم بأنه يدخل إلى محفظته الأصلية، مما يؤدي إلى سرقة بيانات الدخول أو مفتاح المرور الخاص - Private Key. وللأسف، تُعد هذه الطريقة واحدة من أكثر طرق الاحتيال الرقمي شيوعًا، خاصة مع المستخدم الذي يتعامل مع محفظة الكريبتو بصورة نشطة، سواءً كان ذلك للتداول أو الشراء.
كما أن خداع المستخدم ليوقِّع على مُعاملة خبيثة، واحدة أخرى من أبرز طرق التصيد الاحتيالي، والتي تتم عبر استخدام مواقع تداول أو محافظ هيكلية أو مزيفة يُنشئها المخترق لإيهام المستخدم بأصالتها ليضع فيها مفتاحه الخاص، فيتم سحب الأموال عبرها فورًا. كما أن اختراقات المحافظ الساخنة مباشرة أيضًا واحدة من أكثر وسائل سرقة العملات المشفرة شيوعًا، لأن المحافظ المتصلة بالإنترنت سواء كانت عبر الهواتف المحمولة أو الكمبيوتر أو مواقع الإنترنت؛ فإذا كان الجهاز نفسه مصاب بفيروس أو برمجية خبيثة، فمن السهل سرقة المفاتيح الخاصة Private Keys أو حتى بتسجيل نمط ضغطات لوحة المفاتيح ومن ثم تحليله لاستنتاج المفاتيح وهو ما يعرف في عالم الأمن السيبراني بمصطلح Keylogging.
ثغرات العقود الذكية وهجوم الشبكات
طريقة أخرى تتم من خلالها سرقة العملات المشفرة، من خلال منصات التمويل اللامركزي المعروفة بالـ DeFi. إذ تُنشأ عقود ذكية تدير الأموال وعمليات تداولها أو توزيعها على أنماط التمويل المختلفة، وبافتراض أن هذه العقود تحتوى على ثغرات برمجية وهذا وارد برغم عنصر الأمن عالي المعيار في العقود الذكية. فقد تُستغل هذه الثغرات لتحويل الأموال عبر إعطائها أوامر انتقال موجهة لمصلحة المخترق مباشرة، ومن ثم تتم عملية سرقة الأموال المخزنة على منصات التمويل.
ومن أبرز الأمثلة على الاحتيال عبر منصات التمويل اللامركزية كانت في عام 2021، عندما تعرضت منصة Poly Network لسرقة 600 مليون دولار من عملات الكريبتو عبر ثغرة في العقود الذكية.
أما الهجمات على الشبكات أو الاستيلاء على الشبكات هي طريقة أخرى – ربما أقل شيوعًا – للاحتيال على العملات المشفرة وسرقتها، وعادةً ما تحدث هذه الاستيلاءات في بعض شبكات البلوكتشين الصغيرة. فإذا تمكنت جهة بعينها متمثلة في المخترق أو الجهة التابعة له من السيطرة على نسبة أكثر من 50% من القدرة الحاسوبية للشبكة حتى ولو كانت هذه النسبة 51% – ولهذا يسمى هذا النوع هجوم الـ 51% - فقد يتمكن من تعديل المعاملات على الشبكة وإعادة توجيهها، أو حتى خداع الشبكة بإعادة إنفاق نفس العملة أكثر من مرة Double spending.
بين الخطأ البشري والخبائث الرقمية
الخطأ البشري أمر وارد الحدوث بشكل قد لا نتخيله، وربما تتدخل عناصر مثل: التشتت أو قلة الحذر أو حتى الجهل بطبيعة وأهمية التأمين الرقمي، في تسهيل الأمور على السارق بدرجة كبيرة. فمثلًا حفظ المفاتيح الخاصة بالعملات المشفرة بشكل مكشوف على Google Drive أو على أي تخزين سحابي غير مؤمّن، وربما في حالة تعجّل قد يقوم المستخدم بحفظ مفاتيحه الخاصة في ملاحظة Note على الهاتف المحمول، أو ما شابه.
وربما الثقة المستخدم المفرطة في مواقع أو مشاريع غير موثوق قد تكون هي الثغرة البشرية التي تتسبب في تسريب بياناته ومن ثم وقوعه في الأيادي الخاطئة. كما يمكن أن يكون الأمر خطأ مباشر غير مقصود من خلال إرسال الأموال مثلًا إلى عنوان خاطئ وهو أمر لا رجعة فيه، وقد يسوء الحظ إذا رفض المستقبل إرجاع المبالغ المحوّلة.
