logo
قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر

قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر

العربي الجديد١٨-٠٥-٢٠٢٥

لا تُقطف أزهار النرجس في قرى
ريف
إدلب
بسورية
للزينة فقط، بل هي مصدر رزق موسمي يخفف شيئاً من وطأة الفقر رغم كل المخاطر التي يواجهها القاطفون، وغالبيتهم نساء وأطفال، ففي ظل تفشي البطالة، يجد كثيرون في قطف النرجس البري فرصة عمل بديلة حتى إذا كانت مؤقتة.
تخرج سعاد الحميدو (45 سنة) رفقة أطفالها الثلاثة مع أول خيوط
الشمس
، يحملون سلالاً فارغة على أمل ملئها بما يتيسر من زهور النرجس التي تنتشر في براري محيط بلدتهم معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، وتقول لـ"العربي الجديد: "لا نملك خيارات كثيرة، فلا مصادر دخل ولا فرص عمل، والغلاء هاجس يؤرق حياتنا. كل باقة نبيعها تساعدنا في شراء الخبز والخضار، فلم نعد نستطيع مجاراة الأسعار".
لجوء واغتراب
التحديثات الحية
انتشار الأفاعي والعقارب يهدد عودة الأهالي إلى قراهم جنوب إدلب
وليست المشقة البدنية وحدها ما يثقل كاهل جامعي النرجس، بل تحيط بهم مخاطر عدة، إذ تنتشر في الحقول ألغام ومخلفات حربية تهدد حياتهم في كل خطوة، وتوضح سعاد: "نعلم أن هناك ألغاماً في التلال التي جرى تحريرها حديثاً من عصابات الأسد التي كانت تحتلها، لكننا مضطرون للمخاطرة، فلا عمل آخر لدينا".
وتتكرر الحوادث بسبب لدغات الأفاعي والعقارب. تقول الطفلة نور البرغل (11 سنة) لـ"العربي الجديد" إن صديقتها تعرّضت للدغة عقرب أثناء قطف النرجس، ما كاد يودي بحياتها لولا أنه جرى إسعافها في الوقت المناسب. وتؤكد أن هذا الحادث يجعلها تخاف من قطف النرجس، لكنها تعود كل يوم، وإن بحذر.
تعيش نور مع أمها وإخوتها في قرية صغيرة قرب معرة النعمان منذ توفي والدها في قصف استهدف منطقتهم قبل سنوات، وهي تحلم بشراء حذاء جديد بالمال الذي تجنيه من قطف النرجس في الحقول التي تذهب إليها مع شقيقها، وتقضي ساعات طويلة في التنقل بين التلال الوعرة لجمع الزهور رغم البرودة والوهن، وتقول: "أريد فقط حذاءً دافئاً، وأن أساعد أمي قليلاً بعدما تعبت من محاولة الإنفاق علينا عبر العمل في الخياطة، لذا أبذل جهداً أكبر".
وإلى جانب لدغات الأفاعي والعقارب، يرهق سوء الأحوال الجوية القاطفين الذين قد يعملون وسط هطول أمطار غزيرة أو تحت شمس حارقة من دون ارتداء ملابس مناسبة أو التزود بمعدات وقاية، ما يؤدي إلى تكرار إصابتهم بنزلات برد وضربات شمس وتعرضهم لحوادث سقوط بسبب وعورة البراري.
زهور نرجس للبيع، 27 إبريل 2025 (العربي الجديد)