طريقة أخرى غير تقليدية يتدخل فيها الخطأ البشري – ربما ليس من الضحية مباشرة – وهي الطريقة الشهيرة في عالم الاحتيال حتى غير الكريبتو، وهي من خلال الاستيلاء على شريحة الهاتف المحمول SIM Swap ، إذ يقوم المخترق بالسيطرة على رقم هاتف المستخدم من خلال التواصل مع شركة الاتصالات المزودة للخدمة، ومن ثم يستخدم هذا الرقم في استعادة كلمات المرور على الهاتف المحمول والوصول لحسابات التداول والمحافظ.
أما الخبائث الرقمية أو البرمجيات الخبيثة الشهيرة بالـ Malware ليست ببعيدة عن عوالم سرقات العملات المشفرة، بل وتكاد تكون النمط التقليدي لمحاولات القرصنة في شكلها الأولي، وآلية عملها معروفة للكثيرين حتى البعيد عن عوالم الأمن السيبراني. ببساطة، هي برامج خبيثة متخصصة تصيب أجهزة الضحايا وعادة ما تكون مصممة لتبحث مباشرة عن عناوين المحافظ والمفاتيح الخاصة على الأجهزة المخترقة، عبر أنماط حفظ كلمات المرور أو غيرها، أو حتى قد تتمكن من استبدال العنوان أثناء النسخ واللصق Clipboard Hijacking.
أرقام بارزة في سرقات العملات المشفرة
بجوار اختراقات شهيرة ذكرناها مثل اختراق منصة Mt.Gox عام 2014 بقيمة حوالي 850,000 بيتكوين، وسرقة Poly Network عام 2021 بقيمة 600 مليون دولار؛ هناك أيضًا اختراق – أو بمعنى أدق انهيار – منصة FTX عام 2022 الذي جاء بعد إعلان إفلاس FTX. وقبل أيام من تصفيتها، حدث اختراق غامض لمحافظها الساخنة، وسُحب قرابة 477 مليون دولار من العملات المشفرة نقلت إلى محافظ مجهولة، وما زالت الشكوك تحوم حول تورط داخلي في هذه القضية المعقدة التي لا تزل مفتوحة حتى الآن.
اختراق آخر كان له صدى مدوّي في عالم سرقة العملات المشفرة، وتحديدًا عملة NEM الشائعة في عالم الكريبتو في دولة اليابان، ففي عام 2018 سرق ما يقرب من 530 مليون دولار من عملة NEM المشفرة من منصة Coincheck اليابانية وهي واحدة من أكبر السرقات على الإطلاق. استغل بعض المخترقون ضعف حماية المحافظ الساخنة في المنصة، وسحبوا مئات الملايين من الـ NEM؛ مما اضطر المنصة لاحقًا لدفع تعويضات جزئية للضحايا، وإن لم تغطي هذه التعويضات الخسائر الفادحة لمستخدمي Coincheck.
وعندما نتحدث عن اختراقات وسرقات العملات المشفرة؛ لا يمكننا أن نغفل عن كارثة سرقة Ronin Network عام 2022، التي تمت عبر جسر Axie Infinity – الجسر الرابط بين منصة تداول وشبكة البلوكتشين – الذي ربط بين شبكة Axie Infinity مع عملة إيثريوم. وفي هذه الحالة المعقدة من الاختراقات استطاع المخترقون في السيطرة على 5 من أصل 9 مفاتيح تشفير أساسية تسمى Validators، مما أعطاهم القدرة على سحب الأموال من الجسر الرابط مباشرة، وهو ما جاء مجموعه بقيمة 625 مليون دولار من عملات إيثيريوم ومن الدولارات الرقمية.
وعلى الرغم من أن المقال تناول الحالات الكارثية لسرقات العملات المشفرة، وهو ما قد يعطي الانطباع بأن عالم العملات الكريبتو هو عالم غير آمن، وأن التعامل بالعملات المشفرة قد تكون مخاطره كبيرة؛ فإن الحقيقة عكس ذلك. فعندما نرى الصعود المتسارع والكبير في العملات المشفرة اليوم، وسواء في الاقتصاد التقليدي وحتى في اقتصادات الدول، فلا يسعنا سوى التسليم بأهمية هذه التكنولوجيا التي وصلت إلى درجة شيوع كبيرة. شيوع دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الظهور في مؤتمر بيتكوين 2024 بمدينة ناشفيل في ولاية تينيسي، ليعِد بإنشاء مخزون وطني استراتيجي من عملة البيتكوين المشفرة.