في العادة يبدأ موسم النرجس في فبراير/شباط ويستمر حتى نهاية مايو/أيار، وتتميّز زهرة النرجس بجمالها ورائحتها العطرة، ما يجعلها مطلوبة في الأسواق المحلية من الأهالي وتجار الزينة والزهور. وتباع باقات منها في الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة تتراوح بين 3000 و7000 ليرة (30 و60 سنتاً). ومع كثرة العرض وانخفاض الطلب أحياناً يُكافح القاطفون لتحقيق مردود مقبول بعد ساعات من العمل المضني.
من جهتها، لم تجد خديجة حيدر (38 سنة) التي فقدت زوجها خلال الحرب إلا فرصة العمل موسمياً في قطف النرجس لتأمين القوت لأطفالها الخمسة، وهي تحمل سلال النرجس صباحاً بعد قطفها طوال اليوم السابق، وتعبر الوديان سيراً على الأقدام لبيع الزهور في الأسواق القريبة من بلدة البردقلي حيث تقيم فيها. وتقول لـ"العربي الجديد": "الزهور جميلة لكنها لا تشبع البطون، ومع ذلك لا خيار لنا".
تتابع: "رغم قسوة العمل تذهب الأرباح غالباً إلى جيوب التجار الذين يشترون الزهور بأسعار زهيدة ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة بعد نقلها إلى المدن الكبيرة. وهذا ما دفعني لبيعها بنفسي في أسواق الدانا شمالي إدلب، فنحن كنا نبيع الباقة للتجار بألفي ليرة (15 سنتاً)، وهم يبيعونها بخمسة أضعاف السعر، أي أننا نتعب، وهم يربحون".
وتعتبر أن "غياب تنظيم السوق وتدني الوعي بحقوق العمالة الموسمية جعل النساء والأطفال فريسة سهلة لاستغلال السماسرة". وهي تصرّ، رغم المخاطر والأرباح الهزيلة، على التمسك بهذه الفرصة البسيطة لكسب لقمة العيش، وتناشد المعنيين دعم برامج تؤمن بدائل عمل أكثر أمناً للأطفال والنساء من قاطفي النرجس تحديداً من أجل تجنيبهم مخاطر الحقول الملوثة بالألغام، وتأمين مصادر دخل أكثر استقراراً لهم.
قضايا وناس
التحديثات الحية
مبادرات مجتمعية لتعزيز السلم الأهلي في اللاذقية
وعموماً تعكس حالة قاطفي النرجس واقع الكثير من الأسر السورية التي تعاني الفقر المدقع بسبب سنوات الحرب والنزوح وتدهور الاقتصاد وارتفاع تكلفة المعيشة. وتفيد إحصاءات الأمم المتحدة بأن نحو 13 مليون سوري، أي أكثر من 50% من السكان، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وأن ثلاثة ملايين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.
ويشير خبراء إلى أن الفجوة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية هي جوهر المشكلة في المشهد الاقتصادي السوري. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع، أي بأقل من 1.25 دولار يومياً. وما يزيد الأزمة في سورية نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص تقريباً داخلياً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فساد "بابارا" يهز تركيا: غسل أموال ومصادرات واعتقال 13 شخصاً
فساد "بابارا" يهز تركيا: غسل أموال ومصادرات واعتقال 13 شخصاً