كما أدرج مؤخرًا مجموعة من العملات المشفرة الأقل شيوعًا، مثل ريبل (XRP) وسولانا (SOL) على قائمة العملات التي ستدخل "الاحتياطي الوطني" للعملات المشفرة. فهل يُعدّ هذا الاهتمام غير التقليدي لرئيس واحدة من أكبر دول العالم وأكثرها نفوذًا خطوة خرقاء، أراد من خلالها أن يبدو "مواكبًا للتطور"؟ أم هو استقراء ذكي، بمعاونة حاشيته ومستشاريه، للمستقبل الذي قد يشهد طفرات في اعتماد الكريبتو ضمن الأنظمة المالية العالمية؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عرب هاردوير
منذ 6 دقائق
- عرب هاردوير
صفقة بين Telegram وxAI لجلب Grok للتطبيق: تعرّف إلى تفاصيل الصفقة!
أعلنت شركة Telegram عن شراكة جديدة مع xAI المملوكة لإيلون ماسك وذلك بهدف دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالأخيرة في تطبيق المراسلة الشهير وجلب مساعد الذكاء الاصطناعي Grok لأكثر من مليار مستخدم حول العالم ودمجه بشكل مباشر في التطبيق. عام واحد= 300 مليون دولار وأسهمًا في xAI ونصف عائدات الاشتراك بموجب الصفقة التي ستمتد لعام واحد، ستحصل Telegram على 300 مليون دولار نقدًا وأسهمًا من xAI، إضافة إلى نصف عائدات اشتراكات xAI التي يتم بيعها عبر منصة Telegram. المدير التنفيذي لـ Telegram، بافل دوروف، قال بخصوص هذه الصفقة: 'معًا، سنحقق الفوز'، في إشارة واضحة إلى رهانه على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوسيع مكانة تطبيق المراسلة، وذلك في وقت تتسابق فيه منصات التواصل الكبرى نحو دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها. على سبيل المثال، رأينا Meta تدمج الذكاء الاصطناعي الخاص بها "Meta AI" في تطبيقاتها المختلفة مثل Messenger، وWhatsApp، وInstagram، وغيرهم. ومع ذلك، لا يزال كثير من المحللين يرون أن دمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقات الدردشة لا يتماشى دومًا مع ما يبحث عنه المستخدمون الذين يلجؤون لهذه المنصات في الأصل للتواصل، لا لمحادثة الذكاء الاصطناعي أو لأي شيء آخر. الجدير بالذكر أن Telegram ظلت تحت المجهر في السنوات الأخيرة بسبب الانتقادات التي تطال سياساتها في الإشراف على المحتوى، حيث تعرض دوروف نفسه للاعتقال في فرنسا العام الماضي بعد اتهامات بتقصير المنصة في مواجهة أنشطة غير قانونية، لكن Telegram رفضت هذه الاتهامات وأكدت أنها تتعاون مع السلطات في مكافحة الجرائم الرقمية. في روايةٍ أخرى، يحاول ماسك الآن أن يجعل شركته xAI منافسًا مباشرًا لعمالقة الذكاء الاصطناعي، في وقت تواجه فيه شركاته الأساسية، مثل Tesla، ضغوطًا بسبب انخراطه في السياسة بشكلٍ رئيسي.