العربي الجديد

timeمنذ 19 ساعات

  • العربي الجديد

فساد "بابارا" يهز تركيا: غسل أموال ومصادرات واعتقال 13 شخصاً

قال وزير الداخلية التركي علي يرليكايا اليوم الثلاثاء إن السلطات التركية اعتقلت 13 شخصاً في إطار تحقيق مع شركة بابارا للتكنولوجيا المالية بشأن الاشتباه في غسل أموال وتأسيس منظمة إجرامية. ولم تستجب شركة بابارا، إحدى أسرع شركات التكنولوجيا المالية نمواً في تركيا، فوراً لطلب التعليق الذي أُرسل عبر البريد الإلكتروني. وقال يرليكايا إن السلطات توصلت إلى أن الشركة، التي تقدم خدمات التحويلات المالية عبر الإنترنت ومعاملات الصرف الأجنبي ودفع الفواتير لمستخدميها البالغ عددهم 21 مليون مستخدم، كانت تسمح للمستخدمين بفتح حسابات لتحويل دخل المراهنات غير القانونية. وذكر تقرير لقناة تي آر تي هابر أن الاعتقالات شملت مؤسس ورئيس شركة بابارا، أحمد فاروق كارسلي. وقال يرليكايا إنه صودرت عشر شركات وحسابات مصرفية وأصول للمعتقلين في إطار التحقيق. وأضاف يرليكايا أن تقرير وحدة الجرائم المالية أظهر أن أكثر من 26 ألف حساب استُخدِمت للمراهنة غير القانونية عبر الإنترنت وأجرت معاملات بقيمة 12.9 مليار ليرة (330 مليون دولار). ولم يعلق البنك المركزي، الذي ينظم شركات المدفوعات، على التحقيق فوراً. مصادرة أصول بابارا وأعلن الوزير يرليكايا، في بيان على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه صودرت 10 شركات، بما في ذلك شركة "بابارا" (Papara A.Ş.)، وحسابات بنكية وأصول مشفرة تابعة للمشتبه فيهم، وست سفن بحرية، و74 مركبة، وثمانية مساكن. وأفادت التقارير بأن قيمة الأصول بلغت نحو 5 مليارات ليرة تركية. (1 دولار = 38.9646 ليرة) وفي التحقيق الذي بدأه مكتب المدعي العام الرئيسي في إسطنبول، يواجه المشتبه فيهم اتهامات بـ "المراهنة غير القانونية"، و"تأسيس منظمة بغرض ارتكاب جريمة والانتماء إلى المنظمة القائمة"، و"غسل الأصول الناتجة من الجريمة". وقال يرليكايا في بيانه: "لقد حُدِّد فتح حسابات بأسماء مواطنينا في أنظمة بابارا من أجل تمويل عائدات الجريمة لغرض "المراهنة غير القانونية" وتسهيل تحويل الأموال التي يُحصَل عليها من الجريمة". اقتصاد دولي التحديثات الحية مأزق التضخم في تركيا...بدائل حكومية لتحسين المعيشة والمعارضة تضغط تأسست الشركة في عام 2015، وفي العام التالي حصلت على ترخيص مؤسسة الأموال الإلكترونية من هيئة التنظيم BDDK، حسبما جاء على موقعها الإلكتروني. وتوسعت الشركة في الخارج من خلال شراء شركة SadaPay التي يقع مقرها في باكستان العام الماضي وشركة Rebellion Pay التي يقع مقرها في إسبانيا في عام 2023. وقال موقعها على الإنترنت إن لديها 21 مليون مستخدم اعتبارًا من العام الماضي. تملك شركة PPR Holding شركة بابارا، ويمتلك كارسلي الحصة المسيطرة فيها. وتشير الحسابات المستندة إلى بيانات السجل التجاري إلى أنه اعتبارًا من مايو/أيار من العام الماضي، كان يمتلك حوالى 90% من أسهم الشركة. (العربي الجديد، رويترز)

الداخلية السورية تتهم جمعية البستان الخيرية بالتورط في ارتكاب جرائم
الداخلية السورية تتهم جمعية البستان الخيرية بالتورط في ارتكاب جرائم