الاتحاد
منذ 2 ساعات
- الاتحاد
«النفوذ التكنولوجي»..كيف أفل أميركياً؟
«النفوذ التكنولوجي»..كيف أفل أميركياً؟ بالنسبة للمثقفين من نمط فكري معين، لا يوجد ما هو أكثر إثارة من لعبة اكتشاف القوة «الحقيقية» وراء السلطة. من يُحرّك الخيوط؟ أي مصالح طبقية يخدمها النظام؟ من هو «المتحكم الفعلي»؟ مثل هذه الأسئلة تُلهم نقاشات متعمقة، ونظريات مؤامرة. حتى الآن، كان الهدف المفضل في إدارة ترامب هو صناعة التكنولوجيا. يتحدث «إيان بريمر»، رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، عن «اللحظة التكنولوجية أحادية القطب» و«الاندماج المخيف بين قوة التكنولوجيا وقوة الدولة». ويأسف «ستيف بانون»، المستشار السابق لترامب، لتأثير «التكنولوجيين الإقطاعيين العالميين المصممين على تحويل الأميركيين إلى أقنان رقميين». أما الجلسة الافتتاحية لمؤتمر معهد أسبن إيطاليا حول مستقبل الرأسمالية، الذي عُقد في ميلانو في 16 مايو، فقد تناولت موضوع «رأسمالية التكنولوجيا: العصر الذهبي الجديد لأميركا». (التكنولوجيا الإقطاعية هو مصطلح يصف نظاماً اقتصادياً وسياسياً جديداً، حيث تتصرف شركات التكنولوجيا القوية، مثل جوجل وأمازون، مثل اللوردات الإقطاعيين، وتتحكم في الوصول إلى «الأرض الرقمية» (الحوسبة، والبيانات الضخمة، والمنصات) وتستخرج القيمة من المستخدمين، على غرار الطريقة التي استخرج بها اللوردات الإقطاعيون القيمة من الأقنان في العصور الوسطى. من السهل إدراك جاذبية هذه الحجة. تمارس صناعة التكنولوجيا الأميركية نفوذاً استثنائياً على الاقتصاد الأميركي: تُمثل الشركات السبعة الكبرى ما يقارب ثلث قيمة مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وقد ساهم رواد التكنولوجيا بسخاء في حملة إعادة انتخاب ترامب وحفل تنصيبه. حتى أن إيلون ماسك اكتسب لقب «الرئيس المشارك»، وهو يجول في المكتب البيضاوي. لكن كلما تعمقنا أكثر في تحليل «اللحظة التكنولوجية أحادية القطب»، كلما بدت أقرب إلى السراب. وربما أكثر ما يثير الدهشة في الصناعة التكنولوجية الأميركية، رغم هيمنتها الاقتصادية، هو افتقارها النسبي إلى النفوذ السياسي. يبدو أن ماسك لم يعد ضمن الدائرة المقربة لترامب رغم إنفاقه ما يقارب 300 مليون دولار لدعم إعادة انتخابه. كان بريقه السياسي قصيراً وغير مثمر. ولم تكن وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) سوى ضجيج بلا نتائج. أما وعده بخفض 2 تريليون دولار من الإنفاق الحكومي فقد تقلص إلى 150 مليار دولار، وربما يتقلص أكثر. وليس السبب في ذلك فقط أن المحاكم أبطلت حملة الإقالات التي شنّها ماسك، بل أيضاً لأن المشروع برمته كان سيء التخطيط: وكما اعترف «ماسك» نفسه، فإن الطريقة الوحيدة لتوفير مبالغ كبيرة هي عبر إصلاح نظام الاستحقاقات الاجتماعية – وهو أمر يتطلب سنوات من بناء التحالفات. وفشل «ماسك» أيضاً في إقناع ترامب بإلغاء التعريفات الجمركية. وحتى الآن، مغامرة «ماسك» السياسية الديمقراطية كلفته نحو ربع ثروته، بعد انهيار أسهم تسلا وتخلي جمهورها عنه. فلا عجب أن ماسك أعلن مؤخراً رغبته في التراجع والانسحاب، ما يعكس فشل قطاع التكنولوجيا بشكل أوسع في تحديد الأجندة الاقتصادية. إن اهتمام ترامب بالتعريفات يضر بطبيعة الحال بصناعة تعتمد على الإمداد العالمي. فكرت أمازون لفترة وجيزة في إدراج تكلفة الرسوم الجمركية ضمن تفاصيل الأسعار، قبل أن يتصل ترامب بالرئيس التنفيذي جيف بيزوس غاضباً. والأسوأ من الرسوم ذاتها هو تقلب ترامب المستمر في تعديلها، مما جعل من الصعب على الشركات التخطيط للمستقبل. كما أن سياساته المعادية للهجرة تعرقل قدرة الشركات على توظيف العمال المهرة الأجانب الذين تعتمد عليهم. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد مستورداً صافياً للمواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.أما حرب ترامب على الجامعات – والتي تشمل تجميد أو إلغاء المنح، وتغيير صيغ التمويل – فإنها تهدد النظام الابتكاري الأميركي المزدهر. وقد تتصاعد هذه الحرب. فميزانية ترامب المقترحة لعام 2026 تتضمن خفض تمويل المعاهد الوطنية للصحة بنسبة تقارب 40%، ومؤسسة العلوم الوطنية بنسبة 57%. كما أن مقترحاته لفرض ضرائب على عائدات الوقف الجامعي بنسبة 14% أو 21%، أو إلغاء الإعفاء الضريبي لها، من شأنها أن تعيق محاولات الجامعات سد فجوة التمويل. تدين رئاسة ترامب أكثر للشعبوية منها لقوة التكنولوجيا. صحيح أن الشعبويين من أنصار ترامب يصفقون لماسك عندما يتحدث عن إدخال أجزاء من الحكومة في «ماكينة الفرم»، لكنهم لم ينسوا أنه حتى وقت قريب، كان العديد من رموز التكنولوجيا ليبراليين اجتماعياً وتبرعوا بسخاء للديمقراطيين، كما أنهم نقلوا الوظائف الأميركية إلى الخارج. كانت صناعة التكنولوجيا تتوقع أن يؤدي انتخاب ترامب إلى تفكيك منظومة مكافحة الاحتكار التي أطلقها جو بايدن. لكن العكس هو ما حدث: لجنة التجارة الفيدرالية لا تزال تتابع قضيتها ضد ميتا بسبب شرائها إنستجرام وواتساب لقمع المنافسة الناشئة، ووزارة العدل مصممة على إجبار جوجل على بيع متصفح كروم. وقد تم رفع هاتين القضيتين خلال ولاية ترامب الأولى، واستمرت في عهد بايدن، مما يشير إلى توافق متزايد ضد هيمنة شركات التكنولوجيا. بقدر ما يمتلك ترامب سياسة اقتصادية، فإنه يركز على إعادة التصنيع إلى الداخل أكثر من دعم التكنولوجيا. يريد ترامب إعادة التصنيع لأنه يخدم العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين يعتقد أنهم جعلوا أميركا عظيمة، وأيضاً لأن أميركا تحتاج إلى تصنيع المزيد لمواجهة منافستها الصينية. عموماً، لم يفتح كبار التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا جيوبهم لترامب لأنهم يشاركونه رؤيته، بل لأنهم أدركوا أن «الديمقراطيين» يسيرون نحو الهزيمة بقيادة بايدن، وكانوا يخشون من أن ينقلب ترامب ضدهم. إذا كان لترامب قاعدة طبقية، وفقاً للمصطلحات الماركسية القديمة، فهي في الشركات العائلية أكثر من عمالقة التكنولوجيا في الساحل الغربي. بيئته الطبيعية هي بين رجال الأعمال الذين ورثوا شركاتهم، والذين يعملون في العقارات والصناعات الاستخراجية. لكن حتى ارتباط ترامب برجال الأعمال التقليديين محدود. فالأمر الأهم لفهم رئاسة ترامب هو أنه لا يمثل مصالح أي قوة اقتصادية، بل يمثل مصالحه الشخصية. والمثير للقلق بشأن رئاسته ليس أن هناك قوى اقتصادية مظلمة تسحب الخيوط من وراء الكواليس، بل إن رجل الأعمال الذي يسحب الخيوط (ويحصد الغنائم) هو ترامب نفسه. *كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية العالمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»


العين الإخبارية
منذ 2 ساعات
- العين الإخبارية
وزير الاقتصاد السوري: ننتظر استثمارات بقيمة 100 مليار دولار
شهدت قمة الإعلام العربي 2025 ضمن اليوم الختامي، والتي نظمها نادي دبي للصحافة على مدار ثلاثة أيام، جلسة حوارية رئيسية استضافت الدكتور محمد نضال الشعّار، وزير الاقتصاد والصناعة السوري. وفقا لوكالة أنباء الإمارات "وام" تحدث الوزير السوري حول آفاق المشهد الاقتصادي والصناعي في سوريا خلال الفترة المقبلة، في ضوء المستجدات السياسية والمتغيرات الراهنة وعلى رأسها رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا. وأكد الدكتور الشعّار أن سوريا تقف اليوم على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة، مشيراً إلى أن رفع العقوبات يمثل فرصة تاريخية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق العالمية، واستقطاب الاستثمارات الخارجية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مشاريع التنمية