العربي الجديد

timeمنذ 4 أيام

  • العربي الجديد

الداخلية السورية تتهم جمعية البستان الخيرية بالتورط في ارتكاب جرائم

نشرت وزارة الداخلية السورية، اليوم السبت، تسجيلاً مصوراً يتضمن شهادات لعدد من الأشخاص المرتبطين بما يسمى "جمعية البستان"، التي كان يرأسها رامي مخلوف ، قريب رئيس النظام السابق بشار الأسد، يتضمن الكشف عن تحويل الجمعية "الخيرية" إلى واجهة لتمويل وتشكيل مليشيات مسلحة شاركت في ارتكاب جرائم واسعة. وأكد الأشخاص الذين ظهروا في الشريط المصور، وهم عناصر سابقون من مجموعات تابعة للجمعية، مشاركتهم في عمليات خطف وابتزاز واغتيال، وفي المعارك إلى جانب قوات النظام السابق في عدد من المحافظات. وقال أحد المتحدثين إن الجمعية كانت تتخذ من مقرها في دمشق قاعدة انطلاق لعملياتها؛ بعد أن وضعت يدها عليه وقامت بتسويره وتحصينه، مشيراً إلى أن الأوامر كانت تصدر من رامي مخلوف مباشرة، ومنه إلى المسؤول العسكري سامي درويش، ثم إلى القادة الميدانيين. وتحدث محفوظ محمد محفوظ، وهو قائد مجموعة من 400 عنصر تابعة للجمعية عن مشاركته في معارك في دمشق وريفها، مثل داريا والمعضمية ووادي بردى والحجر الأسود. فيما قال ربيع صلاح، وهو عنصر في مجموعة القائد العسكري للجمعية فراس سلطان، إن الجمعية كانت واجهة مدنية تخفي نشاطاً عسكرياً ممنهجاً، بقيادة سامر درويش وفراس سلطان. وأوضح أنهم شاركوا في جميع العمليات العسكرية في دمشق وريفها، وكانت مجموعته متخصصة بالخطف والابتزاز، مشيراً إلى أنه من لم يكن أهله يدفعون المال تتم تصفيته، وفي بعض الحالات جرت تصفية أشخاص دفع ذووهم الفدية، لكونهم تعرفوا على الخاطفين، ولم يعد مناسباً إطلاق سراحهم، وفق قوله. ومن بين الضحايا الذين تم ذكرهم، أحمد الطحان، صيدلاني من منطقة المزة، الذي قال في شهادته: "تم اختطافي يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 من قبل مجموعة مسلحة، واحتُجزت لمدة 43 يوماً في زنزانة منفردة، وتعرّضت للضرب والتجويع. طالبوا أهلي بفدية قدرها 20 مليون ليرة (نحو 2000 دولار)، ثم خفّضوها إلى 15 مليوناً، لكن عائلتي رفضت في البداية دفعها ظناً أنها قضية اعتقال لدى النظام المخلوع". كما اعترف ميسم يوسف، بمشاركته في عمليات خطف ونهب (تعفيش)، إضافة إلى مشاركته في معارك في عدة مناطق، من بينها حلب والحجر الأسود والمزة، مؤكداً تورطه في ارتكاب مجازر بحق المدنيين وقتل أربعة أشخاص في منطقة بساتين الرازي. وكانت جمعية البستان