والبنية التحتية، كاشفاً عن تدفق استثمارات مرتقبة يتجاوز حجمها 100 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، في ظل بيئة استثمارية جديدة أكثر مرونة واستقراراً. وقال الشعّار خلال الجلسة 'نحن على أعتاب ولادة سوريا جديدة'، إنه مع زوال العقوبات أصبحت عملية جذب الاستثمارات أكثر يسراً، خاصة بعد إزالة الكثير من العوائق البيروقراطية وتهيئة بيئة قانونية حديثة. وأوضح الشعّار أن الوزارة وضعت خطة استراتيجية متعددة المحاور، ترتكز على تحفيز قطاعي الاقتصاد والصناعة وتشجيع ريادة الأعمال، وتحديث الإطار القانوني للاستثمار، بما يواكب التحولات الاقتصادية العالمية، ويرسّخ بيئة أعمال أكثر جاذبية واستقراراً. وشدّد على أهمية دور الإعلام في دعم المسار الاقتصادي لسوريا، من خلال نقل صورة واقعية عن التحديات والفرص، وتعزيز الثقة لدى المستثمرين، وفتح نوافذ جديدة للتواصل بين القطاعين العام والخاص. ووجه الوزير السوري الدعوة للدول العربية والصديقة إلى المشاركة في جهود تطوير المشهد الاقتصادي والصناعي والتنموي في سوريا، مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب تكاملا إقليميا حقيقيا يدفع بالبلاد نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. وأضاف "سوريا المقبلة ستكون دولة ذات تخطيط واضح، والشمال السوري سيعود إلى حضن الدولة. نحن لا نعيد إعمار سوريا القديمة، بل نبني سوريا مختلفة جذرياً، بتكلفة تقديرية تصل إلى 400 مليار دولار'. وأكد أن رفع العقوبات الأمريكية على سوريا يشكّل "بداية مسار جديد" لإعادة هيكلة العلاقات التجارية والمالية الخارجية، وتسهيل دخول الشركات العالمية، وفتح قنوات التحويل المالي، وترميم البيئة القانونية الجاذبة للاستثمار. وأشاد بالدعم الذي تقدمه دولة الإمارات لسوريا في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تتصدر الدول الصديقة في حجم الاستثمارات الراهنة والمستقبلية في سوريا، مؤكداً على الدور الريادي للإمارات في دعم جهود تطوير الاقتصاد، وتعزيز التنمية المستدامة في مختلف القطاعات السورية. وقال " نحرص على جذب المستثمرين وتجنيبهم الفوضى الاستثمارية التي شهدتها بعض المراحل، كما نعمل على تمكينهم من إدارة استثماراتهم بأقصى درجات المرونة والثقة". وأشار وزير الاقتصاد والصناعة السوري إلى أن الوزارة تعمل على تطوير المناطق الصناعية والحرة لتصبح مراكز جذب استثماري، ضمن رؤية تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لافتاً إلى أهمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي تعتبر من أهم ركائز الاقتصاد السوري، ومؤكدا أن الوزارة تسعى إلى استقطاب الشباب والطاقات والخبرات السورية، وتحسين مستوى معيشة المواطن السوري. وأوضح أن الخصخصة لا تعني التخلي عن دور الدولة، بل تمثل توجهاً نحو شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، تسهم في تطوير الاقتصاد السوري وتعزيز الثقة بالبيئة الاستثمارية. وفيما يتعلق بالعملة الوطنية، أشار الدكتور الشعّار إلى أن هناك دراسات فنية واقتصادية تجرى حالياً بالاستعانة بخبرات دولية حول إمكانية إعادة هيكلة العملة السورية أو طرح فئات نقدية جديدة، وذلك لمواجهة التضخم وتحقيق استقرار نقدي أكبر. وأضاف أن الحكومة تدرس أيضاً التحول نحو نظام رقمي جزئي في التعاملات المالية، بهدف الحد من التلاعب وتعزيز الشفافية. وكشف عن إطلاق خريطة استثمارية وطنية شاملة خاصة بالقطاع السياحي، مؤكداً أن السياحة ستكون أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد السوري، من خلال العمل مع خبراء ومتخصصين لإعادة صياغة مفهوم السياحة بما يتماشى مع الطابع الحضاري والثقافي لسورية، مشيراً إلى أن خريطة تطوير قطاع السياحة الجديدة قريباً. aXA6IDgyLjIyLjIzNi4xNDAg جزيرة ام اند امز PL