تعرف في عهد النظام السابق بوصفها جمعية خيرية، لكن الولايات المتحدة فرضت عقوبات عليها عام 2017، باعتبارها داعماً رئيسياً لقوات النظام السوري. أخبار التحديثات الحية سورية: محافظ السويداء يقدم استقالته للشرع بعد اقتحام مكتبه واحتجازه إعادة هيكلة وزارة الداخلية السورية من جهة أخرى، أعلنت وزارة الداخلية إعادة هيكلة تنظيمية شاملة تهدف إلى تأمين البلاد على المستوى الداخلي والحدودي، واستحداث إدارات جديدة. وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، في مؤتمر صحافي، اليوم، أن الوزارة عقدت الخميس الماضي جلسة تشاورية في مقرها، جمعت نخبة من الكفاءات السورية في المجالات القانونية والإدارية والشرطية، بينهم عدد من المنشقين عن النظام المخلوع، لمناقشة الشكل الجديد للهيكلية الإدارية. وأضاف البابا أنه خلال الجلسة، قدّمت الوزارة رؤيتها المقترحة للهيكلية الإدارية الجديدة، واستعرضت أبرز التحديثات مقارنة بالهياكل السابقة، مشيراً إلى أن النسخة الأخيرة المعدلة من الهيكلية والتي أعدّتها لجان مختصة، حصلت على الموافقة الرئاسية، تمهيداً لبدء تطبيقها بشكل تدريجي خلال الفترة المقبلة. وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية أنه تقرر في مجال الأمن الداخلي دمج جهازي الشرطة والأمن العام في جهاز واحد تحت مسمى قيادة الأمن الداخلي في المحافظة، ويرأسه قائد واحد يمثل وزير الداخلية في المحافظة، وتتبع له عدة مديريات في المناطق التي تشكل جغرافية المحافظة، وسيكون عدد قيادات الأمن متناسباً مع عدد المحافظات. وأضاف أنه في مجال الإدارة العامة للشؤون المدنية، سوف تعمل الوزارة على إعادة حوكمة الإجراءات، وأتمتة المعلومات، وتجهيز بطاقات شخصية بهوية بصرية جديدة. كما لفت البابا إلى أنه تم استحداث إدارات تخص تلقي الشكاوى ومتابعة الأخطاء ومحاسبة التجاوزات المسلكية، وسيكون هناك خمس دوائر مركزية للشكاوى تتبع لإدارة العلاقات العامة، إضافة الى تطبيق خاص بالشكوى سيتم إطلاقه قريباً. وأشار إلى تأسيس إدارة خاصة للسجون والإصلاحيات وكشف عن تغيير اسم الأمن الجنائي "لما له من ذكرى سلبية في ذاكرة السوريين إلى اسم إدارة المباحث الجنائية لما له من بعد مهني وأكاديمي" مبيناً أنه سيكون ملف مكافحة الجرائم الإلكترونية والابتزاز من ضمن اختصاصاتها. وختم بالقول إنه: "كان لدى أجهزة المخابرات وفروع النظام البائد ثمانية ملايين مطلوب أمني ونعمل على تسوية أوضاعهم وإعادة الحقوق إليهم".

قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر
قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر

العربي الجديد

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر

لا تُقطف أزهار النرجس في قرى ريف إدلب بسورية للزينة فقط، بل هي مصدر رزق موسمي يخفف شيئاً من وطأة الفقر رغم كل المخاطر التي يواجهها القاطفون، وغالبيتهم نساء وأطفال، ففي ظل تفشي البطالة، يجد كثيرون في قطف النرجس البري فرصة عمل بديلة حتى إذا كانت مؤقتة. تخرج سعاد الحميدو (45 سنة) رفقة أطفالها الثلاثة مع أول خيوط الشمس ، يحملون سلالاً فارغة على أمل ملئها بما يتيسر من زهور النرجس التي تنتشر في براري محيط بلدتهم معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، وتقول لـ"العربي الجديد: "لا نملك خيارات كثيرة، فلا مصادر دخل ولا فرص عمل، والغلاء هاجس يؤرق حياتنا. كل باقة نبيعها تساعدنا في شراء الخبز والخضار، فلم نعد نستطيع مجاراة الأسعار". لجوء واغتراب التحديثات الحية انتشار الأفاعي والعقارب يهدد عودة الأهالي إلى قراهم جنوب إدلب وليست المشقة البدنية وحدها ما يثقل كاهل جامعي النرجس، بل تحيط بهم مخاطر عدة، إذ تنتشر في الحقول ألغام ومخلفات حربية تهدد حياتهم في كل خطوة، وتوضح سعاد: "نعلم أن هناك ألغاماً في التلال التي جرى تحريرها حديثاً من عصابات الأسد التي كانت تحتلها، لكننا مضطرون للمخاطرة، فلا عمل آخر لدينا". وتتكرر الحوادث بسبب لدغات الأفاعي والعقارب. تقول الطفلة نور البرغل (11 سنة) لـ"العربي الجديد" إن صديقتها تعرّضت للدغة عقرب أثناء قطف النرجس، ما كاد يودي بحياتها لولا أنه جرى إسعافها في الوقت المناسب. وتؤكد أن هذا الحادث يجعلها تخاف من قطف النرجس، لكنها تعود كل يوم، وإن بحذر. تعيش نور مع أمها وإخوتها في قرية صغيرة قرب معرة النعمان منذ توفي والدها في قصف استهدف منطقتهم قبل سنوات، وهي تحلم بشراء حذاء جديد بالمال الذي تجنيه من قطف النرجس في الحقول التي تذهب إليها مع شقيقها، وتقضي ساعات طويلة في التنقل بين التلال الوعرة لجمع الزهور رغم البرودة والوهن، وتقول: "أريد فقط حذاءً دافئاً، وأن أساعد أمي قليلاً بعدما تعبت من محاولة الإنفاق علينا عبر العمل في الخياطة، لذا أبذل جهداً أكبر". وإلى جانب لدغات الأفاعي والعقارب، يرهق سوء الأحوال الجوية القاطفين الذين قد يعملون وسط هطول أمطار غزيرة أو تحت شمس حارقة من دون ارتداء ملابس مناسبة أو التزود بمعدات وقاية، ما يؤدي إلى تكرار إصابتهم بنزلات برد وضربات شمس وتعرضهم لحوادث سقوط بسبب وعورة البراري. زهور نرجس للبيع، 27 إبريل 2025 (العربي الجديد) في العادة يبدأ موسم النرجس في فبراير/شباط ويستمر حتى نهاية مايو/أيار، وتتميّز زهرة النرجس بجمالها ورائحتها العطرة، ما يجعلها مطلوبة في الأسواق المحلية من الأهالي وتجار الزينة والزهور. وتباع باقات منها في الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة تتراوح بين 3000 و7000 ليرة (30 و60 سنتاً). ومع كثرة العرض وانخفاض الطلب أحياناً يُكافح القاطفون لتحقيق مردود مقبول بعد ساعات من العمل المضني. من جهتها، لم تجد خديجة حيدر (38 سنة) التي فقدت زوجها خلال الحرب إلا فرصة العمل موسمياً في قطف النرجس لتأمين القوت لأطفالها الخمسة، وهي تحمل سلال النرجس صباحاً بعد قطفها طوال اليوم السابق، وتعبر الوديان سيراً على الأقدام لبيع الزهور في الأسواق القريبة من بلدة البردقلي حيث تقيم فيها. وتقول لـ"العربي الجديد": "الزهور جميلة لكنها لا تشبع البطون، ومع ذلك لا خيار لنا". تتابع: "رغم قسوة العمل تذهب الأرباح غالباً إلى جيوب التجار الذين يشترون الزهور بأسعار زهيدة ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة بعد نقلها إلى المدن الكبيرة. وهذا ما دفعني لبيعها بنفسي في أسواق الدانا شمالي إدلب، فنحن كنا نبيع الباقة للتجار بألفي ليرة (15 سنتاً)، وهم يبيعونها بخمسة أضعاف السعر، أي أننا نتعب، وهم يربحون". وتعتبر أن "غياب تنظيم السوق وتدني الوعي بحقوق العمالة الموسمية جعل النساء والأطفال فريسة سهلة لاستغلال السماسرة". وهي تصرّ، رغم المخاطر والأرباح الهزيلة، على التمسك بهذه الفرصة البسيطة لكسب لقمة العيش، وتناشد المعنيين دعم برامج تؤمن بدائل عمل أكثر أمناً للأطفال والنساء من قاطفي النرجس تحديداً من أجل تجنيبهم مخاطر الحقول الملوثة بالألغام، وتأمين مصادر دخل أكثر استقراراً لهم. قضايا وناس التحديثات الحية مبادرات مجتمعية لتعزيز السلم الأهلي في اللاذقية وعموماً تعكس حالة قاطفي النرجس واقع الكثير من الأسر السورية التي تعاني الفقر المدقع بسبب سنوات الحرب والنزوح وتدهور الاقتصاد وارتفاع تكلفة المعيشة. وتفيد إحصاءات الأمم المتحدة بأن نحو 13 مليون سوري، أي أكثر من 50% من السكان، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وأن ثلاثة ملايين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع. ويشير خبراء إلى أن الفجوة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية هي جوهر المشكلة في المشهد الاقتصادي السوري. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع، أي بأقل من 1.25 دولار يومياً. وما يزيد الأزمة في سورية نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص تقريباً داخلياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store